- الكليني، الأصول من الكافي، ج1 / ص 10 حديث رقم 1
أخبرنا [أحد رواة الكافي كالنعماني أو الصفواني أو غيرهما ويحتمل أن يكون القائل هو الكليني رضوان الله عليه كما هو دأب القدماء] أبو جعفر محمد بن يعقوب قال : حدثني عدة من أصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
"لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا "هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك أعاقب، وإياك أثيب".
السند صحيح إلى المعصوم محمّد الباقر(ع) :
- أبو جعفر محمد بن يعقوب: بن إسحاق الكليني الرّازي، ثقة الإسلام وفخره.
- النعماني أو الصفواني: رواة نسخ الكليني كثيرة أشهرهم الصفواني والنعماني.
(مرآة العقول: ج 2 / ص388)
- النعماني: محمد بن إبراهيم بن جعفر أبو عبد الله الكاتب، المعروف بابن زينب، شيخ أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث.
(رجال النجاشي: ص383 ترجمة رقم 1043)
- الصفواني: محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال، مولى بني أسد، أبو عبد الله، شيخ الطائفة، فقيه، فاضل.
(رجال النجاشي : ص393 ترجمة رقم 1050)
- محمد بن يحيى العطار: القمي أبو جعفر، شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث.
(رجال النجاشي: ص353، ترجمة رقم 946)
- أحمد بن محمد: بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري، شيخ القميين، ووجههم، وفقيههم، غير مدافع.
(رجال النجاشي: ص 81 ترجمة رقم 198)
- الحسن بن محبوب: السراد ويقال له الزراد، ثقة جليل القدر، من أصحاب الكاظم والرضا (ع).
[من أصحاب الإجماع] (المفيد من معجم رجال الحديث: ص152 ترجمة رقم 3071)
- العلاء بن رزين: القلاء ثقفي، مولى، ... روى عن أبي عبد الله (ع)، وصحب محمد بن مسلم، وفقه عليه وكان ثقة وجها.
(رجال النجاشي: ص298 ترجمة رقم 811)
- محمّد بن مسلم: بن رباح أبو جعفر الأوقص الطحان مولى ثقيف الأعور، وجه أصحابنا بالكوفة، فقيه، ورفع صحب أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام، وروى عنهما وكان من أوثق الناس.
(رجال النجاشي: ص323 - 324 ترجمة رقم 882)
شرح الحديث
قال العلاّمة المجلسي -رضي الله عنه- في شرحه للحديث الأول من الكافي الشريف في (مرآة العقول: ج1 / ص 29 - 31) :
". . . فاستمع لما يتلى عليك من الحق الحقيق بالبيان، و بأن لا يبالي بما يشمئز عنه من نواقص الأذهان، فاعلم أن أكثر ما أثبتوه لهذه العقول قد ثبت لأرواح النبي والأئمة عليه السلام في أخبارنا المتواترة على وجه آخر، فإنهم أثبتوا القدم للعقل، وقد ثبت التقدم في الخلق لأرواحهم إما على جميع المخلوقات، أو على سائر الروحانيين في أخبار متواترة، وأيضا أثبتوا لها التوسط في الإيجاد أو الاشتراط في التأثير، وقد ثبت في الأخبار كونهم علّة غائية لجميع المخلوقات، وأنّه لولاهم لما خلق الله الأفلاك وغيرها، وأثبتوا لها كونها وسائط من إفاضة العلوم والمعارف على النفوس والأرواح، وقد ثبت في الأخبار أن جميع العلوم والحقائق في المعارف بتوسطهم يفيض على سائر الخلق حتى الملائكة والأنبياء، والحاصل أنه قد ثبت بالأخبار المستفيضة: أنهم عليه السلام الوسائل بين الخلق وبين الحق في إفاضة جميع الرحمات و العلوم و الكمالات على جميع الخلق، فكلما يكون التوسل بهم والإذعان بفضلهم أكثر كان فيضان الكمالات من الله تعالى أكثر، ولمّا سلكوا سبيل الرياضات والتفكرات مستبدّين بآرائهم على غير قانون الشريعة المقدسة، ظهرت عليهم حقيقة هذا الأمر ملبسا مشبها فأخطأوا في ذلك و أثبتوا عقولا و تكلموا في ذلك فضولا، فعلى قياس ما قالوا يمكن أن يكون المراد بالعقل نور النبي صلوات الله عليه و آله الذي انشعبت منه أنوار الأئمة عليه السلام واستنطاقه على الحقيقة، أو بجعله محلّاً للمعارف الغير متناهية، والمراد بالأمر بالإقبال ترقيه على مراتب الكمال وجذبه إلى أعلى مقام القرب والوصال، وبإدباره إما إنزاله إلى البدن أو الأمر بتكميل الخلق بعد غاية الكمال، فإنه يلزم التنزل عن غاية مراتب القرب، بسبب معاشرة الخلق ويومئ إليه قوله تعالى"قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا" و قد بسطنا الكلام في ذلك في الفوائد الطريفة.
