((السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره، السلام عليك يا وتر الله الموتور في السماوات والأرض، أشهد أن دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلة العرش))
موقف اهل البيت من الحتمية التاريخية
قال العلامة الطبطبائي قدس
بحكم قانون الاتم الاكمل فالعقل يؤدي دورة بصورة تدريجية ويبتكر كل يوم وسيلة افضل
_________________
في التاريخ الفلسفي الانساني نلتقي نظريتين تنطلقان من منطلق الحتمية التاريخية او جبرالزمان وتلتقي الديالكتية والبرغماتية هنا
من كلام ماركس المعروف بهذا الصددالجبرالمطلق ونسبية الاخلاق والمعارف
وجدان الانسان لايبني وجودهم الاجتماعي وانما وجودهم الاجتماعي هو الذي يبني وجدانهم
احداهما : تخص السلوك الانساني ودوافعة ومبرراتة تحت قاعدة الجبروالتي تؤدي جبرا الى نسبية الاخلاق
والاَخرى : تتعلّق بالنظام الكوني عموماً وتكوينة واصلة وعلتة وتؤدي الى نكران الله او تعطيلة عزوجل بلجبركما يقول الاشاعرة
فتتجه النظرية الاَولى إلى الاِيمان بحتمية السلوك الانساني وتعطيل إرادة الاِنسان ، وسلب أي دور لارادته في سلوكه وتتجه النظرية الثانية إلى تثبيت الحتمية في النظام الكوني بشكل عام ، وتذهب إلى أن الكون كلّه يتحرك ضمن نظام دقيق بموجب قانون العلّية . وهذا النظام يجري ضمن حلقات متسلسلة ، كلّ حلقة منها ترتبط بالحلقة السابقة واللاحقة . ضمن نظام حتمي لا يمكن أن يتغير ولا يمكن أن يتخلف، ولا يمكن ان تتدخل إرادة أحد ـ مهما كان ـ في تغييره . ولو افترضنا أنّنا اطلعنا على رؤوس هذه الحلقات في النظام الكوني العام ، وأمكننا قراءة التسلسل النظامي لحلقات هذا النظام ، أمكننا التنبؤ بكل ما يجري في الكون من الاَحداث إلى أن ينتهي أمد هذا الكون .
وهاتان النظريتان تجريان في كل من الاتجاهين الفكريين المعروفين ؛
الاتجاه الاِلهي ،
والاتجاه المادي.
فإنّ طائفة من الذين يؤمنون بالحتمية في سلوك الاِنسان وتاريخه يؤمنون بالله تعالى ، ويذهبون إلى أنّ مصدر هذه الحتمية هو الله تعالى . بينما يذهب آخرون من الاتجاه المعاكس (الاتجاه المادي) إلى نفس النتيجة من منطلق قانون العلّية أو النظام الفكري الديالكتيكي والدارونية . فيذهب كل من هذين الاتجاهين إلى الحتمية في سلوك الاِنسان وتاريخه على نحو سواء . وكذلك الحتمية الثانية (الحتمية الكونية) لا تختص بهذا الاتجاه أو بذلك الاتجاه . فمن الممكن أن يذهب إلى هذه الحتمية أصحاب الاتجاه المادي أو الاِلهيون . واليهود من (الاِلهيين) الذين يذهبون إلى هذا الاتجاه في الحتمية الكونية. يقول تعالى :
( وقالت اليهود يَدُ الله مغلولة غُلَّت أيديهم ولُعِنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان )
كما أنّ في المسلمين طائفة واسعة وكبيرة وهم (الاَشاعرة) يذهبون إلى هذه الحتمية في سلوك الانسان . والماركسيون من الاتجاه المادي يذهبون إلى هذه الحتمية في تاريخ الاِنسان.كما استعرضنا قول ماركس في اعلى الموضوع
هاتان الحتميتان تؤديان إلى نتائج سلبية في التاريخ العقلي للانسان ، كما تؤديان إلى نتائج سلبية في التاريخ السياسي للانسان .
