|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 248
|
الإنتساب : Aug 2006
|
المشاركات : 272
|
بمعدل : 0.04 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
العولمة والعالمية : الخطاب والخطاب (المهدوي) الاصيل
بتاريخ : 30-10-2007 الساعة : 05:03 PM
العولمة والعالمية : الخطاب والخطاب (المهدوي) الاصيل
منذ فترة غير قصيرة يتدفق علينا من كل حدب وصوب، خطاب متنوع المستويات عن العولمة تسيطر عليه عبارات وأوصاف ومصطلحات متباينة مثل: ثورة المعلوماتية الكونية، ثورة الاتصالات والمواصلات الفائقة السرعة، اوتوستراد المعلوماتية، العالم قرية صغيرة، الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات، اقتصاد السوق الحرة.... الخ، وقد تم التنظير لها في أدبيات الثقافة المعاصرة بأسلوب لا يخلو من الشعور بالانبهار والامتنان، نقرأ على سبيل المثال هذا الخطاب: ان العولمة مقولة راهنة من مقولات ما بعد الصناعة وما بعد الحداثة، ارتبطت بانفجار الاتصال على نحو ضاقت معه الأمكنة وتقلصت المسافات إلى الحد الذي جعل الأرض قرية صغيرة تسبح في هذا العالم الرقمي الذي يتشكل من الفضاء السبراني ومن هنا ما يسمونه بالاقتصاد الناعم ونقل المعطيات شبه المادية التي هي علامات وإشارات مسجلة على ألواح الكترونية، انه عالم افتراضي أثيري لا يتألف من أشياء عينية ولا من مفاهيم ذهنية، بل يتركب من وحدات لا لون لها ولا وزن ولا حجم هي عبارة عن فيض متواصل من العمليات عبر الشبكات والقنوات، الكائنات الرقمية تحل فيها محل الأشياء المصنوعة بعد ان حلت هذه الأخيرة محل الأشياء الطبيعية.
يغلب على هذا الخطاب الإغراق في تمجيد الظاهرة المعلوماتية إلى حد التغزل بها.. ولكن هذا هو أحد وجهي العملة، أما الوجه الآخر منها في الخطاب ذاته فيركز على الاقتصاد، فلنقرأ مجدداً: العولمة في مظهرها الأساسي تكتل اقتصادي للقوى العظمى للاستثمار بثروات العالم، بمواده الأولية وأسواقه، حيث تتسارع فيها حركة التبادل التجاري ويتضخم حجمها بأرقام فلكية على مستوى العالم كله، العولمة تعني توحيد الاستهلاك وخلق عادات استهلاكية على نطاق عالمي، وهي إمبراطورية الرأسمال النقدي المستقل عن الرأسمال الصناعي والبضاعي، العولمة هي رسملة العالم على مستوى العمق بعد أن كانت رسملته على مستوى السطح، وهي شمولية التبادل والتوزيع والسوق على صعيد مجتمعات الكرة الأرضية كلها... الخ
هذا هو الخطاب الذي درجنا على قراءته وتكراره ومراجعته حتى أصبح جل مثقفينا يلوكونه بين لهواتهم كما يلوكون العلكة المستوردة، غافلين عن كونه خطاباً مصطنعاً زائفاً لا واقع له سوى الترويج لثقافة الغرب وأفكاره ورؤاه ومشاريعه الجهنمية في التوسع والهيمنة، خطاب نلمح في أطرافه ونقرأ فيما بين سطوره إقصاء الآخر وشطب شخصيته وتسخيف حضارته.
ولكن دعونا لا ننساق وراء خطاب يفسره البعض بانه انعكاس لا شعوري للانقهار والانخذال الحضاري للعرب والمسلمين اتجاه التفوق والرقي الذي تشهده الحضارة الغربية، ودعونا إذاً نبحث عن خطاب يمكن أن يكون ممثلاً للخطاب الإسلامي يقف نداً لهذا الخطاب العولمي، ولكن أين عسانا يا ترى نجد في تراث الإسلام العتيد ما يكون منطلقاً لخطابنا المنشود هذا؟ هذا هو التساؤل الذي تكون محاولة الإجابة عنه نقطة حاسمة في تشكيل وصياغة خطابنا المضاد، ولا يعني بالضرورة أن يكون خطابنا انعكاساً لخطاب الآخر بل أصالته هي منشأ مضادته للآخر المزيف. ونحن إذ نطرح هذه الإشكالية لا نطرحها بدافع ردة الفعل الحاسمة الغير مدروسة فنكون منذ الوهلة الأولى حاكمين على أنفسنا بعدم الندية للآخر، إذ الآخر ينطلق من مفردات واقعية وثمار علمية في صياغة خطابه، فهل نحن قادرون أن نستند إلى قاعدة راسخة في مقابلته؟ هل نحن واثقون من إن طرحنا ليس عبارة عن إفراز لا شعوري قوامه الحمية على الدين والعصبية للمذهب والغيرة على المبدأ... دعونا نشرع في بناء أسس ولبنات خطابنا على أساس موضوعي بعيداً عن الأغراض الإيديولوجية الضيقة والآفاق الذاتية الفجة.. أما على الصعيد النظري فإننا نعتبر العولمة مجرد حلقة من سلسلة حلقات مر بها تاريخ البشرية، وهي لن تكون آخر الحلقات. وأما على الصعيد النقدي، فان العولمة وان تمكنت من معالجة كثير من المشكلات البشرية لكنها لم تعالجها كلها، بل إنها قد ابتدعت مشكلات جديدة سياسية وأخلاقية واقتصادية وثقافية. وهذه المشكلات يمكن تشخيصها بسهولة ويسر بالغين، ولا نظن إن أحداً يناقش في هذه القضية لكونها من الواضحات اللائحات.
