إن ساعة الاحتضار ساعة ثقيلة على النفس.. هل يمكن لأحد أن يتصور حالة الألم والعذاب الذي يصيبه، إذا تم استخراج ظفر من بدنه وهو حي؟!.. لا شك أنه سيعيش العذاب الذي لا يوصف، فكيف إذا أريد فصل روحه عن بدنه؟.. هذهالعلاقة الوطيدة، حيث أن هذه الروح رسخت في هذا البدن منذ تكوين الإنسان في رحم أمه، وبقيت لمدة ستين أو سبعين أو مائة سنة معه وفيه. ولهذا فإن الحل الجامع لكل هذه الأحوال، هو عبارة عن تصفية الحساب.. إن بعض الذين ذهبوا من الدنيا، لم يشعروا بالموت إلا بما يشبه وخز الإبرة، وإذا به ينتقل من الدنيا إلى نعيم لا يوصف!..
- إن المعاصي أنواع: فهناك ما هو مرتبط بين العبد ونفسه، والمعاصي التي بين العبد وبين الله، كما تقول في المناجاة: (إلهـي!.. لم أعصـك حيـن عصيتك، وأنا بربوبيتك جـاحـد، ولا بأمـرك مستخـف، ولا لعقوبتـك متعـرض، ولا لوعيـدك متهاون.. لكـن خطيئـة عرضت وسولـت لـي نفسـي، وغلبنـي هواي، وأعاننـي عليها شقوتـي، وغرني سترك المرخى علي).. وهذه المعاصي يمكن أن يتداركها الإنسان من خلال: قراءة الأدعية، والمناجاة، والبكاء، والتأمل.. فرب العالمين ينظر إلى قلوبنا، لذا علينا أن نستحضر ذنوبنا التي من هذا القبيل، ونشعر أنفسنا الندامة، ونقول بنحو المناجاة: (إلهي!.. إن كان الندم على الذنب توبةً، فإني وعزّتك من النادمين.. وإن كان الاستغفار من الخطيئة حطّةً، فإني لك من المستغفرين).
- أما الذنوب المتعلقة بالغير ولكنها مالية: كأن يكون الإنسان سرق مالاً، أو أكل مالاً.. فإن الاستغفار وحده لا يكفي، بل عليه أن يدفع كل ما في ذمته ولو فلسا واحد!.. ومن هنا، فبالإضافة إلى دفع الخمس، لا بد من إبراء الذمة مما يسمى رد المظالم ومجهول المالك، وذلك بدفع مبلغ زهيد في كل سنة، إذ لعله خدش سيارة -مثلا- وهو لا يدري، أو أنه أوقف سيارته في مكان غير مناسب، فضيق على الآخرين وأخذ الكثير من وقتهم ومالهم، بسبب هذا التصرف، وغيرها من الأعمال التي لا يشعر بها الإنسان.. فهذا مما يحاسب عليه يوم القيام!..
- أما ما يتعلق بالغير، ولكن ليس بأمور مادية، كأن يكون سببًا في انحراف وإغواء إنسان.. فمع الأسف هناك بعض الشباب أو الشابات ممن تسوّل له نفسه أن يدخل في حياة فتاة فيحرفها عن المسيرة.. فرب العالمين لا يتجاوز عن هذه الجريمة بسهولة. فبالنسبة إلى الشاب هو قام بعمل بسيط نظر نظرة إلى تلك الفتاة، ولكن هذه النظرة أشعلت فيها الفتنة والشهوة، ثم تخلى عنها.. فهذه الفتاة التي كانت على سجيتها وفطرتها، أصبحت ساقطة في نظر عائلتها ومجتمعها، وذلك بسبب هذا الشاب المستهتر، وكذلك فإن كل خطيئة ترتكبها هذه البنت، له نصيبه منها.
إن نقمة الله -عز وجل- في مثل هذه المناسبات عظيم جدا!.. {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}؟.. فهو يمهل، ولكن لا يهمل!.. ولهذا فإن هذا الشاب قد يتقدم للكثير من الفتيات ولا يزوّج، وأخيرًا نرى مصيره في عالم الإدمان والمخدرات، والسجون والفحشاء والمنكر. فهذا جزاء خيانته لبنت من بنات المسلمين.. وكذلك من يذهب إلى بلاد الغرب من أجل الدراسة، فيبقى هناك ويتزوج، وإذا بأولاده وأحفاده يعتقدون بديانات مختلفة.. فهو المسؤول عن انحراف هذا الجيل وغيره!..
