لا أعرف ما الذي دفعني للحديث عن دوحة الحُب هذه الدوحة الجميلة الرائعة ، والتي نتنفّس مِن خلالها ونعيش في رحابها ، ونجني مِن خمائلها ونشتم مِن عبيرها ، ونستنشق مِن عبقها .
لقد حمل الأنبياء رسالة الحُب والخير للبشريّة ، ودعَوا إلى المحبّة والتسامح والمؤاخاة وإلى الإيثار والتضحية في سبيل الآخرين .
فمن لحظة خروجنا للحياة نلتمس مَحبّة مَن حَولنا ، ونرتجي الأمان والعطف والرحمة منهم ، ونأنس بحَنانهم ونَسعد بابتسامتهم واهتمامهم بنا .
وعندما نكبر ويزيد وعيُنا قليلاً نتمنّى رضاهم عنّا ، ونتربّى حسب ما يُرضيهم عنّا ، بل نسرع لتلبية ما يطلبوه منّا ونحن في غاية السرور .
إذن فأوّلُ ما نحتاجه هو رضاهم ومحبّتهم وعطفهم .
فجميع الأطفال تُحب الحياة طالما تحقّقت لهم هذه المطالب والاحتياجات الأساسيّة ، ولكن بعضهم لا يتلقّى العطف والمحبّة والحنان الكافيين ، فينشأ ولديه حاجات لم تُشبع فيحاول طوال عمره إشباعها وقد لا يُفلح في ذلك .
وكما أنّ البعض منهم يتلقّى القسوة منذ صِغره ، فيكبر وهو حاقد على المجتمع، وقد يؤدي ذلك إلى انحرافه ، أو ينتقم مِن أولاده ويُعيد الكرّة ويُذيقهم ما قد تذوّقه وما قد عاناه فالظلم يُورَّث للأبناء .
وما أحببت الحديث عنه هو حاجتنا للحب ولكن مِن جهتين مُختلفتين :
أولاُ حاجتنا لأن نكون محبوبين مِن قِبل الآخرين
وثانياً حاجتنا لأن نجد مَن نحبّه وما نحبّه .
وقد يظن البعض بأنّ الحاجة الأولى أكثر إلحاحاً مِن أن نجد مَن نحبّه !
ولكن الواقع على العكس تماماً والمثال بسيط . . .
فكَم مِن الفتيات يتضايقن مِن محبّة بعض الشباب لهم ، مع أنّ الكثير مِن الشُبّان يكونوا صادقين في مشاعرهم .
بل تُحب الفتيات مَن يُعجبهنّ ، ولا تكتمل المحبّة إلا عندما تُصبح محبّةً متبادلة .
أي يجب أن يحمل الشاب مِن الصفات التي تروق للفتاة لكي تَسعد بحبّهِ .
وحتى الآن قد يبدو للبعض أنّ الحديث مألوفاً ولم يأتِ بجديد !
فلنتابع الغوص في خمائل هذه الواحة الدافئة التي لا غنىً لنا عنها .
ولنسأل هذا السؤال :
ما الذي يشدّنا أحياناً لمتابعة مسلسلات الغرام والقصص العاطفيّة أو قراءة المواضيع التي تتحدّث عن الحب والمشاعر ، حتّى ولو كانت فيها مشاعر الحزن والأسى والمعاناة ؟
السبب الأول والأهم هو أنّنا بحاجةٍ للحُب ، حتى ولو كنّا متزوجين وسعداء في حياتنا
وذلك لأنّ الحُب احتياج جميل . . . لا يمكن أن نرتوي منه مهما نهلنا منه . . . ولأنّه بحد ذاته سعادة ليس لها حدود ، كما أنّنا نحب أيّ موقف يحرّك فينا مشاعرنا وأحاسيسنا ، حتى ولو كان أحياناً فيه شيء مِن الحُزن . . .
وأجمل ما يميّز الإنسان هو عقله ومشاعره ، والإنسان بلا مشاعر يُصبح كالآلة .
بل نبحث عن مشاهد ومواقف الحُب العنيف الدافئ
عن الحُب الكبيرالجامِح الصادق الحنون
نبحث عن المشاعر المتأجّجة و الأحاسيس الملتهبة
نبحث عن الود الجميل والوفاء العميق والغرام الملتهب الغامر
نبحث عن الانفتاح على سعادة لا نهاية لها ، وعن أحاسيس تُدرك ولا توصف .
أي أنّنا نُحب لكي نسعد ونلبّي نداء حاجة أساسيّة في نفوسنا .
فكلُّ واحدٍ منّا لديه مشاعر يبحث عمّن يهبها له وذلك لكي نشعر بالفرحة بالسعادة .
ولنتطرّق الآن إلى موضوع المراهقات وكيفيّة إشباع هذه الحاجة الماسّة .
الكثير مِن الفتيات تبحث عن الوسامة والأناقة والترتيب والغنى والحسَب عند الشاب.
وهذا شيء طبيعي ومنطقي تماماً ويتوافق مع الذوق والحس السليم .
ولكن البعض منهن يغفلن عن مضمون هذا الشاب وعن دينه وخُلقه وعن عاداته وبيئته وأصله .
وهنا تقوم الكثير منِ الأمهات الملتزمات بالبحث عن هذه المطالب الهامّة ، وتوجّه بناتها إلى استخدام العقل قبل الإندفاع وراء المظاهر والعواطف .
وهذ ما أحببت الدعوة إليه والتذكير به .
كما يجب تنبيه الفتيات إلى مَن حولهن مِن الشباب
سواءً مِن الجيران أو الأقارب أو زملاء الدراسة
وإلا فإن تُركت هذه الفتيات بدون توجيه أو مُراقبة ، فستفتح قلبها لأوّل شاب يحاول التقرّب منها أو يملأ عينها بمظهره وأناقته أو وسامته بغض النظر عن مضمونه .
وبالنتيجة كما ورد في عنوان الموضوع فعلينا الرجوع للعقل والشريعة قبل أن نشبع حاجتنا للحُب
فالعقل ثمّ الحُب .
وأمّا بالنسبة لنا نحنُ كمؤمنون فعلينا أن نوجّه مشاعرنا واهتماماتنا وأخلاقنا بما يتناسب مع الحقّ والعدل والخير ، فيكبرُ في نظرنا أهل الحقّ والعدل والمبادئ السامية ، فنودّهم ونتشبّه بهم .
وهل مِن مثال أوضح مِن محبّة الحُسين صاحب المبادئ والقيم العالية والمآثر الخالدة . . .
فكما جاء في الحديث الشريف : { أحَبَّ اللهُ مَن أحَبّ حُسيناً }
فعلينا مَوَدّة أهل البيت عليهم السلام كما توصي به الآية الشريفة ، وهذا يعني أن نُحبّهم ونتبعهم وهم أهل الحق الذين يدورون حيث دار .
كما أنّ اتباع الرسول الأكرم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام بما جاء به من الحقّ والهُدى والرحمة ، هو أفضل وسيلة لكي يحبّنا الله ونرتقي في ساحة رضوانه :
{ قُل إن كنتم تُحبّون الله فاتبعوني يحببكمُ الله ُ }
فلكي يرتقي المؤمن نحو خالقه ، لا بد له مِن الإعراض عن المَتاع الزائل والشهوات المادّية ويتّجه نحو النور والكمال والقداسة ، ويسأل اللهَ بقلبٍ خاشعِ أن يهبه لسان صِدق ٍ . . . ويطمع أن ينال قَدَم صدقٍ . . . في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مُقتدر :