إذ قد عرفت عظمة كتاب سليم من أول أمره إلى يومنا هذا ومدى اعتناء العلماء بشأنه تأييدا ونقلا، فلا ريب أن النقاش في أصل مثله وسوء المواجهة بالنسبة إليه نشأت من عدم ملاحظته كأصل أصيل اهتم بها العلماء طيلة 14 قرنا.
إن جذور المسألة تنتهي في الأكثر إلى الدافع العقائدي في عدة من أعداء أهل البيت عليهم السلام المظهرين للبغض والعناد مع كل ما يوجب إحياء أمر آل رسول الله صلوات الله عليهم.
والعلة في بعض تلك الاتجاهات هو اتقاء شر الأعداء المتوجهة إليهم أو إلى الكتاب أو إلى المتحفظين على نسخه. ويشهد لذلك أن عدة من هؤلاء بعد إظهارهم شيئا من المناقشات حول الكتاب استندوا إلى أحاديثه في كتبهم في المسائل الاعتقادية والأحكام الشرعية.
وتعرض العلماء لأبطال الدعاوي الموهونة وقالوا بعد ذلك ما ملخصه:
إن مطالعة متن كتاب سليم كاف في الحكم بصحته واعتباره، وتلقي الكتاب من عند كبار العلماء بالصحة والاعتبار وروايتهم للكتاب بأجمعه ولأحاديثه بأسانيد صحيحة عالية طيلة أربعة عشر قرنا دليل واضح على جلالته ونزاهته وإلا لم يكن معتبرا عندهم إلى هذا الحد. وذلك أن العلماء الناقلين والمؤيدين لكتاب سليم لم يكونوا إلا بصدد نقل تراث هذا الدين القويم وإرائة مصادره أمام الرأي العام العالمي. فهل تجدهم يعرفون كتابا غير معتبر؟ أو تراهم ينقلون عنه الأحاديث الكثيرة ويستشهدون بها في بحوثهم العلمية مع المناقشة في اعتباره؟ (1)
____________
(1). روضة المتقين: ج 14 ص 372. نقد الرجال: ص 159. منهج المقال: ص 171. وسائل الشيعة: ج 20 ص 210. رسالة في كيفية استنباط الأحكام من الآثار في زمن الغيبة (مخطوط) والعبارة في آخر الرسالة.
معجم رجال الحديث: ج 8 ص 225. تهذيب المقال: ج 1 ص 186.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 59
--------------------------------------------------------------------------------
أسماء من تعرض لتفنيد الشبهات
إن كثيرا ممن أورد ترجمة سليم وتاريخ كتابه تعرض لرد الشبهات عن كتابه (1)، فهم:
1. العلامة المجل“ي الأول في روضة المتقين: ج 14 ص 371.
2. الميرزا الأسترآبادي في منهج المقال: ص 15 و 171.
3. الفاضل التفريشي في نقد الرجال: ج 2 ص 355 رقم 2387.
4. الشيخ الحر العاملي في وسائل الشيعة: ج 20 ص 210.
5. العلامة المجلسي الثاني في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 195، ج 22 ص 150.
6. الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال: ص 171.
7. الشيخ أبو علي الحائري في منتهى المقال: ص 153.
8. المير حامد حسين في استقصاء الإفحام: ج 1 ص 464، 466، 514، 554، 581، 855.
9. السيد إعجاز حسين الكنتوري في كشف الحجب والأستار: ص 445.
10. السيد الخوانساري في روضات الجنات: ج 3 ص 30، ج 4 ص 71.
11. العلامة المامقاني في تنقيح المقال: ج 2 ص 52.
12. السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: ج 5 ص 50، ج 35 ص 293.
13. السيد الخوئي في معجم رجال الحديث: ج 8 ص 225.
14. الشيخ محمد تقي التستري في قاموس الرجال: ج 4 ص 452.
15. السيد الموحد الأبطحي في تهذيب المقال: ج 1 ص 186.
قد تبين في تمام هذا الفصل أن كتاب سليم من أتقن كتب الأصول وأمتنها بحيث لا يدانيه الشك ولا يعتريه الريب، وأنه معتمد على ركن وثيق.
____________
(1). قد أوردنا تفاصيل الرد على المناقشات الموجهة إلى الكتاب في طبعة الكتاب في ثلاث مجلدات: ج 1 ص 155 - 200.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 60
--------------------------------------------------------------------------------
بملاحظة الأسانيد والتأمل في تكرار أسماء بعض الرواة في عدد منها يعلم أن بعضها أسانيد منتهية إلى كتاب سليم وأنه كان عند بعضهم نسخة كتاب سليم وذلك مثل سعد بن عبد الله الأشعري القمي ومحمد بن يحيى العطار القمي وإبراهيم بن هاشم وعلي بن إبراهيم والحسين بن سعيد والكليني والنعماني والصدوق وغيرهم.
ولا بد من أن نشير إلى نكتة أخرى، وهي أنا فحصنا عن مواضع يوجد فيها محتوى أحاديث سليم بطرق أخرى ينتهي إلى غير سليم وحصلنا مجموعة جيدة ألحقناها بآخر الكتاب، وذلك لمزيد الاطمئنان بروايات سليم وليعلم أن أحاديثه ليست مما يتفرد بها، بل أكثرها منقولة بطرق عديدة وفيها المستفيض والمتواتر ولا يخلو مما يوجد في مصدر معتبر بأسانيد صحيحة.
شجرة الطرق المنتهية إلى سليم
إليك مشجرة الأسانيد المنتهية إلى سليم أوردناها بعين ما وجدناها في الكتب الحديثية تراها في الصفحة التالية. فهذا الجدول يمثل النتيجة النهائية من جميع الأبحاث المتدخلة في أسانيد الكتاب، ويرسم لنا المسيرة التي سلكها الكتاب ويعرف إلينا الأيدي الأمينة التي احتفظت بهذا التراث القويم طيلة أربعة عشر قرنا.
إن من طرق تحمل الحديث ونقله هو المناولة وهي أن يعطي المؤلف أو الراوي الكتاب إلى من يريد تحمله عنه يدا بيد. ويزداد قيمة السند إذا أضيفت القراءة إلى ذلك، وهي أن يقرأ المؤلف أو الراوي كتابه لمن يناوله، أو يقرأ المتناول فيستمع إليه المؤلف أو الراوي فيصدقه.
وقد تكررت المناولة والقراءة في تحمل كتاب سليم ونقله، عثرنا منها على الموارد التالية:
1. المناولة بين سليم وأبان وقراءة سليم جميع الكتاب لأبان في سنة 76. نص على ذلك في مفتتح الكتاب.
2. قراءة أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة جميع الكتاب على الإمام زين العابدين عليه السلام طيلة ثلاثة أيام في سنة 77. نص على ذلك في مفتتح الكتاب.
3. المناولة بين أبان وابن أذينة وقراءة أبان له في سنة 138. نص على ذلك في مفتتح الكتاب.
4. القراءة في سنة 520، نص على ذلك في مفتتح الكتاب هكذا: (حدثني أبو عبد الله المقدادي قراءة عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنة عشرين وخمسمائة).
5. القراءة في سنة 560، نص على ذلك في مفتتح الكتاب هكذا: (أخبرني الحسن بن هبة الله بن رطبة عن المفيد أبي علي عن والده فيما سمعته يقرء عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليهما في المحرم سنة ستين وخمسمائة).
6. القراءة والمناولة في سنة 565، نص على ذلك في مفتتح الكتاب هكذا: (أخبرني هبة الله بن نما قراءة عليه بداره بحلة الجامعيين في جمادى الأولى سنة خمس وستين وخمسمائة).
7. القراءة في سنة 567، نص على ذلك في مفتتح الكتاب هكذا: (أخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب قراءة عليه بحلة الجامعيين في شهور سنة سبع وستين وخمسمائة).
ثم إنه وقع كثير من المناولات والقراءات قطعا مما لم يخبر بها. ولا يخفى أن المناولة والقراءة تدلا ن على وجود نسخة الكتاب عند المناولين والمقرئين، وبذلك فقد اطلعنا على وجود عدة من مخطوطات الكتاب أيضا وإن لم يصل إلينا.
الأسانيد التي وصل بها كتاب سليم إلينا
إن ابن أذينة رحمه الله أول من نشر كتاب سليم، فقد وردت أسماء سبعة أشخاص نسخوه منه (1) وهم: ابن أبي عمير، وحماد بن عيسى، وعثمان بن عيسى، ومعمر بن راشد البصري، وإبراهيم بن عمر اليماني، وهمام بن نافع الصنعاني، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني.
وتصل الأسانيد التي نقلت إلينا كتاب سليم إلى سبع طرق، ثلاث منها تنتهي إلى الشيخ الطوسي وواحدة منها إلى محمد بن صبيح وواحدة إلى ابن عقدة وواحدة إلى الكشي وواحدة إلى الحسن بن أبي يعقوب الدينوري.
وهذه الأسانيد تنتهي إلى ثلاثة من كبار رجال العلم والحديث وهم: ابن أبي عمير وحماد بن عيسى وعبد الرزاق بن همام، وكانت نسخة كتاب سليم موجودة عند هؤلاء الثلاثة، ثم انتشر في الأقطار على أيديهم.
وفيما يلي أستعرض سلسلة الأسانيد الناقلة للكتاب وهو يكشف عن كيفية انتشار نسخه في الأوساط العلمية والاجتماعية طيلة القرون، فأقول:
الأول: نسخة عبد الرزاق، وقد وصلت إلينا بأربعة طرق:
1. طريق ابن عقدة المتوفى 333.
2. طريق محمد بن همام بن سهيل المتوفى 332.
3. طريق الحسن بن أبي يعقوب الدينوري.
4. طريق أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق في سنة 334.
وأصبح الكتاب متداولا حيث كانت عدة نسخ خطية منها موجودة عند كبار علمائنا كما توجد اليوم مخطوطات منها في مكتبات إيران والعراق والهند.
الثاني: نسخة حماد بن عيسى، وقد وصلت إلينا عن طريق الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي (صاحب كتاب الرجال) بأسانيد متصلة.
الثالث: نسخة ابن أبي عمير، وقد وصلت إلينا عن طريق الشيخ الطوسي بأسانيد متصلة كما وصلت إلى العلامة الشيخ الحر العاملي والعلامة المجلسي وهي المتداولة اليوم مطبوعا.
الأسانيد المنتهية إلى سليم
إن لكتاب سليم 22 سندا موثوقا بها وذلك أن الأسانيد الموجودة في مفتتح نسخ الكتاب بنفسها تتضمن 18 طريقا ورواتها في جميع الطبقات من أعاظم العلماء، بالإضافة إلى طرق أخرى سنبينها، وإليك تفاصيلها:
1 إلى 16 - وهي السند المذكور في عدد من نسخ الكتاب كنسخة الشيخ الحر ونسخة العلامة المجلسي، وهذا بيانه:
1. هبة الله عن المقدادي عن ابن الشيخ عن الشيخ الطوسي.
2. الحسن بن هبة الله عن ابن الشيخ عن الشيخ الطوسي.
3. ابن الكال عن العريضي عن ابن شهريار الخازن عن الشيخ الطوسي.
4. ابن شهرآشوب عن جده عن الشيخ الطوسي.
ويتصل الأسانيد من الشيخ الطوسي إلى سليم بأربعة طرق:
1. الشيخ عن ابن أبي جيد عن ابن الوليد، وماجيلويه عن الصيرفي عن أبان عن سليم.
2. الغضائري عن التلعكبري عن أبي علي بن همام عن الحميري عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبان عن سليم.
3. الغضائري عن التلعكبري عن أبي علي بن همام عن الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبان عن سليم.
4. الغضائري عن التلعكبري عن أبي علي بن همام عن الحميري عن ابن أبي الخطاب عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبان عن سليم.
وعلى هذا فإذا ضربت عدد الأسانيد الأربعة المنتهية إلى الشيخ في عدد الأسانيد الأربعة المنتهية من الشيخ إلى سليم تحصل على 16 طريقا كلها صحيحة معتبرة.
17 - السند المذكور في مفتتح عدد آخر من نسخ الكتاب كنسخة صاحب الروضات والمحدث النوري وهي أسانيد صحيحة ورجالها مقبول بين الفريقين وهذا نصه: (محمد بن صبيح بن رجاء عن عصمة بن أبي عصمة البخاري عن أحمد بن المنذر الصنعاني عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن معمر بن راشد البصري عن أبان عن سليم). وقد ثبت توسط ابن أذينة بين معمر وأبان في محله.
18 - السند المذكور في مفتتح عدد آخر من نسخ الكتاب وهذا نصه: (الحسن بن أبي يعقوب الدينوري عن إبراهيم بن عمر اليماني عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه عن أبان عن سليم).
19 - السند المذكور في الذريعة: (إبراهيم بن عمر اليماني عن عبد الرزاق عن معمر عن أبان عن سليم).
20 و 21 - السند المذكور في فهرستي الشيخ والنجاشي، وهو يتضمن طريقين:
1. ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن ماجيلويه عن الصيرفي عن حماد وعثمان ابني عيسى عن أبان عن سليم.
2. ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن ماجيلويه عن الصيرفي عن حماد عن إبراهيم بن عمر عن سليم.
22 - السند المذكور في رجال الكشي: (محمد بن الحسن عن الحسن بن علي عن إسحاق بن إبراهيم بن عمر عن ابن أذينة عن أبان عن سليم).
تعريف بمفردات رجال أسانيد الكتاب
قمنا بترجمة مفردات رجال أسانيد الكتاب على ترتيب طبقات الرواة في الفصل الثامن من المقدمة المفصلة التي جاء في طبعة الكتاب في ثلاث مجلدات وهو بحث رجالي يراجعها الطالب هناك. ونكتفي هنا بترجمة سليم المؤلف للكتاب وأبان الراوي الوحيد عن مؤلفه.
أبو صادق سليم - بالضم مصغرا (1) - بن قيس الهلالي العامري الكوفي.
من خواص أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين والإمام زين العابدين عليهم السلام، وقد أدرك الإمام الباقر عليه السلام أيضا. ذكر ذلك البرقي والطوسي وابن النديم. (2)
وقد أورده في أصحابهم كل من تعرض لترجمته من الرجاليين، مضافا إلى أن محتوى كتابه وأحاديثه أقوى شاهد على أنه من أصحاب الأئمة الخمسة المذكورين. (3)
أصله من بني هلال بن عامر بطن من عامر بن صعصعة، من هوازن من قيس بن عيلان، من العدنانية الذين كانوا يقطنون الحجاز، وما زال قسم من عشيرتهم إلى عصرنا في المنطقة. (4)
ولد سليم قبل الهجرة بسنتين (5)، وكان عمره عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله اثنتي عشرة سنة.
