بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف
اسمه وكنيته ونسبه : السيّد أبو عبد الله ، مسلم بن عقيل بن أبي طالب . وتسميه العامه ابو حميده
ولادته :ولد مسلم عام 22 هـ بالمدينة المنوّرة
أُمّه :السيّدة علية ، وهي جارية .
زوجته : السيّدة رقية بنت الإمام علي ( عليه السلام ) .
مكانته :كان مسلم ( عليه السلام ) من أجِلَّة بني هاشم ، وكان عاقلاً عالماً شجاعاً ، وكان الإمام الحسين ( عليه السلام ) يلقّبه بثقتي ، وهو ما أشارإليه في رسالته إلى أهل الكوفة .
ولشجاعته اختاره عمُّه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب
صفّين ، ووضعه على ميمنة العسكر مع الحسن والحسين( عليهما السلام ) .
إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقتله :
قال الإمام علي ( عليه السلام ) لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً ) ؟
قال : ( أي والله إنّي لأحبّه حُبَّين ، حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي
طالب له ، وإن ولده مقتول – ويقصد بذلك مسلم – في محبّة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون ) . ثمّ بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتّى جرت دموعه على صدره ، ثمّ قال : ( إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي )
خروجه إلى الكوفة :
ارتأى الإمام الحسين ( عليه السلام ) أن يُرسل مندوباً عنه إلى الكوفة يهيّأ له الأجواء ، وينقل له واقع الأحداث ، ليستطيع أن يقرّر الموقف المناسب ، ولابدّ لهذا السفير من صفات تؤهلّه لهذه السفارة ، فوقع الاختيار على مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، لما كان يتّصف به من الحكمة والشجاعةوالإخلاص .
خرج مسلم ( عليه السلام ) من المدينة المنوّرة متوّجهاً إلى الكوفة في لخامس عشر من شهر رمضان 60 هـ ، ويصحبه قيس بن مسهر مع دليلان يدلاّنه الطريق .
حمله لرسالة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لأهل الكوفة :
خرج مسلم ( عليه السلام ) من المدينة حاملاً رسالة الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى أهل الكوفة ، جاء فيها :
(بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين ، أمّا بعد : فإنّ فلاناً وفلاناً قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلّكم : أنّه ليس علينا إمام فأقبل ، لعلّ الله يجمعنا بك على الحق ، وإنّي باعث إليكم أخي ، وابن عمّي ، وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأته في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى )
وصوله إلى الكوفة :
وصل مسلم ( عليه السلام ) الكوفة ، في الخامس من شوال 60 هـ ، فنزل فيدار المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وأقبلت الناس تختلف إليه ، فكلّمااجتمع إليه منهم جماعة ، قرأ عليهم كتاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) ،وهم يبكون ، وبايعه الناس ، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً
كتابه إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) :
كتب مسلم ( عليه السلام ) كتاباً من الكوفة إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، جاء فيه :
( أمّا بعد ، فإن الرائد لا يكذب أهله ، وأن جميع أهل الكوفة معك ، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا ، والسلام ) .
ما كتبه عملاء الحكم الأموي عن تحركه :
أرسل العملاء إلى يزيد رسائل تخبره عن مجيء مسلم ( عليه السلام ) منها:
( أمّا بعد ، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدِم الكوفة ، وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ، ينفّذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوّك ، فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يَتَضَعَّف ) .
إرسال ابن زياد إلى الكوفة :
كتب يزيد بن معاوية رسالة إلى واليه في البصرة ، عبيد الله بن زياد ،يطلب منه أن يذهب إلى الكوفة ، ليسيطر على الوضع فيها ، ويقف أمام مسلم ( عليه السلام ) وتحرّكاته.ومنذ وصول ابن زياد إلى قصر الإمارة في الكوفة ، أخذ يتهدّد ويتوعّد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد .
خروجه من دار المختار :
لمّا سمع مسلم ( عليه السلام ) بوصول ابن زياد ، وما توعّد به ، خرج من دار المختار سرّاً إلى دار هاني بن عروة ليستقر بها ، ولكن جواسيس ابن زياد عرفوا بمكانه ، فأمر ابن زياد بإلقاء القبض على هاني بن عروة وسجنه .
