السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أرجو أن ينال هذا الموضوع اعجابكم.. أحببت أن أطرح هذا الموضوع لأن القلة منا من يعرف أو يستطيع أن يميز بشكل معمق ودقيق بين معنى كل من العهد والعقد والبيعة المذكورة في دعاء العهد، لذا قررت أن أضع هذا الموضوع في متناول أيديكم لتستفيدوا وتفيدوا كل من أراد الاستفادة....
وان كان هناك أي تعليق من قبلكم على هذا الموضوع أرجو الرد وارسال تعليقكم...
ولكم الشكر والسلام
معنى العهد والعقد والبيعة فيما يرتبط بمناصرة مولانا الامام المهدي(عليه السلام)
دعاء العهد، وهو الدعاء الذي جاءت بعض الأخبار أنه يتلى كل صباح (لا اقل أربعين صباحاً) لتعجيل ظهور الإمام المهدي(عليه السلام) واعطاء العهد بمناصرته،.. وهنا نتحدث عن مقطع من مقاطع هذا الدعاء الشريف، وهو قول المعصوم (عليه السلام) في دعاء العهد:
"اللهم اني اجدد له - اي الامام المهدي(عليه السلام)- في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي، لا احول عنها ولا ازول ابداً...".
وفي زيارة مولانا صاحب الزمان التي يزار بها كل يوم بعد صلاة الفجر: "اللهم إني أجدد له في هذا اليوم وفي كل يوم عهدا وعقدا وبيعة في رقبتي".
ورد عن الامام الصادق (عليه السلام): "من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحا بهذا الدعاء كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة".
وواضح أن الحث على قراءته اربعين صباحا هو اقل ما يمكن والاّ فقوله (عليه السلام) (وما عشت من أيامي) يعني طوال عمر الانسان... لكن: لندع هذا الجانب، ونتجه الى مضمونه القائل بان قارئ الدعاء يجدد كل صباح (عهداً وعقداً وبيعة) للإمام المهدي (عليه السلام)..
معنى البيعة:
البيعة تعني في الأساس التعاقد والتعاهد.
وكان مفهوم البيعة في صدر الإسلام يعطي معنى الطاعة والانقياد للمبايع له (الإمام).
ومن يبايع الحاكم لا يمكنه التمرّد عليه أو محاربته، وعندما تتم البيعة علنا يعتبر الناس المبايع مؤيدا للخليفة والحاكم.
ولم يكن العدول عن البيعة مقبولا ولا متعارفا؛ لأن في ذلك خطر على نفسه وكرامته. وكان نقض العهد من أقبح القبائح عند العرب.
أما رفع البيعة من الإمام أو الوالي عن المبايع فيعني إزالة ذلك التعهد الذي ألزم نفسه به من خلال البيعة.
وكانت المبايعة بمصافحة الشخص بمثابة التعاهد معه على أمر ما، وكقسم على الوفاء للحكومة والحاكم. ومصافحة الحاكم أو الأمير أو الوالي أو من ينوب عنهم تعد مبايعة له.
البيعات في الإسلام:
وفي تاريخ الإسلام هناك بيعة العقبة، وبيعة الرضوان وغيرهما.
ويحكم القرآن الكريم بأن مبايعة النبي مبايعة الله، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ..}(الفتح/10).
وقال عن مبايعة المؤمنات للرسول: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ.. فَبَايِعْهُنَّ..}(الممتحنة/12).
والبيعة في الإسلام لا تعتبر طريقة في انتخاب الحاكم، بل هي أسلوب لترسيخ حكومة الإمام اللائق لهذا المنصب على أساس محور الشرع وحكم الله، كما وصفه أمير المؤمنين بقوله بنهج البلاغة: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
وأفردت كتب الحديث بابا خاصا للبيعة، مما يدل على أهميتها في النظام السياسي والاجتماعي في الإسلام. وانطلاقا من هذا التصور اتخذت البيعة بعد وفاة رسول الله أهمية فائقة، وصار لأخذ البيعة من الناس لصالح الحكومة بُعدا سياسيا تجلى في قضية السقيفة، واستنادا إلى هذا الأصل أرادوا إرغام الإمام علي عليه السلام وأصحابه على البيعة، وقد تولى هو عليه السلام الخلافة من خلال مبايعة الناس له بعد مقتل عثمان.
وفي ليلة عاشوراء أثنى الامام الحسين في كلمة له على وفاء أصحابه ودعا الله لهم بخير الجزاء، ثم إنه رفع عنهم البيعة ليتخذ كل من يشاء منهم ظلام الليل سترا وينجو بنفسه، فقال لهم: "ألا وأنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم حرج مني ولا ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا" (بحار الأنوار 393:44)
إلاّ أن أنصاره نهضوا الواحد تلو الآخر أعلنوا له وفاءهم بالعهد ووقوفهم إلى جانبه، ولم ينصرف منهم واحد، وكلمات مسلم بن عوسجة، وزهير، وأبناء مسلم بن عقيل وغيرهم معروفة في هذا المجال.
