بعد أن نرفع رؤوسنا من الركوع نقول: (سمع الله لمن حمده)!.. إن كلمة "سمع" في اللغة العربية هي فعل متعدٍّ؛ أي أنه لا يحتاج إلى حرف جر، بل فعل وفاعل ومفعول به.. مثلا: تقول: سمعت صوت فلان، ولا تقول: سمعت لصوت فلان.. فإذن، إن اللام في غير محلها.. ولكن أيضا في اللغة العربية، الفعل بعض الأوقات يعطى معنى فعل آخر؛ فيعامل معاملة الفعل الجديد.. مثلا: "سمع" الذي هو الفعل الأصلي كان متعديا، فأصبح هنا لازما؛ أي يحتاج إلى حرف جر.. وهنا: الفعل "سمع" خرج عن كونه سمع؛ بل تضمن معنى "استجاب".. لذا فإنه من الواضح أن يتعدى باللام.. استجاب الله لفلان، واستجاب الله لمن حمده.
إن الأمر الواقع لا محالة، يعبر عنه بالفعل الماضي.. مع أن الروم غلبوا بعد حياة الرسول (ص)، ولكن القرآن الكريم يقول: {غُلِبَتِ الرُّومُ}؛ بمعنى أن القضية محققة الوقوع.. وكذلك (سمع الله لمن حمده)، أي الذي يحمد الله، فإن رب العالمين استجاب له دعاءه؛ أي سمع الله لمن حمده ودعاه.. ولكن الذي يحمد الله، ما طلب شيئا؛ فكيف استجاب رب العالمين له وسمع نداءه؟..
الجواب: هناك طلب بلسان المقال، وهناك طلب بلسان الحال.. رب العالمين إذا رضا عن عبد، دبر أمره، واستجاب له، وإن لم يصرح بالطلب.. فشعاره: (علمك بحالي يغنيك، عن سؤالي).
لطالما دعونا في حياتنا اليومية، وكذلك تحت الميزاب، وعند الحطيم؛ في مواطن الاستجابة، ولم نر إجابة.. فكيف يجتمع ذلك مع هذه الآية الكريمة: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، إذ أن الله -عز وجل-لم يقيد الدعاء بشيء.. والحال أن أكثر الحوائج عندنا غير مقضية؟..
الجواب: إن كل دعاء يرتفع إلى الله –عز وجل- ولكن بشرطه وشروطه.. رب العالمين استجاب دعاءه، ولكن إجابته لا تطابق طلب العبد، بل تفوق طلبه.. مثلا: إنسان بحاجة إلى سكن، فيقدم طلبا إلى وزير الإسكان.. فهذا الوزير تارة لا يقبل الطلب، فيكتب تحته: للدارسة؛ أي يجمد.. وتارة يقبل الطلب، ويريد أن يعطيه سكنا.. هو يريد بيتا لذوي الدخل المحدود، ولكن الوزير استجاب له، فأعطاه قصره.
وعليه، فما على الإنسان إلا أن يقدم الملف!.. قال الله تبارك وتعالى: (يا بن آدم!.. أطعني فيما أمرتكَ، ولا تـُعلـّمني ما يـُصلحك).. عبدي!.. ادعوني ولا تعلمني.. قل: يا رب!.. عافني في نفسي وأهلي وولدي.. ولكن كيف يعافيك؟.. فإن هذا الأمر إليه!..
فإذن، إن حوائجنا مستجابة، ولكن لها ثلاث شقوق:
1- إما أن نعطى الحاجة معجلة.
2- وإما أن نعطى الحاجة مؤجلة، قال الله -عز وجل- لموسى (ع): {قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا}، ولكن أربعين عاما كان بين الوعد الإلهي والإجابة.
3- وإمالا نعطى الحاجة لا معجلة ولا مؤجلة، بل يعوض في الآخرة.. ينظر العبد يوم القيامة إلى الحوائج التي قضيت في الدنيا، وإلى الحوائج التي لم تقض، ويرى التعويض الإلهي.. عندئذ يتمنى لو لم تستجب له دعوة واحدة، لما يرى من التعويض في ذلك العالم.. لذا، فإن على المؤمن أن يدعو الله دائما، وبأعصاب باردة.