إعلانه الثورة على ابن زياد :
لمّا بلغ خبر إلقاء القبض على هاني بن عروة إلى مسلم ، أمر ( عليه السلام ) أن ينادى في الناس :
( يا منصور أمت ) ، فاجتمع الناس في مسجد الكوفة .
فلمّا رأى ابن زياد ذلك ، دعا جماعة من رؤساء القبائل ، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ، ويخذلوا الناس عن مسلم ، ويعلموهم بوصول الجند من الشام .
فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له : غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر ؟! فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى مسلم وحيداً ، ليس معه أحداً يدلّه على الطريق ، فمضى على وجهه في أزقة الكوفة ، حتّى انتهى إلى باب امرأة يقال لها : طوعة ، وهي على باب دارها تنتظر ولداً لها ، فسلّم عليها وقال : يا أمة الله أسقيني ماء ، فسقته وجلس . فقالت : يا عبد الله ، قم فاذهب إلى أهلك ؟ فقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ، فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلّي أكافئك بعد اليوم ؟ فقالت : ومن أنت ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، فأدخلته إلى دارها .
مقاتلته لجيش ابن زياد :
وفي الصباح عرف ابن زياد مكان مسلم ( عليه السلام ) ، فأرسل جماعةلإلقاء القبض عليه ، ولكن مسلم أخذ يقاتلهم قتال الأبطال ، وهو يقول :
أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا ** إنّي رأيت الموت شيئاً نكرا
كلّ امرئ يوماً ملاق شرّا ** أخاف أن أكذب أو أغرا
حتّى أثخن بالجراحات ، فألقوا عليه القبض ، وأخذوه أسيراً إلى ابن زياد .
دخوله على ابن زياد : أُدخل مسلم ( عليه السلام ) على ابن زياد ، فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعلياً وعقيلاً ،
ومسلم ( عليه السلام ) لا يكلّمه . ثمّ قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ، ثمّ أتبعوه جسده ، فأخذه بكر بن حمران الأحمري ليقتله ، ومسلم يكبّر الله ويستغفره ، ويصلّي على النبي وآله ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا ) . ثمّ أمر ابن زياد بقتل هاني بن عروة فقتل ، وجرّت جثتا مسلم وهاني بحبلين في الأسواق
.شهادته :
استشهد مسلم ( عليه السلام ) في التاسع من ذي الحجّة 60 هـ ، ودفن في الكوفة ، وقبره معروف يزار .
اللهم صلي على محمد وال محمد
السلام على سفير الحسين
السلام على باب الحوائج
احسنتم اخي الغالي للطرح القيم
في ميزان اعمالك يا رب العالمين
لا حرمنا مواضيعكي الولائية الاسلامية يا رب العالمين
آجركم الله على هذا الموضوع القيم والرائع للسيرة العطرة لسيدنا مسلم ابن عقيل ابن أبي طالب عليه السلام (سفير الحسين) والذي يعد انموذجاً رائعاً يحتذى به في الالتزام والإيمان والانقياد لأوامر الأئمة الأطهار عليهم السلام .
واسمح لي بأن أفصل قصة استشهاده سلام الله عليه بنقل من كتاب : ((سفيــــــــر الحسين)) لمؤلفة سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي - مُـد ظلهُ الشريف- .
وصول سيدنا مسلم ابن عقيل لمدينة الكوفة !
دخل الكوفة . فوجدها مدينة اشباح ، يسودها الهدوء القاتل . الدوريات العسكرية وحدها تجوب اسواقها المعطلة .. ولم يدم تجواله طويلا فما لبث ان قبضوا عليه .. من انت ؟ وما الذي جعلك تتخلف عن دعوة الامير بالنفير .
عقلت الدهشة لسانه ، واي امير واين نفير .. انا رجل من البادية .. قبل ان يكمل حديثه اسكته احد الجنود وقال .. لا وقت لنا لسماع حديثك ، اذهب معنا الى الأمير لينظر في امرك .
كانت الكوفة مدينة معمورة على عهد النبي نوح عليه السلام .. وتقول الروايات انها كانت مركز الطوفان العظيم . الذي اغرق تلك المنطقة الأهلة من العالم في اطراف الرافدين .