- إن البعض يقول: من يلتزم سورة "يس" قبل النوم يخفف عنه السكرات.. فآية: {سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}؛ أي يوم القيامة رب العالمين يقول: سلام عليك يا عبدي.. فلو وصل العبد إلى درجة يتلقى السلام من الله -عز وجل- فإنه يعيش السلم والسلام والأمن والأمان إلى يوم لقاء الله عز وجل.
إن القضية لا تحل بمجرد قراءة سورة "يس"، ودعاء الفرج، أو بمجرد شراء كفن برد يماني ويكتب عليه دعاء الجوشن.. فهذا جزء العلة، ومن الأمور المساعدة.. أما الأصل فهو أن تمحى هذه الملفات.. ولذلك على الإنسان أن يكتب في ورقة ما عليه من ديون أو رد مظالم، إذا لم يتمكن من الدفع.. ولكن الكارثة في هذه البنت التي قضي عليها وانحرفت، وأصبحت على رأس طائفة منحرفة، وأخذت هذه الشبكة تنتشر كخيوط السرطان في بدن المجتمع.. كيف يكون الإصلاح في مثل هذه الحالة؟.. ليس هنا إلا رحمة الله فقط وفقط.
- إن رب العالمين يكون انتقامه في الدنيا قبل الآخرة، لذا فلنحذر هذه العواقب المخيفة السيئة!.. إذ قلما وفق شاب قضى حياته في الفجور والمجون، لعائلة مستقرة: فإما يبتلى بزوجة بين الطلاق والمحاكم، أو بزوجة لا تلتزم بالحجاب، وإما يرزق بذرية إما معوقة، أو ذرية تنكر جميل الأبوين.. ومن مصاديق الحجاب، الحجاب القلبي.. وأن يكون القلب طيبا، وغير حقود.. إذا أراد الله –عز وجل- بعبد خيرًا، وفقه بزوجة صالحة تفهمه.. إن جزاء رب العالمين لأمير المؤمنين مقابل تحطيمه للأصنام في الكعبة، ومقابل مبيته على فراش النبي، ومقابل سيفه ذي الفقار.. أفضل جائزة قدمها الله لعلي، أن رشحه للزواج من فاطمة صلوات الله عليها. فلما ماتت الزهراء، علي مات أيضًا معها عندما قال: "نفسي على حسراتها محبوسة يا ليتها خرجت مع الزفرات.. لا خير بعدك في الحياة".. فإذن، إن عذاب البرزخ لا علاج له ،إلا الرحمة الإلهية الغامرة، وإرجاع الحقوق لأصحابها.
- إن من موجبات ضيق القبر:
أولا: سوء الخلق مع الأهل: عن الصادق (ع) قال: (أتي رسول الله -صلى الله عليه وآله- فقيل له: إن سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله -صلى الله عليه وآله- وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب. فلما أن حُنّط وكفّن وحمل على سريره تبعه رسول الله -صلى الله عليه وآله- بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة، حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وآله- حتى لحّده وسوّى اللبن عليه وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً يسدّ به ما بين اللبن. فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن الله يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه. فلما أن سوّى التربة عليه قالت أم سعد: يا سعد هنيئاً لك الجنة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: يا أمّ سعد مه!.. لا تجزمي على ربّك، فإن سعداً قد أصابته ضمة. قال فرجع رسول الله -صلى الله عليه وآله- ورجع الناس فقالوا له: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟.. فقال -صلى الله عليه وآله-: إن الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسّيت بها. قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة؟.. قال: كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله وصلّيت على جنازته ولحدته في قبره، ثم قلت: إن سعداً قد أصابته ضمة؟.. قال: فقال صلى الله عليه وآله: نعم، إنه كان في خُلقه مع أهله سوء.
لماذا ضيق القبر أو الضغط بسبب سوء الخلق؟.. لأن الإنسان يكون قد ضغط قلب الزوجة، فرب العالمين يضغط قبره.. فالقلب والقبر ألفاظهما متشابهة.. فمن يضيق على القلوب، يضيق عليه في القبور.. فالحساب دقيق، ورب العالمين لا يهمل أحدًا.