دخلت وانا شماغي على كتفي وماسك عقالي في يدي وحالي دمار, لقيت مو بس اخوانه حتى اعمامه واخواله وزوج اخته بعد، الكل كان متواجد, لما شافوني تغيرت وجيههم وحضنوني بحراره, كلهم اعرفهم ويعرفوني زين عرفت اني ذكرتهم فيه لما شافوني حتى واحد من اخوانه ما رضى يتركني كنه بتعلقه فيني يحس انه مع اخوه خالد والغريبه انهم كانوا يعزوني بدال ما انا اعزيهم , المهم جاني طلال وعلامات التاثر باينه في وجهه..تبي ادخل معك؟؟؟احنا تونا طالعين... قاطعته...لا لا بدخل لحالي... كانت هاذي اول جمله انطقتها من اول ما دخلت للمغسله حتى لما عزوني ما رديت عليهم..
تعوذت من ابليس وبديت اذكر الله و دخلت في الغرفه اللي دلوني عليها كانت فيها روايح غريبه الريحه اللي قدرت اعرفها هي ريحه المسك والصابون, الظاهر ان الرجال اللي كان فالغرفه هو المغسل, وقفت في مكاني عند الباب ماكنت عارف وش اسوي؟!! قرب جنبي و كان شخص يميل للقصر ,ابيض, لحيته طويله وصاحب ملامح سمحه, حط يده على كتفي وحس بالرعشه اللي تهزني كنت اطالعه بنظرات استغاثه... وبصوت وقور قال...عظم الله اجرك ياولدي واحسن الله عزاك ,الله يلهمكم الصبر والسلوان, قبّل جبهته وادع له بالثبات عند السؤال, وباللي يجي في بالك... كنت اطالعه وانا اشهق بدون دموع وطلع من الغرفه..
شوي شوي قربت من عنده وشفت منظر في حياتي ما مر علي مثله, حسيت الدم وقف في عروقي لما شفته انهارت كل حصون المقاومه والصبر اللي بنيتها , ما ادري وشلون اشرح الوضع كانوا حاطينه على شي زي الطاوله ومرتفعه عن الارض بمسافه قليله ,مغطين جسمه بشراشف بيضاء الا وجهه وجزء من صدره, كانت عينه وجزء من جبهته متحوله للون الازرق من فعل الصدمه اما خده ورقبته كانت فيها جروح بسيطه ,لكن واضح ان تركيز وقوه الصدمه كلها جت على صدره, كان زي اللي نايم بس بدون أي اثر للحياه والظاهر اني ما صدقت الخبر لين شفته بعيوني, فقدت اعصابي في ذيك اللحظات وصرخت صرخه مريعه، حضنته بين يديني وقعدت اصيح بحرقه زي الاطفال, دخلوا علي بعض اخوانه يوم سمعوا صوتي وحاولوا ياخذونه مني لكني كنت متمسك فيه بقوه.. يابندر قل لا اله الا الله لا تسوي في نفسك كذا ترى ما يجوز...وانا اصرخ من كل قلبي احس اني فقدت عقلي للحظات... اتركوني خالد يا اخوك رد علي , كلمني ياخالد ,طلال خالد ليش بارد؟؟ليش تاركينه كذا؟؟ ليش ماغطيتوه؟؟ حرام عليكم... نزل راسه وانسابت الدموع من عيونه...انا الله وانا اليه راجعون...تعال معي يا بندر تعوذ من الشيطان وخلنا نطلع...وانا احاول اكلمه..ياخوك وين رحت وتركتني؟!!انا من لي غيرك ياخالد؟؟.. ودموعي سيول واخوانه يحاولون يفكون يدي عنه..
