لحظة صدق لن تأخذ من وقتك الثمين شيئا.. فحياة كل منا مليئة بترهات لا حصر لها.. تلك الروح التي تمدك بالحياة.. وذلك القلب الذي يئن في داخلك كارها جحود صمتك.. مدين أنت لهما ولكل ما تحب..أن تذكر مرة في حياة فارغة من وضوح الحقائق.. أنني.. وأنك.. قد شاركنا بصمتنا في ذبحهم.. حبسنا بجشع لا حدود له ضمائرنا.. لقد عطشوا.. جاعوا.. وحوصروا.. صرخوا في عالم مليء بالصم بملئ أوجاعهم..
و أخيرا..
منعوا من استنشاق ذرات هواء وطن فضل ايواءهم في جوفه.. لملم أشلاء طفولتهم.. لأننا لم.. ولن نستحق أن تباركنا براءتهم بعد الآن..
ثمن امن أطفالهم.. دماء أطفالنا..
ثمن وجودهم.. ضياعنا..
بيوت دمرت.. عائلات بأكملها قد أحرقت.. بقعة من هذه الأرض.. عن مشوار الحياة.. أبعدت..
بالله إلى أي مدى تحجرت هذه القلوب..
بائس أنت إن لم تذرف عيهم الدموع في صلاتك.. مكانكم يا اخوتي السماء.. ومكان خوفنا.. زمن الوحل.. والخزي.. والعار..
(نسافر كالناس لكننا لا نعود إلى أي شيء..كأن السفر طريق الغيوم..دفنا أحبتنا في ظلال الغيوم..وبين جذوع الشجر..) محمود درويش
هناك من يسكنون فينا وفي ذكرياتنا بطريقة غريبة. نرى وجوههم تمر في أفكارنا عندما تتوشح أرواحنا بالوحدة والألم. نراهم إلى جانبنا حين نبكي وحين نفرح. بالرغم من كل المسافات هم في كل نظرة من نظرات عيوننا. نعلم حين نراهم أنهم من كنا نبحث عنه. مهما تكاثرت الوجوه من حولنا، لن نشعر سوى بأنفاسهم تحرسنا وتدفينا. ستبقى عيونهم الملجأ الذي لن نجد الراحة سوى إن علمنا بان لون العسل الذي يزينه لن يتركنا وحيدين ما حيينا. نحمل قلبا داخل قلب. نشعر بتسارع النبض في عروقنا وكأن الجسد قد ضاق على تلك الأرواح المتشابكة في عناوين القصائد، وحبات المطر، في نقطة التقاء الطرق المؤدية إلى روما، وحاجة المحب للاعتراف بأن حبه قد كان أسوأ اختياراته. لا نفتأ نشم رائحة عطرهم في دمع الورود الحمراء. هم الرذيلة التي تدخلنا جنة العالم السفلي. الكلمات التي نكتبها، ونمزقها، ونبكيها. هم الحروف في دفاتر أحلامنا، واللحن في أغنياتنا. هم من لهم الحق في تجريدنا من أسلحة نحملها لتزويدنا بالخوف الذي يحمينا من الانسياق وراء نشوة الفرح. تبعدنا الحياة في أحيان كثيرة على أن نفارق من نحب، وما نحب، إلا أن الحياة تنسى أن السماء التي تظل أحلامنا واحدة. أن القمر واحد. وأن الحب هو الشعور الوحيد الذي لا يتغير، ولا يموت. حبهم يهدينا الكلمات. حب عقيم هو حب الكلمات. حب الجنون والمهدئات. حب السعادة لتحقيق الإخفاقات. لكنه حب لا يعرف الموت.
تقفز، تطير، تحلق، و تُركَل، وتفعل الأفاعيل، ليس بشباك المرمى، بل بعقول و عواطف المتفرجين داخل الاستاد وخارجه.
كرة القدم، أهي لعبة رياضية ذات شعبية عالمية، وجمهور كبير من الصغار و الكبار والذكور والإناث؟ .
أم هي مشروع اقتصادي ربحي مادي، يغذي قنوات فضائية، ويمنح أرباح خيالية للاعبين المتميزين؟ .
أم هي مشروع نجومية وتحقيق ذات وجذب للأنظار وصناعة شهرة ومجد؟
أم هي تفريغ لطاقات الشباب وتوجيه لها بعيدا عن سبل المنكر والمعصية؟
أم أنها فلسفة استعمارية، وسلاح في زي محبب مقبول للجماهير، يبث نار الفرقة و العصبية؟
لقد حاول المستعمر بطرق شتى أن يفرق المسلمين ويقوض وحدتهم، وجد في إثارة الصراعات والخلافات والنزاعات العرقية والطائفية، وتبديد طاقات الأمة وصرفها عن العمل والنهضة إلى توافه الأمور.
منذ سنوات برز لون من ألوان الغزو الفكري ذو سمة عنصرية تعصبية، واتخذ غطاءا متلونا جديدا، ظهرت بأشكال عديدة، سوبر ستار العرب، ستار أكاديمي و ربما بقدر أقل الرابح الأكبر وشاعر المليون .
وعملت تلك البرامج على محوري فساد: محور الفساد الأخلاقي، وإشاعة الفاحشة و التصفيق والإعجاب بالمنكر والترويج لقبول المعصية في المجتمع بل اعتبارها ميدانا للتمايز والتفاضل وجعلها حلما للشباب.
والجانب الآخر، وهو ذو بعد عميق ينخر في كيان المجتمعات، جانب التعصب والعنصرية العرقية، والتباغض بين الشعوب.