ولم يأت المدينة زمن رسول الله صلى الله عليه وآله ولا زمن أبي بكر، وإنما دخلها شابا في أوائل إمارة
____________
(1). ضبطه البرقي في رجاله: ص 4، والنجاشي في رجاله: ص 6، والطوسي في فهرسته: ص 81 رقم 336 ورجاله: ص 91، والكشي في اختيار معرفة الرجال: ج 1 ص 321، والعلامة في خلاصة الأقوال: ص 82 و 86.
(2). رجال البرقي: ص 4 و 7 و 8 و 9. رجال الشيخ: ص 43 و 68 و 74 و 91 و 124. الفهرست لابن النديم: ص 275. خلاصة الأقوال: ص 83. الإختصاص: ص 2. مناقب ابن شهرآشوب: ج 3 ص 201.
استقصاء الإفحام: ج 1 ص 859.
(3). يراجع في هذا الكتاب: الأحاديث 7، 10، 24، 26، 37، 38، 67، 69، 74، 76، ومفتتح الكتاب، بالإضافة إلى أن سليما روى أكثر من نصف أحاديثه (50 حديثا) عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(4). معجم قبائل العرب: ج 3 ص 1221. اللباب لابن الأثير: ج 3 ص 396.
(5). يدل على ذلك الحديث 34 من كتاب سليم إذ يسأل أبان سليما عن سنه في أواخر وقعة صفين وهذا نصه: (قال أبان: وسمعت سليم بن قيس يقول: وسألته: هل شهدت صفين؟ قال: نعم. قلت: هل شهدت يوم الهرير؟ قال: نعم. قلت: كم كان أتى عليك من السن؟ قال: أربعون سنة). فإذا علمنا أن وقعة الهرير كانت في العاشر من صفر سنة 38 (كتاب صفين لنصر بن مزاحم: ص 473) وهو آخر أيام صفين وعلمنا أيضا أن عمر سليم كان في تلك الوقعة أربعين سنة يكون النتيجة أن سليما ولد قبل الهجرة بسنتين وذلك بعد كسر 38 من 40.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 70
--------------------------------------------------------------------------------
عمر قبل السنة 16 الهجرية.
لا خبر عندنا عن أوائل نشأة سليم حتى الرابعة عشرة من عمره، إلا أن ما رواه في الحديث 39 من كتابه عن أبي سعيد الخدري يدل على أنه لم يكن في المدينة في فترة حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، كما أنه لم يرو أي حديث يدل على رؤيته لرسول الله صلى الله عليه وآله أو حضوره في المدينة في عصره.
كذلك لم يكن سليم في المدينة في فترة خلافة أبي بكر من سنة 10 إلى 13.
فقد روى أحداث السقيفة وما جرى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله عن أمير المؤمنين عليه السلام، وعن سلمان وأبي ذر والمقداد وابن عباس، والبراء بن عازب، كما لا يوجد ما يدل على التقائه بأبي بكر أو وجوده في المدينة إلى آخر عهده.
كان سليم حاضرا في المدينة أو كان يختلف إليها شابا بعد انقضاء عهد أبي بكر وفي أول إمارة عمر حدود سنة 14 هجرية.
يدل على ذلك أن سلمان قدم المدائن واليا عليها سنة 16 (1) وتوفي بها ولم يرجع إلى المدينة، بينما يروي عنه سليم في مجالس حضرها أشخاص غير سلمان ممن لم يكونوا في المدائن. ولم نجد شيئا تدل على رحلة سليم إلى المدائن في عصر سلمان.
فمن ذلك نستنتج أن لقاءاته بسلمان كانت قبل سنة 16 في المدينة، وقد صرح بذلك في بعضها كما ترى في الأحاديث 13، 14، 19، 52.
كان سليم في هذه الفترة - أي من سنة 14 إلى سنة 16 هجرية - يلتقي كثيرا بأمير المؤمنين عليه السلام وسلمان وأبي ذر والمقداد.
يدل على ذلك ما رواه عنهم جميعا في مجلس واحد، كما في الأحاديث: 5، 19، 21، 24، أو بحضور الثلاثة غير علي عليه السلام، كما في الأحاديث: 38، 44، 71، كما أنه روى أحاديث كثيرة عن سلمان فقط مثل الأحاديث: 1، 4، 5، 47، 49، 52، 58، 62، 77، 91.
لا ندري أين كان سليم بعد رحلة سلمان إلى المدائن في سنة 16 إلى أوائل إمارة عثمان، إذ لا نجد في أحاديثه شيئا يدل على ذلك، إلا ما صرح به في الحديث 42 حيث يقول (وسمعت ابن جعفر يحدث بهذا الحديث في زمان عمر بن الخطاب).
نعم بعض أحاديثه عن أبي ذر والمقداد معا أو منفردا (1) يكشف عن اتصاله بأمير المؤمنين عليه السلام وأبي ذر والمقداد في تلك الفترة.
ويقوى احتمال بقائه في المدينة إلى آخر عهد عثمان أو تردده بين الحجاز والعراق في تلك الفترة.
حج سليم في أواسط أيام عثمان عندما قدم أبو ذر حاجا وحضر الموسم ورجع معه إلى المدينة. يدل على ذلك الحديث 75.
عاش سليم في المدينة من حدود سنة 27 إلى آخر عهد عثمان أي سنة 35.
يدل على ذلك قوله في الحديث 11: (رأيت عليا عليه السلام في خلافة عثمان وعدة جماعة يتحدثون... وفي الحلقة أكثر من مائتي رجل...). ثم يعد منهم أبي بن كعب الذي مات سنة 30 وعبد الرحمن بن عوف الذي مات سنة 31، وهذا يدل على حضوره في المدينة في تلك السنين.
سافر سليم إلى الربذة في سنة 34 التي توفي فيها أبو ذر، كما يدل عليه الحديث 20.
في أول عهد أمير المؤمنين عليه السلام - سنة 35 - كان سليم من خلص أصحابه والفدائيين في سبيله، وهذا أمر يلوح من جميع ما أورده سليم في كتابه.
شهد سليم مع أمير المؤمنين عليه السلام وقعة الجمل في سنة 35، وكتب كثيرا من جزئيات ما وقع في تلك الوقعة وبعدها، كما في الأحاديث 28، 29، 53، 56، 59، 67.
شهد سليم وقعة صفين في سنة 36 من أولها إلى آخرها، وكان من شرطة الخميس المتقدمين في الحرب. وكان حاضرا ليلة الهرير العاشر من صفر سنة 38، وهي آخر وقعات صفين. وقد رجع سليم مع علي عليه السلام إلى الكوفة، بعد ما حضر في
قصة الحكمين كما يدل على ذلك الأحاديث: 15، 16، 25، 34، مضافا إلى ما مر في الحديثين 53 و 59، وما مر من أنه كان من شرطة الخميس.
كان سليم في الكوفة بعد وقعة صفين وقبل النهروان وذلك في الفترة التي استشهد فيها محمد بن أبي بكر بمصر سنة 38، كما في الحديثين 37 و 78.
شهد سليم وقعة النهروان في سنة 39، كما في الأحاديث 56 و 59.
كان سليم في الكوفة بعد وقعة النهروان إلى شهادة أمير المؤمنين عليه السلام في شهر رمضان سنة 40، كما في الأحاديث: 12، 17، 69، 79.
كان سليم في الكوفة بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، وعند ما دخلها معاوية ووقع معاهدة الصلح بينه وبين الإمام الحسن عليه السلام، كما في الحديث 76.
بعد انتقال الإمامين الحسنين عليهما السلام إلى المدينة سافر سليم إليها والتقى بهما، ولا ندري هل بقي فيها أم لا، إلا أنه كان حاضرا بالمدينة سنة 50 بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام، وفي السنة التي قدم فيها معاوية حاجا كما في الحديث 10 و 26.
كان سليم في الكوفة في بعض الفترات بين سنة 49 وسنة 53، عندما كان زياد بن أبيه واليا عليها، فأخذ من كاتب زياد رسالة معاوية إلى زياد كما في الحديث 23.
حج سليم قبل موت معاوية بسنة أو سنتين، وحضر في منى في مجلس الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام، كما في الحديث 26.
لا علم لنا بالظروف التي عاشها سليم من سنة 60 إلى 75 الهجرية، إلا ما ذكره عن التقائه بالإمام السجاد والإمام الباقر عليهما السلام، وكذلك ابن عباس في تلك الفترة. يدل على ذلك ما في الحديثين 10 و 66.
كان سليم في الكوفة ظاهرا في سنة 75 عندما قدم الحجاج واليا عليها، فطلبه ليقتله، فهرب منه إلى البصرة ثم إلى فارس، ووصل إلى مدينة (نوبندجان) وآوى في تلك البلدة إلى أبان بن أبي عياش. ولم يلبث كثيرا في نوبندجان حتى مرض، ثم توفي إلى رحمة الله تعالى.
يدل على ذلك ما في مفتتح الكتاب، وما قال ابن النديم والعقيقي: (كان (سليم)
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 73
--------------------------------------------------------------------------------
هاربا من الحجاج، لأنه طلبه ليقتله فلجأ إلى أبان بن أبي عياش فآواه). (1)
كان وفاة سليم في سنة 76 من الهجرة عن 78 سنة بعد أن صرف أكثر من 60 سنة من عمره الشريف في سبيل إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام.
يدل على ذلك أن سليما كان من أول من طلبه الحجاج، وذكر أبان في مفتتح الكتاب والحديث 58 أنه بعد وفاة سليم التقى بالحسن البصري في أوائل عمره وفي أول إمارة الحجاج أي سنة 75، فيحاسب السنة الأولى التي طلبه فيها الحجاج (وهي السنة 75) وهروبه وبقائه مدة في نوبندجان ثم وفاته هناك. وظاهر كلام أبان في قوله (لم ألبث أن حضرته الوفاة) أنه لم يكن بعد قدوم سليم بأكثر من سنة.
عدالة سليم
يدل على وثاقة سليم وعدالته جميع ما مر في اعتبار كتابه ورواية الراوين الثقات لأحاديثه وتصديقهم له.
ونورد بعض النصوص في ذلك:
1. نص أمير المؤمنين عليه السلام في الحديث 38 من هذا الكتاب على أنه من الأصفياء الأولياء ذوي الخبرة في الدين، وأنه عبد امتحن الله قلبه بالإيمان. وقد مر تصديق خمسة من الأئمة عليهم السلام له، وخاصة الإمام السجاد عليه السلام الذي صدقه في جميع كتابه وترحم عليه.
2. قال أبان بن أبي عياش في مفتتح الكتاب: (لم أر رجلا كان أشد إجلالا لنفسه ولا أشد اجتهادا ولا أطول حزنا ولا أشد خمولا لنفسه ولا أشد بغضا لشهرة نفسه منه).
3. قال أبان أيضا فيما نقله عنه ابن النديم والعقيقي: (كان (سليم) شيخا متعبدا له نور يعلوه). (1)
4. ذكره البرقي في رجاله من الأولياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ونقله عنه العلامة في الخلاصة. (2)
5. مرت الرواية التي رواها الشيخ المفيد في كتاب الإختصاص الدالة على أن سليما كان من شرطة الخميس (3)، وبذلك يعلم جلالة سليم.
6. أورد الكشي في رجاله روايتين تدلان على تصديق الأئمة عليهم السلام لسليم (4) ، وقد رواهما سليم بنفس النص في مفتتح كتابه في الحديث 10.
7. ذكره الشيخ أبو العباس النجاشي في رجاله في عداد المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح). (5)
8. قال ابن قتيبة الدينوري في المعارف عند ذكر فرق المسلمين والمشهورين من كل فرقة: (الشيعة: الحارث الأعور، وصعصعة بن صوحان، والأصبغ بن نباتة، وعطية العوفي، وطاووس، والأعمش، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو صادق...). (6)
والظاهر أنه يريد بأبي صادق سليم بن قيس.
9. قال العلامة الحلي في الخلاصة: (روى الكشي أحاديث تشهد بشكره...
والوجه عندي الحكم بتعديل المشار إليه). ثم أورده في أولياء أمير المؤمنين عليه السلام. (7)
10. قال العلامة السيد محمد باقر الداماد في تعليقته على أصول الكافي: (صاحب أمير المؤمنين عليه السلام ومن خواص أصحابه... وهو من الأولياء المتنسكين، والحق عندي
فيه وفاقا للعلامة وغيره من وجوه الأصحاب تعديله). (1)
11. ذكره العلامة المجلسي في البحار في عداد الثقات العظام والعلماء الأعلام. (2)
13. قال السيد حسين بن محمد رضا البروجردي في نخبة المقال:
سليم بن قيس الهلالي (صة) ثقة من أولياء الآل (3)
14. قال العلامة الميرزا محمد الأخباري في كتابه تحفة الأمين: (كان (سليم بن قيس) من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر عليهم السلام وهو من تلامذة سلمان وأبي ذر والمقداد...). (4)
15. قال العلامة السيد الخوانساري في روضات الجنات: (قد كان من قدماء علماء أهل البيت عليهم السلام وكبراء أصحابهم... ويظهر لك من التضاعيف أضعاف ما يكون فيه الكفاية لأجل التعديل. كيف لا ومن الظاهر أن الرجل كان عند الأئمة عليهم السلام بمنزلة الأركان الأربعة ومحبوبا لدى حضراتهم في الغاية.
وحسب الدلالة على رفعة مكانته عندهم وغاية جلالته... أنه لم ينقل إلى الآن رواية في مذمته، كما روي في مدحه وجلالته، ولا وجد بيننا ناص على جهالته فضلا عن خلاف عدالته. ويعلم منازل الرجال من رواياتهم ويعلم منها أنه كان من خاصة أمير المؤمنين عليه السلام... وأوليائه وكان متصلبا في دينه ولم يرجع إلى أعداء أمير المؤمنين عليه السلام حتى أن الحجاج طلبه ليقتله). (5)
16. قال السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة: (إن المترجم (أي سليم)...
يكفي فيه عد البرقي إياه من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام، وكونه صاحب كتاب مشهور، وأنه السبب في هداية أبان بن أبي عياش، وقول أبان: أنه كان شيخا متعبدا له نور يعلوه،
____________
(1). تعليقة السيد الداماد على أصول الكافي: ص 145. ونقل المحدث القمي هذا الكلام في سفينة البحار:
ج 1 ص 652.
