ولد عليه السلام بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة، ولم يولد قطّ في بيت الله تعالى مولود سواه لا قبله ولا بعده، وهذه فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته وإعلاءً لرتبته.
واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكانت من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بمنزلة الاُمّ، وربّي في حجرها، وكانت من سابقات المؤمنات إلى الاِيمان، وهاجرت معه إلى المدينة، وكفّنها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عند موتها بقميصه ؛ ليدرأ به عنها هوامّ القبر، وتوسّد في قبرها ؛ لتأمن بذلك من ضغطة القبر، ولقّنها الاِقرار بولاية ابنها كما اشتهرت به الرواية.
فكان أمير المؤمنين عليه السلام هاشميّاً من هاشميّين، وأوّل من ولده هاشم مرّتين
وأسماؤه في كتب الله تعالى المنزّلة كثيرة، أوردها أصحابنا رضي الله عنهم في كتبهم، وكنيته المشهورة أبو الحسن، وقد كنّي أيضاً: بأبي الحسين، وأبي السبطين، وأبي الريحانتين.
وكنّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبي تراب لمّا رآه ساجداً معفّراً وجهه في التراب
ولقبه أمير المؤمنين، خصّه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم به لمّا قال: «سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين»
ولم يجوّز أصحابنا رضي الله عنهم أن يطلق هذا اللفظ لغيره من الأئمة عليهم السلام وقالوا: إنّه انفرد بهذا التلقيب فلا يجوز أن يشاركه في ذلك غيره.
وقد لقّبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد الأوصياء، وسيّد العرب في أمثال لهذه كثيرة.
وهو أخو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ووزيره، ووصيّه، وخليفته في اُمّته، وصهره على ابنته الزهراء البتول فاطمة سيّدة نساء العالمين، وهو المرتضى، ويعسوب المؤمنين.
وقبض ليلة الجمعة لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً شهيداً ، قتله عبدالرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله - وقد خرج لصلاة الفجر ليلة تسعة عشر من شهر رمضان وهو ينادي «الصلاة الصلاة» - في المسجد الأعظم بالكوفة، فضربه بالسيف على أمّ رأسه ، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك ، وكان سيفه مسموماً . فمكث عليه السلام يوم التاسع عشر وليلة العشرين ويومها وليلة الحادي والعشرين إلى نحو الثلث من الليل ثمّ قضى نحبه عليه السلام ،وقد كان يعلم ذلك قبل أوانه ويخبر به الناس قبل أيّانه .
فقد اشتهر في الرواية : أنّه عليه السلام كان لما دخل شهر رمضان يتعشّى ليلة عند الحسن عليه السلام ، وليلة عند الحسين عليه السلام ، وليلة عند عبداللهّ بن العبّاس ، والأصحّ عبدالله بن جعفر، وكان لا يزيد على ثلاث لقم ، فقيل له في ذلك فقال : «يأتيني أمر ربي وأنا خميص ، إنما هي ليلة أو ليلتان » ، فأصيب عليه السلام في آخر تلك الليلة .
وروى أصبغ بن نباتة قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام في الشهر الذي قتل فيه فقال : «أتاكم شهر رمضان ، وهو سيّد الشهور وأوّل السنة ، وفيه تدور رحى السلطان ، ألا وإنّكم حاجّوا العام صفّاً واحداً ، واية ذلك أنّي لست فيكم » قال : فهو ينعى نفسه عليه السلام ونحن لا ندري.
وروى عنه جماعة أنّه كان يقول على المنبر: « ما يمنع أشقاها أني خضبها من فوقها بدم » ويضع يده على شيبته عليه السلام .
وروي : أنه كان يقول : «واللهّ ليخضبنَ هذه من هذه » ويضع يده على رأسه ولحيته عليه السلام .
وروي عن أبي صالح الحنفيّ قال : سمعت عليّاً عليه السلام يقول :«رأيت النبي صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم في منامي فشكوت إليه ما لقيت منأمّته من الأود واللدد وبكيت فقال : «لا تبك يا عليّ ، والتفت فالتفتّ فإذا رجلان مصفدان ، وإذا جلاميد ، ترضخ بها روسهما» .
قال أبو صالح : فغدوت إليه من الغد فلقيت الناس يقولون : قُتل أمير المؤمنين عليه السلام .
وروى الحسن البصري قال : سهر أمير المؤمنين عليه السلام في الليلة التي قتل في صبيحتها ولم يخرج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته ، فقالت له ابنته أمّ كلثوم : ما هذا الذي قد أسهرك ؟ فقال : «إنّي مقتول لو قد أصبحت ».
وأتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة، فمشى غير بعيد ثمّ رجع فقالت له أمكلثوم : مر جعدة فليصلّ بالناس ،قال : «نعم مروا جعدة ليصلّي ، ثم قال :«لا مفرّ من الأجل » فخرج إلى المسجد، فإذا هو بالرجل قد سهر ليلته كلها يرصده ، فلقا برد السحر نام ، فحركه أميرالمؤمنين عليه السلام برجله وقالله : «الصلاة» ، فقام إليه فضربه .
وروي في حديث آخر: أنه عليه السلام سهر في تلك الليلة، وكان يكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول : «والله ما كذبت ولا كذبت وإنها الليلة التي وعدت بها» ثمّ يعاود مضجعه ، فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو يقول :
اشدد حيازيمك للموت فإن الموت آتيك
ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك
فلما خرج إلى صحن الدار استقبلنه الإوزّ فصحن في وجهه ، فجعلوا يطردونهن ، فقال : «دعوهن فانهنَ صوائح تتبعها نوائح » ثمّ خرج فاُصيب عليه السلام .
«وكان سنه يوم استشهد ثلاثاً وستّين سنة، وكان مقامه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَم ثلاثاً وثلاثين سنة، عشر منها قبل البعثة، واسلم وهو ابن عشر سنين ، فقد صحت الرواية عن حبة العرني عنه عليه السلام قال : «بُعث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الاثنين فأسلمت يوم الثلاثاء» ، وبعد البعثة بمكّة ثلاث عشرة سنة ، وبالمدينة بعد الهجرة عشر سنين ، وعاش بعد ما قبض النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ثلاثين سنة إلاّخمسة أشهر وأياماً، وتولّى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين بأمره ، وحملاه إلى الغريّين من نجف الكوفة ودفناه هناك ليلاً، وعمّيا موضع قبره بوصيّته اليهما في ذلك لما كان يعلم من دولة بني اُميّة من بعده وإنّهم لاينتهون عمّا يقدرون عليه من قبيح الأفعال ولئيم الخلال ، فلم يزل قبره مخفيّاً حتّى دلّ عليه الصادق عليه السلام في الدّولة العبّاسيّة وزاره عند وروده إلى أبي جعفر وهو بالحيرة .
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف والعن عدوهم
بارك الله فيك اخي الكريم على هذا الطرح الجميل
جعله الله لك في ميزان حسناتك ووفقك به لكل خير