وهدمت المدينة فعمرت كرات عبر التاريخ المديد . وحينما فتح الجيش الشرقي للمسلمين العراق ، لم تكن الكوفة مدينة كبيرة . بل مجرد قرى وضياع حول نهر الفرات . فبنى المسلمون فيها مدينة كبيرة لجيشهم الذي اتخذ منها قاعدة انطلاق الى بلاد الشرق . وسميت بكوفة الجند ، وكان الجيش الشرقي المستقر فيها كبيرا وقويا ، وحينما بويع الامام علي عليه السلام للخلافة بعد مقتل الخليفة الثالث . ولم يبايعه معاوية امير جيش الشام . ( وهو الجيش الثاني بعد جيش الكوفة )
وتمرد اهل البصرة بقيادة جمع من رؤساء قريش ( طلحة والزبير وعائشة ) هاجر الامام علي الى الكوفة و اتخذها قاعدة عسكرية لاحتواء التمرد في البصرة ، ودحر العصيان في الشام .
وهكذا اصبحت الكوفة دارا للخلافة . واشتركت في اكثر من حرب ضد جيش الشام . وبالرغم من انهزامها امام ذلك الجيش الذي استفاد من الخبرة العسكرية الرومانية ، الشيء الكثير كما واستخدم المكر والخداع ..
بالرغم من ذلك إلا ان الكوفة ظلت تضمر العداء لحكومة بني أمية . وتوالي أهل البيت . وتنتظر الفرصة المناسبة للثورة عليها . وجاءت الفرصة بموت معاوية وتململت البلاد الاسلامية فبادر اشراف الكوفة الى مراسلة الامام الحسين عليه السلام ليقدم اليها لعلهم يحاربون تحت لواءه الشرعي . ولكن يزيد وتبعا لرأي مستشاره الرومي سرجون اختار ابن زياد لولاية الكوفة فجاءهم بالوعد والوعيد وأخذ يخوفهم من جيش الشام ثم اشترى بعض الضمائر بالمال .
فاستطاع ان يستميل العناصر الضعيفة التي ما لبث ان جندها لحرب ابي عبد الله الحسين عليه السلام بقيادة عمر بن سعد بن وقاص . والذي كان والده قائدا اعلى في يوم من الايام لجيش العراق ..
ثم اعلن النفير العام . وان من تخلف عن التجنيد يؤخذ ويضرب عنقه .. وكان هذا الاعرابي ضحية هذا النفير ..
مثل الرجل امام ابن زياد فسأله لم لم تذهب الى قتال الحسين ؟
قال : ايها الأمير انا رجل من الاعراب كنت قد بعت رجلا من اهل الكوفة نياقا بأجل ، وجئت لاقبض ثمنها .
كانت نبرات الصدق واضحة في كلمات الرجل و كان يتكلم بثقة كافية ، فنظر ابن زياد الى جلساءه وقال : اظنه صادقا ، ولكنه التفت الى الجلاد . وقال : خذه واضرب عنقه ليكون عبرة لغيره .. وبعد لحظات كان رأس الاعرابي يتدحرج امام قدم ابن زياد .. ليكون شاهدا جديدا على القمع الأموي .
خرج من المسجد مع نفر قليل موجها الى أبواب كندة فلم يبلغ الابواب افرده اصحابه فلم يبق معه منهم عشرة ، ثم خرج من الباب وإذا ليس معه انسان يدله ، فالتفت فاذا هو لايحس احدا يدله على الطريق ، ولايدله على منزله ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو . فمضى سيدنا مسلم بن عقيل على وجهه متلددا في ازقة الكوفة لايدري اين يذهب ؟ (1)
كانت ازقة الكوفة واسواقها الملتوية التي ينتهي اكثرها الى المسجد الكبير فارغة تماما في هذه الليلة . بينما كانت الليالي مناسبة للسهرات التي كان العرب قد الفها وكانت البراحات والواحات المنتثرة هنا وهناك بمثابة أندية وندوات وها هو مسلم يتخلل هذه الازقة الفارغة في جوف ليل موحش ، وحيدا غريبا لايدري اين يسير .
