••روى ابن شهر آشوب بإسناده عن محمد بن سليمان: إن ناصبياً شامياً كان يختلف إلى مجلس أبي جعفر (عليه السلام) ويقول له: طاعة الله في بغضكم، ولكني أراك رجلاً فصيحاً، فكان أبو جعفر يقول: لن تخفى على الله خافية، فمرض الشامي فلما ثقل قال لوليه: إذا أنت مددت علي الثوب فائت محمد بن علي وسله أن يصلي علي، قال: فلما أن كان في بعض الليل ظنوا أنه برد وسجوه، فلما أن أصبح الناس خرج وليه إلى أبي جعفر وحكى له ذلك فقال أبو جعفر: كلا إن بلاد الشام صرد، والحجاز بلاد حر، ولحمها شديد فانطلق فلا تعجلن على صاحبكم حتى أتيكم. قال: ثم قام من مجلسه فجدد وضوءاً، ثم عاد فصلى ركعتين، ثم مد يده تلقاء وجهه ما شاء الله ثم خر ساجداً حتى طلعت الشمس، ثم نهض فانتهى إلى مجلس الشامي فدخل عليه فدعاه فأجابه، ثم أجلسه واسنده فدعا له بسويق فسقاه وقال: املأوا جوفه، وبردوا صدره بالطعام البارد، ثم انصرف وتبعه الشامي فقال: أشهد أنك حجة الله على خلقه، قال: وما بدا لك؟ قال: أشهد أني عمدت بروحي وعاينت بعيني فلم يتفاجأني إلا ومناد ينادي: ردوا إليه روحه فقد كنا سألنا ذلك محمد بن علي، فقال أبو جعفر: أما علمت أن الله يحب العبد ويبغض عمله، ويبغض العبد ويحب عمله، قال: فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر(1).
••وقال: قال له نصراني: أنت بقر، قال: أنا باقر، قال: أنت ابن الطباخة قال: ذاك حرفتها، قال: أنت ابن السود الزنجية، قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك، قال: فأسلم النصراني(2).
كرم الإمام الباقر (عليه السلام)
•• قال الأسود بن كثير: شكوت إلى محمد بن علي الحاجة وجفاء الإخوان، فقال: بئس الأخ أخ يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً، ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمائة درهم فقال: استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني، وعن أبي جعفر. قال: أعرف المودة لك في قلب أخيك بما له في قلبك(3).
•• قال ابن الصباغ المالكي: وكان محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام مع ما هو عليه من العلم والفضل والسؤدد والرياسة والإمامة، ظاهر الجود في الخاصة والعامة، مشهور الكرم في الكافة، معروفاً بالفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله، وحكت سلمى مولاة أبي جعفر (عليه السلام) أنه كان يدخل عليه بعض إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم الثياب الحسنة في بعض الأحيان ويهب لهم الدراهم فكنت أقول له في ذلك فيقول: يا سلمى ما حسنة الدنيا الآصلة الإخوان والمعارف، وكان يصل بالخمسمائة درهم بالستمائة، وبالألف درهم(4).
كرامات محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)
•• قال: أبو بصير: قلت يوماً للباقر: أنت مورثة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: نعم، قلت: ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وارث الأنبياء جميعهم؟ قال: وارث جميع علومهم. قلت: وأنتم ورثتم جميع علوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: نعم: قلت: فأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى، وتبرئوا الأكمة والأبرص وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؟ قال: نعم نفعل ذلك بإذن الله تعالى، ثم قال: ادن مني يا أبا بصير ـ وكان أبو بصير مكفوف النظر ـ قال: فدنوت منه فمسح بيده على وجهي، فأبصرت السماء والجبل والأرض، فقال: أتحب أن تكون هكذا تبصر، وحسابك على الله؟ أو أن تكون كما كنت ولك الجنة؟ قلت: الجنة، فمسح بيده على وجهه فعدت كما كنت(5).
•• وقال أبو بصير: دخلت المسجد مع أبي جعفر (عليه السلام) والناس يدخلون ويخرجون، فقال لي: سل الناس هل يرونني؟ وكل من لقيت سألت منه: هل رأيت أبا جعفر؟ يقول: لا، وهو واقف حتى دخل أبو هارون المكفوف قال: سل هذا، فقلت له: هل رأيت أبا جعفر؟ فقال: أليس هو قائم معك(6).
________________________________________________
المصادر
1 ـ المناقب ج4ص186.