كان ليونتيس ملك سيسلي ، وملكته الجميلة الطيبة هرميون يعيشان في سعادة بالغة .
فقد كان ليونتيس يحب زوجته الملكة كثيراً حتى أنه كان يتوق
لرؤيتها دائماً وكان يتشرف بتقديمها إلى زميل دراسته العزيز بوليكسنس
ملك بوهيميا وكان ليونتيس وبوليكسنس قد نشآ معاً منذ نعومة أظفارهما ،
إلا أن كلاً منهماً شغلته الحياة بعد وفاة والديهما إذ كان على كل
منهما أن يتولى حكم مملكته . وبقيا لسنوات لا يستطيع أحدهما أن يرى
الآخر رغم تبادلهما الهدايا والرسائل والخطابات الودية . وأخيراً تسنى
لهما اللقاء بعد عدة دعوات ، إذ حضر بوليكسنس من بوهيميا إلى القصر
الملكي في سيسلي ، ليزور صديقه ليونتيس . في البداية أسعدت الزيارة
ليونتيس ، وطلب من مليكته أن تقدم لصديقه ورفيق شبابه رعاية خاصة ،
ومزيداً من الاهتمام ، وبدا له أن سعادته قد اكتملت عندما أصبح مع
صديقه العزيز . تحدثا عن الأيام الخوالي ، وتذكرا أيام الدراسة ،
ولعبهما معاً . وتبادلا الحكايات عن تلك الأيام وكانت هرميون تستمع
إليهما بإعجاب ، وتشارك بقسط مبهج في هذه الأحاديث . وبعد فترة إقامة
طويلة ، وبينما كان بوليكسنس يعد نفسه للرحيل ، طلبت منه هرميون ، بناء
على رغبة زوجها ، أن يطيل فترة زيارته . ومنذ تلك اللحظة ، بدأت أحزان
تلك الملكة الطيبة ، فقد رفض بوليكسنس البقاء عندما طلب منه ليونتيس
ذلك ، لكن هرميون استطاعت برقة كلماتها أن تقنعه . عند ذلك ، ورغم ثقة
ليونتيس الأكيدة في شرف صديقه بوليكسنس وشخصية مليكته الرائعة الطيبة ،
فقد تملكته الغيرة الجامحة . وكان كل تصرف تقوم به هرميون تجاه
بوليكسنس ، رغم أنه كان يتم بغرض إسعاد زوجها وتنفيذ رغتبه برعاية
صديقه ، يزيد من غيرة الملك التعيس . وفجأة تحول ليونتيس من صديق حقيقي
، وزوج وفي مخلص محب لزوجته ، إلى مخلوق شرير شرس ، فأرسل في طلب أحد
لوردات بلاطه الملكي ويدعى كاميللو ، وأخبره بشكوكه تجاه زوجته غير
المخلصة . ثم أمره بدس السم لبوليكسنس
كان كاميللو رجلاً طيباً ، تأكد تماماً أنه لا صحة لشكوك ليونتيس .
وهكذا ، بدلاً من أن يدس السم لبوليكسنس ، أخبره بأوامر سيده ، واتفق
على الهرب معه من سيسلي . ونجح بوليكسنس بمساعدة كاميللو في الوصول
سالماً إلى مملكته بوهيميا . ومنذ ذلك الوقت ، عاش كاميللو في بلاط
الملك ، وأصبح الصديق المقرب والمحبب لبوليكسنس . إلا أن هروب بوليكسنس
، جعل غيرة ليونتيس تزداد ضراوة . فذهب إلى غرفة الملكة حيث كان ولدها
الصغير ماميليوس قد بدأ لتوه في سرد إحدى حكاياته المفضلة لتسلية أمه .
فأبعد الملك الطفل عنها ، وأرسل بها إلى السجن . وبالرغم من أن
ماميليوس كان طفلاً صغيراً جداً ، إلا أنه كان يحب والدته بإعزاز شديد
. وعندما رأى والدته تعامل بمثل هذه القسوة ، وعلم أنها أبعدت عنه
وأرسلت إلى السجن ، أصابه الحزن الشديد ، وبالتدريج فقد رغبته في
الطعام والنوم ، حتى اعتقد الجميع أن حزنه سيودي به إلى الموت . وكان
الملك عندما أرسل زوجته إلى السجن ، قد أمر اثنين من لورداته وهما
كليومنس وديون أن يذهبا إلى بلدة دلفي ليسألا كاهن معبد أبوللو عما إذا
كانت مليكته مخلصة أم لا . وبعد أن قضت هرميون فترة قصيرة في السجن ،
ولدت بنتاً ، وشعرت الملكة المسكينة بالراحة عندما نظرت إلى طفلتها
الرقيقة ، وقالت لها : يا صغيرتي المسكينة السجينة ، لقد ارتكبت خطأ
صغيراً مماثلاً لما ارتكبته أنت . وكانت لهرميون صديقة عطوفة نبيلة
تدعى بولينا ، زوجة أنتيجونس أحد لوردات سيسلي ، وعندما سمعت بولينا أن
الملكة ولدت طفلاً ، ذهبت إلى السجن حيث توجد هرميون . وقالت لإميليا
التي تقوم على خدمة هرميون : أرجو منك يا إميليا أن تقولي للمكلة
الطيبة ، عما إذا كانت تثق بإعطاء طفلتها لي ، لأذهب بها إلى أبيها
الملك ، ومن يدري فربما يرق قلبه عندما يرى الطفلة الصغيرة . فأجابت
إميليا : يا لك من سيدة نبيلة . سوف أخبر الملكة بهذا العرض ، فقد كانت
ترغب اليوم في أي صديق لديه الجرأة لتقديم الطفلة إلى الملك
فقالت بولينا : وقولي لها إنني سأتكلم بشجاعة إلى ليونتيس دفاعاً عنها
. فقالت إميليا : اللهم بارك لبولينا إلى الأبد لعطفها على مليكتنا
الرقيقة . وذهبت إميليا إلى الملكة فأعطتها طفلتها وكلها سعادة لتكون
في رعاية بولينا . أخذت بولينا الطفلة ، واقتحمت مجلس الملك ، رغم أن
زوجها حاول منعها ، لأنه كان يخشى غضب الملك . ووضعت الطفلة عند قدمي
أبيها ، وألقت كلمة مؤثرة على أسماع الملك دفاعاً عن هرميون ، وألقت
عليه اللوم لقسوته ، وطلبت منه أن يرحم زوجته البريئة وطفلتها . لكن
كلماتها زادت من غضب ليونتيس ، فأمر زوجها أنتيجونس أن يأخذها بعيداً .