فإنّ النتيجة التي تؤدي إليها هاتان الحتميتان بالضرورة هي افتراض وجود نظام قاهر في الكون، يمتنع على كلّ تعديل وتغيير وتبديل ، وهو بمعنى تعطيل سلطان إرادة الله تعالى ، وعدم الاعتراف بنفوذ سلطانه تعالى على النظام الكوني . هذا في الحتمية الكونية . والنتيجة الضرورية التي تؤدي إليها الحتمية السلوكية والتاريخية للانسان هي الاِيمان بتعطيل ارادة الانسان . وهاتان نتيجتان خطيرتان تترتبان بالضرورة على هاتين الحتميتين .
وقد وقع كل من هاتين الحتميتين في موضع الاستغلال السياسي من قبل الحكام والاَنظمة بشكل واسع . فإنّ الاِيمان بالحتمية التاريخية والسلوكية يعطّل دورالاِنسان الفاعل وإرادته في تغيير ظروفه المعيشية وتاريخه السياسي ، ويحولّه من عنصر فاعل ومؤثر في تغيير حركة التاريخ ، وتغيير ظروفه الاجتماعية والمعيشية إلى عنصر عائم في تيار التاريخ والحياة ، يجري حيث يجري التيار وقد اشتر الحسن البصري كاول جبري في التاريخ الاسلامي حين برر سلطان بني امية بانة سلطان الله ومشيئة حتمية . وهكذاهذاا النوع من التفكير ينفع الاَنظمة السياسية الاستبدادية عادة . فلا تكاد تبرز معارضة ظاهرة للنظام السياسي ، في وسط اجتماعي
يؤمن بالتقدير والحتمية والجبر بهذه الصورة . ولهذا السبب تلقى النظرية الحتمية في التاريخ تأييداً ودعماً من الاَنظمة المعروفة بالاستبداد السياسي غالباً . ويشجع الحكام هذا التوجه الفكري في مسألة القضاء والقدر ليأمنوا من غضب الناس وثورتهم واعتراضهم. فلا مجال للغضب والسخط والاعتراض لاَحد ، إذا كان ما يجري من الظلم وسفك الدماء يجري بقضاء الله وقدره ، ولم يكن لاَحد من الناس قدرة في تغييره وتعديله .
واجه أهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ الاِسلامي انحرافاً فكرياً ، عقائدياً ، لدى طائفة من المذاهب الاِسلامية في فهم حركة التاريخ والكون ، وذلك بتبنّي مذهب الحتمية والجبر في تاريخ الاِنسان وسلوكه ، وتبنّي مبدأ الحتمية في حركة الكون . وكان لرأي الحكام في العصرين ، الاَموي والعباسي ، اللذين عاصرهما أهل البيت عليهم السلام عليهما تأثير في هذا وذاك . فوقف أهل البيت عليهم السلام موقفاً قوياً ضد هذا الاتجاه وذاك ، وأعلنوا عن رأيهم في حرية إرادة الاِنسان وقراره ، دون أن يعطّلوا دور إرادة الله تعالى في حياة الاِنسان ، وهو ما عبّر عنه أهل البيت عليهم السلام بـ (الاَمر بين الاَمرين) . روي أنّ الفضل بن سهل سأل الرّضا عليه السلام بين يدي المأمون ، فقال : يا أبا الحسن الخلق مجبورون ؟ فقال عليه السلام : « الله أعدل من أن يجبر خلقه ثمّ يعذبهم » . قال : فمطلقون ؟ قال عليه السلام : « الله أحكم من أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه وروى الصدوق عن مفضل بن عمر عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين الاَمرين »
كما أعلن أهل البيت عليهم السلام عن عقيدتهم في الحتمية الثانية : عن محمد
ابن مسلم عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام يقول : « ما بعث الله نبياً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الاِقرار له بالعبودية ، وخلع الانداد ، وأنَّ الله يقدّم ما يشاءَ ويؤخّر ما يشاء »
وقد اشتهر نفي هذه الحتمية وتلك عن أهل البيت عليهم السلام بصورة متواترة، وعرف قولهم في نفي الحتمية السلوكية والتاريخية بـ (الاَمر بين الاَمرين) وعرف قولهم في رفض الحتمية الكونية بـ (البداء) .