القرآن الكريم وحي يوحى وتنزيل يتنزل لم يكن بدعاً من حديث السماء الذي أوحى به الله على أنبيائه ورسله المصطفين الأخيار وقد حفظ الله هذا القرآن بكتابته في السطور ونقشه في ألواح الصدور فلم يُحط كتاب سواه بمثل العناية التي أحيط بها ولم يصل كتاب كما وصل إلينا بتواتر سوره وآياته وألفاظه وحروفه فهو كتاب الله المجيد الذي: (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(1) وهو الذكر الذي لم ينطق إلا بالحق ولم يعلّم إلا الهدى وقد تعهده الله سبحانه بالحفظ من عبث السنين وتحريف العابثين فقال عزّ وجلّ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(2). كيف نفهم هذه الآية المباركة في ضوء بعض الروايات المدوّنة في كتب المسلمين والتي يستفاد منها وقوع الزيادة والنقصان في القرآن؟ وماذا عن مصحف فاطمة وغيره من المصاحف التي يظن بعض العامة من الناس أنها قرآن غير هذا القرآن؟ ثم أو ليس التأويل الذي لا يستند إلى علم أو حديث صحيح هو لون من ألوان التحريف الذي يخدش بحقيقة حفظ القرآن؟
(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) قالوها على سبيل السخرية والاستهزاء فقد نادوه بهذا النداء في الوقت الذي كانوا ينكرون عليه نزول الوحي من قبل الله وربما كان الإتيان بالفعل المبني للمجهول للإيحاء بالجهل بالجهة التي كانت مصدر هذا الذكر لديه ممّا يبعث على عدم الوثوق به إنك لمجنون لأنك تدعي أمراً لا يدعيه ذو عقل ممن يزن الأمور ميزان العقل وكيف يمكن لبشر أن يدعي نزول الوحي عليه من السماء وهو أمر لا يمكن حدوثه للبشر لأن للنبوة علامات لا نجدها عندك لو ما تأتينا بالملائكة معك ليشهدوا لك بما تدعيه فذلك هو السبيل الوحيد للدلالة على أن هناك علاقة بينك وبين العالم العلوي الذي يمثل الملائكة جزءاً منه إن كنت من الصادقين فيما يفرضه الصدق من دلائل وعلامات.
(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) وهذا جواب الله لهم فيما اقترحوه فإن الله لا يحدث أي أمر خارق للعادة، كنزول الملائكة إلا بالحق الفاصل الحاسم الذي يستتبع نزول العذاب عليهم في حال إنكارهم له فلا ينظرهم الله بعد ذلك ولا يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة وتلك هي سنة الله في عباده عندما يستجيب لهم فيما يقترحونه من معجزات فلا يمهلهم بعد ذلك إذا استمروا على التمرد ولعل هذا التفسير لكلمة الحق هو أقرب الوجوه لأجواء الآية والله أعلم.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) الذي تواجهون آياته بأساليب السخرية من دون وعي أو مسؤولية لأنكم لا ترتكزون في موقفكم من الرسالة من موقع التأمل والتدبر لتعرفوا عمق الإعجاز في ذلك كله وتلتفتوا إلى أن الله هو الذي أنزل آياته لتكون نوراً وهدى للناس وأن البشر لا يمكن أن يأتوا بسورة من مثله لأن خصائص الإبداع في الشكل والمضمون فوق قدرتهم (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) من الضياع ومن التحريف ليبقى وثيقة إلهية معصومة ثابتة ليرجع الناس إليها في كل جيل عندما تشتبه الأمور وتضطرب الأفكار وتختلط المفاهيم وتحرك التيارات المضادة أو التحريفية وتكثر الأكاذيب على صاحب الرسالة فإن القرآن هو الذي يبقى المرجع المعصوم الذي يمثل الحقيقة الإلهية في كل آياته والميزان الصادق الذي يمكن للناس من خلاله أن يزنوا به الحديث الصادق من الكاذب عندما يعرضون التركة الكبيرة المثقلة من الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأن ما خالف كتاب الله فهو زخرف على ما جاء به الحديث عن أئمة أهل البيت وذلك من خلال الإشراق الداخلي في آياته بالمستوى الذي لا يمكن أن يشتبه فيه الأمر على أحد بحيث يستطيع العارف بخصائص الأسلوب القرآني أن يكتشف سر الزيف في كل كلمة تضاف إلى القرآن فيما يضعه الواضعون أو يحرفه المحرفون فلا تقترب الكلمة من الآية لا لتبتعد عنها فلا تؤثر على سلامة النص القرآني في وعي المسلمين.. وهذا هو ما نلاحظه في إجماع المسلمين إلا شاذاً منهم على أن النص القرآني الموجود بين الناس فيما بين الدفتين هو كل ما أنزله الله على رسوله من دون زيادة أو نقصان وإن الباطل لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه.