قلت كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية لا يلتفت إليه بل يطوى ولا يروى كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء
ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب
وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه
لتصفو القلوب وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم
وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى بشرط أن يستغفر لهم كما علمنا الله تعالى حيث يقول " والذين جاؤ وا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم وجهاد محاء وعبادة ممحصة ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ولا ندعي فيهم العصمة
[ ص: 128 ] وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه ، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء ، وإما قد ولدوا في الشام على حبه ، وتربى أولادهم على ذلك .
وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة ، وعدد كثير من التابعين والفضلاء ، وحاربوا معه أهل العراق ، ونشأوا على النصب ، نعوذ بالله من الهوى .
كما قد نشأ جيش علي - رضي الله عنه ورعيته إلا الخوارج منهم - على حبه والقيام معه ، وبغض من بغى عليه والتبري منهم ،
وغلا خلق منهم في التشيع . فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غاليا في الحب ، مفرطا في البغض ، ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال ؟ فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق واتضح من الطرفين ، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين ، وتبصرنا ، فعذرنا واستغفرنا وأحببنا باقتصاد ، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة ، أو بخطأ - إن شاء الله - مغفور ، وقلنا كما علمنا الله ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا وترضينا أيضا عمن اعتزل الفريقين ، كسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، ومحمد بن مسلمة ، وسعيد بن زيد ، وخلق . وتبرأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا عليا ، وكفروا الفريقين . فالخوارج كلاب النار ، قد مرقوا من الدين ، ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود النار ، كما نقطع به لعبدة الأصنام والصلبان .