(2). بحار الأنوار: ج 53 ح 122.
(3). نخبة المقال: ص 50. وقوله (صه) يريد أنه مذكور في (خلاصة الأقوال) للعلامة الحلي.
17. قال العلامة المامقاني في تنقيح المقال: (هو من الأولياء المتنسكين والعلماء المشهورين بين العامة والخاصة، وظاهر أهل الرجال أنه ثقة معتمد عليه، وقد يطمئن بوثاقة الرجل من عد الشيخ في باب أصحاب السجاد عليه السلام إياه صاحب أمير المؤمنين عليه السلام وجعله إياه من أوليائه وغير ذلك مما لا يخفى على أهل الفن). (2)
18. قال المحقق الخبير السيد حسن الصدر في كتابه (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام): سليم - بالتصغير - ابن قيس الهلالي التابعي صاحب علي عليه السلام والملازم له وللحسنين عليهما السلام المنقطع إليهم. أول من كتب الحوادث الكائنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثقة صدوق متكلم فقيه كثير السماع). (3)
19. قال المتتبع الخبير الحاج مولى هاشم الخراساني في كتابه منتخب التواريخ:
(سليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي، كان من عظماء الرجال في الغاية). (4)
20. قال الشيخ جواد الخراساني في منظومته الرجالية:
علي بن عيسى وأبانا صدقه سليم بن قيس وكذا الفراء ثقة (5)
21. قال المحقق الخياباني في ريحانة الأدب: (هو من أكابر أصحاب أمير المؤمنين والحسنين والسجاد والباقر عليهم السلام. كان محبوبا لدى حضراتهم في الغاية، وكان بمنزلة الأركان الأربعة، وورد أخبار كثيرة في مدحه، وهو من أولياء أهل بيت العصمة عليهم السلام). (6)
22. قال العلامة الأميني في كتابه الغدير: (هو ممن يحتج به وبكتابه عند الفريقين)، وعبر عنه ب (التابعي الكبير الصدوق الثبت). (7)
23. قال العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم في مقدمته على كتاب سليم:
(قد أدرك سليم خمسة من الأئمة عليهم السلام واتصل بهم... وكان موثقا عندهم مقتبسا من علومهم الفياضة، وكان متصلبا في دينه مناوئا لأعداء آل البيت النبوي مجاهرا بالعداء لهم حتى أن الحجاج طلبه ليقتله فاختفى عنه أيام إمارته الغاشمة خو فاعلي نفسه). (1)
24. قال العلامة السيد الخوئي في معجم رجال الحديث: (ثقة جليل القدر عظيم الشأن، ويكفي في ذلك شهادة البرقي بأنه من الأولياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام). (2)
حياة أبان بن أبي عياش
الشيخ الثقة الفقيه الزاهد العابد طاووس القراء أبو إسماعيل أبان بن أبي عياش العبدي البصري.
ولد أبان حدود سنة 62 وتوفي في أول رجب من سنة 138 عن عمر بلغ 76 سنة، وكان له عند قدوم سليم نحو 14 سنة. (3)
ولا شك أن سليم بن قيس رحمه الله كان يعرف والد أبان أو أحد أقاربه أو معارفه، حيث كان فارا من الحجاج مختفيا عنه، وقد دخل إلى بلدتهم نوبندجان تلك المدينة الخارجة نسبيا عن حكم الحجاج ووجد المأوى فيها، وقد استضافوا هذا الشيخ المشرد المطارد الذي يبلغ الثمانين من عمره، وتحملوا الخطر على أنفسهم، وحموا سليما من سيف الحجاج.
وفي ذلك الجو الخاص المحمي كان يوجد شاب صغير السن، له ولع بالعلم والأحاديث، على نمط الشباب المتدينين المتحفزين للمعرفة في ذلك الزمان.. وهو أبان بن أبي عياش.. فاختاره سليم أو اختاره له الذين آووه، لكي يسلمه تلك الأمانة العلمية المهمة والخطيرة، والتي هي كتاب سليم
____________
(1). راجع مقدمة الطبعة الأولى من كتاب سليم في القطع الرقعي من الطبعات النجفية.
(2). معجم رجال الحديث: ج 8 ص 220.
(3). مفتتح كتاب سليم. أعيان الشيعة: ج 5 ص 48. ميزان الاعتدال: ج 1 ص 14.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 78
--------------------------------------------------------------------------------
أبان وكتاب سليم في البصرة
ذكر أبان أنه كان بعد وفاة سليم ينظر في كتابه ويطالعه، وأنه رحل لطلب العلم من بلاده إلى أقرب الحواضر الإسلامية إلى شيراز، وهي البصرة وذلك في حدود سنة 77 هجرية، وكان معه كتاب سليم.
وقد استوطن أبان في البصرة إلى آخر عمره وكان هو وأهله من موالي قبيلة عبد القيس، فقد ذكر له مترجموه نسبة العبدي التي هي نسبة إلى عبد القيس، وهي قبيلة بصرية معروفة كان يرأسها في عهده المنذر بن الجارود، وقد شاركت في فتح منطقة فارس التي كان منها أبان، وقد كان فتح فارس في سنة 19 وترجع سابقة تشيع بني عبد القيس إلى قبل سنة 30 وصاروا شيعة بالتدريج. (1)
وقد درس أبان في البصرة ونبغ في الفقه، حتى أن قبيلة عبد القيس كانت تفتخر بأن بين مواليها أبان بن أبي عياش الفقيه (2)، وكان يلقب ب (طاووس القراء). (3)
كما كان أبان من الأتقياء العباد الذين يسهرون الليل بالقيام ويطوون النهار بالصيام. (4)
وقد وصفه مترجموه بأنه الشيخ التابعي العالم الفقيه العابد أبو إسماعيل أبان بن أبي عياش فيروز العبدي البصري الزاهد من موالي عبد القيس. (5)
وقد كان أبان من أصحاب الإمام السجاد والباقر والصادق عليهم السلام (6)، وتوفي قبل وفاة الإمام الصادق عليه السلام بعشر سنين.
ثم إن أبانا أطلع الحسن البصري على كتاب سليم في البصرة، فطالعه الحسن البصري بأجمعه ثم قال: (ما في حديثه شئ إلا حق سمعته من الثقات). (7)
____________
(1). فتوح البلاذري: ص 378 - 380.
(2). المعارف لابن قتيبة: ص 239.
(3). الضعفاء الكبير: ج 1 ص 38.
(4). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 12.
(5). معجم رجال الحديث: ج 1 ص 18. أعيان الشيعة: ج 5 ص 48.
(6). رجال البرقي: ص 9. رجال الشيخ: ص 83، 106، 156.
(7). مفتتح كتاب سليم.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 79
--------------------------------------------------------------------------------
أبان وكتاب سليم في مكة والمدينة
قدم أبان من البصرة إلى مكة حاجا، والتقى بكثير من العلماء، وزار الإمام زين العابدين عليه السلام وعرض عليه كتاب سليم، وكان ذلك بحضور الصحابيين أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني، وعمر بن أبي سلمة.
وعلى مدى ثلاثة أيام كان يغدو عليه كل يوم ويقرؤون الكتاب والإمام عليه السلام يستمع إلى قرائتهم.
ولما فرغوا قال الإمام عليه السلام:
(صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله نعرفه).
ثم إن أبا الطفيل وابن أبي سلمة أيضا شهدا بصحة الكتاب فقالا: (ما فيه حديث إلا وقد سمعناه من علي صلوات الله عليه ومن سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد). (1)
أبان يوصي بكتاب سليم إلى عمر بن أذينة
لا يبعد أن يكون أبان أعطى نسخة الكتاب إلى تلاميذه وأصدقائه في البصرة، فقد صار فقيها كبيرا، ودرس عنده واستفاد منه كثيرون.
ولكن الروايات تقتصر على أنه أطلع الإمام زين العابدين عليه السلام وأبي الطفيل وابن أبي سلمة والحسن البصري على الكتاب، وتذكر أنه عندما جاوز السبعين من عمره سلم نسخة كتاب سليم إلى شيخ الشيعة في البصرة ووجههم عمر بن أذينة، الذي هو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، ثم من أعاظم أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام.
فقد أخبره أبان بقصة الكتاب كلها وقرأه عليه وناوله إياه كما فعل سليم، وبهذا أدى أمانة سليم إلى من كان يثق به.
ولم يلبث أبان بعد ذلك إلا قليلا حتى فاز بلقاء ربه، وكان ذلك في رجب سنة 138 الهجرية.
____________
(1). مفتتح كتاب سليم.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 80
--------------------------------------------------------------------------------
عدالة أبان بن أبي عياش
الشيخ الثقة الفقيه الزاهد العابد طاووس القراء أبو إسماعيل أبان بن أبي عياش العبدي البصري من أعاظم فقهاء زمانه كما أقر بذلك المخالف والمؤالف.
ولا ينتظر الإنسان من أجهزة الخلافة أن تمدح أبان بن أبي عياش، بل ينتظر أن يرث أبان أستاذه سليما في غضب السلطة عليه ومطاردتها له.. ولكن أبانا لم يكن معروفا عند السلطة بولاء أهل البيت النبوي الطاهرين مثل سليم. ثم إن الأمور اختلفت بعد هلاك الحجاج، فنجا أبان من مطاردة السلطة. وكان فقيها يعيش في البصرة ويدرس تلاميذه الفقه والحديث، ويستعمل التقية الشرعية حتى لا يعطي على نفسه ممسكا ويسفك دمه!
لقد استطاع أبان بذلك أن ينجو من بطش السلطة، ولكنه لم يستطع أن ينجو من بطش علماء السلطة!
ولهذا تجد ترجمة أبان في مصادر علماء الخلافة مليئة بتضعيفه والتحذير من رواياته، مع أنه أستاذ عدد من كبار أئمتهم!
ثم إن المتعرضين لترجمة أبان من الخاصة أيضا لم ينقحوا أحواله وغفل كثير منهم عن ملاحظة الظروف الخاصة التي عاشها وما واجهه به المخالفون من الافتراء والتهمة. نعم تفطن بهذا عدة من المتأخرين. ونحن نركز البحث حول وثاقته بنقل كلمات العلماء فيه، وما نستخرجه من تاريخ الأوضاع التي كانت تسود على المجتمع الذي عاش فيه.
كلمات العلماء السنيين عن أبان بن أبي عياش
اعلم أن أكثر ما صدر عن المخالفين عند ذكر أبان إنما نشأ من العناد الخاص معه بالإضافة إلى مواجهتهم العامة مع رواة الشيعة، ويلاحظ في كلماتهم الإقرار بوثاقته
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 81
--------------------------------------------------------------------------------
وتشيعه بجانب ما ذكروه من الوقيعة فيه إظهارا للمعاندة، وما في كلماتهم من جهة المدح فيه. فمن نماذج ذلك:
1. قيل لشعبة: لم سمعت منه؟ قال: ومن يصبر عن ذا الحديث (1)
2. قال سلم العلوي: يا بني، عليك بأبان. فذكرت ذلك لأيوب السختياني فقال: ما زال نعرفه بالخير مذ كان. (2)
3. إن ابن عدي قال: أرجو أنه لا يتعمد الكذب وعامة ما أتى به من جهة الرواة عنه. (3)
4. قال الفلاس: هو رجل صالح (4)!
5. إن أبا حاتم قال: كان رجلا صالحا. (5)
6. قال العقيلي: إنه كان طاووس القراء. (6)
7. قال ابن قتيبة في المعارف: كانت تفخر عبد القيس بأن بين مواليها أبان بن أبي عياش الفقيه. (7)
8. قال الذهبي: كان أبان من العباد الذين يسهرون الليل بالقيام ويطوون النهار بالصيام. (8)
من كلمات العلماء في الدفاع عن أبان
لقد تفطن المتأخرون إلى وثاقة أبان بن أبي عياش وغاية الاعتماد عليه ولم يكن ذلك إلا حصيلة الدراسة في حياة أبان والقرائن الكثيرة التي تحتف بها.
____________
(1). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 10.
(2). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 10.
(3). ميزان الاعتدال: ج 1 ص 11 وتهذيب التهذيب: ج 1 ص 97.
1. قال الأسترآبادي في منهج المقال: (إني رأيت أصل تضعيفه من المخالفين من حيث التشيع). (1)
2. قال المير حامد حسين في استقصاء الإفحام: (إن أبان بن أبي عياش يعد عند العامة أيضا من أعاظم علمائهم ويعدونه من خيار التابعين وثقاتهم، وكان أبو حنيفة ممن أخذ عنه وارتضاه لأخذ الأحكام الشرعية (2) كما يرى ذلك من كتب أكابر فن التنقيد). (3)
3. قال السيد الأمين في أعيان الشيعة: (يدل على تشيعه قول أحمد بن حنبل كما سمعت (قيل أنه كان له هوى) أي من أهل الأهواء والمراد به التشيع...، وأما شعبة فتحامله عليه ظاهر وليس ذلك إلا لتشيعه كما هو العادة مع أنه صرح بأن قدحه فيه بالظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ولا يسوغ كل هذا التحامل بمجرد الظن وقد سمعت تصريح غير واحد بصلاحه وعبادته وكثرة روايته وأنه لا يتعمد الكذب. (4)
وجعلهم له منكر الحديث لروايته ما ليس معروفا عندهم أو مخالفا لما يروونه أو ما يرون فيه شيئا من الغلو. وأما الاعتماد على المنامات في تضعيف الرجال فغريب طريف، مع أن بعض المنامات السابقة دل على حسن حاله). (5)
4. قال السيد الموحد الأبطحي في تهذيب المقال: (أما تضعيف العامة لأبان فلا يوجب وهنا فيه... وكان أكثر تضعيفات العامة لأبان عولا على شعبة، فقد أسس الوقيعة في أبان وتبعه غيره... وملخص ما قالوا عن شعبة وغيره في تضعيفه أمور:
أحدها منامات ذكروها... وثانيها رواية أبان عن أنس بن مالك، وثالثها رواية المناكير وعد منها روايات في فضل أهل البيت عليهم السلام؟... يظهر ممن ضعفه من العامة
____________
(1). منهج المقال: ص 15.
(2). جامع المسانيد للخوارزمي: ج 2 ص 389 ب 40.
(3). استقصاء الإفحام: ج 1 ص 563، 564، 566.
(4). بيان ذلك أولا: إن كذبه على رسول الله صلى الله عليه وآله إنما كان على رأي شعبة وأمثاله ورأيهم لا يكون حجة لغيرهم.
