كنت ذات يوم بعد العصر جالسا في الروضة بين القبر و المنبر ، و أنا مفكر فيما خص الله تعالى به سيدنا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) من الشرف و الفضائل ، و ما منحه و أعطاه و شرفه و حباه ، مما لا يعرفه الجمهور من الأمة ، و ما جهلوه من فضله ، و عظيم منزلته ، و خطير مرتبته ،
فإني لكذلك إذ أقبل ابن أبي العوجاء فجلس بحيث أسمع كلامه ،
فلما استقر به المجلس ، إذ رجل من أصحابه قد جاء فجلس إليه ،
فتكلم ابن أبي العوجاء ، فقال :
لقد بلغ صاحب هذا القبر العزّ بكماله ، و حاز الشرف بجميع خصاله ، و نال الحظوة في كل أحواله ،
فقال له صاحبه : إنه كان فيلسوفا ادعى المرتبة العظمى ، و المنزلة الكبرى ، و أتى على ذلك بمعجزات بهرت العقول ، و ضلت فيها الأحلام ، و غاصت الألباب على طلب علمها في بحار الفكر فرجعت خاسئات و هي حسر ، فلما استجاب لدعوته العقلاء و الفصحاء و الخطباء ، دخل الناس في دينه أفواجا ، فقرن اسمه باسم ناموسه ، فصار يهتف به على رءوس الصوامع في جميع البلدان و المواضع التي انتهت إليها دعوته ، و علتها كلمته ، و ظهرت فيها حجته ، برا و بحرا سهلا و جبلا ، في كل يوم و ليلة خمس مرات مرددا في الأذان و الإقامة ، ليتجدد في كل ساعة ذكره ، و لئلا يخمل أمره .
فقال ابن أبي العوجاء : دع ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقد تحير فيه عقلي ، و ضل في أمره فكري ، و حدثنا في ذكر الأصل الذي نمشي له ، ثم ذكر ابتداء الأشياء ، و زعم أن ذلك بإهمال لا صنعة فيه و لا تقدير و لا صانع و لا مدبر ، بل الأشياء تتكون من ذاتها بلا مدبر ، و على هذا كانت الدنيا لم تزل و لا تزال .
محاورة المفضل مع ابن أبي العوجاء
قال المفضل :
فلم أملك نفسي غضبا و غيظا و حنقا ،
فقلت : يا عدو الله ، ألحدت في دين الله و أنكرت الباري جل قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم ، و صورك في أتم صورة ، و نقلك في أحوالك حتى بلغ إلى حيث انتهيت ، فلو تفكرت في نفسك ، و صدقك لطيف حسك ، لوجدت دلائل الربوبية و آثار الصنعة فيك قائمة ، و شواهده جل و تقدس في خلقك واضحة ، و براهينه لك لائحة .
فقال :
يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلمناك ، فإن ثبتت لك حجة تبعناك ، و إن لم تكن منهم فلا كلام لك ، و إن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق ، فما هكذا تخاطبنا ، و لا بمثل دليلك تجادل فينا ، و لقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت فما أفحش في خطابنا ، و لا تعدى في جوابنا ، و إنه الحليم الرزين العاقل الرصين لا يعتريه خرق و لا طيش و لا نزق يسمع كلامنا ، و يصغى إلينا ، و يتعرف حجتنا حتى إذا استفرغنا ما عندنا ، و ظنننا إنا قطعناه دحض حجتنا بكلام يسير ، و خطاب قصير يلزمنا به الحجة ، و يقطع العذر ، و لا نستطيع لجوابه ردا ، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه .
سبب إملاء الكتاب على المفضل
قال المفضل : فخرجت من المسجد محزونا مفكرا فيما بلي به الإسلام و أهله من كفر هذه العصابة و تعطيلها ، فدخلت على مولاي (عليه السلام) فرآني منكسرا .
فقال : ما لك ؟ فأخبرته بما سمعت من الدهريين و بما رددت عليهما .
فقال : يا مفضل لألقين عليك من حكمة الباري جل و علا و تقدس اسمه في خلق العالم ، و السباع ، و البهائم ، و الطير ، و الهوام ، و كل ذي روح من الأنعام ، و النبات ، و الشجرة المثمرة ، و غير ذات الثمر ، و الحبوب ، و البقول المأكول من ذلك ، و غير المأكول ، ما يعتبر به المعتبرون ، و يسكن إلى معرفته المؤمنون ، و يتحير فيه الملحدون ، فبكر علّي غدا
انتهى بنصـــه
فتعالوا إخواني و أخواتي وبكّروا مع ( المفضل )
واحضروا دروس إمامنا جعفر الصادق عليه السلام
وهي مرتبة في أربعة مجالس ، و كل مجلس يحمل الكنوز الثمينة من الدروس العظيمة
تفضلوا هنا
_________
وهنا أضع هديةً إضافيــة
بعض كتب التوحيد لدينا المتوفرة في النت