تبكيك عيني لا لأجل مثوبة ... إنما عيني لأجلك باكية
بتاريخ : 04-01-2008 الساعة : 11:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى أهل بيتك المعصومين المظلومين صلى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله فاز من أعتصم بحبلكم وآمن من لجأ إلى حصنكم يا ليتنا كنا معكم سادتي فنفوز فوزاً عظيماً ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال تعالى في كتابه الكريم : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) .
من رحمة الله على عباده أن جعل لهم أعمالاً تقيهم من الذنوب وتغفر لهم ما سبق منها ..
وإن من أعظم الحسنات المذهبة للسيئات هي البكاء على مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام لذا يقول الشاعر :
سأمحو بدمعي في قتيل محرم صحائف قد سودتها بالمحارم
للبكاء على مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ثواب كبير وقد بكى الملائكة والأنبياء والأرض و السماء إلى غيرها من المخلوقات على تلك المصيبة وما جرى بعدها .. هنا قد يتساءل البعض !! كيف بكت السماء والأرض ؟؟ وما معنى ذلك البكاء ؟؟
معنى بكاء الأرض و السماء هو عبارة عن أثر يكون فيهما لأن البكاء ليس هو ذرف للدموع إنما هو حزن القلب وتأثره ، وجريان الدموع وانسكابها عبارة عن مظهر من مظاهر البكاء لذلك لما قبض إبراهيم ابن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو صبي صغير ، مشى النبي مع جمع من أصحابه خلف جنازته شُوهد وهو يبكي ودموعه تجري فسأل أو تبكي يا رسول الله ؟ فقال : نعم ، تدمع العين ويحترق القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ..
أما بالنسبة إلى السماء والأرض فإن أثر البكاء الذي يظهر فيها عبارة عن تغير في المجاري الطبيعية من زلازل وبراكين وعواصف وحمرة غير متوقعة ..
فالمؤمن عند وفاته تفقد السماء مع وفاته أعماله الصالحة وما ينزل عليه من رزق فتتأثر وتحزن عليه وإن العبد كلما ازداد إيماناً وزداد أعماله الصالحة زاد وطال بكاء السماء عليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله للإمام علي عليه السلام : ( يا علي إذا مات المؤمن تبكيه السموات والأرضون أربعين صباحاً وإذا مات العالم تبكيه السموات و الأرضون أربعين شهراً وإذا مات الإمام تبكيه السموات والأرضون أربعين عاماً ) .
فالإمام كلما عظمت مصيبته فإن بكاء السماء يزداد ولهذا فإن مصيبة الإمام الحسين عليه السلام لا توازيها مصيبة ولا تضاهيها فاجعة لذلك بكت عليه السماء بكاءً لم تبكيه على أحداً قبله ولا بعده من نبي أو وصي بل هي أبكت كل جماد وكل حي أبكت كل فلك وملك كل حجر ومدر ، وقد ذكر لنا التاريخ ذلك الأثر العظيم كخسوف القمر وكسوف الشمس فهذا الأثر حدث لهذه المخلوقات التي لا تملك شيئاً من المشاعر فما بالنا ونحن البشر وما نحوي من مشاعر وأحاسيس فإن تفاعلنا ولو كان بسيطاً فإن الواحد منا قلبه ليفرح عند موته كما قال الإمام الصادق عليه السلام : ( إن الموجوع قلبه لنا ليفرح عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض ) ، إن هذه الرواية تبين لنا نوعاً من أنواع البكاء وهو وجع القلب وانكساره أما عن الأنواع ا؟لأخرى فهي أولاً:
التأثر القلب بالهم و الغم وهو أعلى وأول مراتب البكاء وثمرته أن يجعل النفس تسبيحاً كما قال أحد الأمة عليه السلام ( نفس المهوم لظلمنا تسبيح ) .
ثالثاً : دوران الدمع في حدقة العين دون خروج الدمع وإن هذه الدمعة هي التي توجب الرحمة من الله تعالى كما قال الإمام الصادق عليه في الباكي إنه يرحمه لله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه ) .
رابعاً :
خروج الدمع من العين وتقاطره فإن هذه الدموع سبب في إطفاء لظى جهنم كما قال الإمام الصادق عليه السلام : (فإذا خرجت الدمعة من عينه فلو أن قطرة سقطت في جهنم لأطفأت حرها ) ، كما هو مروي عن السيد الحسيني إنه قال : كنت في يوم عاشوراء من شهر محرم جالساً في مشهد الإمام علي بن موسى الرضا فبدأ أحد الجالسين في قرأة مقتل الإمام الحسين فتطرق إلى ذكر رواية عن الإمام الباقر : ( من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وقد كان معنا في المجلس جاهل مدعي للعلم فأنكر هذه الرواية وحدث بيننا جدال حتى تفرقنا وهو متمسك برأيه فنام ذلك الرجل في تلك الليلة فرأى في المنام كأن يوم القيامة قد قامت وحُشر الناس وزخرفت الجنان وأسعرت النيران فاشتد الحر فعطشت عطشاً شديداً فذهب ليطلب الماء فوجد حوضاً عظيماً الطول و العرض قال فقلت في نفسي هذا هو الكوثر فإذا فيه ماء أبرد من الثلج وأحلى من العسل وإذا عند ذلك الحوض رجلان وامرأة أنوارهم تشرق على الخلائق مع لبسهم للسواد وهم باكون ، فسألت من هؤلاء ولما هم على هذه الحالة فقيل لي رسول الله وعلي وفاطمة عليهم السلام وإنه يوم عاشوراء يوم مقتل الإمام الحسين عليه السلام فهم محزونون لأجل ذلك فدنوت من فاطمة طالباً للماء فزجرتني وقالت لي أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين ومهجة قلب وقرة عيني الشهيد المقتول ظلماً وعدواناً لعن الله قاتليه وما نعيه من شرب الماء !! فقال الرجل فانتبهت من نومي فزعاً مرعوباً واستغفرت لله كثيراً ..
فهل أحد يشك في فضل البكاء على الإمام الحسين عليه السلام فكيف ذلك وقد كان الإمام الصادق عليه السلام يجعل بيته مجلساً حسينياً وكان يدخل عليه الشعراء ينشدونه القصائد في جده الحسين فكان يشجعهم فيقول لجعفر بن عفان : يا جعفر لو كشف لك عن بصرك لرأيت ملائكة الله المقربين معنا في هذا المجلس يبكون ويستغفرون للباكين على الحسين ) .
وقال أيضاً : أن الحسن مع جده وأبيه وأمه وأخيه عن يمين العرش ينظر إلى زوار قبره و الباكين عليه ويستغفر لهم ويطلب من أبيه وأمه وأخيه أن يستغفروا للباكين عليه ولزوار قبره فأنت بعين الحسين في هذا المجلس أنت بمنظر الحسين بمرأى من الحسين يستغفر لك الحسين فالبكاء على الحسين يدل على معرفتك الكاملة بالحسين فكلما تعرف الحسين أكثر كلما تتأثر كلما تحزن لمصابه أكثر :
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة إنما عيني لأجلك باكية .