أعلام ترفرف، ورايات يلوح بها، والجماهير تزدحم في الطرقات استقبالا للبطل الذي رفع راية بلاده عاليا بعد عودته، وألوف تصرفها الحكومات لدعم مرشحها أو ممثل بلادهم كما يقولون.
لكن المتأمل يجد أن تلك البرامج أخذت صيتها ومجدها لفترة، ثم عادت لتخبوا ويضعف صيتها نسبيا.
بيد أن هناك بطلا متميزا في هذا المجال، كان ولا يزال يحقق نجاحات متوالية في تمزيق الشعوب بل حتى الأسر والأصدقاء.
جماهير غفيرة تجتمع في المقاهي والكفتيريات، والعشرات مجتمعون في منزل فلان ليشاهدوا المباراة المشفرة، ناهيك عمن دفع الألوف ثمنا لتذكرة حضور المباراة، عدا عن ثمن التذاكر والإقامة في البلد المضيف.
والأدهى حين يقتتل الإخوة والأصحاب لفوز أو خسارة فريق لايمت للعروبة بصلة، ولعل لاعبيه لايعرفون شيئا عن الدول العربية، و لاعن قضايها وهمومها، فهم هناك في لهو وضلالة ونحن في بلادنا مشحونون ثائرون.
وتوالت النكبات، قضايا الأمة تنسى، لامن مستجيب أو متحرك، الحرمات تدنس، المقدسات تسلب، الأبرياء يقتلون، أصحاب الحق يسجنون، ونحن نقفز ونصرخ ونثور على كرة تتدحرج لترتطم بأسلاك أو خيوط .
الجماهير تنتظر اللقاء الفاصل، بين دولتين شقيقتين- إن صح التعبير- ، مصر والجزائر، انفعالات، تأثر وترقب وموجات غضب وتراشق اتهامات، وتغطية إعلامية قوية، ودعم حكومي من قبل الطرفين، وماذا بعد المباراة؟، كأس العالم، لكن ما لذي يعنيه لنا كأس العالم؟، الأدهى أننا في كل مرة نهزم من المرحلة الأولى وتعود الفرق العربية
إلى بلادها محملة بالخسارة، فعلام كل هذا الاهتمام والحرص؟ وما الذي جنيناه غير الفرقة والشحناء، والغضب وإضاعة المال والجهد ؟
لكن تبقى نقطة أخرى، فهناك ثلة من المصلحين والدعاة ، يرون في الرياضة حاجة وضرورة للشباب، وينادون بتشجيع الشباب على ذلك، بل يناشدون الحكومات أن تدعم الرياضة، وتوفر لها الوقت والمال حتى تتطور فرقنا الرياضية وتصبح على مستوى ينافس عالميا.
الحق أن الإسلام دين التميز والإبداع، والاتزان، لكنه أيضا دين مراعاة الأولويات فلن نعطي أمرا مباحا- إن نظرنا إليه على أنه ترفيه وتفريغ للطاقات، وهو قد يكون مستحبا إن قصد به زيادة اللياقة وحفظ الصحة ودفع الضرر والاعتداء- على أمور أولى وأهم كالعلم وبناء النهضة وتطوير الصناعة والزراعة.
فما بالك إن كان هذا المباح معول هدم وتخريب، وخنجرا في صدر الأمة يمزقها فوق تمزقها، ويبث سموم الحقد والكره بين أبائها!
موازنة ذات أبعاد متشعبة وآراء متناقضة، لمنها بحاجة لحسم واخذ قرار واضح وجلي من قضية توشك أن تتصدر قائمة قضايا أمتنا، والله المستعان !
سيرحلون و قد عودوني على الرحيل، إلا أن نفسي تأبى السكون بدونهم.
للعمر برفقتهم حلاوة تذوقها حتى لو ادمهلت المشاكل والمصاعب، وألقت الهموم بشباكها علينا، بوجودهم يبقى الأمان والسلام والاستقرار.
حين سيغادرون، ستعود الوحشة والظلام، ستفقد الأشياء ألوانها، و الأطعمة مذاقها، والألبسة بهاءها.
كيف لا والجدران تبكيهم، والأبواب تتأمل أثار خطوهم وعدوهم، وانك لتسمع نحيب أثاث الدار فكيف بمن بقي من أهل الدار.
هو ليس بالرحيل إنما سفر وعودة، لكنه مؤلم كألم الرحيل، تسعة أشهر من الغياب في متوسط الأمر، تسعة أشهر ننتظر ميلاد اللقاء، مدة ليست بالبسيطة إنها توازي سنة دراسية كاملة متواصلة.
وفي القلب حنين، هذه حقيقة الأمر.
(جاء أبي)... حين تقولها ترد لك الروح، وتشعر بالعزة والفخر، بالمنعة والامن، تذكر حينها حرقة قلب اليتيم الذي يتمنى أن ينطق "بأبي" أو حتى أن يحدث عنه بصيغة الغائب الموجود.
سيغادر المرح ستغادر البسمة، ستغادر تلك السكينة الوديعة التي تحيط بـأمي، ستغادر معها، وستذهب ضحكات الطفولة وأحاديث الصبا، وشقاوات الشباب.
لعلهم سينهمكون في أعمالهم ودراستهم مجدداً، وكذلك أنا، وستعود العواطف للدخول في طور البرود أو السبات الشتوي مع إطلالات الشتاء القارص، ليس جفاءا أو عداءا بل هي إليه يتخذها القلب ليصبر نفسه و ليسلي بها وجعه ولتنسى الروح أرواحا ألفتهم و أحبتهم، وتنتظر الصيف من جديد حين تذوب الثلوج عن القلوب وتتلاقى العيون من جديد و تعود جداول السكينة والمودة تجري بحلاوة اللقاء.