مكانة الحسن (عليه السلام) عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
بتاريخ : 04-09-2009 الساعة : 05:56 AM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
مكانة الحسن (عليه السلام) عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله):
علاقة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بابنه الحسن (عليه السلام) فاقت حدود العلاقة العائلية الموروثة كعلاقة الأب بابنه وما يصحب هذه العلاقة من انشدادات عاطفية وانجذاب مشترك بين الطرفين، بل كانت علاقة تتجاوز هذا الحد، لأنها متوجة بحب الله عز وجل وآمره وأن حب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لابنه الحسن (عليه السلام) إنما هو ـ أيضاً ـ من حب الله له، وهذا ما دفع باتجاه تعزيز العلاقة بين الرسول (صلّى الله عليه وآله) وابنه الحسن (عليه السلام)، ولذلك كان المصطفى الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يرعى تربية الحسن (عليه السلام) رعاية مميزة وخاصة، فكان يغذيه بآدابه ومعارفه وكما كان يخشى عليه من كل مكروه لحبه له وخوفه عليه لأنه أمانة الله عنده ووصي من بعده والامتداد الطبيعي للرسالة الإسلامية.. ونجد هذا الانشداد الوثيق يتجسد في مواقف عديدة تعبر عن عمق العلاقة.
ففي ذات يوم وبينما الإمام الحسن (عليه السلام) كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ عطش الحسن (عليه السلام) واشتد ظمأه فطلب له النبي (صلّى الله عليه وآله) ماءً فلم يجد فأعطاه لسانه فمصه حتى روي(19).
وجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ ذات يوم ـ إلى بيت فاطمة (عليها السلام) ليرى الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال أين ابناي؟ فقالت: ذهب بهما علي (عليه السلام)، فتوجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فوجدهما يلعبان في مشربة (الأرض اللينة دائمة النبات) وبين أيديهما فضل تمر فقال (صلّى الله عليه وآله): يا عليّ ألا تقلب (ترجع) ابناي قبل الحر.(20)
لم تكن هذه المكانة العالية والوطيدة غامضة أو خافية ولا مقتصرة على نفس الرسول (صلّى الله عليه وآله) بل كان (صلّى الله عليه وآله) يصرح بها للملأ من قومه فكلما أتيحت له الفرصة للإعراب عن رأيه في طبيعة العلاقة المميزة بينه وبين الحسن (عليه السلام) كان يفصح وبكل صراحة عن رأيه حتى ليبدو أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتحين الفرصة عند السؤال عن الحسن (عليه السلام) من قبل المسلمين حتى يجيب عن ذلك، بل كان يعلن عن حبه للحسن (عليه السلام) دونما سؤال من أحد عن ذلك لأنه أمر من الله عز وجل وكما قال ـ عز من قائل ـ (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(21).
فكان (صلّى الله عليه وآله) يطلب من المسلمين أن يحملوا ذات الشعور والإحساس من ابنه الحسن (عليه السلام) وكذلك من ابنه الحسين (عليه السلام).
وعن عمران بن الحصين قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): يا عمران بن الحصين، إن لكل شيء موقعاً في القلب وما وقع موقع هذين الغلامين (أي الحسن والحسين) من قلبي شيء قط، فقلت: كل هذا يا رسول الله. قال: يا عمران وما خفي عليك اكثر أن الله أمرني بحبهما)(22).
وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للحسن بن عليّ: (اللّهم إني أحبه وأحب من يحبه)(23).
وعن زر بن حبيش قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات يوم يصلي فأقبل الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما غلامان فجعلا يتوثبان على ظهره إذا سجد فأقبل الناس عليهما ينحونهما عن ذلك قال (صلّى الله عليه وآله): دعوهما بأبي وأمي من أحبني فليحب هذين.(24)
ودخل أبو أيوب الأنصاري ذات يوم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والحسن والحسين (عليهما السلام) يلعبان بين يديه في حجره فقلت يا رسول الله أتحبهما؟ قال: (صلّى الله عليه وآله) وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما.(25)
وجاء أسامة بن زيد ذات ليلة فطرق باب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لبعض حاجته فخرج إليه الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهو مشتمل على شيء لا يدري ما هو فلما فرغ من حاجته قال أسامة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشف فإذا الحسن والحسين على وركيه فقال (صلّى الله عليه وآله): هذان ابناي وابنا ابنتي، اللّهم إنك تعلم إني أحبهما فأحبهما، اللّهم إنك تعلم إني أحبهما فأحبهما، اللّهم إنك تعلم إني أحبهما فأحبهما)(26).
وهناك روايات أخرى يصدع فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للتعبير صراحة عن حبه للحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) دونما واسطة أو سؤال من أحد وإنما قول صريح لا تكلّف فيه ولا غموض ومن هذه الروايات: أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلى مرأى ومسمع من الناس في المسجد، وهو يخطب والى جانبه ابنه الحسن (عليه السلام) فكان (صلّى الله عليه وآله) ينظر إلى الناس مرة والى الحسن (عليه السلام) مرة، ثم يوجه أنظار الناس إلى الحسن (عليه السلام) ويقول: ابني هذا سيد شباب أهل الجنة.
وخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الناس ذات يوم فأعلن قائلاً: (من سرّه أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي)(27).