العهد والعقد والبيعة:
ولعل اهم سؤال ينبغي ان يطرحه قارئ الدعاء على نفسه، هو: ما المقصود من هذه الكلمات الثلاث (العهد، العقد، البيعة)؟
ان المعنى العام الذي يستهدف قارئ الدعاء ان يؤكده هو: ان يصبح من انصاره (عجل الله فرجه الشريف).
وكان من الممكن مثلاً ان يقول: اعاهده تعالى على ان اكون من انصار الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) او اقسم على ذلك... وهكذا.. ولكن كما لاحظنا استخدم الامام الصادق (عليه السلام) ثلاث عبارات هي (العهد، العقد، البيعة)، فهل هي متماثلة في الدلالة، او متفاوتة؟
طبيعياً: متفاوتة وان كانت متماثلة في الدلالة العامة، حيث نكرر الاشارة الى ان المعصومين (عليه السلام) لا يستخدمون الترادف في الكلمات لانهم معصومون بلاغياً ايضاً.
كذلك: لايستخدم الامام (عليه السلام) ثلاث كلمات بمعنى خاص دون سواه،.. وهذا يعني: ان كل واحدة من هذه الكلمات ذات دلالة خاصة.. والآن ما دمنا نستهدف من قراءة هذه الأدعية والنصوص بان نعطي كلاماً لانتراجع عنه وهو: ان نتقدم لنصرة الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف): فلابد وان نعرف معاني الكلمات الثلاث، وهي: العهد والعقد والبيعة، والا كيف نقدم كلاماً لا نعرف دلالته وخصوصيته؟..
المصادر اللغوية تشير الى فوارق محددة بين هذه التعبيرات الثلاثة..:
1 ـ العهد: يحصل من طرف واحد (كما لو عاهد شخص ما نفسه على نصرة اخيه مثلاُ)..
2 ـ العقد: فهو الشد والوثاقة بين طرفين (كعقد طرفي الحبل مثلاً) ولهذا سمي عقد البيع أو عقد الزواج عقدا لأنه يعقد ويربط بين طرفين...
3 ـ البيعة: البيعة تعني في الأساس التعاقد والتعاهد. فهي تجمع الأمرين الأوليين (العهد والعقد).
فهي اصطلاح قد استخدم لتولية شخص ما ادارة هذا المجتمع او ذاك مثلاً.. وذلك وفق طقوس خاصة (كمدّ اليد ومسك يد المتولي المذكور، تأكيداً للتولية المشار اليها...).
اذن: نحن الآن امام ثلاثة انماط من الاظهار لما في انفسنا من عواطف خاصة حيال الامام المهدي (عليه السلام):
هي: ان نعاهد انفسنا بنصرته.. وهو امر يتم من طرف واحد.. ولكن ماذا بالنسبة الى العقد والبيعة حيث لامناص من وجود طرفين فعليين.. لذلك نتساءل: كيف لنا باتمام العقد والبيعة (مع ملاحظة ان الطرف الآخر غائب عنا)؟..
هنا: تتحدد الاجابة بوضوح حينما نقول: ان الطرف الاخر اما ان يكون موجوداً (بالفعل) او (بالقوة)، اي: ان يكون حاضراً وجهاً لوجه، او يكون حاضراً بالقوة، اي: الشكل الغائب من الحضور: اذا صحّ التعبير..
أننا في هذه الادعية والزيارات نمر بثلاث مراحل من الارتباط بالإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف)
المرحلة الاولى هي: اعطاء من جانبنا لانفسنا أن نقوم بنصرته (عليه السلام)،
المرحلة الثانية: ثم نوثقه بالعقد، بأن نربط أنفسنا بالإمام ونقيم معه علاقة ونقوم بتقوية هذه العلاقة وتجديدها دائما.
المرحلة الثالثة: نتصاعد بتلك العلاقة إلى درجة مدّ اليد لمبايعته: تأكيداً لما صممناه داخل انفسنا، ووثقناه، ونعيش حالة من استشعار حضور الإمام في حياتنا.
إذا استطاع الإنسان المؤمن أن يمر بهذه المراحل الثلاث حتى الوصول إلى المرحلة الثالثة، فقد تهيأ لنصرة الإمام وصار مستعدا لذلك، ووجود هذا النوع من الأنصار هو أحد شروط الظهور المبارك، ولعله أهمها (توافر الكتلة العقائدية المستعدة لنصرة الإمام)
لماذا هذا الحث والتأكيد على البيعة وتجديدها في كل يوم وكل مناسبة؟
لأمرين:
الأول: للمؤمن، فقد ورد في الأحاديث المستفيضة أنه: "من مات وليس في عنقة بيعة لإمام زمانه مات ميتة جاهلية".
الثاني: للإمام، حيث نعلم أن شرطا من أهم شروط الإمام هو توافر الكتلة العقائدية والعدد الكافي من الإنصار لينهض الإمام، فبتجديد هذا العهد والعقد والبيعة يوميا قد يحصل العدد المطلوب إضافة إلى توافر الشروط الأولى فينهض صاحب الأمر.
نسأل الله تعالى ان يوثقنا فعلاً الى ذلك وأن يجعلنا وجميع المؤمنين والمؤمنات من أتباعه وأشياعه، "اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه، والمسارعين أليه في قضاء حوائجه والمستشهدين بين يديه،...".