ويحتمل أن يكون المراد بالإقبال الإقبال إلى الخلق، وبالإدبار الرجوع إلى عالم القدس بعد إتمام التبليغ، و يؤيده ما في بعض الأخبار من تقديم الأدبار على الإقبال. وعلى التقادير فالمراد بقوله تعالى: "ولا أكملتك"
يمكن أن يكون المراد ولا أكملت محبتك والارتباط بك، وكونك واسطة بينه و بيني إلا فيمن أحبه أو يكون الخطاب مع روحهم و نورهم عليهم السلام، و المراد بالإكمال إكماله في أبدانهم الشريفة، ي هذا النور بعد تشعبه، بأي بدن تعلق و كمل فيه يكون ذلك الشخص أحب الخلق إلى الله تعالى، و قوله:" إياك آمر" التخصيص إما لكونهم صلوات الله عليهم مكلفين بما لم يكلف به غيرهم، و يتأتى منهم من حق عبادته تعالى ما لا يتأتى من غيرهم، أو لاشتراط صحة أعمال العباد بولايتهم، و الإقرار بفضلهم بنحو ما مر من التجوز، و بهذا التحقيق يمكن الجمع بين ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: أن أول ما خلق الله نوري، و بين ما روي: أن أول ما خلق الله العقل، و ما روي أن أول ما خلق الله النور، إن صحت أسانيدها، و تحقيق هذا الكلام على ما ينبغي يحتاج إلى نوع من البسط و الإطناب و لو و فينا حقه، لكنا أخلفنا ما وعدناه في صدر الكتاب.
وأما ما رواه الصدوق في كتاب علل الشرائع بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل مما خلق الله عز وجل العقل؟ قال: خلقة ملك له رؤوس بعدد الخلائق، من خلق ومن يخلق إلى يوم القيامة، ولكل رأس وجه ولكل آدمي رأس من رؤوس العقل، واسم ذلك الإنسان على وجه ذلك الرأس مكتوب، وعلى كل وجه ستر ملقى لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتى يولد هذا المولود، و يبلغ حد الرجال أو حد النساء، فإذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الإنسان نور، فيفهم الفريضة والسنة والجيد و الرديء، ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت.
فهو من غوامض الأخبار، والظاهر أن الكلام فيه مسوق على نحو الرموز والأسرار، ويحتمل أن يكون كناية عن تعلقه بكل مكلف وأن لذلك التعلق وقتا خاصا وقبل ذلك الوقت موانع عن تعلق العقل من الأغشية الظلمانية، و الكدورات الهيولانية، كستر مسدول على وجه العقل، ويمكن حمله على ظاهر حقيقته على بعض الاحتمالات السالفة، وقوله: خلقة ملك، لعله بالإضافة أي خلقته كخلقة الملائكة في لطافته وروحانيته، و يحتمل أن يكون خلقه مضافا إلى الضمير مبتدأ، و ملك خبره، أي خلقته خلقة ملك، أو هو ملك حقيقة والله يعلم". ا.هـ
صلّى الله تعالى
على علّة الخلق والإيجاد الأنوار القدسيّة الأربعة عشر
محمّد بن عبد الله وآله الطاهرين ،،،