الإنسان في حياته إنّما هو في رحلة وسفر ، يحاول أن يكون موفّقاً في عمله ، وناجحاً في اُسرته ومجتمعه ، ولكن على المرء أن يسعى ليكون من أهل الخير
حتّى تتاح له الظروف وتتهيّأ له الأسباب ويكون موفّقاً وناجحاً.
 
هناك أسباب عامّة اتّفق عليه العقلاء أنّ من التزم بها ، مع حقّ المراعاة ، فإنّه يتوفّق في الحياة اذكر بعضها :
 
 
الأوّل - اغتنام الوقت والفرصة
المعروف أنّ كلّ شيء عند ضياعه وتلفه ، يمكن أن يعوّض ويُجبر ، إلاّ الوقت والزمان ،وقد يتصوّر الشباب أ نّهم خالدون في الحياة ، 
وتبقى لهم قوّة الشباب والنشاط ، فلا يثمّنون وقتهم الغالي وحيويّة نشاطهم ، ولكن من عرف الوقت وعرف قيمته وأ نّه يمرّ كما يمرّ
السحاب فإنّه يغتنمه ، فأنطوان تشيخوف الكاتب الشهير قد كتب أكثر من ألف قصّة ، وخلّف من ورائه العدد الكبير من المؤلّفات ،
والعدد الكثير يتألّف من الصغار ، فالعمر من السنين ، والسنون من الشهور ، والشهور من الأيّام ، والأيّام من الساعات ، 
والساعات من الدقائق ، والدقائق من الثواني ، والثواني من الآنات ، والآنات من اللحظات ، واللحظات كلمح البصر أو هو أقرب.
فاغتنم لحظات عمرك وشبابك قبل هرمك ، وسلامتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك .
 
ما أروع هذه المقولة لأمير المؤمنين (عليه السلام)
موصياً ولديه الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) في آخر لحظات حياته الشريفة : « اتّقوا الله ، وعليكما بنظم أمركما » 
 
فلا بدّ من تنظيم الوقت ، ومن ثمّ نحاسب أنفسنا ، ونضع علامة الزائد ( + ) للساعات التي استفدنا منها ، وعلامة الناقص ( ـ ) لتلك 
التي ذهبت من أيدينا هدراً ، ثمّ نسعى في المستقبل أن نُبدّل النواقص بالزوائد.
 
 
الثاني - الأمل والرجاء في الحياة
الأمل الصادق ما يتعقّبه السعي والعمل المتواصل ، ولا تيأس في حياتك ، فلعلّ آخر مفتاح لا زال في جيب فكرك ، ليفتح لك أقفال مشاكل الحياة . 
ولا تيأس من روح الله ، فتوكّل على الله وتأمّل به ، وإلاّ فمن ضاع منه الأمل سينثني أمام مشاكل الحياة وصعابها ويفشل في مكافحتها ، ويصاب 
بالانهيار ، أو يعيش على هامش الحياة تافهاً عاطلا كلاّ على المجتمع.
 
 
الثالث - الهدف في الحياة والصبر من أجله
كلّ واحد منّا لا بدّ أن يكون له هدف في حياته ، يبرمج أوقاته بروح الأمل ليصل إلى الهدف المنشود ومن يبغي القمّة والعظمة في حياته العلمية
أو العملية ، فلا بدّ أن يكون له هدف واحد ، وتصميم واحد ، وأمل واحد ، ولا يصل الإنسان إلى ما يبغيه بالتمنّي ، إنّما بالسعي المتواصل ولا بدّ 
من تربية الحواسّ الخمسة الظاهرية لكسب العلوم والفنون ، وكلّ من عظمت روحه ، فشعاره في الحياة إمّا الموت دون الهدف الصادق وإمّا الفوز
والنصر بوصول الهدف الفائق ، فلا بدّ من إحدى الحسنيين . 
 
والرجل الواقعي من كان له شجاعة القول ، ومن قدُر أن يقتل اليأس في نفسه ، فإنّه لا يؤخّر عمل اليوم إلى غده ، فإنّ عمل اليوم لهذا اليوم ، 
وللغد أعماله ، ولا بدّ من الإرادة والتصميم والصدق والصبر والشجاعة. 
 
الرابع - معرفة الطريق ووضوح المسلك
 
بعد معرفة الهدف في الحياة لا بدّ من معرفة طريقة وكيفيّة السلوك والوصول إليه ولا بدّ من مراعاة 
هذه النقاط التالية :
1 ـ العمل الفوري ، فخير البرّ عاجله.
2 ـ لا ندع عمل اليوم إلى غد ، فإنّ غداً له أعماله وأفعاله
3 ـ ما نستطيع إتيانه لا نكلّف الآخرين بإتيانه
4 ـ لا بدّ من الطمأنينة في سرعة العمل ، فإنّ عدم الطمأنينة والعجلة ، ربما تورث الندم ، ويوجب تكرار العمل 
5 ـ كلّ وقت له عمله الخاصّ ، فلا بدّ من وحدة العمل حتّى نهايته
6 ـ لا تردد بعد معرفة سلامة الطريق وقداسة الهدف 
7 ـ لا تخف من الأمر العظيم ، فإنّ طلب ما هو عظيم ، يولّد فيك القوّة العظيمة
8 ـ لا بدّ من معرفة مكانة العمل ومحاسبة كلّ شيء 
9 ـ انتهاز الفرص فإنّها زهور الحياة 
10ـ لا تنتظر الفرص ، بل عليك بخلقها ، ولا تيأس فالرجل العظيم من كان قويّ الإرادة 
 
الخامس- الإخلاص في العمل
فإنّ من أخلص في حياته في فكره وسلوكه مع ربّه ونفسه واُمّته ، فقد نال المُنى وفاز بالمقصود ، ومن عاش بالحيلة والمكر
والخديعة يموت بالفقر والهلاكة والخيبة
 
 
 
وختاما حبّذا أن ننظر إلى التوفيق بمنظار ديني ومن خلال الإسلام وعلى ضوء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، 
لما نعتقده من أنّ العلم الصافي والمنهل العذب إنّما هو عندهم ، فهم معدن العلم وأساسه وأركانه ودعائمه وحقيقته وجوهره ،
فمن أراد الحقّ والحقيقة والسعادة في الدنيا والآخرة إنّما عليه أن يطرق أبوابهم ـ أبواب الله جلّ جلاله ـ ويلج وليجتهم 
ويتمسّك بعروتهم وبحبلهم ـ حبل الله ـ فهم الصراط المستقيم ، وفي بيوتهم نزل الكتاب الكريم.
 
 
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في غرر الحكم :
التوفيق عناية التوفيق رحمة التوفيق من جذبات الربّ التوفيق عناية الرحمن.
 
وفي مكارم الخلاق لزين العابدين (عليه السلام) :
« اللهمّ وأنطقني بالهدى وألهمني التقوى ، ووفّقني للتي هي أزكى ، واستعملني بما هو أرضى ».
 
 
 
 
وأخيراً طوبى لمن عرف قدر نفسه وحياته ، عاش سعيداً ومات سعيداً ، ودخل الجنّة سعيداً