كربلاء... بلد الإمام الحسين عليه السلام ، بلد البطولة والشهادة، بلد اختاره الأنبياء والأولياء موطئاً لهم، فهو موئل ٌ للكرامة والفداء ورمزٌ للنصر أمام الطغاة، فلذا ترى الزائرين فيه وقد جاؤوا من كلّ حدبٍ وصوب، وهم مابين ذاكرٍ ومصلٍّ وباكٍ على المصاب الذي حلّ بواديها:
هي كربلاء فقف على عرصاتها ودع الجفون تجودُ في عبراتها
فهي لم تخلُ من موقفٍ لإمام زماننا أرواحنا له الفداء، وهو النادب لمصاب جدّه صباحاً ومساء، وهو الباكي عليه بدل الدموع دماً، تلهّفاً عليه وتأسّفاً لعدم الحضور معه في يوم كربلاء، وهو الآخذ بثأر الإمام الحسين عليه السلام ، فلابد أن يكون له في أرضها حضور، وفي مناسباتها شركة، وقد روي عن السيد بحر العلوم قدس سره أنه رآه عليه السلام يشارك المعزّين في عاشوراء سيد الشهداء، ولعلّه شرّف هذه الأرض المباركة في آنات زمنية كثيرة، وشرّف ماءها بملامسة جسده الطاهر ليسبغ منه وضوءَهُ ويضفي عليه من بركاته أثراً، وربما أراد عجل الله فرجه الشريف أن يخصّ موضعاً من مواضعها بالتشريف، فيكون لذلك الموضع محل خاص في نفوس مواليه، كيف لا وقد تضوّع بمسك حضوره، وفاز بتشرّف ركوعه وسجوده، وأنس بعذوبة صوته ولذيذ دعائه، ولعل هذا المحل هو الذي شرف بحضوره واستنار بوجوده القدسي، فكان محل نزول ملائكة الرحمة ومهوى قلوب عشاق الأئمة ومنتظري إشراقة مُحَيّاه الوضاء، وظهور نوره القدسي، وبحثنا هذا يتناول التعريف بالمقام المنسوب إلى الإمام المهدي عليه السلام في كربلاء المقدسة.
موقع المقام :
يطلّ المقام حالياً من الجهة الأمامية على الشارع المسمّى بـ (شارع المنتظر)، مقابل مدخل (شارع السدرة) المنتهي إلى حرم الإمام الحسين عليه السلام ، كما يطلّ المقام من الجهة الخلفية على الضفة اليسرى من نهر الحسينية، بجوار القنطرة التي تؤدي إلى مقام الإمام الصادق عليه السلام الذي يبعد عنه بنحو 200م شمالاً، كما يبعد المقام عن حرم الإمام الحسين عليه السلام بنحو 800 م جنوباً.
تاريخ المقام:
للمقام هذا تاريخ يختلف عن تواريخ المقامات الأخرى المنسوبة إلى الإمام المهدي عليه السلام والتي استعرضناها في الأعداد الأربعة السابقة، فتاريخه لايحمل تأريخاً عريقاً يمتدّ إلى القرون الغابرة، فكل ماعثرت عليه من تأريخ له لا يتجاوز قرناً واحداً، ومن الطبيعي أن قولي هذا يستند على الكثير من الأدلة التي عثرت عليها بمتابعة البحث وكثرة المطالعة في الكتب التي تتعلّق بتاريخ مدينة كربلاء والكتب المتعلّقة بسيرة الإمام المهدي عليه السلام ، مع أني أحْفَيْتُ السؤال عن المقام وتاريخه من المعمّرين وبالخصوص المجاورين للمقام مما أَغْنى بحثنا هذا، ومما يؤيد قولي هذا عدّة أمور سأوردها تباعاً:
1 ـ عدم ورود أي ذكر للمقام وتاريخه في الكتب المختصة بسيرة الإمام المهدي عليه السلام ، أسوةً بذكر غيره من المقامات المنسوبة إليه كمسجد السهلة ومقاماته عليه السلام في الحلة، ووادي السلام، والنعمانية، والسرداب المقدس، وغيرها من الأماكن المنسوبة إليه.
2 ـ عدم ورود أي ذكر للمقام وتاريخه في الكتب المختصة بتاريخ مدينة كربلاء المقدسة قديماً وحديثاً، سوى ماذكره المؤرخ الفاضل السيد سلمان هادي آل طعمة في كتابيه (تراث كربلاء) و(كربلاء في الذاكرة) والتاريخ المذكور فيهما للمقام هو قبل سنة 1378هـ، وهو ماسنذكره في تاريخ عمارة المقام، ولولا هذا الذكر من التاريخ لضاع علينا ذكره بالأصل.
3 ـ عدم ورود أي ذكر للمقام وتاريخه على لسان الرحّالة الذين تشرفوا بزيارة مدينة كربلاء، بينما ذكر أكثرهم مقام الإمام الصادق عليه السلام الذي يبعد عنه بنحو 200م.