العُجب
وهو استعظام الاسنان نفسه، لاتصافه بخلة كريمة، ومزية مشرّفة، كالعلم والمال والجاه والعمل الصالح.
ويتميز العجب عن التكبر، بأنه استعظام النفس مجرداً عن التعالي على الغير، والتكبر هما معاً.
والعُجب من الصفات المقيتة، والخلال المنفّرة، الدّالة على ضعة النفس، وضيق الأفق، وصفاقة الأخلاق، وقد نهت الشريعة عنه، وحذّرت منه.
قال تعالى: «فلا تزّكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى»
وقال الصادق عليه السلام: «من دخله العُجب هلك
وعنه عليه السلام قال: «قال ابليس لعنه اللّه لجنوده: اذا استمكنت من ابن آدم في ثلاث لم أبال ما عمل، فإنه غير مقبول منه، إذا استكثر عمله، ونسي ذنبه، ودخله العُجب»
وقال الباقر عليه السلام: «ثلاث هن قاصمات الظهر: رجل استكثر عمله، ونسي ذنوبه، وأعجب برأيه»
وقال الصادق عليه السلام: «أتى عالم عابداً فقال له: كيف صلاتك؟ فقال: مثلي يُسأل عن صلاته؟ وأنا أعبد اللّه تعالى منذ كذا وكذا، قال: فكيف بكاؤك؟ قال: أبكي حتى تجري دموعي. فقال له العالم: فإن ضحكك وأنت خائف خير (أفضل خ ل) من بكائك وأنت مُدِل، إنّ المدل لا يصعد من عمله شيء»
وعن أحدهما عليهما السلام، قال: «دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد، والفاسق صدّيق، والعابد فاسق، وذلك: أنه يدخل العابد المسجد مدلاً بعبادته، يُدلّ بها، فيكون فكرته في ذلك، ويكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه، ويستغفر اللّه تعالى لما ذَكَرَ من الذنوب»
وعن أبي عبد اللّه عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: لولا أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب، ما خلّى اللّه بين عبده المؤمن وبين ذنب أبداً»
والجدير بالذكر: أنّ العُجب الذميم هو استكثار العمل الصالح،
والإدلال به، أما السرور به مع التواضع للّه تعالى، والشكر له على توفيقه لطاعتِه، فذلك ممدوح ولا ضير فيه. مساوئ العجب:
للعجب أضرار ومساوئ:
1 - إنه سبب الأنانية والتكبر، فمن أعجب بنفسه إزدهاه العُجب، وتعالى على الناس، وتجبّر عليهم، وذلك يسبب مقت الناس وهوانهم له.
2 - إنه يعمي صاحبه عن نقائصه ومساوئه، فلا يهتم بتجميل نفسه، وملافاة نقائصه، مما يجعله في غمرة الجهل والتخلف.
3 - إنه باعث على استكثار الطاعة، والإدلال بها، وتناسي الذنوب والآثام، وفي ذلك أضرار بليغة، فتناسي الذنوب يعيق عن التوبة والانابة الى اللّه عز وجل منها، ويعرّض ذويها لسخطه وعقابه، واستكثار الطاعة والعبادة يكدّرها بالعُجب والتعامي عن آفاتها، فلا تنال شرف الرضا والقبول من المولى عز وجل. علاج العُجب:
وحيث كان العُجب والتكبر صنوين من أصل واحد، وإن اختلفا في الاتجاه، فالعجب كما أسلفنا استعظام النفس مجرداً عن التعالي، والتكبر
هما معاً، فعلاجهما واحد، وقد أوضحناه في بحث التكبر.
وجدير بالمعجب بنفسه، أن يدرك أن جميع ما يبعثه على الزهو والاعجاب من صنوف الفضائل والمزايا، إنما هي نعم إلهية يسديها المولى الى من شاء من عباده، فهي أحرى بالحمد، وأجدر بالشكر من العجب والخيلاء.
وهي الى ذلك عرضة لصروف الأقدار، وعوادي الدهر، فما للانسان والعجب!!
ومن طريف ما نقل عن بعض الصلحاء في ملافاة خواطر العجب:
قيل: إن بعضهم خرج في جنح الظلام متجهاً الى بعض المشاهد المشرفة، لأداء مراسم العبادة والزيارة، فبينا هو في طريقه إذ فاجأه العجب بخروجه سحراً، ومجافاته لذة الدفء وحلاوة الكرى من أجل العبادة.
فلاح له آنذاك، بائع شلغم فانبرى نحوه، فسأله كم تربح في كسبك وعناء خروجك في هذا الوقت؟ فأجابه: درهمين أو ثلاث، فرجع الى نفسه مخاطباً لها علام العجب؟ وقيمة إسحاري لا تزيد عن درهمين أو ثلاث.
ونقل عن اخر: أنه عمل في ليلة القدر أعمالاً جمةً من الصلوات والدعوات والأوراد، استثارت عُجبه، فراح يعالجه بحكمة وسداد: فقال لبعض المتعبدين: كم تتقاضى على القيام بأعمال هذه الليلة، وهي كيت وكيت. فقال: نصف دينار، فرجع الى نفسه مؤنباً لها وموحياً اليها، علام العُجب وقيمة أعمالي كلها نصف دينار؟