ما لاقاه الصحابة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم)
عمار بن ياسر :
عمار بن ياسر أبو اليقظان وهو صحابي جليل وقد استشهد أبواه ياسر وسمية - أول شهيدة في الإسلام - بعد أن عذبا وعمار عذابا شديدا من مشركي قريش . وعمار هو الذي نزل فيه قوله تعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) (سورة النحل : 106) بعدما نال من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وذكر آلهة المشركين على رواية لشدة ما ناله من العذاب ، وقد قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " عمار تقتله الفئة الباغية " (صحيح البخاري 4 : 25 . هذا مع أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " من أبغض عمارا أبغضه الله " . أنظر مسند أحمد 4 : 89 ، فما بالك إذن بمن قتله واجترأ عليه ؟) وفعلا استشهد عمار يوم حرب صفين بين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ورئيس الفرقة الباغية معاوية بن هند . وقبل أن يقتل " الصحابي " معاوية عمارا كما قتل غيره ، تعرض عمار للضرب والشتم من عثمان ووزيره مروان بن الحكم ، وإليك القصة كما أوردها ابن قتيبة في كتابه ( الإمامة والسياسة ) : "..ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان ، وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود ، وكانوا عشرة ، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده ، فمضى حتى جاء دار عثمان ، فاستأذن عليه ، فأذن له في يوم شات فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية ، فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له : أنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال نعم ، قال : ومن كان معك ؟ قال كان معي نفر تفرقوا فرقا منك ، قال : من هم ؟ قال : لا أخبرك بهم، قال : فلم اجترأت علي من بينهم ؟ فقال مروان : يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود ( يعني عمار ) قد جرأ عليك الناس ، وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه ، قال عثمان : اضربوه ، فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه، فغشي عليه ، فجروه حتى طرحوه على باب الدار ، فأمرت به أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام فأدخل منزلها... " (الإمامة والسياسة 1 : 50 - 51) .
أبو ذر الغفاري :
هو جندب بن جنادة من قبيلة غفار ، وكان رابع من أسلم أو خامسهم بعد خديجة وعلي وزيد بن حارثة ، وقد قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر " (طبقات ابن سعد ج 4 ، ترجمة أبي ذر الغفاري) . وأبو ذر هذا نفاه عثمان بن عفان إلى الشام ، لكن معاوية خاف منه ومن صرامته في الحق فأرسل لعثمان كتابا قال له فيه : انقذني من أبي ذر ، فأرجعه عثمان وشتمه ونفاه إلى صحراء الربذة حتى مات هناك ، فصدق فيه قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك " (الحديث عن عبد الله بن مسعود وقد قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأبي ذر في غزوة تبوك ، الطبقات الكبرى لابن سعد 4 : 173) .
بل إن هذا الصحابي الجليل القدر لم يجد حين حضرته الوفاة كفنا يكفن فيه ، في حين كان مروان بن الحكم وغيره من بني أمية المجرمين يتنعمون ويبذرون مال الله على شهواتهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
سهل بن سعد الساعدي :
صحابي من الصحابة ، وقد قال ابن الأثير في ترجمته "... وعاش وطال عمره ، حتى أدرك الحجاج بن يوسف وامتحن معه ، أرسل الحجاج سنة أربع وسبعين إلى سهل بن سعد ( رضي الله عنه ) وقال له : ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان ؟ ! قال : قد فعلته . قال : كذبت ، ثم أمر به فختم في عنقه ، وختم أيضا في عنق أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) ، حتى ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان فيه ، وختم في يد جابر بن عبد الله ، يريد ( أي الحجاج ) إذلالهم بذلك ، وأن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا منهم " (أسد الغابة 2 : 472 ، ترجمة سهل بن سعد الساعدي) . وكما ترى فإن الحجاج ومن قبله معاوية ويزيد لم يدعوا حرمة للصحابة بل ختموا على رقابهم وأيديهم كالأغنام ، وقد ختم يزيد على رقاب أهل المدينة بعد أن غزاها وكان فيها من الصحابة والتابعين الكثير وشرط عليهم أن يختم عليهم وأن يشهدوا على أنهم عبيد ليزيد . ولاحظ حقد الحجاج على من لم ينصر عثمان ، فما بالك بمن حارب عثمان ودعا لقتله ، وقد فعل هذا كثير من الصحابة كعائشة وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وغيرهم كثير ، وبهذا تعرف لماذا صارت لعثمان فضائل كثيرة مزعومة ومثالب وشتائم لمن عارضه أو قتله أو رضي بذلك ، فافهم ! !
نكتفي بهذا القدر ، ولو أردنا التوسع فيما لقيه الصحابة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من التنكيل والتبعيد والقتل والسب والشتم لاحتاج كل ذلك إلى كتاب على أقل تقدير ، ثم يقال بعد هذا إن سب الصحابي كفر وزندقة؟!