في رحمِ الأزمة...؟ كثيرا ما نجد أنفسنا أمام أزمة نضيق بها ذرعا... أو في مفترق طرق بين ضغوطِ الخياراتِ في حياتنا... حينها نرى كل شيء عسيرا وممتلأً بالعسرة إلى حد التّخمة...، وتكون حالتنا النفسية والمعنوية غير مريحة تماما...، وتنتابنا أحاسيس اليأس ومشاعره، والإحباط والقنوط... ورؤيتنا لألوان الحياة حينها لن تكون سوى تدرجات للّون الأسود...
إذا كان هذا وصفنا فقط... نكون كمن يعتقد أنّ الكرة الأرضية لها وجهها المظلم وهو الليل الذي نعيشه، وغَفَلنا أو تغافلنا أنّه في نفس اللحظة لها جانب آخر مشمس؛ مع علمنا أنّ الأرض كروية الشّكل.
... إذن ما هو الفرق بين الرؤيتين؟؟
في خضمِّ مشاعر اليأس والوهن والاستكانة هناك ما يستوقفنا، في رحمِ كلّ هذا هناك شيء إيجابي يبعث فينا الأمل؛ يجعلنا لا نستسلم للواقع ولن نخضع له...
لو تأملنا قليلا في الخطاب القرآني لوجدنا آية في هذا السياق كثيرا ما وظّفناها في سياقات مقارِبة لما نحن بصدده.
"إنّ مع العسر يسرا" عفوا ماذا؟... مع العسر يسرا... نعم مع، و ليس إنّ بعد العسر يسرا... ليس بعده... ليس بعد أن ينتهي العسر، بل معه. إنّه يرافقه؛ إنّه في قلب الحدث... اليسر موجود في قلب العسر و في عمق الأزمة.
للوهلة الأولى سيكون هذا الكلام كما لو أنّه درب من الفلسفة والخيال؛ لكن في عالمنا ما يمكّننا من فهم ذلك...
الأمراض (غير المزمنة) التي تصيـبنا رغم عسرها، ورغم مرارتها إلاّ أنها تمنحنا مناعة أعلى... فتجعلنا أقوى ممّا كنّا عليه في البداية...
الفيضانات والعواصف والزلازل التي تفتك بنا أحيانا رغم صعوبتها وخطورتها إلاّ أنّها تمنحنا الفرصة لاكتشاف نقاط الضعف والقوة في بنياننا، وأساساتنا التي يُفترض أنّها ستكون أكثر مقاومة وأكثر حصانة في المرة الموالية.
أليس المزيد من القوة والحصانة والمعرفة يسرا؛ ولو جاء في طريق العسر...؟
لقد قالوا " الأزمة تلد الهمة، كم من محنة ولدت رجالا ".
مالك بن نبي... في أزمة الاستعمار التي كان يعيشها في الجزائر، وبعد سفره إلى فرنسا اندلعت الحرب العالمية الثانية، لو لم تكن هذه الظروف العسيرة؛ ما كان مالك ليكتب ما كتب...
لولا ذلك العسر؛ ما كان لقلقه المعرفي وتساؤلاته أن تنتج ذلك النسيج الفكري الذي سيساهم في قيادة الأمة للخروج من مأساتها ولو بعد حين.
علي عزت بيجوفيتش وهو داخل السجن، في عمق الأزمة، في مؤسسة لتـقيـيـد الحريات يؤلف كتابه "هروبي إلى الحرية "؟ ليؤسّس بعد خروجه من السجن أوّل دولة إسلامية في قلب أوروبا.
ما لا يقتلك يجعلك أقوى...، لا يتسع الأمر إلا إذا ضاق...
أنت أيضا في متاهات فشلك، في ظلمتك الحالكة التي تحيط بك، في قعرِ أزمتك، في تلك الهاوية البعيدة؛ مع كلّ العسر الذي يحتويك؛ معك يُسر يرقبك وينتظرك...
الخبرة التي تكتسبها من فشلك هي الخطوة الأولى في درب النّجاح....
بهذا المنظار سيكون الفشل ربحا؛ إذن لا فشلَ بالمطلق، ولا عسرَ بالمطلق، ولا خسارةَ بالمطلق؛ إلا لمن خسر دينه وإيمانه.
تشكرأخي الكريم لروعة كل جديد تطرحه لنا ..
ادام الله لنا هذا العطاء المبارك ولاحرمنا من جديدكم ..
وفقك الباري لكل خير
تقديري .
اسعدني مرورك اختي نور النجف
والشكر موصول لك ولحضورك المتواصل
والتشجيع الطيب للتفاعل اكثر
والمساهمة باستمرار في
رفع مستوى الاداء والمضمون معا
لنشر الثقافة المعرفية
تقبلي تحيتي