لقد كان عقيل بن أبي طالب انسب قريش واعلمهم بايامها ، وكان والده ابو طالب يكن له حبا كبيرا . وقد احبه رسول الله كثيرا وقال في حقه بعد ان سأله امير المؤمنين علي عليه السلام عن حبه لعقيل فقال صلى الله عليه وآله : اي والله اني لأحبه حبّين حبا له وحبا لحب ابي طالب له ، وقال ان ولده لمقتول في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين وتصلى عليه الملائكة المقربون (2) وقد رزق الله عقيلا مولودا مباركا سماه مسلما ، حيث تروع ونما في البيت الهاشمي . حيث مهبط الوحي . ومحور حركة الأمة وقطب الحياة الدينية والسياسية ، فرعته التربية المتميزة لهذا البيت الرفيع فلما شب التحق كسائر اترابه بالجيش الاسلامي الذي كان يجوب يؤمئذ الآفاق . ويطوي الدول ، ويلحقها بالعالم الاسلامي ، وقد ابلا في فتح بعض بلاد مصر - بلاءا حسنا - وتقول الرواية التاريخية :
لما دخل المسلمون مدينة " البهنسا " ( في صعيد مصر الأدنى غربي النيل ) دخل مسلم بن عقيل ( والذي رأى من قبل اخويه جعفرا وعليا جريحين ) وكان يرتجز ويقول :
ضناني الهم مع حزني الطويل لفقد صاحبي مجد أثيل
فوا ثأرا لجعفر مع علي ليوث الحرب آل بني عقيل
سأقتل بالمهند كل قرم عسى بالثأر ان يشفى غليلي (3)
وفي حروب الردة الأموية انضوى تحت راية عمه الامام علي عليه السلام ، واستبسل في الدفاع عن الاسلام النقي الاصيل ، ضد الجاهلية المغلفة بغلالة من الطقوس الظاهرية .
وكان قد تزوج بنت عمه الامام علي ، رقية التي انجبت له ذرية صالحة . ذكر المؤرخون منهم عبد الله وبنتا ( لعلها حميدة ) وقيل اكثر من ذلك ، وأيا كان فانه فدى ذريته في الله ، فلا عقب له .
وعندما راسل اشراف الكوفة الامام الحسين - عليه السلام - بان يقدم اليهم ، وكتبوا له فيما كتبوا .
بسم الله الرحمن الرحيم
الى الحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين
اما بعد ..
فجيء هلا فان الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثم العجل العجل ، والسلام " (4)
وجاء في بعضها :
" اما بعد فقد اخضر الجناب ، واينعت الثمار ، واعشبت الارض ، واورقت الاشجار ، فاذا شتت فاقبل على جند لك مجندة والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى ابيك من قبلك (5)"
وهكذا تواترت الرسل والرسائل حتى بلغت اثني عشر الف كتاب (6) وهنالك اتخذ الامام قراره الحاسم بالقيام انطلاقا من الكوفة ، ضد الطغمة الأموية الفاسدة ، فانتدب مسلم بن عقيل ، ليكون رسوله الى أهل الكوفة ، أرسل معه رسالة جاء فيها :
" انا باعث اليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي ، مسلم بن عقيل ، فان كتب إلي بانه قد اجتمع رأي ملاءكم وذوي الحجى والفضل منكم ، على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، فاني اقدم اليكم وشيكا ، انشاء الله (7)
لقد كان مسلم فقيها قائدا . وبطلا باسلا . وقد صاغته ايات الكتاب ، وسوح الجهاد . وعبادة الاسحار ؛ حتى رفعه الله مقاما محمودا .
كانت حياته ارخص شيء عنده إذا احس بأدنى خطر على الدين ..
لقد وسّعت آيات الكتاب افاق بصيرته ، فكان ينظر الى الدنيا انها مجرد متاع في الآخرة . وان اللبيب من يشري نفسه ابتغاء مرضاة ربه .
وهكذا انطلق مسلم ، سلام الله عليه ، من مكة حاملا هموم امة أرادها الله خير امة . وارادها الدخلاء والطلقاء مطية لأهواءهم .
انطلق مسلم الى المدينة حيث مرقد الرسول - صلى الله عليه وآله - وحيث اهله الاقربون . فصلى عند قبر صاحب الرسالة ركعات ، وودع قائد الامة ، ثم ودع اهله على خوف من فراعنة عصره . واتخذ طريقا الى العراق على غير الجادة ..
