ومما أشار به القرآن إلى ظهور المصلح العظيم -المهدي- الذي جعله الله من ولد فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، وذريتها المباركة، كما ذكر المفسرون ذلك، هو:
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون) (الأنبياء\105)
ولقد فسر العلامة الطبرسي -رحمه الله- معتمدا على الروايات الصحيحة، هذه الاية بقوله:
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر) قيل فيه أقوال، أحدها: إن الزبور كتب الأنبياء، ومعناه كتبنا في الكتب التي أنزلناها على الأنبياء من بعد كتابته في الذكر، أيَّ أم الكتاب الذي في السماء، وهو اللوح المحفوظ، عن سعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد، وهو اختيار الزجاج، قال: لأن الزبور والكتاب بمعنى واحد، وزبرت كتبت، وثانيها: إن الزبور الكتب المنزّلة بعد التوراة، والذكر هو التوراة، عن أبن عباس والضحاك، وثالثها: إن الزبور زبور داود، والذكر توراة موسى، عن الشعبي، وروي عنه أيضاً أن الذكر القرآن وبعد بمعنى قبل (ان الأرض يرثها عبادي الصالحون) قيل يعني أرض الجنة يرثها عبادي المطيعون، عن أبن عباس وسعيد بن جبير وابن زيد، فهو مثل قوله: (وأورثنا الأرض) وقوله: (الذين يرثون الفردوس)، وقيل هي الأرض المعروفة يرثها أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بالفتوح بعد إجلاء الكفار، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربه، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منه، عن أبن عباس في رواية أخرى، وقال أبو جعفر عليه السلام، هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان، ويدل على ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، انه قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً صالحاً من أهل بيتي، يملأ الأرض، عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجوراً.
ومن الاشارت القرآنية المبشّرة بالمهدي، هو قوله تعالى:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون). (التوبة\33)
فقد فسّر الطبرسي هذه الاية بقوله:
(هو الذي أرسل رسوله) محمد، وحمّله الرسالات التي يؤديها إلى أمته، (بالهدى) أيَّ بالحجج والبيّنات والدلائل والبراهين، (دين الحق) وهو الإسلام وما تضمنه من الشرائع التي يستحق عليها الجزاء بالثواب وكل دين سواه باطل يستحق به العقاب، (ليظهره على الدين كله) معناه ليعلي دين الإسلام على جميع الاديان بالحجة والغلبة والقهر له، حتى لا يبقى على وجه الأرض دين إلاّ مغلوب، ولا يغلب أحد أهل الإسلام بالحجة، وهم يغلبون أهل سائر الاديان بالحجة، وأما الظهور بالغلبة، فهو أن كل طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك، ولحقهم قهر من جهتهم، وقيل أراد عند نزول عيسى بن مريم لا يبقى أهل دين إلاّ أسلم أو أدى الجزية، عن الضحاك، قال أبو جعفر(ع): ان ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد، فلا يبقى أحد إلاّ أقر بمحمد، وهو قول السدي، وقال الكلبي: لا يبقى دين إلاّ ظهر عليه الإسلام، وسيكون ذلك ولم يكن بعد ولا تقوم الساعة حتى يكون ذلك، وقال المقداد بن الأسود، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر، إلاّ أدخله الله كلمة الإسلام، أما بعزّ عزيز، وأما بذل ذليل، أما يعزّهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به، وأما يذلهم فيدينون له، وقيل: إن الهاء في (ليظهره) عائدة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أيَّ ليعلمه الله الاديان كله، حتى لا يخفى عليه شئ منه، عن أبن عباس، (ولو كره المشركون) أيَّ وإن كرهوا هذا الدين فان الله يظهره رغماً لهم).
وفسّر أبو حيان الاندلسي في تفسيره الشهير البحر المحيط، عند تفسير قول الله تعالى: (ليظهره على الدين كله)، بقوله:
(وقال السدي: ذلك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلاّ دخل في الإسلام، أو أدى الخراج).
ولقد فسر الإمام مالك بن أنس، إمام المالكية، الاية الكريمة:
(ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) (القصص\5)
فسرها بان مصداقها لم يتحقق، وأن الامة مازالت تنتظر من تتحقق على يديه هذه الآية، فقد روي أبو الفرج الأصفهاني،إن العلويين عندما أصابهم الاضطهاد العباسي، واشتد عليهم الأذى، شكى محمد بن جعفر العلوي إلى مالك بن أنس ذلك، فأجابه مالك: (إصبر حتى يجيء تفسير هذه الآية: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).