ووضع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ابنه الحسن (عليه السلام) على عاتقه فقام بتعريفه لعامة المسلمين وكان يقول (صلّى الله عليه وآله): (من حبني فليحبه) ولمّا لقيه رجل فقال: نعم المركب ركبت يا غلام (وكان يوجه الكلام للحسن) كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول له: (ونعم الراكب هو)(28).
وعن حذيفة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتاني ملك فسلّم عليّ نزل من السماء، لم ينزل قبلها يبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة(29)
وأمام معشر من المسلمين أجز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بفضل أهل بيته (عليهم السلام) قائلاً: خير رجالكم علي بن أبي طالب وخير شبابكم الحسن والحسين وخير نساؤكم فاطمة بنت محمد (صلّى الله عليه وآله).
وفي مكان آخر يذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فضل أهل بيته (عليهم السلام) والمحبين لهم، يقول ابن عباس: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأذني وإلا فصمتا وهو يقول: (أنا شجرة وفاطمة حملها وعليّ لقاحها والحسن والحسين ثمرتها والمحبون أهل البيت ورقها من الجنة ضفاً ضفاً)(30).
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قالت الجنة يا رب زينتني فأحسنت زينتي، فأحسن أركاني فأوحى الله تبارك وتعالى إليها أني قد حشوت أركانك بالحسن والحسين وجنبيك بالسعود من الأنصار وعزتي وجلالي لا يدخلك مرائي ولا بخيل(31).
وعن مطالبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المسلمين بحب ابنه الحسن (عليه السلام) يروي زهيد بن الأقمر هذه الحادثة يقول: بينما الحسن بن علي (عليه السلام) يخطب بعدما قتل عليّ (عليه السلام) إذا قام رجل من الأزد آدم طوال فقال: لقد رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واضعه في حبوته يقول: (من أحبني فليحبه فليبلغ الشاهد الغائب) ولولا عزمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما حدثتكم(32)
ولعل سائل يسأل: ماذا تعني هذه المحبة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للحسن (عليه السلام)؟.. لمّ ما هو جزاء من أحب الحسن وأخيه الحسين (عليه السلام)؟
أما جواب الشطر الأول فيأتي من ابن عباس الذي قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلما رآه بكى ثم قال: (إليّ إليّ يا بني) فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى وساق الحديث إلى أن قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): (أما الحسن فإنه ابني، وولدي ومني، وقرة عيني، وضياء قلبي، وثمرة فؤادي، وهو سيد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأمة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنه مني ومن عصاه فليس مني(33) (وأضاف الحائري على ذلك) (وإني لما نظرت إليه ذكرت ما يجري عليه من الذل بعدي فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسّم ظلماً وعدواناً فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته ويبكيه كل شيء حتى الطير في السماء والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ومن زاره في البقيع ثبتت قدماه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام)(34).
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: (حسن مني وأنا منه، أحب الله من أحبه الحسن والحسين سبطان من الأسباط)(35).
أما جواب الشطر الثاني عن الجزاء والمكافأة من حب الحسن(36) فيأتي من سلمان المحمدي حيث قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للحسن والحسين (عليهما السلام): (من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم وله عذاب مقيم)(37).
وإذا دققنا النظر في مكنونات هذه الروايات الصادرة عن الصادق الأمين والذي بعث رحمة للعالمين والذي حديثه حديث الوحي، نجد أن الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان يهدف من ذلك إلى توجيه أنظار المسلمين إلى أهل بيته (عليه السلام) لأنهم مركز الإشعاع الرسالي الذي منه ينسل الأوصياء والأمناء على الوحي والرسالة من بعده والقائمين بتحقيق أهداف الرسول (صلّى الله عليه وآله) والرسالة.. وإن من هذا البيت الطاهر سيكون امتداد الرسالة الإلهية لذلك تأتي هذه التوصيات من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للمسلمين في سياق تهيئة أجواء مناسبة يكون فيها المسلمون أقدر على التفاعل مع المرحلة التي تلي غياب شخص رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتكون الفواصل الزمنية والتحولات الاجتماعية خلال هذه الفترة غير قابلة لإحداث هزّة في الأوضاع الداخلية للمجتمع الإسلامي أو ذات أثر في تعثير مسيرة الرسالة الإسلامية.
الهوامش
19 - كنز العمال: ج7، ص105.
20 - مستدرك الصحيحين: ج3، ص165.
21 - سورة الشورى: 23.
22 - سفينة البحار: ج1، ص257.
23 - ترجمة ابن عساكر: ص38 ورواه الترمذي في جزء 13، ص198 والبخاري في صحيحه جزء 5، ص33 ومسلم جزء7. ص130.
24 - سنن البيهقي: ج2، ص263.
25 - ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام)، لابن عساكر، ص40.
26 - ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام)، لابن عساكر، ص97.
27 - البداية والنهاية، ابن كثير: ج8، ص37.
28 - الصواعق المحرقة، ابن حجر: ص137، 138.
29 - ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام)، ابن عساكر، ص15.
30 - ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام)، ابن عساكر، ص15.
31 - أسد الغابة، ابن الأثير، الجزء الأول.
32 - مسند أحمد بن حنبل: ج5، ص366.
33 - العوالم في أحوال الإمام الحسن (عليه السلام).
34 - معالي السبطين.
35 - العوالم في أحوال الإمام الحسن (عليه السلام).
36 - ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام)، ابن عساكر، ص40.
37 - الإصابة: ج2، ص11.