خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وحباه من النعم ما يستحق الحمد والشكر عليه ومن أهمها نعمة الحمل والإنجاب وهي حقا متعة بكل المقاييس الأنثوية .
ولكن هناك من المخاوف مما يحيط بعملية الوضع ( الولادة ) بسبب آلام الولادة والتي تعتبر من هواجس الكثير من الأمهات كلما اقترب ميعاد الولادة .
ومن نعم الله علينا أنه علم الإنسان ما لم يعلم وخلق العلم الذي سخره الإنسان-بإذنه تعالى- لخدمة الإنسانية ومنها العلوم الحديثة التي أفادت في علاج الآلام كعلم التخدير .
فمن وجهة النظر العلمية هناك طرق عديدة مستخدمة حاليا لتخفيف آلام الولادة منها :
1. الحقن بعقار البثدين ( Pethidine ) المسكن :
وهو من أكثر طرق تخفيف آلام الولادة المستخدمة في الدول النامية وفاعلية هذا العقار محدودة لفترة قصيرة حوالي 4-6 ساعات فقط ومن الممكن تكراره ولكن نظرا لوجوب إعطائه في المراحل الأولى من الولادة فقط وذلك لتجنب تأثيره السلبي على المولود ولمحدودية مدة تسكينه للآلام فإنه ليس من الطرق المثلى لولادة بدون ألم .
2. استنشاق مخلوط غاز الأكسجين وأكسيد النيتروز (Entonox) عن طريق قناع الوجه أو الماسك . الهلوسة والهياج وعدم استقرار الحالة النفسية للأم عند الولادة .
3. التخدير الموضعي ( Local Anaesthesia ) حول فتحة المهبل:
وهو يعطى فقط عند قرب خروج رأس المولود من المهبل أي في المرحلة الأخيرة من الولادة فقط والغرض منه هو تخفيف ألم الشق الجراحي والخياطة الجراحية عند نزول رأس المولود .
4. حقنة الظهر ( Epidural Analgesia) وهي من الطرق المثلى لتخفيف آلام الولادات و تشير الإحصائيات العالمية إلى أن 35-40% من الولادات في الولايات المتحدة و 50-60% من الولادات في دول استكاندنافيا و 30-40% من الولادات في فرنسا تتم باستخدام حقنة الظهر، ونظرا لأهمية هذه الطريقة فستتم مناقشتها على هيئة رد على التساؤلات التي أثيرت من السيدات الحوامل والتي واجهناها خلال مقابلاتنا معهم .
ما هي حقنة الظهر ؟
هي عبارة عن إبرة يتم وضعها في ظهر المريضة –تحت مخدر موضعي- ومن خلالها يتم إدخال قسطرة أي أنبوبة بلاستيكية رفيعة إلى مكان معين (خارج الأم الجافية Epidural Space) في الظهر وتستقر القسطرة في الظهر ثم يتم نزع الإبرة من الظهر بعد التثبيت من دخول القسطرة إلى مكانها الصحيح ثم تثبت باللاصق الطبي على ظهر المريضة وتخرج مقدمة القسطرة من على كتف المريضة حيث يتم حقن جرعات المخدر من خلال هذه القسطرة أثناء استلقاء المريضة تماما على ظهرها .
كيف يتم إعطاؤها ؟
بعد تركيب وريد طرفي وسريان المحلول خلال الوريد يطلب من المريضة الجلوس على السرير وظهرها مواجه لطبيب التخدير وهي تحتضن وسادة السرير وذلك للمساعدة في إنحناء الظهر بقدر الإمكان وذلك لفتح مسافات ما بين الفقرات الظهرية .
وبعد تعقيم الظهر وفرشه بأغطية معقمة يتم حقن المخدر الموضعي في الجلد و تحته لكي لا تشعر المريضة بأي آلام عند دخول إبرة الظهر . بعدها يتم تثبيت القسطرة على جلد الظهر باللاصق الطبي . هذه العملية لا يجب أن تستغرق أكثر من 5-10 دقائق على أكثر تقدير . بعدها تستلقي المريضة على ظهرها. بعد حقن الجرعة الاختباريه من أدوية التخدير يتم حقن الجرعة الأساسية من خلال فتحة القسطرة على كتف المريضة .
ومن السابق يجب التأكد على أنه :-
ليس هناك شعور بالألم على الإطلاق عند دخول الإبرة بعد حقن المخدر الموضعي .
توضع الإبرة في الظهر بين فقرتين من فقرات العمود الفقري ( الفقرات القطنية ) وخارج وبعيدة عن الحبل الشوكي المسئول عن الإحساس والحركة في الجزء السفلي من الجسد .
كل المطلوب من الأم هو تنفيذ تعليمات الطبيب أثناء تركيب الإبرة وهو الثبات في الوضع الذي يحدده الطبيب والتعاون معه لتسهيل المهمة . ومن المفيد أن يكون هناك تواصل إيجابي بين المريضة والطبيب أي انه عند وجود ألم وضع ( طلقة ) أثناء التركيب يتوقف الطبيب ويعطي الفرصة للمريضة للاسترخاء إلى أن تذهب الآلام وبعدها يستأنف الطبيب العمل .
