[الوعي الثقافي]

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد

لماذا لم يقم القائم الى هذه المدة؟

الشبهة بنص عبارة المستشكل :
لماذا القائم في سردابه نائم وقد مضي على القول بغيبته أكثر من ألف عام بل تزيد والسبب الذي من أجله اختفى عن الانظار هو الذعر والخوف وقد أزال الرافضة اليوم كل أسباب الخوف والذعر الجيش الجرار موجود والرافضة .....
الجواب : من عدة وجوه :

الأول : من المشكلات التي نواجهها في حوارياتنا مع الوهابية وغيرهم مشكلة الجهل بعقيدة الشيعة . فهذا السؤال ـ كغيره من أسئلتهم ـ يكشف عن جهل عميق بمعتقدات الشيعة ، فهو يبتنى على مجموعة من التصورات الموروثة والمقبولة بلا تحقيق وتدقيق .
فليس في الشيعة من يعتقد أن الإمام عليه السلام غائب أو نائم في السرداب ، وإنما اعتقاد كل الشيعة الإمامة على أن الإمام آخر ما شوهد في هذا السرداب ، ثم غاب عليه السلام ، وهو الآن عليه السلام كما كان الخضر في زمن موسى عليهما السلام لا يشاهده إلا الخلص من عباد الله .

الثاني : ما دل عندنا على عصمته يدل على مشروعية غيبته سواء أدركنا وجهاً للغيبة ولاستمراريتها أم لا ؟ لأننا ملتزمون بالتعبد التام بقضاء الله الحكيم العادل الذي لا يفعل إلا ما كان موافقاً للحكمة . وكثيرة هي التعبديات الشرعية التي لا يدرك الناس علتها ، فهل يتفضل السائل ويبين لنا علة كون صلاة الصبح ركعتين والعصر أربع ؟. وهل يتفضل ويبين لنا علة تقديم الرمي على الذبح أو الطواف على السعى ؟. وهل السائل عن بيان علة هذه الأحكام يلزمه التنازل عنها ؟.

لماذا غاب الإمام الحجة عليه السلام

الثالث : أشارت روايات أهل البيت عليهم السلام إلى بعض اسباب غيبة الإمام واستمرارها نذكر منها :
السبب الأول :
تقصير الأمة إتجاه إمامها ، وتخليها عن مسؤولياتها من خلال عدم التفاعل مع تعاليمه وإرشـاداته ، فإن وظيفة الامام قيادة الامة وهدايتها ، فهو يعرض عليهم الهداية ماداموا متفاعلين معه وإلا حجبه الله عنهم .
ففي علل الشرائع يروي الشيخ الصدوق ـ قده ـ أن الامام الباقر قال في جواب مروان الانباري عن سبب غيبة الامام المهدي عليه السلام : إن اللــه إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم علل الشرايع : ج1 ص285 .
وروي عنهم عليهم السلام : إذا غضب الله على خلقه نحانا عن جوارهم . يقول المحقق الفيلسوف الكبير الشيخ نصير الدين الطوسي رحمه الله : وجوده لطف وتصرفه لطف وعدمه منا .
السبب الثاني :
امتحان الامة وابتلائها ، فقد اراد الله تبارك وتعالى أن يمتحن امة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله كما امتحن الأمم السابقة ، وذلك من خلال إخفاء الواسطة المتصلة بين الارض والسماء .وهذا الامتحان الصعب يقوم بعملية الرابط بين الامة بماهي مفتقرة إلى واسطة في عروجها إلى السماء (( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية )) ، وبين الامام بماهو الطريق الوحيد الموصل (( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي )) وبذلك تتشكل شخصية الامة الرسالية على النحو المناسب لإستقبال الحدث العظيم أعني اليوم الموعود { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } . يقول تبارك وتعالى { الم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءَامنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }. وقد روى الكليني في الكافي عن الامام الكاظم عليه السلام : لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الامر من كان يقول به ، إتما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه . أصول الكافي : ج1 ص296ــ 397
السبب الثالث :
الحفاظ على وجود الامام عليه السلام ، وذلك بـإبعاده عن يد الحكومات الظالمة ، والتي سوف تتعقبه في كل عصر وزمان ، وباعتبار أنه خاتم الأئمة والأوصياء عليهم السلام (( لأنهم فقط اثنا عشر إمام كما في الحديث المشهور )) احتجبه الله عن خلقه ، لكي لا تخلو الأرض من حجة .
ففي الكافي عن محمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن الحسن بن معاوية ، عن عبد الله بن جبلة ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم ، قلت : ولم ؟ قال : إنه يخاف ــ وأومأ بيده إلى بطنه ــ يعني القتل. اصول الكافي : ج1 ص399.وفي رواية : يخاف على نفسه الذبح . كمال الدين وتمام النعمة : ص281.
يقول العلامة السبحاني : إن اسباب غيبته واضحة لمن أمعن فيما ورد حولها من الروايات ، فإن الامام المهدي عليه السلام هو آخر الائمة الاثني عشر الذين وعد بهم الرسول ، وأناط عز الاسلام بهم ، ومن المعلوم أن الحكومات الاسلامية لم تقدرهم ، بل كانت لهم بالمرصاد ، تلقيهم في السجون ، وتريق دماءهم الطاهرة بالسيف والسم ، فلو كان ظاهراً لأقدموا على قتله إطفاء لنوره ، فلأجل ذلك أقتضت المصلحة أن يكون مستـوراً عن أعين الناس ، يراهم ويرونه ولكن لا يعرفونه ، إلى أن تقتضي مشيئة الله ظهوره . . . الألهيات على هدى الكتاب والسنة : ج2 ص646.