وثانيا: إن أمثال شعبة كانوا يرون نقل ما يدل على مذهب أهل البيت عليهم السلام وما يكشف عن فضائلهم كذبا على رسول الله عليهم السلام ولم يكن ابتلاء أبان بكلماتهم إلا بنقله أمثال ذلك كما أشار إليه السيد الأمين.
أن أبان بن أبي عياش كان من العباد فلعل التضعيف كان من جهة المذهب). (1)
5. قال المولى حيدر علي الشيرواني: (أبان بن أبي عياش كان يتظاهر بنقل كتاب سليم في زمن سيد العابدين والباقر والصادق عليهم السلام وهو من أصحابهم الثقات المذكورين، والأجلاء ينقلون عنه مسلمين موقنين). (2)
6. قال السيد الصفائي الخوانساري في كشف الأستار: ينبغي عده (أي تضعيف المخالفين لأبان) من مدائحه. (3)
8. قال العلامة الشيخ موسى الزنجاني في (الجامع في الرجال): (الأقرب عندي قبول رواياته تبعا لجماعة من متأخري أصحابنا اعتمادا بثقات المحدثين كالصفار وابن بابويه وابن الوليد وغيرهم والرواة الذين يروون عنه، ولاستقامة أخبار الرجل وجودة المتن فيها). (4)
8. أقول: كل ما ذكرناه من وجوه اعتماد العلماء على كتاب سليم واعتباره عندهم فتلك كلها تدل على اعتمادهم على أبان بن أبي عياش الراوي الوحيد للكتاب عن مؤلفه كما سوف نحقق في ترجمة سليم أنه لم يرو عنه أحد غير أبان بن أبي عياش.
فاعتماد الأعلام المتقدمين والمتأخرين على كتاب سليم ونقلهم عنه يتوقف على اعتمادهم على أبان الناقل له. ومن المعلوم أن هذا الجم الغفير من الأعاظم لا يعتمدون إلا على كتاب مروي بسند قوى، وقد أشار إلى ذلك السيد الخوانساري في كشف الأستار فقال: (وإذا انتهت أسانيد الكتاب إلى أبان فهذا الإجماع يكشف عن وثاقته جدا ". (5)
____________
(1). تهذيب المقال: ج 1 ص 182 و 183.
(2). قال ذلك في آخر رسالته المسماة (رسالة في كيفية استنباط الأحكام من الآثار في زمن الغيبة) وهي مخطوطة.
ويؤيد ذلك وجود (أبان) في جميع الأسانيد الناقلة لأحاديث سليم في المصادر الحديثية.
أضف إلى ذلك أن ابن أبي عمير الذي يعتمد على مسانيده ومراسيله نقل كتاب سليم وأحاديثه بالأسناد إلى أبان بن أبي عياش، وهذا يدل على اعتماده عليه.
وفي نهاية المطاف ألخص الكلام في كلمة واحدة وأقول:
إن أبان بن أبي عياش كان من كبار علماء الشيعة، وكان متصلا بالأئمة المعصومين عليهم السلام وأصحابهم، وأنه كان ممن أصابه سهام التهمة والافتراء من الأعداء في سبيل إحياء مذهب أهل البيت عليهم السلام، وهو أوثق من أن يبحث عن ذلك فيه، وله علينا حق عظيم لسعيه الوافر في استبقاء هذا التراث القيم في تلك الظروف المملوءة بالغشم والإرهاب والاتهام. جزاه الله عن أهل بيت نبيه عليهم السلام خير الجزاء.
وهنا ننهي الدراسة عن أسانيد كتاب سليم، وقد ظهر من خلالها كثرة الطرق الصحيحة إلى الكتاب والدقة في نقله وأن جميع رواته من أعاظم أصحاب الأئمة عليهم السلام وأكابر رواة الشيعة والذين كانت لهم منزلة كبيرة في عالم الحديث والتراث الإسلامي الخالد، شكر الله مساعيهم الجميلة.
(4)
مخطوطات الكتاب
ونسخه المطبوعة والمترجمة والملخصة
الاهتمام بحفظ نسخ الكتاب
تداولت الأيدي الأمينة نسخ كتاب سليم طيلة أربعة عشر قرنا، وقام العلماء بحفظ هذا الأثر القيم من التراث الشيعي الخالد منذ القرن الأول وهلم جرا إلى زماننا هذا قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل في سلسلة متلاحقة لم تنقطع. وتمثل ذلك في روايتهم للكتاب وقرائته ومناولته وإجازته واستنساخه ورواية أحاديثه والتحفظ بنسخه وتكثير مخطوطاته، وأخيرا إخراجه إلى عالم النور ونشره العالمي.
القرائن على وجود النسخ الكثيرة من الكتاب عند القدماء والمتأخرين
لقد عرفت عند ذكر أسماء الراوين عن كتاب سليم ما يعطي وجود نسخة من الكتاب عند أكثرهم أو رؤيتهم لنسخة منه، وكان ملخص تلك القرائن ما يلي:
- تداول كلمة (كتاب سليم) على لسان عدة منهم.
- تصريح عدة منهم بالرواية عن كتابه.
- وجود ما نقلوه عن سليم بعينه في نسخ كتابه الذي بأيدينا.
- توافق الأسانيد في أحاديثهم مع أسانيد نسخ كتاب سليم الذي بأيدينا غالبا.
- ذكر عدة منهم مفتتح كتاب سليم في كتبهم.
- تكلمهم حول الكتاب وإبراز الآراء عنه والبحث عن محتواه بصورة تدل على رؤيتهم للنسخة.
ويؤيد وجود النسخ الكثيرة شهادات العلماء باشتهار الكتاب في كل عصر مثل ما عن ابن النديم المتوفى 385 والنعماني المتوفى 462 وابن الغضائري المتوفى 411 وابن أبي الحديد المتوفى 656. (1)
وذكره الشيخ الحر العاملي والسيد هاشم البحراني والعلامة المجلسي والمحدث النوري والمحدث القمي والعلامة الطهراني والسيد الأمين العاملي والعلامة الأميني والعلامة المرعشي في عداد الكتب التي تواترت عن مؤلفيها وعلمت صحة نسبتها إليهم... كوجودها بخط أكابر العلماء وتكرر ذكرها في مصنفاتهم وأنه كتاب مشهور معتمد متداولة من العصور القديمة، نقل عنه المصنفون في كتبهم وللأصحاب إليه طرق كثيرة وأنه من الأصول الشهيرة عند الخاصة والعامة). (2)
وهناك شهادات من عدة من الأعاظم تدل على أن كل واحد منهم رآى عدة نسخ خطية من الكتاب، وهو يدل على تداول نسخ الكتاب عند المتقدمين والمتأخرين وأنهم كانوا بصدد مقابلتها والتحفظ بها. وأورد هنا أسمائهم، فهم الشيخ الحر والفاضل
(2). وسائل الشيعة: ج 20 ص 36. غاية المرام: ص 549، الباب 54. بحار الأنوار: ج 1 ص 32. بحار الأنوار (الطبعة القديمة): ج 8 ص 198. مستدرك الوسائل: ج 3 ص 73. نفس الرحمن: ص 56. الكنى والألقاب: ج 3 ص 243. الذريعة: ج 2 ص 153. أعيان الشيعة: ج 35 ص 293. الغدير: ج 1 ص 195، الهامش. إحقاق الحق: ج 2 ص 421، الهامش.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 87
--------------------------------------------------------------------------------
التفريشي والميرزا الأسترآبادي والعلامة المجلسي والشيخ أبو علي الحائري والعلامة الطهراني والشيخ شير محمد الهمداني. (1)
أسماء الذين تداولوا نسخ الكتاب في القرون
نذكر هنا أسماء الذين نصوا على وجود نسخة الكتاب عندهم أو شهدوا برؤيتهم لها عينا، والذين يلوح ذلك من كلماتهم ومن كيفية نقلهم لأحاديث سليم. وهي تدل على أن الكتاب كان في جميع العصور محل اهتمام العلماء، وأنهم كانوا يرجعون إليه كمصدر في الفقه والأصول والرجال والحديث والتاريخ والتفسير وغيرها.
ونورد أسمائهم على ترتيب القرون وبملاحظة تاريخ وفياتهم (2):
القرن الأول: انتقلت النسخة من يد سليم إلى أبان بن أبي عياش.
القرن الثاني: تداولتها أيدي ثلاثة أشخاص من أعاظم رواة هذا القرن وهم عمر بن أذينة ومعمر بن راشد البصري وإبراهيم بن عمر اليماني.
القرن الثالث: تكثرت نسخه بحضور أئمتنا عليهم السلام على أيدي هؤلاء: حماد بن عيسى، أخوه عثمان بن عيسى، عبد الرزاق بن همام، ابن أبي عمير، يعقوب بن يزيد، أحمد بن محمد بن عيسى، إبراهيم بن هاشم، محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عبد الله بن جعفر الحميري، سعد بن عبد الله الأشعري.
القرن الرابع: قام العلماء بنشره أحسن قيام فكان منهم: علي بن إبراهيم، الكليني، والد الصدوق، محمد بن همام بن سهيل، ابن عقدة، ماجيلويه، أحمد بن محمد بن الوليد، محمد بن يحيى العطار، المسعودي، الصدوق، هارون التعلكبري، ابن النديم، أبو عمرو عصمة بن أبي عصمة البخاري، أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء المصفى الدمشقي الثقفي، وهذا الأخير هو الذي استنسخ على نسخته نسخا
____________
(1). وسائل الشيعة: ج 20 ص 210. نقد الرجال: ج 2 ص 355 رقم 2387. منهج المقال: ص 171. منتهى المقال: ص 153. الذريعة: ج 2 ص 156. كتاب سليم المطبوع في النجف، المقدمة ص 19.
(2). مر الإشارة إلى تاريخ وفاتهم في الفصل الثاني.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 88
--------------------------------------------------------------------------------
كثيرة وتداولت إلى اليوم.
القرن الخامس: صار الكتاب مشهورا غاية الاشتهار، رواها مثل النعماني وابن الغضائري وابن أبي جيد والنجاشي والشيخ الطوسي، وقد صرح باشتهارها الشيخ المفيد.
القرن السادس: استمر العلماء في التحفظ على نسخه، فمنهم أبو علي ابن الشيخ الطوسي، ابن شهريار الخازن، شهرآشوب جد صاحب المناقب، أبو الحسن العريضي، محمد بن هارون بن الكال، أبو عبد الله المقدادي، الحسن بن هبة الله السوراوي، هبة الله بن نما، محمد بن علي بن شهرآشوب. ثم إنه استنسخ على نسخهم نسخا كثيرة وتداولت إلى اليوم، وقد شهد باشتهارها في ذلك القرن ابن أبي الحديد.
القرن السابع: كانت نسخ الكتاب منتشرة محفوظا بها، فممن أشار إليها من رجال هذا القرن: أبو منصور الطبرسي صاحب الإحتجاج، السيد أحمد بن طاووس، شاذان بن جبرئيل صاحب الفضائل، محمد بن الحسين الرازي صاحب نزهة الكرام. وكان قد بقيت من المائة السابعة نسخة قيمة وصلت إلى يد العلامة المجلسي وكان تاريخها 609، وتكثرت النسخ المنتسخة عليها بعد ذلك.
القرن الثامن: كانت نسخ من الكتاب عند العلامة الحلي والديلمي صاحب إرشاد القلوب، والحافظ رجب البرسي.
القرن التاسع: كانت نسخ من الكتاب عند العلامة البياضي صاحب الصراط المستقيم والحسن بن سليمان الحلي صاحب مختصر البصائر.
القرن العاشر: كانت نسخ من الكتاب عند الشهيد الثاني والعلامة القطيفي صاحب (الفرقة الناجية)، والحموئي الخراساني صاحب (منهاج الفاضلين).
القرن الحادي عشر: كانت نسخ من الكتاب عند العلامة المجلسي الأول والفاضل التفريشي والميرزا الأسترآبادي.
القرن الثاني عشر: كانت نسخ منه عند الشيخ الحر والسيد البحراني والعلامة المجلسي الثاني والمير محمد أشرف والوحيد البهبهاني والفاضل الهندي.
القرن الثالث عشر: كانت نسخ منه عند الشيخ أبي علي الحائري والشيخ عبد الله البحراني والسيد مهدي القزويني صاحب (الصوارم الماضية).
القرن الرابع عشر: كانت نسخ منه عند المير حامد حسين والسيد الخوانساري والمحدث النوري والمحدث القمي والعلامة المامقاني والعلامة الطهراني والعلامة الأميني والشيخ شير محمد الهمداني والسيد صادق بحر العلوم. وقد طبع الكتاب في أوائل النصف الثاني من هذا القرن وانتشر نسخه في البلاد، كما نقل إلى الأردية ونشرت الترجمة مطبوعا.
القرن الخامس عشر: توجد عد ة نسخ مخطوطة منه في المكتبات العامة والخاصة على ما سأورد تفاصيلها. وقد طبع الكتاب في هذا القرن مرارا وفي نماذج مختلفة وانتشر في الأقطار، كما نقل إلى الفارسية والأردية ونشرت الترجمتان مطبوعا.
الأسانيد الموجودة في أول النسخ
مما يعجب كل محقق وجود الأسانيد المتسلسلة إلى المؤلف سليم في مفتتح نسخ الكتاب وأن المذكور في أول النسخ ليس سندا واحدا بل أسانيد متعددة تبلغ 18 طريقا (1)، وأكثر رجالها من المشايخ العظام (2) وهي هكذا:
أسانيد شيخ الطائفة إلى كتاب سليم، وهي مذكورة في مفتتح عدد من النسخ كنسخة الشيخ الحر والعلامة المجلسي وغيرهم وهي هكذا (3):
____________
(1). قد مر بيانها عند ذكر أسانيد الكتاب.
(2). يراجع عن تراجمهم المفصلة: كتاب سليم (المطبوع في ثلاث مجلدات): ج 1 ص 209 - 253.
(3). يراجع كتاب سليم (المطبوع في ثلاث مجلدات): ج 1 ص 316.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 90
--------------------------------------------------------------------------------
أربعة أسانيد إلى الشيخ الطوسي
أخبرني الرئيس العفيف أبو البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون رضي الله عنه، قراءة عليه بداره بحلة الجامعيين في جمادى الأولى سنة خمس وستين وخمسمائة، قال: حدثني الشيخ الأمين العالم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال المقدادي المجاور، قراءة عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنة عشرين وخمسمائة، قال: حدثنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه، في رجب سنة تسعين وأربعمائة.
وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسن بن هبة الله بن رطبة، عن الشيخ المفيد أبي علي عن والده، فيما سمعته يقرأ عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليه، في المحرم من سنة ستين وخمسمائة.
وأخبرني الشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن الكال، عن الشريف الجليل نظام الشرف أبي الحسن العريضي، عن ابن شهريار الخازن، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.
وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب، قراءة عليه بحلة الجامعيين في شهور سنة سبع وستين وخمسمائة، عن جده شهرآشوب، عن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه.
أربعة أسانيد من الشيخ الطوسي إلى سليم
قال: حدثنا ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمد بن أبي القاسم الملقب بماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.
قال: قال الشيخ أبو جعفر: وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، قال: أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رحمه الله، قال: أخبرنا أبو علي ابن همام بن سهيل، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.
الأسانيد إلى عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني، وهي مذكورة في مفتتح عدد من النسخ كنسخة صاحب الروضات وصاحب العبقات والمحدث النوري والشيخ كاشف الغطاء هكذا (1):
حدثني أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة 334، قال: أخبرني أبو عمرو عصمة بن أبي عصمة البخاري، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر بن أحمد الصنعاني بصنعاء - شيخ صالح مأمون، جار إسحاق بن إبراهيم الدبري - قال:
حدثنا أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني الحميري، قال: حدثنا أبو عروة معمر بن راشد البصري، قال: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته بشهر فقال: (إني رأيت الليلة...) وساق القول بعين قول ابن أذينة في السند السابق، ثم قال في آخره:
(قال عمر بن أذينة: ثم دفع إلي أبان كتاب سليم بن قيس).
الأسانيد إلى إبراهيم بن عمر اليماني، وهي مذكورة في مفتتح عدد من النسخ كنسخة الحموئي الخراساني وأبي عبد الله المجتهد الموسوي هكذا (2):
الحسن بن أبي يعقوب الدينوري عن إبراهيم بن عمر اليماني عن عمه عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه هلال بن نافع عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي.
____________
(1). يراجع كتاب سليم (المطبوع في ثلاث مجلدات): ج 1 ص 318.
(2). يراجع كتاب سليم (المطبوع في ثلاث مجلدات): ج 1 ص 324.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 92
--------------------------------------------------------------------------------
مخطوطات الكتاب
نقصد بالنسخ المخطوطة ما ورد النص عليها في كتب المؤلفين، أو هي موجودة في المكتبات العامة أو الخاصة، أو ورد ذكرها في مخطوطات الكتاب.
وقد بلغت 68 نسخة، وهي موجودة في مختلف البلدان: في مكة والمدينة و صنعاء والنجف الأشرف وكربلاء والحلة وبغداد والبصرة والكوفة ودمشق من البلاد العربية. وفي إصفهان وطهران ومشهد وقم وشيراز ويزد وزنجان من البلاد الإيرانية.
وفي لكنهو وفيض آباد وبمبئي من البلاد الهندية.
وفيما يلي نورد فهرسا بنسخه، ونضع الموجودة منها بحرف مميز، وهي 25 نسخة (1):
1. نسخة الشيخ الحر العاملي الأولى، تاريخها 1087 ق، في مكتبة السيد الحكيم بالنجف في مجموعة رقمها 316.
2. نسخة عتيقة انتسخ عليها نسخة الشيخ الحر، كتبت بأمر السيد حيدرا، مذكورة في النسخة 1.
3. نسخة سقيمة قوبل عليها نسخة الشيخ الحر، وهي مذكورة أيضا في آخر النسخة 1.
4. نسخة العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي، ذكرها في روضة المتقين: ج 12 ص 201، ج 14 ص 371.
5. نسخة العلامة المجلسي الأولى، ذكرها في أول بحار الأنوار: ج 1 ص 15، 76.
6. نسخة الشيخ شير محمد الهمداني الأولى، تاريخها 1353 ق، في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف رقمها 3230.
____________
(1). على الطالب أن يراجع تفاصيل كل نسخة في طبعة الكتاب في ثلاث مجلدات.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 93
--------------------------------------------------------------------------------
7. نسخة الشيخ أبي علي الحائري، ذكرها في منتهى المقال: ص 153، والذريعة: ج 2 ص 157.
8. نسخة المير حامد حسين صاحب العبقات في لكنهو، رقمها في فهرست المكتبة: 7728، وذكرها في استقصاء الإفحام: ج 1 ص 860، ج 2 ص 332، 361، وفي الذريعة: ج 2 ص 157.
9. نسخة الخواجة الكابلي، ذكرها في استقصاء الإفحام: ج 1 ص 363.
10. نسخة حيدر علي الفيض آبادي، ذكرها في منتهى الكلام: ج 3 ص 12.
11. نسخة صاحب الروضات، ذكرها في روضات الجنات: ج 4 ص 67، والظاهر أنها انتقلت إلى النجف.
12. نسخة مكتبة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء بالنجف، ذكرها في الذريعة: ج 2 ص 156.
13. نسخة المحدث النوري، تاريخها 1270 ق، ذكرها في نفس الرحمن: ص 65، والذريعة: ج 2 ص 157 وجاء ذكرها في فهرست مكتبته: ج 1 ص 147.
14. نسخة الشيخ عبد الحميد الكرهرودي، التي انتخب عنها عدة أحاديث وطبعها قبل طبع أصل كتاب سليم.
15. نسخة مكتبة السيد الروضاتي الخاصة بإصفهان، تاريخها 1288.
16. نسخة مكتبة الشيخ علي حيدر الخاصة بقم، في مجموعة رقمها 296، تاريخها 1059.
17. نسخة مكتبة كلية الإلهيات بمشهد، في مجموعة رقمها 456، تاريخها 1082، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 1 ص 362.
18. نسخة مكتبة آستان قدس بمشهد، رقمها 2035، ذكرها في فهرست المكتبة القديم: ج 5 ص 150.
19. نسخة مكتبة آستان قدس بمشهد، في مجموعة رقمها 8130، تاريخها 1346 ق، ذكرها في الفهرست الألفبائي للمكتبة: ص 312.
20. نسخة قديمة انتسخ عليها نسخة آستان قدس رقم 8130، مذكورة في النسخة 19.
21. نسخة المشكاة في مكتبة جامعة طهران، في مجموعة رقمها 575، تاريخها 1160، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 5 ص 1485.
22. نسخة أخرى للمشكاة في مكتبة جامعة طهران، رقمها 669، ذكر في فهرست المكتبة: ج 5 ص 1486.
23. نسخة انتسخ عليها نسخة المشكاة رقم 669، ذكر فيها.
24. نسخة كلية الحقوق في مكتبة جامعة طهران، رقمها 178 ج، ذكرها في فهرست مكتبة الحقوق:
ص 420.
25. نسخة مكتبة جامعة طهران، رقمها 2200، تاريخها 1252 ق، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 9 ص 883.
26. نسخة مكتبة جامعة طهران، رقمها 6808، تاريخها 1282 ق، ذكرها في فهرست المكتبة:
ج 16 ص 365.
27. نسخة الشيخ شير محمد الهمداني الثانية، تاريخها 1346 ق، في مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالنجف رقمها 3219.
28. نسخة مكتبة مدرسة إمام العصر عليه السلام بشيراز، في مجموعة رقمها 256، تاريخها 1112 ق، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 1 ص 109.
29. نسخة مكتبة مجلس الشورى الجديد بطهران في مجموعة رقمها 652، تاريخها 1306، ذكرها في فهرست المكتبة: ج 2 ص 5. وهي نسخة مكتبة السيد محمد مهدي راجه بفيض آباد الهند انتقلت إلى طهران، وقد ذكرها في الذريعة: ج 2 ص 159.
30. نسخة مكتبة مدرسة السيد الخوئي بمشهد، في مجموعة رقمها 87، تاريخها 1337 ق، ذكرها في فهرست المكتبة: ص 56.
31. نسخة الشيخ الرازي صاحب كتاب (نزهة الكرام) من علماء القرن السابع، ذكرها في كتابه: ص 557، 558.
32. نسخة الشيخ ابن حاتم الدمشقي المتوفى 676 ق، ذكرها في كتابه (الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم) (مخطوط) وروى فيه من أحاديثها.
طبع الكتاب لأول مرة قبل أكثر من ستين عاما، كما طبع منتخبه قبل إخراج أصله، وطبعت ترجمته بالأردية لأول مرة قبل ثلاثين عاما، وطبعت ترجمته بالفارسية لأول مرة قبل عشرين عاما، وطبعت ترجمته بالانكليزية قبل سنة.
وهذا مجمل طبعاته:
1. طبعة النجف، المكتبة الحيدرية، على نسخة الشيخ الحر والمقابلة على نسخة أخرى وبمقدمة موجزة للسيد محمد صادق آل بحر العلوم في سنة 1361 ق، في القطع الرقعي في 192 صفحة، ومرة أخرى بمقدمة مفصلة للسيد بحر العلوم بالإضافة إلى ما حققها الشيخ شير محمد الهمداني في سنة 1366 ق في 212 صفحة، ومرة أخرى في 236 صفحة، ومرة أخرى في 270 صفحة في القطعين الرقعي والوزيري. وجدد هذه الطبعة في النجف عدة مرات. كما وجدد هذه الطبعة بقم عدة مرات وقام بها دار الكتب الإسلامية حدود سنة 1395 ق. وجدد هذه الطبعة في بيروت عدة مرات وقام بها دار الفنون ومكتبة الإيمان في سنة 1400 ق، ومؤسسة الأعلمي في سنة 1412 ق.
2. طبعة بيروت، مؤسسة البعثة، بمقدمة السيد علاء الدين الموسوي، وإبقاء المتن كما كان في الطبعة النجفية، في سنة 1407 ق، في القطع الوزيري، في 215 صفحة.
وجددت المؤسسة طبعه بطهران في سنة 1408 ق، في 328 صفحة بإضافة الفهارس.
3. طبعة قم، مؤسسة نشر الهادي، بتحقيق محمد باقر الأنصاري، سنة 1415 ق، ثلاث مجلدات في القطع الوزيري: المجلد الأول إلى ص 552 وهو المقدمة، والمجلد الثاني إلى ص 957 وهو متن الكتاب، والمجلد الثالث إلى ص 1472 وهو التخريجات والفهارس. وجددت المؤسسة طبعه في سنة 1416 ق مع إضافة ملحق يحوي بعض المعلومات الجديدة.
4. هذه الطبعة، وهي طبعة قم، مؤسسة نشر الهادي، في 640 صفحة، سنة 1420 ق، مجلد واحد في القطع الوزيري. وهو تلخيص لمقدمة الطبعة السابقة، وإبقاء المتن كما كان مع حذف كثير من الهوامش، وتلخيص في التخريجات السابقة وإضافة التخريج الموضوعي وحذف كثير من الفهارس.
يراجع للمعلومات عن طبعات الكتاب المصادر التالية:
1. إحقاق الحق: ج 2 ص 421.
2. إمامية مصنفين كي مطبوعة تصانيف أور تراجم، للسيد النقوي: ج 1 ص 80.
3. تذكره علماى امامية پاكستان: ص 314.
4. دائرة المعارف الشيعية: ج 5 ص 42.
5. دراسة حول الأصول الأربعمائة، للسيد الجلالي: ص 39.
6. الذريعة: ج 2 ص 159، ج 12 ص 227.
7. شيعة كتب حديث كي تاريخ تدوين: ص 201.
8. كتابنامه (وزارة الإرشاد): العدد 51 ص 164 رقم 72.
9. فهرس تراث أهل البيت عليهم السلام، للسيد الجلالي: ص 136.
عثرنا على كتاب (منتخب كتاب سليم بن قيس) في موردين:
1. للشيخ عبد الحميد بن عبد الله الكرهرودي.
2. للسيد محمد علي الشاه عبد العظيمي.
وقد نص علي ذلك في الذريعة: ج 2 ص 158، ج 22 ص 411، وفي فهرست كتب چاپي عربي: ص 730، وفي مؤلفين كتب چاپي: ج 3 ص 360. وفهرست مكتبة آستان قدس القديم: ص 335 رقم 944.
أما المنتخب الأول (للشيخ عبد الحميد) فقد توجد نسخ من مطبوعه في مكتبة آستان قدس بمشهد ومكتبة آية الله المرعشي بقم، ولا شك أنه طبع قبل سنة 1360 ق، حيث جاء ذكرها في الذريعة المطبوع قبل كتاب سليم. وأما المنتخب الثاني فلم يطبع ولم نعثر عليه.
ترجمة كتاب سليم إلى الفارسية
قام بترجمة الكتاب إلى اللغة الفارسية سيدي الوالد المعظم المحدث الخبير الحاج إسماعيل الأنصاري أدام الله عزه وسماه (أسرار آل محمد عليهم السلام).
وقد نشرت الترجمة لأول مرة سنة 1400 ق. ثم جدد طبعها مرات عديدة في طهران وقم ومشهد وغيرها، في القطعين الوزيري والجيبي.
وهي منطبقة على النسخة المطبوعة في النجف في 270 صفحة.
وقد لخص فيه مقدمة الطبعة النجفية، وألحق به المستدركات التي جاءت فيها.
ثم أعاد طبعته بحلة جديدة، وقد نشرتها مؤسسة العلامة ومؤسسة المعارف الإسلامي بقم في سنة 1413 ق، في القطع الوزيري في 621 صفحة. ثم أعادوا طبعها في سنة 1414 و 1415.
وفي سنة 1416، قام الوالد المعظم بترجمة جديدة للكتاب طبقا للطبعة الجديدة
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 101
--------------------------------------------------------------------------------
في ثلاث مجلدات. ونشرت الترجمة مؤسسة الهادي بقم في سنة 1416 ق، بالقطع الوزيري في 776 صفحة، وأعيد طبعها في سنة 1417 و 1418 و 1419 و 1420.
وسوف ينشر الترجمة الفارسية في القطع الجيبي طبقا لهذه الطبعة التي بين يديك.
قام بترجمة كتاب سليم بالفارسية ملفقا بمتنه العربي، المرحوم العلامة الشيخ محمد باقر الكمره اي المتوفى 1414 ق. ونشرتها مؤسسة أهل البيت عليهم السلام في سنة 1412 ق، في 556 صفحة في القطع الرقعي.