وكان ابن عقيل عارفا بخطورة المهمة التي يندفع اليها ، اولم تكن واقعة عاشوراء ميراثا فكريا لآل بيت الرسول . يتواصون بها ، ويتساءلوون عن تفاصيلها ، اولم يبشر الرسول - صلى الله عليه وآله - امير المؤمنين عليا - عليه السلام - بان ولد عقيل يقتل في محبة ولده ، اولم يسمع مسلم هذه الرواية ووعاها . وقد ودعه الامام الحسين عليه السلام بالقول :
اني موجهك الى أهل الكوفة وسيقضي الله من أمرك ما يحب ويرضى ، وارجو ان اكون انا وانت ، في درجة الشهداء فامض ببركة الله وعونه (8)
اخذ مسلم يطوي المراحل حتى دخل الكوفة واتخذ من دار المختار بن عبيد الثقفي ، الذي كان يعتبر من طلائع الحركة المناهضة للبيت الأموي ، اتخذ منها مقرا ومنطلقا للتحرك . حيث كان يستقبل الشيعة ويقرء عليهم كتاب ابي عبد الله الحسين عليه السلام فيبكون واخذ الناس يبايعونه حتى بلغ عدد من بايعه ثمانية عشر الفا . وهناك كتب الى الامام الحسين عليه السلام يخبره بأمر الناس ويطلب منه القدوم .
وكان النعمان بن بشير واليا على الكوفة من قبل بني أمية ، فلما بلغه خبر ابن عقيل صعد المنبر والقى خطابا فهم منه أهل الكوفة ، انه متردد من مناهضة الحركة حيث قال :
اني لا اقاتل من لا يقاتلني ، ولا أتي على من لم يأت علي ، ولا أنبه نائمكم ، ولا اتحرش بكم ، ولا أخذ بالتعرف ، ولا الظنة ، ولا التهمة (9)
فاتهمه رجال بني أمية بالضعف ، فقال له عبد الله بن مسلم : هذا الذي أنت عليه ، فيما بينك وبين عدوك ، رأي المستضعفين ، فقال له النعمان : ان اكون من المستضعفين في طاعة الله ، أحب الي من ان اكون من الاعزين في معصية الله (10)
وهكذا كتب عبد الله بن مسلم الى يزيد يحرضه على النعمان ، ويتهمه بالضعف . فدعا يزيد سرجون وكان روميا مستشارا عند معاوية ، وكان معاوية قد وصّى ابنه بان يستشيره في الأمور الهامة ، فقال له ما رأيك ؟ فقال له سرجون أرأيت لو نشر لك معاوية حيا ، ما كنت آخذا برأيه ؟ قال بلى ، فاخرج سرجون عهد عبيد الله على الكوفة و قال : هذا رأي معاوية .
وهكذا تمت ولاية الكوفة لابن زياد باستشارة الرومي ، وكان يزيد كارها له ، ولولا حاجته اليه لما ولاه .
وبالرغم من ان البصرة قد تململت بعد هلاك معاوية ، الا ان الكوفة كانت اخطر ، ولذلك فقد استخلف ابن زياد اخاه عثمان بن زياد على البصرة وانحدر الى الكوفة مسرعا .
الهوامش:
(1) موسوعة بحار الانوار ج 44 ص 350
(2) آمالي الصدوق - ص 114
(3) مبعوث الحسين (ع) ص 51 عن فتوح البهنسا الغراء
(4) بحار الانوار / ج 44 ص 334
(5) المصدر
(6) المصدر
(7) المصدر
(8) مبعوث الحسين (ع) - ص 11 نقلا عن مقتل الحسين للخوارزمي
(9) المصدر ص 336
(10) المصدر
دخل ابن زياد الكوفة بعد ان ضم له يزيد امارتها الى امارة البصرة . دخلها مما يلي النجف ، فظن اهلها انه الحسين -عليه السلام - فعلا هتافهم " الله اكبر " إنا معك اكثر من اربعين الفا . فلما ازدحموا عليه حسر اللثام قائلا انا عبيد الله . فتساقط القوم . وتراجعوا فدخل دار الامارة . وبدأ يحوك المؤمرات ضد الثورة ..