وبعد جهد قدروا ياخذونه من بين يديني بعد ما بين اثر ضغطي على جسمه، وانا منهار وفي حال مايعلم فيها الا الله سبحانه, كل لحظه انادي بأسمه..جابوا لي كرسي وقعدوني عليه وانا كني معهم ومو معهم... واحد من اخواله شيخ كبير من الناس اللي فيه خير وصلاح والله هاديهم قعد يمسح على راسي وصدري ويقرى علي قرآن لين هدت نفسيتي شوي ناظرت فيه...خالد صدق راح يا خال؟!...شد على يدي وهز راسه ورجعت دموعي ويدييني على راسيوانا اهز على الكرسي..مايصير يا خال والله ما يصير...قعد يستغفر وانا على حالي، كنت مفجوع الله لا يفجعكم في حبيب...
رحنا نصلي عليه كان المسجد مليان واللي برى اكثر من اللي داخل, كان الله يرحمه رغم صغر سنه انسان محبوب من الجميع صغار وكبار, وفي المقبره مع الزحمه وكل هالعالم اللي حولي الا اني حسيت بوحده رهيبه,كنت بعيد عن الجماعه ما ابي احد يعرفني او حتى يشوفني رغم اني عارف ان الكل يسأل عني تلثمت بشماغي ولبست نظارتي الشمسيه ووقفت بعيد عنهم.
جاني تركي واللي كان له غلا كبير عند خالد بحكم انه الصغير وكان دايم يقول انه رغم صغر سنه الا انه كان حكيم ويفهم اكبر من عمره بكثير,كان عمره تقريبا ذاك الوقت12سنه سلم علي وحضنته وانا احاول اتماسك قدامه ولكم ان تتصورون مقدار صعوبه الأمر خاصه انه يشبه خالد كثير قال لي:بندر خالد كان يعزك اكثر من أي واحد في هالمكان وكلهم مجتمعين حوله الا انت!!لا تتخلى عنه في هاللحظات عشان ما تندم باقي حياتك, تشجع وادع ربي انه يصبرك بس لا تحاول انك تهرب من احزانك بهربك من هالموقف... كانت كلمات عظيمه اثرت فيني وشفت في هالطفل اللي فقد اخوه في حادث مفجع الصبر بمعناه الحقيقي,لميته لصدري مره ثانيه وكنا نواسي بعض بخسارتنا الكبيره, مسكت يده وتوجهنا لهم...استعدوا للدفن وسمعت اخوانه ينادوني...قلت لهم اني انا اللي بنزل فالقبر واحطه ونزل معي واحد من اخوانه يساعدني...سلمونا اياه من فوق وحطيته وانا ادعي له واذكر الله طول الوقت,كان ودي لو اجلس معه اوحتى اشوفه واسمع صوته لاخر مره لكن عرفت ان شمسي غابت خالد ((الرمت)) غاب من حياتي وهالحياه للابد.
**************************
(9)
بعد وفاته رجعت ذاك الطفل الكتوم المنطوي على نفسه...انا تركت قلبي معه لما تهاوشنا,ولما راح..راح قلبي معه, ابتعدت عن الناس والعالم فتره طويله كنت فاقده بشكل خيالي واللي يحز في خاطري اكثر لما اتذكر انه توفى واحنا بعيدين عن بعض يعني16سنه عمرنا ماتفارقنا وقبل اقل من شهر على وفاته نتهاوش!!! اللهم لا اعتراض راضي بقسمتك وحكمك يارب,لكن املي فيه انه كان فاهمني وعارف اني ما اقدر استحمل زعله وقلبي ما يشيل عليه واني زي ما قال مهما حاولت آكابر وانساه مصيري ارجع له..
بعد عدة اسابيع على وفاته عطاني طلال دفتر وقال:هذا كان من اغراض خالد الله يرحمه واظن ان من حقك تتطلع عليه وتحتفظ فيه بعد اذا ودك, لما شفت الدفتر تذكرته على طول كنا يوم انا واياه في المكتبه بنشتري كتب للجامعه وشاف الدفتر وعجبه وقلت له هذا مايصلح للمحاضرات ياعمي قال عارف بس تدري وش باستخدمه فيه؟! بكتب فيه مذكرات لكن مو أي شي الاحداث المهمه في حياتي بس, اذكر اني ضحكت عليه من قلب وقلت له انت من جدك؟!!والله ما تصلح لك هالحركات ونسيت الموضوع بعد كذا,فتحت الدفتر وكان مكتوب بالصفحه الاولى:
بالرغم من اني اعتقدت ان اليوم الذي ستملئ به هذه الصفحات لن يأتي ابدا, الا انه اتضح لي عكس ذلك.