قام بالاقتباس عن كتاب سليم وترجمته بالفارسية وتدوينه تحت عنوان (تاريخ سياسي صدر إسلام) الدكتور محمود رضا إفتخار زاده. فاختار 66 حديثا من أحاديث الكتاب مما يتصل بموضوعه وقسم الكتاب موضوعيا على سبعة فصول وقدم له مقدمة في 72 صفحة. وقام بنشرها منشورات رسالت قلم بطهران في سنة 1419 ق في القطع الوزيري في 480 صفحة.
ترجمة كتاب سليم بالأردية
قام بترجمة الكتاب إلى اللغة الأردية المرحوم الشيخ ملك محمد شريف بن شير محمد الشاه رسولوي الملتاني في سنة 1375 ق، وقد توفي رحمه الله في سنة 1407 ق. (1)
وقام بطبعه في 237 ص مكتبة الساجد في الملتان في باكستان، وذلك في سنة 1391 ق. وجدد طبعه في 288 ص في سنة 1400 ق، كما وأعيد طبعها في القطع
____________
(1). تذكره علماي إمامية پاكستان باللغة الأردية: ص 343، وباللغة الفارسية: ص 314. امامية مصنفين كي مطبوعة تصانيف أور تراجم: ج 1 ص 80.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 102
--------------------------------------------------------------------------------
الرقعي وبصورة جديدة في سنة 1415 ق، وقام بطبعها مكتبة إبلاغ العمران في لاهور في باكستان.
جاء في أولها تلخيص مقدمة الطبعة النجفية، ثم ترجمة المتن طبقا للطبعة النجفية ولم يورد مستدركات أحاديث سليم.
ترجمة كتاب سليم بالإنكليزية
قام السيد علي يوسف بترجمة كتاب سليم مع مقدمة مختصرة إلى الإنكليزية تحت عنوان:
hilali - The Book of Sulaim bin Qays Al
وقام بطبعها مؤسسة (أپن اسكول) بشيكاغو في أمريكا في سنة 1419 في 160 صفحة في القطع الرحلي.
هذا وقد أكملنا المقابلة على سائر المخطوطات الموجودة أيضا بمرور عاجل.
تخريج الأحاديث
بما أن كتاب سليم أول المصادر الحديثية والتاريخية، فمعنى تخريج أحاديثه استخراجها عن المصادر المتأخرة الناقلة عنه، وأوردت هذه التخريجات آخر الكتاب في أربعة أقسام:
1. تخريج ما نقل عن كتاب سليم بالأسناد إلى الكتاب.
2. تخريج أحاديث سليم بأسانيد متصلة إلى سليم.
3. تخريج أحاديث الكتاب بالأسناد إلى غير سليم من معاصريه.
4. التخريج الموضوعي لأحاديث الكتاب بذكر المؤيدات لمضامينها وفقراتها.
عنوان الأحاديث
وضعت العناوين لكل شطر من رواية واحدة. واعتبرت في ترقيم الأحاديث الترتيب الذي في نسخة الشيخ الحر، وكان كذلك في الطبعة النجفية من 1 إلى 48، فواصلت الترقيم في (تتمة المتن) من 49 إلى 70، وفي (المستدركات) إلى رقم 98.
في الختام أتوجه بخالص شكري وتقديري إلى كل الأساتذة والأخوة الأعزاء الذين ساعدوني في هذا العمل الجليل، راجيا أن يكتب الله تعالى عملهم وعملي في الخدمات المبرورة في إحياء ذخائر تراث أهل البيت عليهم السلام، ونشر تراثنا الحديثي والتاريخي، وتخليد ذكرى مؤلفه العظيم.
كما أرجو أن أكون قدمت للأمة الإسلامية أثرا نفيسا يرجع إليه الباحثون في الحديث والمهتمون في التاريخ.
وأغلى الأماني عندي أن يكون عملي القاصر هذا مقبولا لدى موالي المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
محمد باقر الأنصاري الزنجاني الخوئيني
قم المشرفة، عيد الغدير المبارك 1420 ق
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطيبين المنتخبين
(1)
أسانيد الكتاب (1)
أربعة أسانيد إلى الشيخ الطوسي
أخبرني الرئيس العفيف أبو البقاء هبة الله بن نما بن علي بن حمدون رضي الله عنه، قراءة عليه بداره بحلة الجامعيين في جمادى الأولى سنة خمس وستين وخمسمائة، قال: حدثني الشيخ الأمين العالم أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طحال المقدادي المجاور، قراءة عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه سنة عشرين وخمسمائة، قال: حدثنا الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه، في رجب سنة تسعين وأربعمائة.
____________
(1). سبق الكلام عن أسانيد الكتاب ومفردات رجالها في المقدمة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 123
--------------------------------------------------------------------------------
وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله الحسن بن هبة الله بن رطبة، عن الشيخ المفيد أبي علي عن والده، فيما سمعته يقرأ عليه بمشهد مولانا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله عليه، في المحرم من سنة ستين وخمسمائة.
وأخبرني الشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن الكال، عن الشريف الجليل نظام الشرف أبي الحسن العريضي، عن ابن شهريار الخازن، عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.
وأخبرني الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب، قراءة عليه بحلة الجامعيين في شهور سنة سبع وستين وخمسمائة، عن جده شهرآشوب، عن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه.
أربعة أسانيد من الشيخ الطوسي إلى سليم
قال: حدثنا ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ومحمد بن أبي القاسم الملقب بماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي. (1)
قال: قال الشيخ أبو جعفر: وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري، قال: أخبرنا أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري رحمه الله، قال: أخبرنا أبو علي ابن همام بن سهيل، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن يعقوب بن يزيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي. (2)
____________
(1). في فهرست الشيخ الطوسي هكذا: ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن القاسم الملقب ماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى وعثمان بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عنه، ورواه حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عنه.
أقول: الظاهر توسط عمر بن أذينة بين أبان وحماد كما مر في المقدمة.
(2). الأسانيد المذكورة إلى هنا هي التي توجد في مفتتح نسخة (ألف)، وهناك سند آخر في مفتتح نسخة (ب) هكذا: (قال: حدثني أبو طالب محمد بن صبيح بن رجاء بدمشق سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، قال:
أخبرني أبو عمرو عصمة بن أبي عصمة البخاري، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني بصنعاء - شيخ صالح مأمون، جار إسحاق بن إبراهيم الدبري - قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن المنذر الصنعاني الحميري، قال: حدثنا أبو عروة معمر بن راشد البصري، قال: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته...).
والظاهر توسط ابن أذينة بين معمر وأبان.
وهناك أيضا سند آخر في مفتتح نسخة (د) هكذا: حدثنا الحسن بن أبي يعقوب الدينوري قال: حدثنا إبراهيم بن عمر اليماني، قال: حدثني عمي عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن أبيه عن أبان بن أبي عياش. ومر الكلام حول الأسناد في المقدمة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 124
--------------------------------------------------------------------------------
(2)
مسيرة الكتاب التاريخية
كيف تعرف ابن أذينة على أبان؟
قال عمر بن أذينة: دعاني أبان بن أبي عياش قبل موته بنحو شهر فقال لي: رأيت البارحة رؤيا، أني خليق أن أموت سريعا. إني رأيتك الغداة ففرحت بك.
إني رأيت الليلة سليم بن قيس الهلالي فقال لي: (يا أبان، إنك ميت في أيامك هذه. فاتق الله في وديعتي ولا تضيعها، وف لي بما ضمنت من كتمانها. ولا تضعها إلا عند رجل من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه له دين وحسب).
فلما بصرت بك الغداة فرحت برؤيتك وذكرت رؤياي سليم بن قيس.
لما قدم الحجاج العراق (1) سأل عن سليم بن قيس، فهرب منه فوقع إلينا بالنوبندجان (2) متواريا، فنزل معنا في الدار. فلم أر رجلا كان أشد إجلالا لنفسه ولا أشد اجتهادا ولا أطول حزنا منه، ولا أشد خمولا لنفسه ولا أشد بغضا لشهرة نفسه منه. وأنا يومئذ ابن أربع عشرة سنة، وقد قرأت القرآن، وكنت أسأله فيحدثني عن أهل بدر.
فسمعت منه أحاديث كثيرة عن عمر بن أبي سلمة (3) ابن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله، وعن معاذ بن جبل وعن سلمان الفارسي وعن علي بن أبي طالب عليه السلام وأبي ذر والمقداد وعمار والبراء بن عازب. ثم استكتمنيها ولم يأخذ علي فيها يمينا.
قراءة سليم كتابه على أبان وتسليمه إياه
فلم ألبث أن حضرته الوفاة، فدعاني وخلا بي وقال: يا أبان، إني قد جاورتك فلم أر منك إلا ما أحب. وإن عندي كتبا سمعتها عن الثقات وكتبتها بيدي، فيها أحاديث لا أحب أن تظهر للناس، لأن الناس ينكرونها ويعظمونها. وهي حق أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبر، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد بن الأسود رضي الله عنهم.
وليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلا سألت عنه الآخر حتى اجتمعوا عليه جميعا، فتبعتهم عليه، وأشياء بعد سمعتها من غيرهم من أهل الحق. وإني هممت
____________
(1). قدم الحجاج العراق حاكما عليها من قبل عبد الملك بن مروان في سنة 75 الهجرية.
(2). كانت مدينة كبيرة من أرض فارس من كورة سابور، قريبة من شعب بوان الموصوف بالحسن والنزاهة، وقد تدعى نوبنجان. ذكرها في معجم البلدان: ج 5 ص 302، ونزهة القلوب: المقالة الثالثة، ص 128 وآثار العجم: ص 90 و 304.
وقد بقيت اليوم منها قرية صغيرة في جنوبي إيران بين مدينتي شيراز وفسا تدعى (نوبندكان).
(3). عمر بن أبي سلمة هذا هو الذي قرء كتاب سليم على الإمام السجاد عليه السلام كما سيجيئ.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 126
--------------------------------------------------------------------------------
حين مرضت أن أحرقها، فتأثمت من ذلك وقطعت به. (1) فإن جعلت لي عهد الله عز وجل وميثاقه أن لا تخبر بها أحدا ما دمت حيا، ولا تحدث بشئ منها بعد موتي إلا من تثق به كثقتك بنفسك، وإن حدث بك حدث أن تدفعها إلى من تثق به من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ممن له دين وحسب.
فضمنت ذلك له، فدفعها إلي وقرأها كلها علي. فلم يلبث سليم أن هلك، رحمه الله.
إقرار الحسن البصري بمحتوى كتاب سليم
فنظرت فيها بعده فقطعت بها (2) وأعظمتها واستصعبتها (3)، لأن فيها هلاك جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار والتابعين، غير علي بن أبي طالب وأهل بيته صلوات الله عليهم وشيعته.
فكان أول من لقيت بعد قدومي البصرة الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو يومئذ متوار من الحجاج. والحسن يومئذ من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ومن مفرطيهم (4)، نادم متلهف على ما فاته من نصرة علي عليه السلام والقتال معه يوم الجمل.
فخلوت به في شرقي دار أبي خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي (5)، فعرضتها عليه، فبكى ثم قال: (ما في أحاديثه شئ إلا حق، قد سمعته من الثقات من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وغيرهم ".
____________
(1). تأثم أي امتنع من الإثم، وقطع به أي امتنع منه ولم يره صوابا.
(2). أي جزمت بما فيها. في (د): ففظعت بها.
(3). أي وجدتها صعبا.
(4). إن الحسن البصري من المذبذبين المنافقين، وإن أبان يشير إلى نفاقه بقوله: (يومئذ)، أي كان في تلك الأيام يظهر الإفراط في التشيع. راجع عن أحوال الحسن البصري: بحار الأنوار: ج 2 ص 64، و ج 42 ص 141.
(5). هو الذي توارى عنده الحسن البصري كما يصرح بذلك أبان في الحديث 58. وقد يذكر بعنوان (الحجاج بن عتاب العبدي البصري). وفي (د): (الدئلي) مكان (الديلمي).
قال أبان: فحججت من عامي ذلك فدخلت على علي بن الحسين عليه السلام، وعنده أبو الطفيل عامر بن واثلة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله - وكان من خيار أصحاب علي عليه السلام - ولقيت عنده عمر بن أبي سلمة ابن أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله. (1)
فعرضته عليه وعلى أبي الطفيل وعلى علي بن الحسين عليه السلام ذلك أجمع ثلاثة أيام - كل يوم إلى الليل - ويغدو عليه عمر وعامر. فقرآه عليه ثلاثة أيام، فقال عليه السلام لي (2):
(صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله (3) نعرفه). وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: (ما فيه حديث إلا وقد سمعناه من علي صلوات الله عليه، ومن سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد).
فقلت لأبي الحسن علي بن الحسين عليه السلام: جعلت فداك، إنه ليضيق صدري ببعض ما فيه، لأن فيه هلاك أمة محمد صلى الله عليه وآله رأسا من المهاجرين والأنصار والتابعين، غيركم أهل البيت وشيعتكم.
فقال عليه السلام: يا أخا عبد القيس، أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (إن مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. وكمثل باب حطة في بني إسرائيل)؟ (4) فقلت: نعم. قال: من حدثك؟ فقلت: قد سمعته من أكثر من
____________
(1). أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني الأسقع ولد عام أحد وأدرك النبي صلى الله عليه وآله ثماني سنين من حياة النبي. كان له منزلة عند أمير المؤمنين عليه السلام وشهد صفين وكان يسكن الكوفة ثم انتقل إلى مكة. وهو من جملة من أراد الحجاج قتلهم لكنه نجا لأنه كانت له يد عند عبد الملك. مات سنة 100 وهو آخر من بقي من الصحابة.
وأبو حفص عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من أصحابه. كان واليا على البحرين من قبل علي عليه السلام وشهد معه صفين. توفي بالمدينة في سنة 83.
(2). (ب): فقرأته عليهم، فقالوا لي.
(3). (ب): كل. (ب) خ ل: كلنا. وفي (د): كله أعرفه.