فتلك أراء المفسرين ورواياتهم في المصلح المهدي، الذي شاء الله أن يكون من أهل البيت عليهم السلام ومن ولد فاطمة الذي تتحقق على يديه وراثة الصالحين وانتصار الحق، وقيام دولة القرآن العالمية.
إن البشرية تعيش الآن مرحلة جاهلية مروّعة، وإن هذه الجاهلية هي أسوأ من جاهليات الامم الغابرة، وهي بحاجة إلى مصلح ينقذ الإنسان من ضلال الجاهلية وسقوطه، كما فعل الأنبياء الهداة ذلك، ويحقق اهدافهم باقامة العدل، وهداية البشرية وإنقاذها من الضلال والانحطاط.
وقال تعالى : (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) (سورة سبأ، الآية: 51). أخرج الطبري عن حذيفة بن اليمان أن المعنى في هذه الآية منصب على الجيش الذي سيخسف به، وقد تواترت الأحاديث بأن جيشا سيرسل للقضاء على المهدي، وأنه سيخسف بهذا الجيش، وهذا الخسف لم يحصل للآن، وحدوثه مرتهن بظهور المهدي. (راجع تفسير الطبري ج 2 ص 72، وعقد الدرر 84 ب 4 من الفصل الثاني، والحادي للفتاوي للسيوطي ج 2 ص 81، والكشاف للزمخشري ج 3 ص 467 - 468).
قال تعالى: (وإنه لعلم الساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم) (سورة الزخرف، الآية: 61)...
وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان ص 528:
(قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله عز وجل: (وإنه لعلم الساعة) هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة وإماراتها).
وتجد مثل ذلك في الصواعق المحرقة لابن حجر ص 162 ونور الأبصار للشبلنجي الشافعي ص 186، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 2 ص 126 باب 159.
وقد ذكر القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع ج 3 ص 76 باب 71 الكثير من الآيات التي فسرها أئمة أهل بيت النبوة بالإمام المهدي وظهوره، (راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 21 - 25). ومن يمعن النظر يجد أن في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي حملت وعودا إلهية دنيوية، وربط تحققها بتوافر ظروف موضوعية معينة، وفق معايير خاصة لا تعرف إلا بالبيان النبوي، ومن استعراض الأحداث التاريخية واستقراء الشرع الحنيف، وما وصل إلينا من الآثار المروية عن الأئمة الأطهار من أهل بيت النبوة يتبين لنا أن الكثير من الوعود الإلهية الدنيوية مرتبط تحقيقها بعصر ظهور المهدي، وقيادة هذا المهدي. فإذا ظهر الإمام المهدي وآلت قيادة الأمة إليه تبدأ عملية ترجمة الوعود الإلهية من النظر إلى التطبيق ومن الكلمة إلى الحركة، لأن ظهور المهدي سيكون في آخر الزمان، ومن أشراط قيام الساعة، ومن المحال عقلا أن تقوم الساعة ولا ينفذ الله وعوده لأنه. أصدق القائلين، ولأنه لا يخلف الميعاد. كل هذه الظروف تجعل من البيان النبوي المفتاح لكل غموض، والطريق الفرد إلى اليقين، في كل متشابه والأساس لكل المعارف الدينية التي صاغت نظرية المهدي المنتظر في الإسلام، والتي بشرت بعصر الظهور. وهذا يستدعي بالضرورة وقفة مطولة عند كل ما صدر عن الرسول حول المهدي المنتظر بالذات وحول عصر ظهوره..
حدثنا أحمدبن هارون القاضي، وجعفربن محمد بن مسرور، وعلي بن - الحسين بن شاذويه المؤدب رضي الله عنهم قالوا: حدثنا محمد بن عبدالله بن جعفر بن - جامع الحميري قال: حدثنا أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الدقاق، عن محمدبن سنان، عن المفضل بن عمر قال: سألت الصادق جعفربن محمد عليهما السلام عن قول الله عزوجل: "والعصر إن الانسان لفي خسر" قال عليه السلام: العصر عصر خروج القائم عليه السلام "إن الانسان لفي خسر" يعني أعداء نا "إلا الذين آمنوا" يعني بآياتنا "و عملوا الصالحات" يعني بمواساة الاخوان "وتواصوا بالحق" يعني بالامامة "وتواصوا بالصبر" يعني في الفترة قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن قوما قالوا بالفترة واحتجوا بها، وزعموا أن الامامة منقطعة كما انقطعت النبوة والرسالة من نبي الى نبي ورسول إلى رسول بعدمحمد صلى الله عليه وآله فأقول وبالله التوفيق: إن هذا القول مخالف للحق لكثرة الروايات التي وردت أن الارض لاتخلو من حجة الى يوم القيامة و لم تخل من لدن آدم عليه السلام إلى هذا الوقت.