وعدت يوماً اني لن اكتب به غير احداث مهمة من حياتي ...احداث تستحق الكتابه وقد جاء هذا اليوم بالفعل...فاليوم أخطأت في حق صديق عمري ورفيق طفولتي.
بعد هاذي الكلمات القليله بعددها والكبيره بمعناها في قلبي لقيت بعض ابيات الشعر:
بندر حرك ضميرك واعترف اني وفيت
سيرة النكران هاذي فضها واذكر غلاي
اعترف بسك تكابر منت واصل ما بغيت
ريح عنادك وخلنا انتفاهم باللي جـــاي
لا تحاول تمتحني ما خذيت؟!الا خذيــت
قلبي الغالي بلاش وما تركت الا شقاي
صح في لعبة غيابك زاد شوقي وابتليـت
بس لاتظلم تراني ما صبرت الابرضاي
ما دريت ان المحبه قاسيه لكن دريت
خطوه المليون جرح وافقت دربي وخطاي
كم تذكرت الليالي وانت يا خلي نسيت
ومن تناسى صدق ذاته ويش اقول الله معاي
يابني آدم تلاحق خاطري لامن طريت
خلك الطيب وحاول تكسب الوقت بوفاي
لا تخليها معاند أن قويت او ما قويت
القوي الله((ياعمي)) وانت تدري عن مداي*2
وبعد كذا انهى كتاباته بهالبيت:
خسرت ولا ربحت الا قليل من الصبر وجراح
ربحت بندر وان خسرت العمر عسى تحييني اوراقي*2
وهذا كان اللي مكتوب بكل هالدفتر بس,الدفتر عنده قبل اكثر من اربع سنين وهذا اللي مكتوب فيه, ولاشي اعتبره مهم في حياته الا هوشتنا, ما ادري اذا كان حاس بموته من قبل والا البيت جا كذا المهم لميت الدفتر لصدري وقعدت ادعي له.
كنت اقعد مع طلال بعض الايام ومره قال لي ان في آخر سفره لخالد مع اهله واللي ماراح معهم طلال فيها قال له: ماوصيك على بندر ياخوي لا تخليه يحس اني مو موجود خلك حوله دوم..كمل كلامه وانا ماسك دموعي اللي اتعبتني...ادري انه مافي شيء يخليك متحس انه مو موجود مثل ماقال وما في شيء يعوضك او حتى يعوضنا بس ترانا كلنا حولك حتى ابوي يسأل عنك دايم...رديت وانا اغالب الدموع وافكر في حال اهله من بعده...ماتقصرون... حاولت اشكي له شوي يمكن اخفف من هالألم الفظيع اللي احس به.. والله انه ماعاد لي قلب ياخالد--.. يوم حسيت اني غلطت بالأسم خلاص انهرت وفضحتني دموعي..
