تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة على سيدنا محمد وال محمد الكرام
عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في قوله تعالى
{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } [القمر: 23]
هذا فيما كذّبوا صِالحاً وما أهلك الله تعالى قوماً قطّ حتّى يبعث اليهم قبل ذلك الرسل فيحتجّوا عليهم فبعث الله إليهم صالحاً فدعاهم إلى الله فلم يجيبُوا وعتوا عليه وقالوا لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عَشْرَاء وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويجتمعون عندها فقالوا له ان كنت كما تزعم نبيّاً رسولاً فادع لنا إِلهك حتى يخرج لنا من هذه الصخرة الصمّاء ناقة عشراء فأخرجها الله كما طلبوا منهم.
ثم أوحى الله إليه أن يا صالح قل لهم: إنَّ الله قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم ولكم شرب يوم فكانت الناقة اذا كان يوم شربها شربت ذلك اليوم الماء فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير الا شرب من لبنها يومهم ذلك فاذا كان الليل وأصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب الناقة ذلك اليوم.
فمكثوا بذلك ما شاء الله ثم أنهم عتوا على الله ومشى بعضهم الى بعض فقالوا اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها لا نرضى أن يكون لها شرب يوم ولنا شرب يوم ثم قالوا من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلاً ما أحبّ فجاء لهم رجل أحمر أشقر أزرق ولد الزّنا لا يعرف له أب يقال له قذّار شقيّ من الأشقياء مشوم عليهم فجعلوا له جعلاً فلمّا توجّهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده تركها حتى شربت ذلك الماء وأقبلت راجعة فقعد لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئاً فضربها ضربة أُخرى فقتلها وخرّت إلى الأرض على جنبها وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغا ثلاث مرات إلى السماء وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد منهم الا شركه في ضربته واقتسموا لحمها فيما بينهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلاّ أكل منها.
فلمّا رأى ذلك صالح أقبل إليهم فقال يا قوم ما دعاكم الى ما صنعتم أعصيتم ربّكم فأوحى الله إلى صالح أنّ قومك قد طغوا وبغوا وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجّة عليهم ولم يكن عليهم منها ضرر وكان لهم فيها أعظم المنفعة فقل لهم إنّي مرسل إليكم عذابي إلى ثلاثة أيّام فان هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث.
فأتاهم صالح فقال لهم يا قوم انّي رسول ربكم إليكم وهو يقول لكم إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم فلما قال لهم ذلك كانوا اعتى ما كانوا وأخبث وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال يا قوم إنّكم تصبحون غداً ووجوهكم مصفرة واليوم الثاني وجوهكم محمرّة واليوم الثالثة وجوهكم مسودّة.
فلما ان كان أوّل يوم أصبحوا ووجوههم مصفرة فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا قد جاءكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله وان كان عظيماً فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرة فمشى بعضهم الى بعض فقالوا يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم لو أُهلكنا جميعاً ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها ولم يتوبوا ولم يرجعوا.
فلما كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودة فمشى بعضهم الى بعض وقال يا قوم قد آتاكم ما قال لكم صالح فقال العتاة منهم قد أتانا ما قال لنا صالح فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم وقد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنّطوا وتكفّنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم فماتوا أجمعون في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم فلم يبق لهم ناعية ولا راعية [ثاغية ولا راغية خ ل] ولا شيء إلاّ أهلكه الله فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين وكانت هذه قصتهم.