لقد انقسمت الكوفة على نفسها الى فريقين ؛ فطائفة ظلوا على ولاءهم التاريخي للبيت الهاشمي . بينما اغلب الناس ابتعدوا من العمل السياسي ، وفصلوا بين عقائدهم وموافقتهم ، وكانوا مع الذي يغلب بالسيف انى كان . فصاروا كما قال الفرزدق للامام الحسين - عليه السلام - حينما صادفه في الطريق بين الحجاز والعراق وسأله عن أهل الكوفة قال : قلوبهم معك وسيوفهم عليك ، وكان ابن زياد اخبر الولاة بأهل الكوفة . وكيف ان اكثرهم يميل مع الريح . وهكذا خطب فيهم قائلا :
ان امير المؤمنين يزيد ولاني بلدكم . واستعملني مصركم ، وامرني بقسمة فيئكم بينكم . وانصاف مظلومكم من ظالمكم . واخذ الحق لضعيفكم من قويكم ، والاحسان للسامع المطيع ، والتشديد على المريب ، فاسمعوا هذا الرجل الهاشمي مقالتي ليتقي غضبي " (1)
والخطوة الثانية التي قام بها ، تمثلت في تقوية الجهاز السلطوي ، الذي كان يعتمد يومئذ على نظام العرفاء ( وهم يقومون بدور الشرطة ) فأمر العرفاء بان يكتبوا اليه قائمة باسماء المعارضين في مناطقهم . ويضمنوا له بالا يخالفوه . وهددهم بأن من لم يفعل منهم ذلك ، برئت منه الذمة ، وحلال دمه وماله ، ثم اضاف :
اي عريف وجد في منطقة عرافته مخالفا ليزيد ، ولم يسجل اسمه صلب على باب داره ، والغيت تلك المنطقة من العطاء . (2)
والخطوة الثالثة : البحث عن قائد الحركة ، حيث اختفى مسلم - سلام الله عليه - منذ ان عرف بقدوم ابن زياد ، لمعرفته به ومدى تطرفه ، بعكس الوالي السابق ، النعمان بن بشير الذي كان معتدلا ..
وهكذا اختفى مسلم في دار هاني بن عروة . وكان شيخا عظيما من شيوخ الكوفة ومعه قبائل مذجح . بينما كان من قبل ، في دار المختار بن عبيد الثقفي .
استخدم ابن زياد بعض الجواسيس المتمرسين في البحث عن ابن عقيل ، حيث كان البيت الأموي قد شكل من قبل جهازا للمخابرات . معتمدا - في الأغلب - على الموالي ، وكان معقل واحدا من افراد ذلك الجهاز ، فاعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وقال له : اطلب مسلم بن عقيل والتمس اصحابه ، فاذا ظفرت بواحد منهم ، او جماعة ، فاعطهم المبلغ ، وتلطف معهم حتى تتعرف على محل مسلم .. وفعل معقل ما امره ، حتى تسلل الى دار هاني ، حيث اتخذ منه مسلم ، منطلقا لاتصالاته باركان حركته ..
ولما عرف ابن زياد ذلك ، طلب هاني ، وبالرغم من ان هاني تردد في البداية وخشي على نفسه . إلا ان اصرار بعض اقاربه الذين كانوا موالين للنظام . دفعه الى الدخول على ابن زياد .
فطلب منه ان يسلم مسلم . فلما انكر واجهه بمعقل . فاعترف ، ولكنه اصر على انه لن يسلمه وقال : لا والله لا اجيئك به ، أبدا اجيئك بضيفي تقتله ؟
فلما أبى قال ابن زياد أدنوه مني فأدنوه منه فقال : والله لتأتيني به او لاضرين عنقك ، فقال هاني إذا والله تكثر البارقة حول دارك . فقال ابن زياد أبا لبارقة تخوفني ، ثم استعرض وجهه بالقضيب ، فلم يزل يضرب به أنفه حتى كسره وسال الدماء على وجهه ولحيته ، ونثر لحم جبينه ، وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي وجاذبه ، أراد ان يدافع بذلك عن نفسه . فقال ابن زياد احروري سائر النهار ( اتهمه بأنه اصبح خارجيا ) قد حل دمك . وبعد لحظات اجتمع مئات من قبيلته حول دار الامارة ، ولكن ابن زياد كلّف شريح القاضي ، الذي قام بدور جد قذر ، في دعم سلطة بني امية الارهابية ، ومناهضة حركة مسلم التحررية ، كلّفه ليستفيد من مظهره الديني ويخبرهم بأنه صاحبهم حي ولا شيء عليه .
ورأى مسلم بن عقيل - سلام الله عليه - ان ابن زياد يضيق عليه الخناق . وان عليه ان يبادر بالقيام قبل ان يؤخذ اليه اسيرا . على يد جلاوزته وجواسيسه ، خصوصا وقد فقد ابرز اعوانه هاني بن عروة .