رجعت للبيت وبعد فتره دخلت ريم علي تحاول تواسيني وتطلعني من دوامه الحزن اللي انا فيها...بندر يا اخوي كل شوي والله اني خايفه عليك..كانت جايبه عشاء لكني صديت عن الأكل...طلبتك ياريم والله ما اشتهي شي...هزت راسها..ياخوي فضفض وطلع اللي في قلبك انا اختك وحاسه فيك ما يصير تكتم كل هالالم في قلبك...رفعت راسي... وشلون تبيني اتكلم يا ريوم الوحيد اللي قدرت اشكي له في يوم راح وخلاني خالد راح ياريوم وتركني في هالدنيا لحالي...استغفر ربك يابندر هالكلام ما يطلع من واحد مثلك انت انسان مؤمن وتعرف الله, وبعدين حرام عليك تضغط على نفسك وتحملها هموم فوق طاقتها تتوقع خالد الله يرحمه يرضى لك بكذا..امتلت عيوني بالدموع زي كل مره اسمع فيها اسمه وانا احاول اخفيها عنها..مسكت يدي..لا تحاول تخفي دموعك ياخوي طلع اللي في قلبك اللي فقدته مو شوي، انا ياخوي جايه اقول لك ترانا كلنا معاك وحولك في أي وقت تحتاجنا فيه... ياريم انا شفت الدنيا على يده لكنه ماعلمني اعيشها بدونه، انا خسرت القلب الكبير، من بعده صرت اشوف كل شيء حزين، الدنيا ياريم ماعاد لها طعم بدونه، ليت الزمن يرجع و--ضغطت ريم على يدي...لا تعذب روحك ياخوي كلمة ياليت ماتنفع وهذا قدر الله..
ورغم مرور السنوات على وفاته الا اني عمري ما نسيته اوحتى راح من بالي عايش داخلي دايم وادعي له بالرحمه والمغفره كل الأوقات, رحت للعمره ادور الراحه النفسيه بالقرب من الله تذكرت وانا اطوف لما اعتمرت انا والشباب العام الماضي، قسمنا نفسنا عشان الزحمه كان خالد ماسك يدي و يمشي فيني بين الناس وانا اقرى من كتاب الادعيه وهو يأمن، ولما رحت اشرب من زمزم تذكرت شكله وهو يصب المويه على راسه وجسمه كنه في بيته واحنا نقوله ترى وراك سعي ما راح تعرف تمشي واحرامك مليان مويه و يرد "واذا صار؟!!والله ماعندكم سالفه هاذي بركه يالله سوو مثلي بلا دلع" ،وفي السعي لما شفت العربات تذكرته لما كنت اجره بالموت عشان ما يوقف وهو يأشر على العربات"الله يخليك خلنا نقعد شوي خلاص يابندر رجلي ما تشيلني خلنا نرتاح شوي والا شرايك نستأجر عربه وانت تدفني؟!" ...وانا اهاوشه على كلامه واجره بالقوه...خالد تراك اذيتني قسم بالله البزران مايسوون مثلك...ولما جينا نتحلل كلنا قصرنا شعورنا الا هو حلق شعره كله، كنت دايم في اي عمره اقصر شعري لكن هالمره حلقت.. واخيرا لما رجعت حافي للفندق زي ما كان يسوي خالد تذكرت لما خليناه ينام على الأرض فالغرفه وشكله وهو يهمز رجله بعد تعب العمره وهو يتأفف: ياسلام عليكم بتنوموني على الأرض هالسنه بعد؟؟ ترى ما بيني وبينكم الا شهور، حرام عليكم مو كل مره بندر وسامي ياخذون الأسره في هالغرفه المفروض يصير فيه تناوب!! فالغرفه الثانيه يتناوبون مو انتم يالظالمين...بس محد عطاه وجه ولما قام الصبح كان يشتكي من ظهره وانا اضحك على طريقة مشيته...امش زين لا تنصب والعمره الجايه انشا الله بتنام عالأرض بعد رد علي..هين يابنيدر ان ما خليتك انت تنام على الأرض انا مب خالد... سبحان الله دنيا دواره.. هالسنه اعتمرت لحالي ونمت عالأرض وتركت الأسره فاضيه، ولما قمت الصبح وحسيت ان ظهري يوجعني ابتسمت بحزن استقبلت القبله وقعدت ادعي بحراره ودموعي تنهمر...يارب اغفر له تراي احبه فيك، ياربي ارحمه و برد علي وامسح على قلبي واجمعني فيه..كانت هالعمره الله يتقبلها لخالد...
التعديل الأخير تم بواسطة نسايم ; 28-03-2009 الساعة 05:16 PM.