عن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قال: رأيت أمي فاطمة قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشئ، فقلت: يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت: يا بني، الجار ثم الدار.
التاريخ يشهد بأن حياة سيدة النساء قصيرة جداً، إلا أن في حياة السيدة الزهراء ، قضايا إيثار كثيرة، ولكن هناك قضية أنا لا أظن من زمان آدم إلى هذا اليوم، أن تجدوا في التاريخ كله مثل هذا الإيثار. إذا قلَّبتم صفحات التاريخ كله ما أظن أن تجدوا مثل هذه القضية في تاريخ الزهراء.
في يوم زفافها كان لها ثوبان، ثوب قديم وثوب جديد.
تأتي امرأة فقيرة وتقول: يا بنت رسول الله أنا أحتاج إلى ثوب؟
الزهراء صلوات الله عليها، تريد أن تقدم لها الثوب القديم، هذه طبيعة الإنسان يحتفظ بالجديد لنفسه، ويعطي القديم للآخرين. ولكن الزهراء تقول: فتذكرت قوله تعالى ((لَن تَنَالُواْ البِرَّ حَتَّى تُنِفقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ)).
تذكرت هذه الآية الكريمة، فأعطتها الثوب الجديد، واحتفظت لنفسها بالثوب القديم، أليس هذا إيثار نظري؟ يقال: إيثار مجسد في فرد. ()
عندما أولادنا يعيشون في هذا الجو، عندما بناتنا يعيشون بهذا الجو، كم يتأثرون بهذه الأجواء، أما إذا عاشوا في أجواء الآخرين مما لا أود التطرق في خصوصياتهم، الابن الذي يعيش في هذا الجو، والابن الذي يعيش في ذلك الجو.
الزهراء تمثل قيمة التوافق الزوجي، التوافق في ذلك الجو.
ترى رجلان متدينان، زوج متدين وزوجة متدينة، يعيشان سنوات وحياتهم مليئة بالمشاحنات والخلافات.
الزوج يشتكي من زوجته، والزوجة تشتكي من زوجها!
يحطمان نفسهم، يحطمان دينهم، يحطمان دنياهم، يحطمان أعصابهم، يحطمان بدنهم، يحطمان عائلتهم، يحطمان أولادهم وبناتهم، كم من الأولاد يشتكون من آبائهم وأمهاتهم؟ كم من الزوجات يشتكين من أزواجهم؟ كم من الأزواج يشتكون من زوجاتهم ؟
الزهراء ، قالت حين وفاتها لأمير المؤمنين : يا بن عم، إن في صدري وصايا أريد أن أوصيك بها ـ لاحظوا كيف يمثلون هذه القيم ـ فيقول: يا بنت رسول الله أوصيني بما أحببت، فقالت مقدمة لوصاياها: يا بن عم ما عهدتني كاذبة، ـ امراة لا تكذب ولا كذبة في حياتها الزوجية ـ ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتك ـ مخالفة واحدة، تجد زوجة بهذه الكيفية؟ نعم اللواتي سرن على خط فاطمة الزهراء , ولا مخالفة واحدة من بداية الحياة الزوجية ـ فيقول أمير المؤمنين: أنت والله أعلم بالله وأتقى من أن أوبخنك بمخالفتي.
العلم بالله، ذلك العلم الذي كان لهم بالله سبحانه وتعالى، تلك التقوى التي كانت عندهم، لا يمكن أن تفعل خلافاً واحداً.. أما هذا الذي يخالف: إما علمه بالله قليل، أو تقواه من الله قليل.
الإنسان الذي يعلم بالله: فهو بعد نظري، ومتقي من الله: فهذا بعد عملي.
هذا لا يمكن أن يخالف, هذا كلام الزهراء .
ونأتي إلى كلام أمير المؤمنين , فيقول: والله ما أغضبتها ولا أغضبتني، لم تغضبني مرة واحدة، ولم أغضبها مرة واحدة.
هذه القيم إذا تطرح في المجتمع, هذه النماذج إذا تقال فوق المنابر، وتقال في البيوت، وتقال للأزواج, وتقال للزوجات,
كم تُربِّي؟
كم تؤثر لذلك في الواقع؟
كلما يمكن تكثير هذه المجالس، كثرة الحضور لهذه المجالس، أن نأخذ أطفالنا حتى الصغار لا يعيشون في أجواء ثانية، الأجواء الثانية لا تربي هؤلاء، ولا تصنع هؤلاء. نحاول أن يعيشوا في هذه الأجواء، بهذا المقدار يخرجون أفراداً متدينين طيبين، مؤمنين خلوقين.
الأخلاق التي عندنا من أين حصلنا عليها؟
هذا المقدار الذي يمتلك من التربية، هو من آبائنا و أمهاتنا هو من هذه المجالس.
فحري بالآباء والأمهات أن يهتموا بهذا الجانب.