|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.84 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
الحرية في نهج البلاغة
بتاريخ : 14-08-2009 الساعة : 02:35 AM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
الحرية في نهج البلاغة
قال الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) في[نهج البلاغة]:
« لاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً »(1).
عبودية الكون:
حينما نُطلق عنان تفكيرنا في رحاب هذا الكون، ونتأمّل جوانبه ومخلوقاته نجد أنّ كلّ شيء في هذا الكون من أصغر ذرّة إلى أعظم مجرّة، يخضع لحركة قسرية مفروضة عليه.
فالله الّذي خلق الكون والحياة حدّد لكلّ ذرّة وكلّ حركة دوراً معيّناً ووظيفة خاصّة لا تستطيع التخلّف عن أدائها. فالسّماء والأرض لهما نظام معين لا اختيار لهما في الالتزام به، يقول تعالى:{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ إِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }(2) .
والشّمس والقمر يحكمها قانون صارم لا يمكن لأحدهما أن يتمرّد عليه، يقول القرآن الحكيم:{ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }(3) .
ويقول الإمام في[نهجه]:« ألاَ وَإنَّ الأَرْضَ الَّتِي تُقِلُّكُمْ ـ تحملكم ـ وَالسَّمَاءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ، مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ، وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ، وَلاَ زُلْفَةً إلَيْكُمْ، وَلاَ لِخَيْرٍ تَرْجُوانِهِ مِنْكُمْ، وَلَكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا، وَأُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا »(4) .
وحتّى الحيوانات تخضع لدوافع غريزية توجّهها وجهة معيّنة فرضها الله تعالى عليها، ولذلك لا تستطيع تغيير حياتها ولا تطوير سلوكها، فالنّحلة مثلاً منذ عرفها الإنسان وإلى اليوم تعيش حياة معيّنة وتمارس دوراً محدوداً لم يطرأ ولن يطرأ عليه أيّ تغيير وتطوير إلى يوم القيامة، وكذلك دودة القزّ وسائر الحشرات والحيوانات تسيرها حركة قسرية تنسجم مع نظام الكون كلّه.
حريّة الإنسان:
أمّا الإنسان فيختلف عن سائر أجزاء الكون في أنّ له بُعدين: بُعد الجسم المادي وبُعد الرُّوح الإرادي، وهو في البُعد المادّي يستوي مع بقيّة المخلوقات في أنّه يخضع لنظام قسري وحركة جبرية لا اختيار له ولا إرادة فيها، فهو لا يختار والديه، ولا يختار وقت ولادته، ولا نوعه ولا شكل جسمه.. بل لا تدخل له في النّظام الفسيولوجي لجسمه، ولذا لم يستطع الإنسان تغيير أو تطوير النّشاط الدّاخلي لجسمه كنشاط الدّورة الدّموية أو عمل الخلايا أو شغل الكلية والكبد، لأنّ ذلك كلّه خارج إرادة الإنسان واختياره.
ولكن الإنسان يتميّز عن سائر المخلوقات ببُعده الثّاني: فهو ليس كتلة من المادة فقط كبقية المخلوقات بل بالإضافة إلى ذلك يحتوي على ومضة من روح الله تجعله الأفضل والأسمى. يقول تعالى عن تركيب الإنسان المادّي والرُّوحي وعن تكريمه بذلك:{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }(5) .
ويقول الإمام في[نهجه]:« ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الأرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَعَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَوُصُولٍ، وَأَعْضَاءٍ وَفُصُولٍ:... ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إنساناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا، وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا، وَجَوارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وَأَدَواتٍ يُقَلِّبُهَا، وَمَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلٍ»(6) .
فبهذه الومضة الرُّوحية يتميّز الإنسان على باقي الكائنات، ولهذه الرُّوح خصائصها من التّفكير والإرادة. وإذا كان الإنسان في أعماله وتصرُّفاته يخضع لحركة قسرية فما هو دور تفكيره وما قيمة إرادته إذاً؟.
التّفكير إنما يكون في الاختيارات المتعدّدة، والإرادة إنما تكون بامتلاك الحرية والقدرة على ممارسة أيّ اختيار.
