العاشر من شهر رمضان المبارك من السنة العاشرة للبعثة الشريفة رحلت أمُّ المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام إلى ربّها. هذا على القول بأنها رحلت بعد رحلة أبي طالب عليه السلام بخمسة وأربعين يوماً. وفي رحلتها أقوال هي أنها في 23 رجب، أو 27 منه، أو في 29 منه، أو في أول شهر رمضان، أو 12 منه. وقيل كانت رحلتها بعد أبي طالب عليه السلام بثلاثة أيّام. وقيل بعده عليه السلام بسبعة أيام. وقيل بعده بشهر وقيل بعده بخمسة وثلاثين يوماً. وقيل بعده بخمسة وأربعين يوماً. وقيل خمسين يوماً. وقيل بسنة و... .
خديجة زوجة الرسول:
هي أوّل أزواج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتزوَّج غيرها في حياتها، وقد سبقت إلى الإسلام، وبذلت أموالها في سبيله، وحسبها أنها أُم الصديقة الزهراء عليها السلام التي جعل الله ذرية النبي صلى الله عليه وآله منها.
صفاتٌ خديجية:
هي أول إمرأة آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وصدَّقته وصلّت جماعة مؤتمّة به وأعلنت إسلامها وأوَّل إمرأة دافعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبذلت كل أموالها لرسول الله صلى الله عليه وآله، وأوَّل إمرأة بلغ في إيمانها الكمال بولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ما قام ولا إستقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة وسيف عليّ بن أبي طالب عليهما السلام» و« ما نفعني مالٌ قط مثلما نفعني مال خديجة عليها السلام».
وذات يوم دعا النبي صلى الله عليه وآله خديجة عليها السلام وأجلسها إلى جنبه وقال: «هذا جبريل يقول: إنَّ للإسلام شروطاً وهي: الإقرار بوحدانية الله تعالى، الإقرار برسالة الأنبياء عليهم السلام، الإقرار بالمعاد وأُصول هذه الشريعة وأحكامها وإطاعة أولي الأمر والأئمّة الطاهرين من أولاده عليهم السلام واحداً بعد الآخر والبراءة من أعدائهم.
فأقرّت بها خديجة عليها السلام جميعاً وصدَّقت بالأئمّة الطاهرين عليهم السلام سيّما أمير المؤمنين عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: «هو مولاك ومولى المؤمنين وإمامهم بعدي». وحينها أخذ على خديجة (عليها السلام) عهداً مؤكّداً بقبول ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بيّن أصول الدين وفروعه واحداً واحداّ حتى آداب الوضوء والصلاة والصيام والحج والجهاد وصلة الأرحام والواجبات والمحرَّمات. ثمَّ وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يده على يد أمير المؤمنين عليه السلام ووضعت خديجة يدها على يد رسول الله صلى الله عليه وآله وبهذا النحو بايعت أمير المؤمنين عليه السلام.
خديجة وعائشة:
قالت عائشة بنت أبي بكر: ما غرتُ على إمرأة من نساء النبي مثلما غرت على خديجة, وإني لم أدركها، من كثرة ذكر رسول الله إيّاها وثنائه عليها، قالت: وتزوّجني بعدها بثلاث سنين وأمره ربه أو جبريل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، وكان رسول الله إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوماً فقلت: كأن لم يكن في الدنيا إمرأة إلا خديجة؟ قال: «إنها كانت لي ولي منها أولاد، إني قد رزقت حبها». وفي رواية: «صدَّقَتني إذ كذَّبتم وآمنت بي إذ كفرتُم وولِدت لي إذ عقمتُم».
وهكذا مضت أم المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام الى بارئها مجاهدةٌ صابرةٌ وناصرةٌ للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وباذلةٌ في سبيل رضى الله سبحانه ونشر دينه وإعلاء كلمته، فسلامٌ عليها يوم ولدت ويوم جاهدت ويوم رحلت ويوم تبعث بين يدي ربها مكرّمة سعيدة.
خديجة توصي:
ولمّا حضرتها الوفاة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «يا رسول الله إعف عنّي إن قصّرت في حقك». فقال: «حاشا، ما رأيت منكِ إلا خيراً، وقد سعيت كلّ سعيك، وتحملتِ الأذى، وبذلت مالك في سبيل الله».
فقالت: «يا رسول الله أوصيك بهذه ـ وأشارت إلى الزهراء عليها السلام ـ ستكون هذه البنت غريبة ويتيمة بعدي لا تؤذها إمرأة من قريش ولا يضربها أحد على وجهها، ولا يرفعنَّ أحد صوته في وجهها ولا ترى مكروهاً».