وعندما خرجت بولينا ، تركت الطفلة عند قدمي أبيها ، اعتقاداً منها أنه
عندما يصبح وحده معها فقد ينظر إليها ويشفق على براءتها . ولكن بولينا
أخطأت . فما أن انصرفت حتى أمر الأب القاسي أنتيجونس بأن يأخذ الطفلة
إلى البحر ويتركها عند شاطئ مهجور حتى تموت . لم يكن أنتيجونس في مثل
طيبة كاميللو ، فامتثل لأوامر ليونتيس تماماً . وأخذ الطفلة فوراً إلى
ظهر سفينة وأبحر إلى عرض البحر ، وفي نيته أن يترك الطفلة على أول ساحل
مهجور يقابله . كان الملك متأكداً تماماً من أن هرميون مذنبة ، حتى أنه
لم ينتظر عودة كليومنس وديون من دلفي . وقبل أن تستعيد الملكة صحتها
بسبب ضعفها وحزنها على فقدان طفلتها الغالية ، قدمت إلى محاكمة علنية
أمام لوردات ونبلاء البلاط الملكي . وعندما اجتمع اللوردات والقضاة
لمحاكمة هرميون . وبينما كانت السيدة البائسة تقف خائفة في انتظار
عقابها ، دخل كليومنس وديون ، وقدما للملك رد كاهن معبد أبوللو . فأمر
ليونتيس بتلاوة كلمات كاهن المعبد بصوت عالٍ . وكانت تلك هي الكلمات :
هرميون بريئة ، ولا لوم على بوليكسنس ، وكاميللو خادم أمين ، وليونتيس
غيور وملك قاس ، وسوف يعيش دون وريث ، حتى يعثر على الشيء الضائع . لم
يشأ الملك تصديق كلمات كاهن المعبد ، وقال : إن ذلك كذب دبره أصدقاء
الملكة . وطلب من القضاة أن يستمروا في إجراءات محاكمة الملكة
وبينما كان يتكلم ، دخل رجل وأخبره أن الأمير ماميليوس عندما سمع بأن
أمه سيحكم عليها بالموت ، فقد صدم حزناً ومات فجأة . وعندما سمعت
هرميون بموت ذلك الطفل العزيز الغالي بسبب حزنه على مصيرها السيئ ،
أغمى عليها . أما ليونتيس الذي امتلأ بالتعاسة من جراء تلك الأنباء ،
فبدأ يشعر بالعطف على ملكته البائسة ، فأمر بولينا أن تأخذها وتساعدها
على استعادة صحتها . لكن سرعان ما عادت بولينا وأخبرت الملك أن هرميون
قد ماتت . عندما سمع ليونتيس بأن الملكة ماتت ، شعر بأسى عميق لقسوته
البالغة عليها ، واعتقد أن معاملته السيئة قد حطمت قلب هرميون وآمن
ببراءتها . كما تيقن بأن كلمات كاهن المعبد كانت صادقة . وتيقن كذلك
بأن الشيء الضائع إذا لم يعثر عليه (والذي تأكد أنه ابنته الصغيرة)
فإنه سيصبح حتماً بلا وريث للعرش ، طالما أن الأمير الصغير ماميليوس قد
مات . وأصبح يتمنى لو يهب مملكته مقابل أن يستعيد ابنته المفقودة .
وقضى ليونتيس العديد من الأعوام غارقاً في نفس الهواجس . أما السفينة
التي حمل فيها أنتيجونس الأميرة الطفلة إلى عرض البحر ، فقد دفعتها
عاصفة إلى شاطئ بوهيميا ، مملكة الملك الطيب بوليكسنس . وهناك حظ
أنتيجونس مراسي السفينة ، وترك الطفلة الصغيرة . غير أن أنتيجونس لم
يعد إلى سيسلي أبداً ليخبر ليونتيس بالمكان الذي ترك فيه طفلته ،
فبينما كان عائداً إلى السفينة ، خرج عليه دب من الغابة ومزقه إرباً