بعد سنوات من غرقه في أوهام العشق والحب والانقياد لإملاءات العاطفة، وعدم الاحتكام لنداءات العقل والمنطق، وبعد أن جوبه بالصدود والغدر من الحبيب، بعد ذلك كله قرر أن يجعل عقله قائدا، و أن لا يرتمي بسهولة في أحضان العاطفة والوهم، ويحصد بعدها الأحزان والعذابات. فأقال قلبه ونصّب عقله مرشدا.
سأقيلُ.... قلبي
ويكاد يستجدي المـدادُ قريحتـي
لتؤمّ ساحـل مقلتيـكِ وتبحـرا
**
وقريحتـي اتخـذتْ قـرارا أنهـا
في سطر رمش ساحر لن تحضـرا
**
فلطالما احترقت حروف قصائدي
بجمار عشق أضمرتْ رمش الكرى
**
و لطالما غـرق الخيـالُ بلجّـة ٍ
للعشق خادعتْ الفـؤادَ لتغـدرا
**
ولذاك قد هجرتْ زوارقُ رحلتـي
تلك السواحلَ للهوى والأبحـرا
**
سأراوغ الكلمات كي تسلو الهوى
و أراوغ الموجاتِ كي تتكسّـرا
**
و أقلّم الألحان إنْ عزفت هـوىً
و أشذّب الأقلام كي لا تسكـرا
**
انأيْ بسحرِكِ عن جموحٍ في دمـي
لولاه لم يجر ِ لقلبـي مـا جـرى
**
أرجوكِ انـأيْ فالغـرام أذلّنـي
و اغتالَ من صدري سروراً غامرا
**
نقعَ الجفونَ بمـاء سهـد مؤلـمٍ
و أحالنـي متحطّمـاً متبعـثـرا
**
أرجوكِ فانأيْ وامنحينـي فرصـةً
لأرمّم القلب الكسيـر و أجبـرا
**
لأرمّم الأفكارَ عن وهـم الهـوى
و أعودَ بالنسر الجريح إلى الذرى
**
داهنتُ كل جراح قلبـي للهوى
قد آن أن تخبو الجـراحُ وتخـدرا
**
و قبرت أحلامي لأجـل محبـة ٍ
بل إنّ ذاتي أوشكـتْ أن تُقبـرا
**
أنكرتُ ذاتي في الغـرام وبعدهـا
كان الجزاء بأنْ أُصدَّ و أّنكَـرا !
**
هيهاتَ يا ريح الهـوى أن ترتمـي
في حضن أشرعتـي و أن تتجبّـرا
**
إنّ الحيـاةَ مليئـةٌ بسـعـادة ٍ
لمَ يَنشُد القلبُ الجهولُ تكدّرا ؟!
**
لمَ يشعلُ الصـدرُ الغبـيّ جمـارَه
مادام يقدر أنْ يعانـق كوثـرا ؟!
**
و لمَ الشفاهُ تظـلّ تحمـل آهـة ً
و بها كثيرُ تبسّم ٍ مـا حُـرّرا ؟!
**
سأعزلُ قلبي عن قيـادة رحلتـي
ليكون عقلـي قائـداً و مقـرّرا
**
جرّبتُ ذاك القلبَ، كان طموحُه
ليس الشطوطَ بل العُبابَ مزمجرا!
**
تبعَ الهوى ما كان يحسـبُ أنّـه
بمسيره خلف الهوى لـن يظفـرا
**
ظـنّ الهـوى حوريـةً لكنّمـا
كان الهوى وحشَ البحار مدمّـرا
**
ظنّ الهوى كنـزاً ثمينـاً وافـراً
وإذا الهوى لغم الهـلاك تفجّـرا
**
ناضلتُ كي أنأى بعيـداً هاجـراً
ليلاً به تبقـى الجفـون سواهـرا
**
وتقلّـبـاً و ترقّـبـاً وتحـيّـراً
وكآبـةً و مــرارة وتـوتّـرا
**
حطّمتُ قيداً قـد أذاب عزيمتـي
و أدام في عظم الطموح تكسّـرا
**
والآن أشهدُ بعض نورٍ في غـدي
و أرى بأرض السعدِ غصناً أخضرا
**
و لديّ أمنية ٌ بأن يبقـى الهـوى
عنّي بعيـداً كـي أظـلّ محـرّرا
****