(4) " باب حطة " في بني إسرائيل كان علامة الخضوع أمام الأوامر الإلهية ولذلك كان الوجب عليهم أن يدخلوا منها في حالة السجود ليعرف خضوعهم. فتشبيه أهل البيت عليهم السلام بباب حطة لأن الخلق بالتواضع والخضوع أمامهم يخضعون تجاه الأوامر الإلهية، فقد ورد في إثبات الهداة: ج 1 ص 618 ح 657 أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل الذي من دخله غفرت ذنوبه واستحق الزيادة من خالقه كما قال الله عز وجل: أدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين. راجع عن باب حطة: البحار: ج 13 ص 185 - 180.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 128
--------------------------------------------------------------------------------
مائة من الفقهاء. فقال: ممن؟ فقلت: سمعته من حنش بن المعتمر، وذكر أنه سمعه من أبي ذر وهو آخذ بحلقة باب الكعبة ينادي به نداء ويرويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله.(1) فقال:
وممن؟ فقلت: ومن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه سمعه من أبي ذر ومن المقداد بن الأسود الكندي ومن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. فقال: وممن؟ (2) فقلت:
ومن سعيد بن المسيب وعلقمة بن قيس، ومن أبي ظبيان الجنبي، ومن عبد الرحمن بن أبي ليلى (3) - كل هؤلاء حاجين - أخبروا أنهم سمعوا من أبي ذر.
____________
(1). أوردنا هذا الحديث عن سليم في المستدركات: الحديث 75.
(2). من هنا إلى آخر العبارة في (د) هكذا: قال: وممن نقلت؟ قلت: من سعيد بن المسيب وعلقمة بن قيس وأبي ظبيان الجنبي وأبي وائل أنهم سمعوه من أبي ذر، ومن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعاصم بن ضمرة وهبيرة بن مريم عن علي عليه السلام.
ثم إن أبا وائل هو شقيق بن سلمة مات في إمارة عمر بن عبد العزيز. وعاصم بن ضمرة السلولي من أصحاب علي عليه السلام. وهبيرة بن مريم الحميري الكوفي من أصحاب علي عليه السلام.
(3). أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي المتوفى سنة 94، رباه أمير المؤمنين عليه السلام وقد عد في الخمس الذين كانوا حواري علي بن الحسين عليه السلام.
وعلقمة بن قيس كان فقيها في دينه قارئا لكتاب الله عالما بالفرائض وهو من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم، وكان من ثقات أمير المؤمنين عليه السلام. شهد صفين وأصيبت إحدى رجليه فعرج منها.
وأبو ظبيان حصين بن جندب بن الحارث الجنبي من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن، تابعي مشهور الحديث. مات سنة 90.
وعبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، عربي كوفي من خواص أمير المؤمنين عليه السلام ومن أصحابه من اليمن.
شهد مع علي عليه السلام مشاهده وهو الذي ضربه الحجاج حتى اسود كتفاه. قتل سنة 82.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 129
--------------------------------------------------------------------------------
وقال أبو الطفيل وعمر بن أبي سلمة: (ونحن والله سمعنا من أبي ذر، وسمعناه من علي بن أبي طالب عليه السلام والمقداد وسلمان). ثم أقبل عمر بن أبي سلمة فقال: والله، لقد سمعته ممن هو خير من هؤلاء كلهم، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله، سمعته أذناي ووعاه قلبي.
فأقبل علي علي بن الحسين عليه السلام فقال: أوليس هذا الحديث وحده ينتظم جميع ما أفظعك وعظم في صدرك من تلك الأحاديث؟ اتق الله يا أخا عبد القيس، فإن وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم ورد علمه إلى الله، فإنك في أوسع مما بين السماء والأرض.
قال أبان: فعند ذلك سألته عما يسعني جهله وعما لا يسعني جهله، فأجابني بما أجابني.
أبان وأبو الطفيل
قال أبان: ثم لقيت أبا الطفيل بعد ذلك في منزله، فحدثني في الرجعة عن أناس من أهل بدر وعن سلمان وأبي ذر والمقداد وأبي بن كعب. (1) وقال أبو الطفيل: فعرضت ذلك الذي سمعته منهم على علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة، فقال لي: (هذا علم خاص يسع الأمة جهله ورد علمه إلى الله تعالى). ثم صدقني بكل ما حدثوني فيها وقرأ علي بذلك قرآنا كثيرا وفسره تفسيرا شافيا، حتى صرت ما أنا بيوم القيامة بأشد يقينا مني بالرجعة. (2)
وكان مما قلت: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن حوض رسول الله صلى الله عليه وآله، أفي الدنيا هو أم في الآخرة؟ فقال: بل في الدنيا. (3) قلت: فمن الذائد عنه؟ قال: أنا بيدي هذه، فليردنه
____________
(1). أبو المنذر أبي بن كعب بن قيس بن عبيد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله. شهد العقبة مع السبعين وكان يكتب الوحي. شهد بدرا والعقبة وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر.
(2). راجع عن (الرجعة): البحار: ج 53 ص 39 ب 29.
(3). الظاهر - بقرينة كلمة (بل) - أنه عليه السلام يريد بذلك أن أصل الحوض في الدنيا وهو محبة محمد وآله عليهم السلام وولايتهم وبغض أعدائهم كما يستفاد ذلك من أحاديث كثيرة. يراجع البحار: ج 8 ص 16 الباب 20.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 130
--------------------------------------------------------------------------------
أوليائي وليصرفن عنه أعدائي.
قلت: يا أمير المؤمنين، قول الله تعالى: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم، أن الناس...) الآية (1)، ما الدابة؟ قال: يا أبا الطفيل، اله (2) عن هذا. فقلت:
يا أمير المؤمنين، أخبرني به جعلت فداك. قال: هي دابة تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتنكح النساء. فقلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: هو زر الأرض (3) الذي إليه تسكن الأرض. قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: صديق هذه الأمة وفاروقها ورئيسها وذو قرنها. قلت: يا أمير المؤمنين، من هو؟ قال: الذي قال الله عز وجل:
(ويتلوه شاهد منه) (4)، والذي (عنده علم الكتاب) (5)، (والذي جاء بالصدق) (6)، والذي (صدق به) أنا، والناس كلهم كافرون غيري وغيره. (7)
قلت: يا أمير المؤمنين، فسمه لي. قال: قد سميته لك.
____________
(1). سورة النمل: الآية 82. وبقية الآية هكذا: (أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون). روى في البحار: ج 39 ص 243 ح 31 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه. فحركه برجله ثم قال:
قم يا دابة الله فقال رجل من أصحابه:
يا رسول الله، أيسمى بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال صلى الله عليه وآله: لا والله، ما هو إلا له خاصة وهو دابة الأرض الذي ذكر الله في كتابه: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون).
ثم قال: يا علي، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك....
(2). (ب): إليك.
(3). زر الأرض كناية عما به قوامها.
(4). سورة هود: الآية 17، وما قبل الآية هكذا: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه).
(5). سورة الرعد: الآية 43، وما قبل الآية هكذا: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب).
(6). سورة الزمر: الآية 33. وتمام الآية هكذا: (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون).
(7). أي أنا الذي صدقت الصدق الذي جاء به، والناس كلهم كانوا كافرين به ومكذبين له غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وآله. وفي (د) هكذا: والذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وآله، والذي صدق به (أنا) أيام كان الناس كلهم كافرين مكذبين غيري وغيره.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 131
--------------------------------------------------------------------------------
يا أبا الطفيل، والله لو دخلت على عامة شيعتي الذين بهم أقاتل، الذين أقروا بطاعتي وسموني (أمير المؤمنين) واستحلوا جهاد من خالفني، فحدثتهم شهرا ببعض ما أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وببعض ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة حق قليلة، أنت وأشباهك من شيعتي.
ففزعت وقلت: يا أمير المؤمنين، أنا وأشباهي نتفرق عنك أو نثبت معك؟ قال: لا، بل تثبتون.
ثم أقبل علي فقال: إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقر به إلا ثلاثة: ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للإيمان. يا أبا الطفيل، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض فارتد الناس ضلالا وجهالا (1)، إلا من عصمه الله بنا أهل البيت.
قراءة أبان كتاب سليم على ابن أذينة وتسليمه إياه
قال عمر بن أذينة: ثم دفع إلي أبان (كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري)، ولم يلبث أبان بعد ذلك إلا شهرا (2) حتى مات. فهذه نسخة كتاب سليم بن قيس العامري الهلالي، دفعه إلي أبان بن أبي عياش وقرأه علي. وذكر أبان أنه قرأه على علي بن الحسين عليه السلام فقال: (صدق سليم، هذا حديثنا نعرفه). (3)
____________
(1). في (د): فارتد الناس بعده كفارا.
(2). (ب): شهرين.
(3). في مختصر البصائر: (هذه أحاديثنا صحيحة)، والظاهر أنه نقل بالمعنى.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 132
--------------------------------------------------------------------------------
1
كلام النبي صلى الله عليه وآله في اللحظة الأخيرة من عمره المبارك
قال سليم: سمعت سلمان الفارسي يقول: كنت جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي قبض فيه. فدخلت فاطمة عليها السلام، فلما رأت ما برسول الله صلى الله عليه وآله من الضعف خنقتها العبرة حتى جرت دموعها على خديها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بنية، ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله، أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك.
آل محمد عليهم السلام خيرة الله في أرضه
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله - واغرورقت عيناه بالدموع -: يا فاطمة، أوما علمت إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه حتم الفناء على جميع خلقه وإن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبيا. ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار بعلك وأمرني أن أزوجك إياه، وأن أتخذه أخا ووزيرا ووصيا وأن أجعله خليفتي في أمتي.
فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء والوزراء، وأنت أول من يلحقني من أهلي. ثم اطلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وأحد عشر رجلا من ولدك وولد أخي بعلك منك.
بشارة النبي بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام
فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأنا
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 133
--------------------------------------------------------------------------------
وأخي والأحد عشر إماما أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون.
أول الأوصياء بعد أخي، الحسن ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين في منزل واحد في الجنة. وليس منزل أقرب إلى الله من منزلي ثم منزل إبراهيم وآل إبراهيم.
إكرام الله لفاطمة عليها السلام
أما تعلمين - يا بنية - أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي وخير أهل بيتي، أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأكرمهم نفسا وأصدقهم لسانا وأشجعهم قلبا وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا. فاستبشرت فاطمة عليها السلام بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وفرحت.
ميزات أمير المؤمنين عليه السلام
ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لعلي بن أبي طالب ثمانية أضراس ثواقب نوافذ، ومناقب ليست لأحد من الناس:
إيمانه بالله وبرسوله قبل كل أحد ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير بعلك، لأن الله علمني علما لا يعلمه غيري وغيره، ولم يعلم ملائكته ورسله وإنما علمه إياي وأمرني الله أن أعلمه عليا ففعلت ذلك. فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وفقهي كله غيره.
وإنك - يا بنية - زوجته، وإن ابنيه سبطاي الحسن والحسين وهما سبطا أمتي. وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وإن الله جل ثناؤه علمه الحكمة وفصل الخطاب.
ميزات أهل البيت عليهم السلام الخاصة
يا بنية، إنا أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها أحدا من الأولين ولا أحدا من الآخرين غيرنا: أنا سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم، ووصيي خير الوصيين، ووزيري بعدي خير الوزراء، وشهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي.
قالت: يا رسول الله، سيد الشهداء الذين قتلوا معك؟ قال: لا، بل سيد الشهداء من الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء. (1)
وجعفر بن أبي طالب ذو الهجرتين وذو الجناحين المضرجين يطير بهما مع الملائكة في الجنة. (2) وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة. ومنا - والذي نفسي بيده - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
قالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أخي علي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا - وأشار رسول الله صلى الله عليه وآله بيده إلى الحسين عليه السلام - منهم المهدي. والذي قبله أفضل منه، الأول خير من الآخر لأنه إمامه والآخر وصي الأول. إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا.
إخبار النبي صلى الله عليه وآله بتظاهر الأمة على علي عليه السلام من بعده
ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فاطمة وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال: يا سلمان، أشهد الله أني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم. أما إنهم معي في الجنة.
ثم أقبل النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فقال: يا علي، إنك ستلقي بعدي من قريش شدة، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك. فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، فإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة،
____________
(1). (ب): ما خلا النبيين والوصيين. وبيان ذلك أن الأنبياء والأوصياء لا يقاسوا بغيرهم وخاصة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وقد تواترت الروايات بأن أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام هو سيد الشهداء من الأولين والآخرين.
(2). ذكر حمزة وجعفر قبل أصحاب الكساء إنما هو للتقدم الزماني أو أن الكلام في بيان خير الشهداء كما ترى بيانه بعد ذلك بأسطر.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 135
--------------------------------------------------------------------------------
فإنك مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة. إنه قال لأخيه موسى (1):
(إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).
____________
(1). سورة الأعراف: الآية 150، وتمام الآية هكذا: (ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين).
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 136
--------------------------------------------------------------------------------
2
تظاهر الأمة على علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
قال سليم: وحدثني علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض طرق المدينة. فأتينا على حديقة فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة قال: ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها.
ثم أتينا على حديقة أخرى، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة قال:
ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها. حتى أتينا على سبع حدائق، أقول: يا رسول الله، ما أحسنها ويقول: لك في الجنة أحسن منها.
علي عليه السلام الشهيد الوحيد الفريد
فلما خلا له الطريق اعتنقني، ثم أجهش باكيا فقال: بأبي الوحيد الشهيد فقلت:
يا رسول الله، ما يبكيك؟ فقال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي، أحقاد بدر وترات أحد.
مني بمنزلة هارون من موسى، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه.
فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه. وإن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم: إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم.
اختلاف الأمة امتحان إلهي
يا علي، ما بعث الله رسولا إلا وأسلم معه قوم طوعا وقوم آخرون كرها، فسلط الله الذين أسلموا كرها على الذين أسلموا طوعا فقتلوهم ليكون أعظم لأجورهم.
يا علي، وإنه ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها، وإن الله قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من خلقه ولا يتنازع في شئ من أمره، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله. ولو شاء عجل النقمة فكان منه التغيير (1) حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره، ولكن جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار، (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى). (2)
فقلت: الحمد لله شكرا على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه.
____________
(1). أي لو شاء الله أن ينصر أوليائه لعجل النقمة على الظالمين وغير النعمة عليهم.
(2). سورة النجم: الآية 31.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 138
--------------------------------------------------------------------------------
3
قضايا السقيفة على لسان البراء بن عازب
وعن سليم، قال: سمعت البراء بن عازب يقول:
كنت أحب بني هاشم حبا شديدا في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد وفاته.
كيفية تغسيل رسول الله صلى الله عليه وآله
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى عليا عليه السلام أن لا يلي غسله غيره، وأنه لا ينبغي لأحد أن يرى عورته غيره، وأنه ليس أحد يرى عورة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ذهب بصره.
فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، فمن يعينني على غسلك؟ قال: جبرائيل في جنود من الملائكة.