إن هناك فرقاً كبيراً بين الأسس النظرية التي بُنيت عليها العولمة ونظيراتها الإسلامية، ولا نلمح في الحضارة الإسلامية ما يصلح أن يكون نداً حقيقياً للعولمة سوى المهدوية، ونديتها ليست متأتية من كونها مجرد أطروحة تراثية كما يتصور البعض، لأننا لسنا بصدد الحديث عن مقابلة خطاب بآخر فحسب إذ لو كان الأمر مجرد مناطحة أسلوبية أو فكرية أو عقائدية لكان يحق لمن يريد الاعتراض علينا أن يتحذلق قائلاً: إذا كانت القضية لا تعدو أن تكون تراشقاً بالأفكار والرؤى فنسلم بأن خطابكم نداً لخطابهم إن لم يكن يعلو عليه رتبة لابتنائه على روحانيات وأخلاقيات أكثر توافقاً والتصاقاً بالإنسانية، غير أن القضية في الواقع تتجاوز الخطاب، فأين الانجازات المفترضة التي يمكن أن تعارض انجازات العولمة؟ وأين البدائل المقترحة التي تحل محل نظائرها العولمية؟
وجوابه: إن الإسلام كدين سماوي لم يُسجل عليه أنه فارق العلم في جميع القضايا التي ترتبط بواقع الكون وواقع الإنسان، انه يساير العلم على خط واحد، وهذا بشهادة القاصي والداني فالعلم يشهد للإسلام، فهذه نقطة أولى. والنقطة الأخرى إن للإسلام نظرية سياسية عالمية لها دعوى عريضة وهي: إقامة العدل والقسط بين جميع البشر بغض النظر عن الفوارق العرقية والاثنية والفروقات الثقافية والانتماءات الحضارية. وهو يدعو إلى تذويب الولاءات المذهبية والطائفية والحزبية لصالح مبدأ إنساني فطري هو التوحيد، وليس معنى ذلك أننا ندعو إلى دين إنساني شامل لجميع الأديان كما تدعو إلى ذلك الماسونية والبهائية والإحيائية بل إلى دين قد وصف بأنه هو الدين عند الله ((ان الدين عند الله الإسلام))، كما ان من الثابت أن بعض الولاءات هي في طول هذا المبدأ الإنساني لأنها منبثقة منه كمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومن يمثله اليوم. فعالمية الإسلام تدعو إلى نبذ الأوثان والأصنام المادية والمعنوية وتحرير الإنسان من براثن الاستكبار والاستعلاء والتجبر والتغطرس والتسلط... فماذا نلمح في هذه الدعوة، أهي مجرد دعوى؟ ولكنكم في دراساتكم وأبحاثكم اعترفتم بأن الإسلام كان محقاً في جميع اطروحاته العلمية، وهذه علامة على المصداقية فكيف تتصورون أن اطروحته السياسية مفتقرة إلى المصداقية أو تشككون في قيمة نظريته السياسية؟
وبما ان النظرية السياسية التي اشرنا إلى بعض بنودها منسجمة مع تطلعات جميع الناس فكيف يمكن الزعم بأنها طوباوية؟ ثم هل ان العالمية التي يدعو إليها الإسلام والمتمثلة بالمهدوية لا تقف نداً حقيقياً مفروغ التحقق والوقوع بإزاء العولمة الامبريالية ذات الأغراض المريبة كونها في خدمة حفنة من الشركات والقطاعات الرأسمالية الخاصة؟ أيهما أصدق وأوفق بواقع الحضارة؟ الوصولية والاحتكار والهيمنة الاقتصادية التي تمارسها دول المركز ضد دول الأطراف المتمثلة بالعالم الثالث والجنوب الجغرافي أم توزيع الثروات والخيرات والمكاسب على كافة شعوب العالم عدلاً واستحقاقاً؟ أيهما أكثر انسجاماً مع الحضارة الإنسانية أن تكون السياسة والحكم مجرد وسائل وأدوات بأيدي المضاربين العالميين ورؤساء الشركات الاحتكارية العملاقة ام يكون للسياسة والدولة هيبتها بمعزل عن تلاعب المستثمرين الدوليين وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة؟ أيهما أرقى في مقاييس التقدم والرقي الحضاري: أن يكون القانون عاماً وشاملاً ومطبقاً من دون تفاوت على جميع البشر أم يكون ناطقاً بلسان حال الدول القطبية الكبرى بهيئاته ومنظماته التي تأتمر بأمر بضعة دول تدعي لنفسها الحق في السيادة والتسلط؟؟.
العالمية التي يطرحها الإسلام عالمية بكل ما للكلمة من معنى، لا مجرد عولمة، والمهدوية التي تعني الهداية الكونية أرسخ في معاني المجد من الديمقراطية التي سوّغت باسم الحرية مظاهر الانفلات المبدئي والفوضى الفكرية والتفسخ الأخلاقي.
هذا هو خطابنا وتلك هي مفرداته وهذه هي حقيقته فجوابنا هو: إن العولمة مجرد حلقة سابقة للعالمية وهي مؤشر على إن البشرية قد بلغت اليوم المستوى الذهني والنفسي الذي يؤهلها لتقبل المشروع الحضاري العالمي للإمام المهدي القادم لا محالة.
|
|
|
|
|