ما هي علاقتنا بالأموات؟.. وما هو تكليف أحدنا بالنسبة للموتى؟
ينبغي أن نفرق بين الموت والفناء، فإذا قيل: دار الفناء، فهو تعبير مجازي، إذ ليس هناك فناء في هذا الوجود.. حتى أن الجسم الذي -بحسب الظاهر- يفنى، فإن خلاياه تتحلل وتذهب، لتتحول إلى غازات أو ديدان أو ما شابه ذلك، كما هو معروف في علم الفيزياء والكيمياء، فهذه الجزيئات لا تفنى.
وأما الروح، فلا تتجزأ فإنها تبقى على ما هي.. فالأبدان تتحول إلى أشجار وإلى سماد وما شابه ذلك، ولكن الروح تبقى كما هي.. والإنسان عندما يموت، فإن روحه تنتقل من عالم إلى عالم آخر.
وإنه عندما يقال: بأن القبر إما حفرة من حفر النيران، أو روضة من رياض الجنة.. فإنه لا يُقصد بها هذه الحفرة الأرضية، وإنما يقصد من ذلك المسكن الروحي.
وعليه، فإن هذه الروح حية باقية، تسمع وتبصر.. (روي عن النبي (صلى الله عليه واله) أنه وقف على قليب بدر، فقال للمشركين الذين قُتلوا يومئذ، وقد أُلقوا في القليب: لقد كنتم جيران سوء لرسول الله (صلى الله عليه واله)، أخرجتموه من منزله وطردتموه، ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه، فقد وجدت ما وعدني ربي حقا.. فقال له عمر: يا رسول الله!.. ما خطابك لهامٍ (أي رؤوس) قد صديت؟.. فقال له: مه يا بن الخطاب!.. فو الله ما أنت بأسمع منهم...) أي أن هؤلاء يسمعون، ولكن حيل بينهم وبين الجواب، وهذا أمر آخر.
إن البعض يشبه الموتى في عالم البرزخ، بالمرضى الذين في المستشفيات.. حيث أن المريض يهشّ ويبشّ، ويشعر بأنه قد أتاه الفرج، عندما يطرق عليه طارق من ذويه أو من أصدقائه، وخاصة إذا كان الأخ عزيزاً عليه، ومعه هدايا قيمة.. وكذلك الموتى في عالم البرزخ، فإنهم ينتظرون من الأحياء كل شيء، ولو حبة من تمر، ينفقونها في سبيل الله.
كيف نخدم الموتى؟..
أولاً: بالعمل الصالح العبادي: كصلاة الوحشة، لأن أشد ليلة على الميت هي ليلة الوحشة.. وذلك لأنه كان في النهار مع ذويه يضحك ويمرح -مثلا-.. ثم تُوفي الظهر، فغُسّل وكُفّن.. وعصراً دفن في القبر.. وعندئذ يأتيه الليل، وإذا بها ليلة موحشة جداً.. ومما يوسع في القبر، مسألة صلاة الوحشة.. وإهداء الزيارات: عمرة، حجة، زيارة المشاهد المشرفة، تلاوة القرآن، وخاصة في شهر رمضان.
ثانياً: القيام بالأعمال العبادية الخارجية: أي مساعدة الآخرين نيابة عن الميت: كإدخال السرور على يتيم، أو ما شابه ذلك.
ثالثاً: الصدقة الجارية: وهي أيضاً مهمة جداً، فمن الممكن أن يذكر الولد أباه، أما الأحفاد وأبناء الأحفاد فإنهم سينسون الجد.. ولكن الصدقة الجارية: كالمسجد، والمأتم، والجسر، والنفق، والبئر، وما شابه ذلك -بحسب حاجة البلاد- فإنها تبقى أبد الآبدين، وإنْ نسيه الناسون، وانطمر ذكره.. فإن هذه الصدقة الجارية، هي مجرى أبدي للخير والبركة.. قال النبي (صلى الله عليه واله): (إذا مات المؤمن انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ).