شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.82 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
الغيبة في الاسلام والديانات السماوية وغيبة الخضر عليه السلام
بتاريخ : 28-08-2009 الساعة : 04:38 AM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
الخضر عليه السلام:
قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم, إنني سأبحث عن عمر الخضر عليه السلام. وهل هو موجود إلى الآن أم لا؟ وإنكار البخاري لبقاء الخضر إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم(4)، ومتابعة ابن تيمية له، واعتباره أن ذلك حقيقة, تسقط دليل من استدل بطول عمر الخضر عليه السلام على إمكانية أن يطول _ كذلك إلى هذا الحد _ عمر المهدي عليه السلام.
ولكن _ في الحقيقة _ إن هذا غير منظور بالنسبة لي, بالمقام الأوّل، وإنما اُريد أن أنبّه إلى غيبة الخضر في زمن موسى عليه السلام، وبعد ذلك سأعرج إلى ما قيل عن غيبته, حتّى إلى زمن النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم, بل إلى زمننا كما يقال. وقد يقتضي هذا العرض لزوم الترابط بين هذه الغيبة, وبين العمر الطويل؛ لأنها غيبة تمتد لآلاف من السنين, وهناك من يبرهن على أنه عليه السلام موجود إلى هذا الزمن, وهذا يرد عرضاً وهو موكول إلى محله في البحث.
خلاصة الفكرة هي: أن قصة العبد الصالح, الذي قابله موسى عليه السلام, من وراء البحر, والذي لديه علم من لدن الله, والذي كان مختفياً عن الناس, ولم يعرفه أحد, إلى أن عرّف الله نبيه موسى عليه السلام به, وكشف العبد الصالح, لموسى عليه السلام, علمه الذي علمه الله إيّاه, وأحكامه بالحكم الواقعي, وليس الظاهري، وكما يبدو من مسيرة الحدث, فإنه قد عمل بما يخالف الشريعة, من العمل بالظاهر, وهذا من خصائص من له ولاية, وعلم من الله. ويتصرف بحسب ولايته. كقتله لغلام لم يفعل شيئاً يستحق القتل، وإنما سيعمل الشر مستقبلاً. وقد اعترض عليه موسى عليه السلام بموجب الشريعة, ولكن العبد الصالح أثبت له محدودية علمه, بالأمور الباطنة, مما يدل _ بالتالي _ على التفاوت بين الأنبياء, والأولياء في العلم.
هذا الرجل _ الذي قابله النبي موسى عليه السلام _ يعرفه المسيحيون, واليهود, ويقولون: إنه الخضر عليه السلام. وقد غلب عند المسلمين _ كذلك _ أنه الخضر, وفيه نصوص.(5) وما وقع فيه من الاختلاف, فهو اختلاف تسمية, أو أقوال ضعيفة, وجدت للتشويش كالعادة.
ويضاف إلى كونه غائباً عن الناس أن عمره في زمن موسى عليه السلام, قد تجاوز مئات, وقد قيل آلاف الأعوام. وهذه قضية قرآنية, وليست حديثاً ليشك في سنده, أو يتمحل المتمحل في فهمه, ونقض دلالته. فالموضوع _ إذن _ ثابت بثبوت القرآن الكريم. وهو واضح, وضوح الشمس في رابعة النهار, إنه ولي من أولياء الله المكرمين بالعلم اللدني، قد اختفى عن الناس, ولم يحظ بلقائه إلاّ الأنبياء, كالنبي موسى عليه السلام، وقد أعطى النبي موسى عليه السلام, درساً قاسياً في العلم, والعلاقة بالله. فما هو _ إذن _ تفسير من يشكك بالغيبة _ أصلاً _ مع غيبة الخضر عليه السلام الواضحة قرآنياً؟
لنقرأ الآيات القرآنية بأناة, وهي وحدها كافية, أن تثبت الغيبة, والعلم اللدني الغيبي, وطول العمر, باعتبار التطبيق على الخضر, فإنه قد ولد في زمن إبراهيم عليه السلام, أو في زمن نوح عليه السلام, أو في زمن آدم عليه السلام, بحسب روايات متضاربة:
قال تعالى في سورة الكهف في قصة العبد الصالح الخضر عليه السلام مع موسى, وفتاه:
((وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً * فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً * فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً * قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً * قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً * فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً * قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً * قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً * قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً * فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً * قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً * قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً * فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً * وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً))(6).
والقصة بكل وضوح _ وبحسب النص القرآني _ هي أن موسى عليه السلام, وفتاه, قد طلبا رجلاً موفقاً, والتقيا _ بعد سفر متعب, فيه مشاكل مربكة _ بهذا الرجل, الذي هو من العلماء المجهولين, قد رزقه الله _ تعالى _ العلم اللدني الحقيقي, المسمى بالانكشاف للمعلوم، فطلب منه موسى عليه السلام المصاحبة, على أن يعلمه مما علمه الله، فقال له الرجل الصالح: إنه لا يستطيع تحمّل العلم الذي معه، وبدأت الرحلة, التي وردت في القرآن, وما ورد فيها من مشاكل علمية, وفكرية, لم تحل رموزها لحد هذا التأريخ, عدا القول: بأن العبد الصالح عليه السلام كان مكلفاً بالأمر الواقعي, بينما النبي موسى عليه السلام مكلف بالأمر الظاهري. ولهذا لم يسكت موسى عليه السلام, وكان دائم الاعتراض، وكذلك لم نوفق نحن _ كبشر _ في استيضاح هذه المخالفات, باعتبارها فوق تصورنا, إذ أنها تتعلق بعلم إلهي, ممنوح, يختلف عن نظمنا الفكرية, ودساتيرنا الفقهية، فقتل الطفل _ عندنا _ غير جائز, حتّى لو كان سيرهق أبويه؛ لأنَّ العقوبة, لا تجوز, قبل الجناية, ولا جناية هنا، مع أن نوع الجناية المستقبلية, غير واضح, إذ أنه لو كانت الجناية عصيان الوالدين, وإيذائهما, فقط, فهذا مما لا يحكم عليه بالموت, أصلاً، وإذا كان هو الكفر بالله, وليس بالوالدين, وبالنعم، فيرجع الأمر إلى أحكام الردة, أو الكفر في بلاد الكفر، وهل كل كافر يجب قتله فوراً؟ ولكنها _ على كل حال _ من مسائل العقوبة قبل الجناية _ كما قلنا _ فالمسألة غير متعلقة بعلم طبيعي أبداً. وعلى كل حال فإن هذا العبد الصالح, هو الخضر عليه السلام كما نصت عليه النصوص, في هذا الشأن.
وهنا, نلحظ أموراً مهمة منها: أوّلاً: أنه كان عبداً مخفياً عن الناس, وغائباً, إلاّ عمّن يوفقهم الله للقائه. وثانياً: أنه طويل عمر، لأنه إما معاصر للنبي إبراهيم عليه السلام, أو معاصر للنبي نوح عليه السلام, أو قبله كما في الروايات _ وعلى كل حال _ فهو ليس مولوداً في زمن موسى عليه السلام, كما عليه إجماع أهل النقل. ولو فرضنا أنه في زمن موسى, فتبقى قضية غيبته عن الناس، وعدم معرفة هويته، بحيث لم يطلع عليه, وعلى علمه إلاّ النبي موسى عليه السلام، وباستثناء هذا لم يرد أيّ خبر, أو رواية, تدلُّ على حدوث اتصال علمي, أو عملي, مع الناس, مع وجود تصريح في الروايات باختفائه، وطلب موسى للرجل المختفي، وهذه هي الغيبة بعينها، وليس بعد النص القرآني الواضح من حاجة إلى دليل.
للموضوع تتمة......
|