ان الابرار الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه عرفوا الدنيا وما فيها من نعيم زائل فأعرضوا عنها بقلوبهم والتمسوا رضوان الله تعالى في مأكلهم وملبسهم واسلوب حياتهم فامرأة مثل الزهراء (عليها السلام ) وجلالة قدرها و عظم منزلتها كانت شملتها التي تلتف بها خَلِقه قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل نظر اليها سلمان يوماً فبكى وقال : واحزناه ان (بنات) قيصر وكسرى لفي السندس والحرير وابنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) عليها شملة صوف خلقه قد خيطت في اثني عشر مكانا.
جاء في تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد (عليهما السلام ) وتفسير القشيري عن جابر الأنصاري قالا: رأى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمة وعليها كساء من أجلّة الابل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقالت : يا رسول الله الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه فانزل الله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) .
قال ابن شاهين في مناقب فاطمة واحمد في مسند الانصار عن ابي هريرة وثوبان انهما قالا: كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يبدأ في سفره بفاطمة ويختم بها، فجعلت وقتاً ستراً من كساء خيبرية لقدوم أبيها وزوجها فلما رآه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تجاوز عنها وقد عُرِف الغضب في وجهه حتى جلس على المنبر فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها ونزعت الستر فبعثت به الى أبيها و قالت : اجعل هذا في سبيل الله فلما أتاه قال (عليه السلام ) قد فعلت فداها أبوها ثلاث مرات ما لآل محمد وللدنيا فانهم خلقوا للآخرة وخلقت الدنيا لهم. وفي رواية احمد: فإن هؤلاء أهل بيتي ولا احب ان يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.
و لعل في قصة العقد المبارك الذي قدمته الزهراء روحي فداها الى الفقير الذي جاء الى ابيها (صلى الله عليه و آله ) فارشده النبي الى دار فاطمة – و التي ستأتيك قصته انشاء الله – خير شاهد علي زهد الزهراء بأبي هي و أمي بكل ما هو موجود و يفتتن به الناس قدمته في سبيل الله تعالى لتضرب (عليها السلام ) اروع الامثلة في الاحسان و الايثار و المواسات