"أحس بالملل، لا يوجد لدى ما يحفزني لإنجاز الأعمال، تنقصني المتعة عند
القيام بأي شئ ... لا أريد أن أختلط بالناس ... أشعر بكسل شديد وعدم
الرغبة في عمل أي شئ ... أشعر بعدم اللذة عند إنجاز الأعمال ... افتقد
الشعور بالمتعة عند القيام بأى شىء ..."
وغيرها من العبارات الأخرى التي نسمعها ونشعر بها معظم أوقاتنا.
أحياناًً أتساءل إلى متى سيستمر هذا الشعور؟ وما هي كنية هذا الشعور، هل هو
ضيق من كل شىء يحيط بنا، هل هو ملل من الحياة أم هي حالة خمول، ضعف
إرادة، خذلان في المعنويات، هل هذه الحالة عادية أم مرضية، هل لها فترة
محددة ثم ستزول وحدها، أم عليَّ أن أقوم بشيء بهذا الصدد؟. وإن كنت أريد
أن أتخلص من هذا الشعور؛ فماذا عليَ أن افعل؟! والأهم ما هو السبب وراء
هذا الشعور الذى ينتابنى و ينتاب من حولي؛ الأصدقاء، زملائي في العمل،
جيراني؟. هل هو فيروس في الجو اسمه الملل، الضيق، أم هي حاله رتابة
ناتجة عن الروتين اليومي الذي لا يتغير؟
هل السبب فيما وصل إليه الإنسان نفسه أم البيئة المحيطة به ؟؟
دعونا نغوص فى أعماق النفس البشرية في محاولة للكشف عن أسباب هذا
الشعور وتأثير التغيرات الخارجية البعيدة علي النفس والمشاعر المتولدة.
يجد الإنسان بالفعل متعة كبيرة فى الاحتكاك بكل ما يتغير من حوله؛ تغير
المزاج أو حالته أو مواقفه أو الجو الذي يعيش فيه أو كل شئ يحيط به، لذلك
نجد حكمة الله فى خلقه لهذا الكون المتغير الذي يلائم الطبيعة البشرية فقد خلق
الله النهار والليل، الصيف والشتاء، السعادة والحزن، وإذا لم يكن أيضاً هناك
تغيير في حياتنا وفي كل ما يحيط بنا - وهى الحالة التى يمكن وصفها بحالة
الثبات-؛ فإن ذلك سينتج عنه بالطبع الشعور بالملل وعدم الرغبة فى الحياة.
إن من أكثر العوامل المؤثرة في النفس هو التجديد والتطور، والحركة . فمنذ
بداية تكوين الإنسان فهو في نمو مستمر وحركة دائمة، من ناحية التطور
البيولوجي للجسم، التطور الفكري والمعرفي بحثاًً عن الجديد للإستفاده منه؛
فمثلاً بالنظر إلى الطفل الصغير نجد أنه دائم السعي وراء معرفة كل شئ، حينما
يبدأ بالحركة فى المنزل يبدأ في لمس الأشياء والتعرف عليها وتبلغ سعادته
أقصاها حينما يتعرف على شيء جديد. من المثير أن هذه الصفة تظل ملازمة
للفرد مدي حياته في مختلف فترات نموه، ولذا نجد أن الجديد دائماًً يثير في
أنفسنا الرغبة وراء البحث و يشحذ طاقاتنا للتحرك ويعطينا قدراًً من المتعة
واللذة النفسية والشعور بأن "للحياة طعم".
لذا الشعور بالملل، الضيق، الخمول، ...الخ، وغيرها من مختلف المسميات
ليس إلا نتاج عملية ركود وكسل أو ممارسة الحياة بصورة روتينية، بحيث لا
يوجد الجديد فيما نقوم به، فنفقد الشعور بلذة ما هو جديد ونشوة ما هو خارج
عن الروتين اليومي.
* ولكي يتمكن الإنسان من التجديد بصوره دائمة بحثاًً عن تخطى حالة الخمول
والرتابة والروتين اليومي يجب أن يبحث في نفسه عن:
1- هواية يمارسها على نحو منتظم لأنها تساعده على التحرر من روتين
الحياة اليومي لا مانع من أن تكون بسيطة للغاية مثل حل الكلمات المتقاطعة أو
ممارسة رياضة فهي على الأقل تحل الكثير من الألغاز أو أن يترك كل شئ
خلفه وخارج نطاق تفكيره، وتمكنه من التعامل مع هذه الألغاز بطريقة تبعده
عن باقي العالم.
2- وماذا عن محادثة شيقة مع صديق؟ أنه بالشيء المفيد أيضاً وسيكون لها
أكبر الأثر عليه فى إعادة ترتيب أفكاره إلى جانب اكتسابه معلومة جديدة مفيدة
حتى لو كانت بسيطة خاصة إن كانت قائمة على الاشتراك مع الصديق في
مجالات اهتمامات واحده مثل الأدب، الاقتصاد، السياسة ... الخ.
3- ويجد بعضٌ آخر من الأشخاص متعتهم فى التجديد من خلال التنزه والترفيه
أو القيام بإجازات كمحاولة للتغلب على شعورهم بالملل وهو فى بعض الأحيان
حلاً مناسباً للتخلص من روتين الحياة اليومي، ولكن إذا كانت لها قيمتها
وأهدافها.
وفي حالة عدم وجود الدافع أو غياب مثل هذه القيم سيشعر الإنسان بعد مرور
فترة من الزمن أن تخصيص أو استقطاع وقتاً من حياته لهذا النوع من الترفيه
سيشعره بالسطحية والتفاهة.
والحل الأمثل للخروج من هذه الدائرة المفرغة "أخذ خطوة إيجابية" أو على نحو
أدق "البدء بجدية في أخذ خطوة إيجابية نحو التغيير".
إن التجديد والتغيير هو أكثر الثوابت في حياتنا التي نحتاجها باستمرار
كاحتياجنا للماء والهواء ... لا تبخلوا علي أنفسكم بالتجربة ...
فهي في حد ذاتها تغيير.