وهذا ما أعطاه الله للإنسان حيث منحه القدرة على التّفكير والحرية في التصرّف، ولذا حينما يتحدّث القرآن عن عبودية جميع الكائنات وخضوعها لأمر الله يستثني قطاعاً كبيراً من البشر الّذين لم يريدوا عبادة الله ولم يخضعوا في تصرّفاتهم لأمره. يقول تعالى:{ أَلَمْ تَرَ أنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ والْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وكَثيرٌ حَقَّ عَلَيهِ الْعَذابُ }(7) .
وحتّى في مجال الإيمان بالله والاعتراف بوجوده لم يستعمل الله أسلوب القسر والجبر مع الإنسان مع قدرته على ذلك لماذا؟ حتى يمارس الإنسان حرّيته الكاملة في هذه الحياة. يقول تعالى:{ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا }(8) ، ويقول عزّ وجل:{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرضِ كُلُّهُم جَمِيعاً }(9)
ويقول جلّ وعلا:{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإمَّا كَفُوراً }(10) .
القضاء والقدر:
أساء بعض النّاس فهم مصطلحات الإسلام، وأخطئوا في تأويل آيات القرآن الكريم وأحاديث الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) كاصطلاح القضاء والقدر وآيات الضّلال والهدى، وتصوّروا أنّها تعني شيئاً من الجبر والتّحديد لحرية الإنسان واختياره.
ولا نريد في هذا الدّرس أن نخوض غمار هذا الموضوع ولكنّنا نُشير إلى أنّ آيات القرآن ومفاهيمه كلٌ مترابط لا تناقض فيه، ولا اختلاف، وحينما نفهم من بعض الآيات تناقضاً مع آيات أُخَر فعلينا أن نتّهم فهمنا وليس القرآن.
جاء رجل شامي يسأل الإمام علياً(عليه السلام) بالسُّؤال التّالي: أكان مسيرنا إلى الشّام بقضاءٍ وقدر؟.
وعرف الإمام أنّ الرّجل أساء فهم معنى القضاء والقدر وتصوّرهما نوعاً من الجبر والقسر والتّحديد لحرية الإنسان، فردَّ عليه فوراً بكلام طويل جاء فيه:« ويحك لعلّك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حاتماً، ولو كان ذلك كذلك لبطل الثّواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد. إنّ الله سبحانه أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً، ولم يكلّف عسيراً... »(11) .
والقدر لغة هو:« حدُّ كلّ شيء ومقداره وقيمته وثمنه ».
والقضاء هو:« إحكام أمرٍ وإتقانه وانفاذه لجهته » كما يقول اللغوي المعروف أحمد بن فارس في كتابه[المقاييس](12) .
ويروي الكليني عن الإمام علي بن موسى الرّضا(عليه السلام) في تعريف القدر والقضاء قوله:« القدر: هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء. والقضاء: هو الإبرام وإقامة العين »(13) .
فالقدر هو الحدود والأنظمة والسُّنن والقوانين التي وضعها الله في الكون والحياة. يقول الإمام علي(عليه السلام):« قدّر ما خلق فأحكَم تقديره »(14) .
والقضاء هو نفاذ تلك السُّنن والأنظمة وانطباقها بالفعل، يقول الإمام(عليه السلام):« بَلْ ظَهَرَ لِلْعُقولِ بِمَا أَرَانَا مِنْ عَلاَمَاتِ التَّدْبيرِ الْمُتْقنِ وَالْقَضَاء الْمُبرَم »(15) .
لذلك يروي الأصبغ بن نُباتة أنّ أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) عدل من حائط مائل إلى حائط آخر سليم فقيل له: يا أمير المؤمنين أتفرُّ من قضاء الله؟ قال(عليه السلام):« أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله عزّ وجل »(16) .
فلو وقف الإمام في ظلّ الجدار المائل إلى السُّقوط فسقط عليه وأُصيب لكان ذلك مصداقاً لقضاء الله بإنفاذ قانون.
أمّا ابتعاد الإمام إلى جدار سليم فهو مصداق لقدر الله بالاستفادة من قانون يؤمّن السّلامة والحماية.
للموضوع تتمة.....
|
|
|
|
|