عبادته عليه السلام
1-قال الإمام الباقر عليه السلام : كان علي بن الحسين عليه السلام
يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة ،
وكانت له خمسمائة نخلة وكان يصلي عند كل نخلة ركعتين ، وكان
إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته
قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد
من خشية الله ، وكان يصلي صلاة مودع يرى أنه لا يصلي بعدها أبداً .
2-أصفر لونه من السهر ، ورمضت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته
وانخرم أنفه من السجود ، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة ،
وكان إذا حضرت الصلاة اقشعر جلده ، واصفر لونه وارتعد كالسعفة .
3-قال الإمام الباقر عليه السلام : إن فاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام
لما نظرت إلى ما يفعله ابن أخيها علي بن الحسين عليه السلام بنفسه
من الدأب في العبادة ، أتت جابر بن عبدالله الأنصاري فقالت له : يا
صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لنا عليكم حقوقا ، ومن
حقنا عليكم : إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهاداً أن تذكروه الله ، وتدعوه
إلى البقيا على نفسه ، وهذا علي بن الحسين عليه السلام بقية أبيه الحسين
عليه السلام ، قد انخرم أنفه وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه ، آداباً منه
لنفسه في العبادة .
قال : فأتى جابر فوجده في محرابه قد أضنته العبادة ، فنهض علي
عليه السلام فسأله عن حاله سؤال خفياً ، ثم اجلسه بجنبه ، فاقبل
جابر عليه يقول : يا ابن رسول الله أما علمت أن الله تعالى إنما
خلق الجنة لكم ، ولمن أحبكم ، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم ، فما
هذا الجهد الذي كلفته نفسك ؟
قال له علي بن الحسين عليه السلام : يا صاحب رسول الله أما علمت
أن جدي رسول صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه
وما تأخر ، فلم يدع الاجتهاد له ، وتعبد بأبي هو وأمي حتى انتفخ
الساق ، وورم القدم وقيل له : أتفعل هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك
وما تأخر ؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً .
فلما نظر جابر إلى علي بن الحسين عليه السلام ، وليس يغني فيه
قول من يستميله من الجهد والتعب إلى ما القصد ، قال له: يا ابن
رسول الله البقيا على نفسك ، فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء ،
ويستكشف اللأواء ، وبهم يستمطر السماء .
فقال له: جابر لا أزل على منهاج أبوي مؤتسيا بهما صلوات الله
عليهما حتى ألقاهما .
فاقبل جابر على من حضر فقال لهم: والله ما رؤي في أولاد الأنبياء
بمثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب عليهم السلام ، والله لذرية
علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب ، وإن منهم لمن
يملأ الأرض عدلأً كما ملئت جوراً