{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
إن أصل الابتلاء مسلّم، حيث أنه يكون بشيء من الخوف، والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.. ولكن درجات الابتلاء تختلف: قد يكون الابتلاء بالنفس، أو بالمال، أو بأي شيء آخر.. إن الأمر إلى الله عز وجل.. وعلى الإنسان أن لا يعتقد بأنه سيعيش الراحة المطلقة في هذه الدنيا.. فالناس يطلبون الراحة في الدنيا، وقد خلقها الله عز وجل للآخرة..
وعليه، فإن على الإنسان أن يكون مستعدا في كل وقت، لتحمل البلاء الإلهي.. قال النبي (ص) يوما لأصحابه: (ملعونٌ كلُ مالٍ لا يُزكّى، ملعونٌ كلّ جسدٍ لا يُزكّى.. ولو في كل أربعين يومٍاً مرة، فقيل: يا رسول الله!.. أمّا زكاة المال فقد عرفناها، فما زكاة الأجساد؟.. فقال لهم: أن تُصاب بآفة.. فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه، فلمّا رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم: هل تدرون ما عنيت بقولي؟.. قالوا: لا يا رسول الله!.. قال: بلى، الرجل يُخدش الخدشة، ويُنكب النكبة، ويعثر العثرة، ويمرض المرضة، ويشاك الشوكة وما أشبه هذا.. حتى ذكر في آخر حديثه اختلاج العين) فهكذا يفهم من بعض الروايات بأن تزكية البدن، قد تكون بإصابته بآفةٍ أو بعاهةٍ بين فترة وأخرى.. ولكن المهم هو أن يطلب الإنسان من الله سبحانه وتعالى طلبا، ما هو هذا الطلب؟!..
الطلب هو: (اللهم!.. لا تجعل مصيبتنا في ديننا).. فالإنسان في بعض الأوقات قد تكون المصيبة في بدنه، فيزداد قربا إلى الله عز وجل.. وقد تكون في ماله وفي وظيفته، فيزداد التجاء والتصاقا بعالم الغيب.. فكيف إذا أصيب رأس مال الإنسان؟!.. أي إذا أصيب أصل الوجود بآفة في هذا المجال، وأصبحت المصيبة في دين الإنسان (اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا!.. ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا)!.. فعندئذ على الإنسان أن يطلب من الله عز وجل العافية في الدرجة الأولى: في أن لا تتسلط الشياطين على عقله، ودينه، ومنهجه الإعتقادي في هذه الحياة.. وأيضا يطلب من الله العافية في كل الأمور، لأن حقيقة النفس غيرالكاملة، من الممكن أن تزيغ، وأن تنحرف عن الطريق، عندما يبتلى بشيء من النقص في شيء من هذه المجالات، كما هو مجرب.
قال الباقر (ع): (إنّ الله عزّ وجلّ لَيتعاهد المؤمن بالبلاء، كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة...) .. فطبيعة الإنسان طبيعة تميل إلى الغفلة والسهو، وهذه البلاءات بمثابة أدوات إيقاظ للإنسان.. والمصيبة التي لا تـأتي من بعد معصية، فإنها مصيبة تكاملية.. إن بعض المصائب تكون من باب تصفية الحساب مع العبد، فالإنسان الذي كان مديونا ثم صفى حساباته، لا يعد إنسانا غنيا.. فالإنسان الذي كان في السجن، وخرج من السجن بعد أن أعطيت الديون عنه، فهو إنسان مفلس وصفر اليدين.. وأما إذا جاءت المصيبة من دون معصية؛ إنسان في طريقه إلى الله عز وجل، وجاء بما عليه، وترك ما نهى عنه المولى، فإن هذه المصيبة رفع لدرجاته.. وشتان بين من كانت مصائبه كفارة للذنوب، وبين من كانت مصائبه رفع للدرجات.. فإذن، إن على الإنسان أن يميز بين هذين الموردين، لئلا يكون من الخاسرين.