وأثناء تقدم الولادة تعطى الأم جرعات من الأدوية المخدرة التي تؤدي إلى اختفاء آلام الولادة تماما وتتكرر هذه الجرعات إلى أن تتم الولادة – بإذن الله – أيضا أثناء الولادة لا تشعر الأم بأية آلام على الإطلاق بل تشعر بثقل وتنميل أو خذلان في أرجلها مع صعوبة في تحريكها والشعور بالميل إلى النعاس . وقد تشعر الأم ببعض الرجفة أو الرعشة وهو شعور طبيعي أثناء الولادة ولتجنب الشعور بالميل للقيئ فإنه من الروتيني حقن الأم بأدوية تضاد هذا الشعور وأثناء الولادة تبقى القسطرة في مكانها ويتم حقن جرعات متتالية كل فترة تتراوح بين ساعة وساعة ونصف لإزالة الألم تماما إلى أن تتم الولادة ولفترات قد تصل إلى 24ساعة . وبعد الولادة يتم إزالة القسطرة والتأكد من إنها كاملة وسليمة وهي بالمناسبة عملية غير مؤلمة على الإطلاق .
ما هو تأثيرها على تقدم الولادة والمولود ؟
لها تأثير إيجابي كبير حيث إنها تؤدي إلى زيادة كمية الدم المتدفق للرحم و المشيمة وبالتالي تكون الانقباضات (الطلق) أكثر انتظاما وأيضا تكون كمية الأكسجين التي تصل للمولود أكثر مما يؤدي في النهاية إلى تقدم الولادة بطريقة أحسن وولادة مولود في حالة أحسن بكثير من الولادات الطبيعية العادية أو القيصرية .
ويبقى السؤال عن المضاعفات خاصة حدوث ( الشلل ) ؟
أما عن موضوع المضاعفات فإحصائيا هناك نسبة لا تتعدى 1% قد تشعر بألم في الظهر مكان الحقنة وهو ألم بسيط ويذهب مع الوقت أو باستخدام المسكنات البسيطة . أما غير ذلك فمن النادر جدا حدوث صداع بالرأس مما يستلزم استشارة طبيب التخدير . أما عن السمعة السيئة لإبرة الظهر عن إمكان حدوث الشلل فهو ما لم يتم تسجيله عالميا ولم يتم حدوثه على مدى سنوات عديدة على مستوى العالم. .. وهو ارث من الماضي - من عشرات السنين - حيث كانت الإبرة في بداياتها بدائية وكبيرة وغليظة ولم يكن هناك التمرين الكافي عليها وأيضا كانت الأدوية المستخدمة في حد ذاتها مختلفة تماما مما أدى إلى حدوث مضاعفات كثيرة منها الشلل وذلك في أوائل استخدامها منذ حوالي أكثر من 40-50 سنة . إذا فحدوث الشلل هو أمر بعيد تماما عن الواقع العملي الذي يجزم بأنه إذا وضعت الإبرة في مكانها الصحيح فليس هناك أي احتمال لحدوث أية مضاعفات .
من هي الحامل التي ينصح لها بحقنة الظهر؟ ينصح بها للحوامل لأول مرة وأيضا لذوات الحمل المتكرر وهي مفيدة أيضا للحامل ذات الضغط العالي وآلائي يعانين من تسمم الحمل . ولكنه على النقيض ينصح بعدم إعطاءها للحامل التي تتعاطى أدوية تزيد من سيولة الدم .
ما هو أحسن توقيت لبدء حقنة الظهر؟
يعتبر أحسن توقيت لبدء حقنة الظهر هو عندما يكون عنق الرحم قد بدأ في الاتساع ووصل إلى 3-4سم. على أية حال توقيت بدأ حقنة الظهر يتم بالاتفاق بين طبيب التوليد وطبيب التخدير .
هل هناك أضرار من تكرارها مع الولادات المتكررة ؟ ليس هناك أضرار من تكرار إعطاء حقنة الظهر مع كل ولادة وهناك حالات في مستشفانا لأمهات أخذتها ثلاث مرات لثلاث ولادات متعاقبة .
وماذا لو تمت الولادة بعملية قيصرية ؟
لا بأس إذا حدث-لا قدر الله- ولم تتم الولادة بالطريقة الطبيعية فلا زالت هناك فوائد لقسطرة الظهر حيث تستخدم في تسكين آلام ما بعد القيصرية بل وأثناءها أيضا وذلك باستمرار الحقن بالأدوية المخدرة . وعلى ذلك فالأم على موعد مع فترة خالية تماما من الآلام على الأقل لمدة يومين بعد العملية القيصرية ما يسهل عليها الحركة والشفاء المبكر بعد العملية .
منقوول.