فكان علي عليه السلام يغسله، والفضل بن العباس مربوط العينين يصب الماء والملائكة يقلبونه له كيف شاء. ولقد أراد علي عليه السلام أن ينزع قميص رسول الله صلى الله عليه وآله، فصاح به صائح:
(لا تنزع قميص نبيك، يا علي). فأدخل يده تحت القميص فغسله ثم حنطه وكفنه، ثم نزع القميص عند تكفينه وتحنيطه.
مفاجأة أهل البيت عليهم السلام بعمل أصحاب السقيفة
قال البراء بن عازب: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله تخوفت أن تتظاهر قريش على إخراج هذا الأمر من بني هاشم.
فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
فجعلت أتردد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول الله صلى الله عليه وآله لغسله وتحنيطه. وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جهلة أصحابه، فلم أحفل بهم وعلمت أنه لا يؤول إلى شئ.
فجعلت أتردد بينهم وبين المسجد وأتفقد وجوه قريش. فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر. ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمر بهم أحد إلا خبطوه، فإذا عرفوه مدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر، شاء ذلك أم أبى (1)
فأنكرت عند ذلك عقلي جزعا منه، مع المصيبة برسول الله صلى الله عليه وآله. فخرجت مسرعا حتى أتيت المسجد، ثم أتيت بني هاشم، والباب مغلق دونهم. فضربت الباب ضربا عنيفا وقلت: يا أهل البيت فخرج إلي الفضل بن العباس، فقلت: قد بايع الناس أبا بكر فقال العباس: (قد تربت أيديكم منها إلى آخر الدهر. أما إني قد أمرتكم فعصيتموني).
ما جرى بين صالحي الصحابة ليلة السقيفة
فكمثت أكابد ما في نفسي. فلما كان الليل خرجت إلى المسجد، فلما صرت فيه تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرآن. فانبعثت من مكاني فخرجت نحو الفضاء - فضاء بني بياضة -، فوجدت نفرا يتناجون. فلما دنوت منهم سكتوا، فانصرفت عنهم، فعرفوني وما عرفتهم، فدعوني إليهم فأتيتهم فإذا المقداد وأبو ذر وسلمان وعمار بن ياسر وعبادة بن الصامت وحذيفة بن اليمان والزبير بن العوام،
____________
(1). روى الشيخ المفيد في كتاب (الجمل): ص 59 عن أبي مخنف بأسناده قال: كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها، فشغل الناس عنهم بموت رسول الله صلى الله عليه وآله فشهدوا البيعة وحضروا الأمر.
فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم: (خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه). قال: والله، لقد رأيت الأعراب تحزموا واتشحوا بالأزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاءوا بهم مكرهين للبيعة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 140
--------------------------------------------------------------------------------
وحذيفة يقول: والله ليفعلن ما أخبرتكم به. فوالله ما كذبت ولا كذبت.
وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين والأنصار. فقال حذيفة:
انطلقوا بنا إلى أبي بن كعب فقد علم مثل ما علمت.
فانطلقنا إلى أبي بن كعب فضربنا عليه بابه، فأتى حتى صار خلف الباب، ثم قال:
من أنتم؟ فكلمه المقداد. فقال: ما جاء بكم؟ فقال: إفتح بابك، فإن الأمر الذي جئنا فيه أعظم من أن يجري وراء الباب. فقال: ما أنا بفاتح بابي، وقد علمت ما جئتم له. وما أنا بفاتح بابي، كأنكم أردتم النظر في هذا العقد.
فقلنا: نعم. فقال: أفيكم حذيفة؟ فقلنا: نعم. قال: القول ما قال حذيفة، فأما أنا فلا أفتح بابي حتى يجري على ما هو جار عليه، ولما يكون بعدها شر منها، وإلى الله جل ثنائه المشتكى.
قال: فرجعوا. ثم دخل أبي بن كعب بيته.
محاولة أصحاب السقيفة تطميع العباس في الخلافة
قال: وبلغ أبا بكر وعمر الخبر، فأرسلا إلى أبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة فسألاهما الرأي. فقال المغيرة بن شعبة: أرى أن تلقوا العباس بن عبد المطلب فتطمعوه في أن يكون له في هذا الأمر نصيب يكون له ولعقبه من بعده فتقطعوا عنكم بذلك ناحية علي بن أبي طالب، فإن العباس بن عبد المطلب لو صار معكم كانت الحجة على الناس وهان عليكم أمر علي بن أبي طالب وحده.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة حتى دخلوا على العباس بن عبد المطلب في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال: فتكلم أبو بكر فحمد الله جل وعز وأثنى عليه ثم قال: إن الله بعث لكم محمدا نبيا وللمؤمنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتى اختار له ما عنده وترك للناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصلحتهم، متفقين لا مختلفين. فاختاروني عليهم
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 141
--------------------------------------------------------------------------------
واليا ولأمورهم راعيا، فتوليت ذلك. وما أخاف بعون الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا بالله.
غير أني لا أنفك من طاعن يبلغني فيقول بخلاف قول العامة، فيتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع، فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه أو صرفتموهم عما مالوا إليه. فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ولعقبك من بعدك، إذ كنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن كان الناس أيضا قد رأوا مكانك ومكان صاحبك فعدلوا بهذا الأمر عنكما.
فقال عمر (1): أي والله، وأخرى يا بني هاشم على رسلكم (2)، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم، وإنا لم نأتكم لحاجة منا إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون، فيتفاقم الخطب بكم وبهم. فانظروا لأنفسكم وللعامة. ثم سكت.
مواجهة العباس لمؤامرة أصحاب السقيفة
فتكلم العباس فقال: إن الله تبارك وتعالى ابتعث محمدا صلى الله عليه وآله - كما وصفت - نبيا وللمؤمنين وليا، فإن كنت برسول الله صلى الله عليه وآله طلبت هذا الأمر فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن من المؤمنين، ما تقدمنا في أمرك ولا تشاورنا ولا تآمرنا ولا نحب لك ذلك، إذ كنا من المؤمنين وكنا لك من الكارهين.
وأما قولك (أن تجعل لي في هذا الأمر نصيبا)، فإن كان هذا الأمر لك خاصة فأمسك عليك فلسنا محتاجين إليك وإن كان حق المؤمنين فليس لك أن تحكم في حقهم دونهم، وإن كان حقنا فإنا لا نرضى منك ببعضه دون بعض. (3)
____________
(1). (ب): فتكلم عمر فقال. وفي شرح النهج: (فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته فقال...).
(2). (ترسل) أي تمهل ولم يعجل. و (على رسلك) أي على هينتك، و (الرسل): الرفق. وقوله (يتفاقم الخطب) أي يعظم الأمر ولا يجري على استواء.
(3). زاد في شرح النهج: (وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان).
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 142
--------------------------------------------------------------------------------
وأما قولك يا عمر (إن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم)، فإن رسول الله شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها، فنحن أولى به منكم.
وأما قولك (إنا نخاف تفاقم الخطب بكم وبنا)، فهذا الذي فعلتموه أوائل ذلك، والله المستعان.
فخرجوا من عنده وأنشأ العباس يقول:
ما كنت أحسب هذا الأمر منحرفا عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم وأعلم الناس بالآثار والسنن
وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما في جميع الناس كلهم وليس في الناس ما فيه من الحسن
من ذا الذي ردكم عنه فنعرفه ها إن بيعتكم من أول الفتن
قضايا السقيفة على لسان سلمان الفارسي
1
احتجاج الأنصار على أهل السقيفة
وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال: سمعت سلمان الفارسي قال:
لما أن قبض النبي صلى الله عليه وآله وصنع الناس ما صنعوا جاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجة علي عليه السلام فقالوا: يا معاشر الأنصار، قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله من قريش، والمهاجرون خير منكم لأن الله بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الأئمة من قريش).
كيفية تغسيل النبي صلى الله عليه وآله والصلاة عليه
قال سلمان: فأتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى عليا عليه السلام أن لا يلي غسله غيره. فقال: يا رسول الله، فمن يعينني على ذلك؟
فقال: (جبرائيل). فكان علي عليه السلام لا يريد عضوا إلا قلب له.
فلما غسله وحنطه وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. فتقدم علي عليه السلام وصففنا خلفه وصلى عليه، وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها.
ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون، حتى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه. (1)
أفراد قلائل بايعوا أبا بكر
قال سلمان الفارسي: فأخبرت عليا عليه السلام - وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله - بما صنع القوم، وقلت: إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة (2) وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله!
فقال علي عليه السلام: يا سلمان، وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله؟
قلت: لا، إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير (3) بن سعيد ثم أبو عبيدة الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.
قال عليه السلام: لست أسألك عن هؤلاء، ولكن هل تدري من أول من بايعه حين صعد المنبر؟ قلت: لا، ولكني رأيت شيخا كبيرا يتوكأ على عصاه، بين عينيه سجادة شديدة التشمير، صعد المنبر أول من صعد وخر وهو يبكي ويقول: (الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان، ابسط يدك). فبسط يده فبايعه، ثم قال: (يوم كيوم آدم) ثم نزل فخرج من المسجد. (4)
____________
(1). عن أبي جعفر عليه السلام، قيل له: كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله؟ قال: لما غسله أمير المؤمنين عليه السلام وكفنه وسجاه، أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين عليه السلام في وسطهم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي. أورد ذلك في الكافي: ج 1 ص 450، إعلام الورى: ص 84. وسائل الشيعة:
ج 2 ص 779.
(2). في (د) وروضة الكافي: والله ما يرضى أن يبايعوه بيد واحدة.
(3). (ب): بشر. يوجد ضبطه بكلا العنوانين، كما أن اسم أبيه قد يذكر بعنوان (سعد).
(4). روي في البحار: ج 30 ص 155 ح 13 عنه عليه السلام: أن إبليس هو الذي أشار على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله في دار الندوة وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر فبايعه.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 145
--------------------------------------------------------------------------------
فقال علي عليه السلام: يا سلمان، أتدري من هو؟ قلت: لا، لقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال علي عليه السلام: فإن ذلك إبليس لعنه الله.
إبليس ينتقم بالسقيفة من يوم الغدير
أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله: إن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه وآله إياي يوم غدير خم بأمر الله، وأخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب. فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا: (إن هذه الأمة أمة مرحومة معصومة، فما لك ولا لنا عليهم سبيل، وقد أعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيهم).
فانطلق إبليس كئيبا حزينا.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك وقال: يبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجتنا. ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا. ثم يخرج فيجمع أصحابه وشياطينه وأبالسته فيخرون سجدا فيقولون: (يا سيدنا، يا كبيرنا، أنت الذي أخرجت آدم من الجنة). فيقول: أي أمة لن تضل بعد نبيها؟ كلا (1)، زعمتم أن ليس لي عليهم سلطان ولا سبيل؟ فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به من طاعته وأمرهم به رسول الله وذلك قوله تعالى: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين). (2)
____________
(1). (ب) مكان قوله (فيقولون) إلى هنا هكذا: (فيجث ويكسع ثم يقول). ويجث بمعنى يقلع من مكانه، ويكسع أي يضرب دبره بيده فرحا.
2
أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على الأجيال
قال سلمان: فلما أن كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا. فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت.
فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة. فقلت لسلمان: من الأربعة؟ فقال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام.
ثم أتاهم علي عليه السلام من الليلة المقبلة فناشدهم، فقالوا: (نصبحك بكرة) فما منهم أحد أتاه غيرنا. ثم أتاهم الليلة الثالثة فما أتاه غيرنا.
علي عليه السلام يجمع القرآن ويعرضه على الناس
فلما رآى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. (1)
فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع. فبعث إليه علي عليه السلام: (إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه).
فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله. فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته:
____________
(1). الأشظاظ بمعنى العيدان المتفرقة، والأسيار جمع السير وهو قدة من الجلد مستطيلة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 147
--------------------------------------------------------------------------------
(يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد. فلم ينزل الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وآله آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمني تأويلها).
ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا غدا: (إنا كنا عن هذا غافلين). (1)
ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته.
فقال عمر: ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه (2) ثم دخل علي عليه السلام بيته.
إقامة الحجة على أبي بكر في ما ادعاه من ألقاب
وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع، فإنا لسنا في شئ حتى يبايع، ولو قد بايع أمناه.
____________
(1). لعله إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 172: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين).
(2). في الإحتجاج: فقالوا: لا حاجة لنا به، عندنا مثله وبعده في (د) هكذا: فدخل بيته وأغلق بابه.
في البحار: ج 92 ص 42 ح 2 عن أبي ذر: أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن وجاء إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم كما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله. فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم. فوثب عمر وقال: يا علي، أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف. ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن، فقال له عمر: إن عليا عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل ما قد علمتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال: زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك....
فلما استخلف عمر سأل عليا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال علي عليه السلام: هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: (إنا كنا عن هذا غافلين)، أو تقولوا: (ما جئتنا به).
إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علي عليه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة عليه.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 148
--------------------------------------------------------------------------------
فأرسل إليه أبو بكر: (أجب خليفة رسول الله) فأتاه الرسول فقال له ذلك. فقال له علي عليه السلام: (سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري). وذهب الرسول فأخبره بما قال له.
قال: اذهب فقل له: (أجب أمير المؤمنين أبا بكر) فأتاه فأخبره بما قال. فقال له علي عليه السلام: سبحان الله ما والله طال العهد فينسى. فوالله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين. فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا: أحق من الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم، حقا حقا من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فيدخل أوليائه الجنة وأعداءه النار. فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال: فسكتوا عنه يومهم ذلك.
إتمام الحجة على الأنصار ومطالبتهم بالوفاء ببيعتهم
فلما كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته. فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته.
3
شهادة فاطمة الزهراء عليها السلام
هجوم قبائل قريش على بيت الوحي وإحراقه
فلما رآى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 149
--------------------------------------------------------------------------------
وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته.
فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة. وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما.
فقال أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذا، وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب.
فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام، فأبى أن يأذن لهم.
فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر - وهما جالسان في المسجد والناس حولهما - فقالوا: لم يؤذن لنا. فقال عمر: اذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن!
فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليها السلام: (أحرج عليكم (1) أن تدخلوا على بيتي بغير إذن). فرجعوا وثبت قنفذ الملعون. فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا (2) أن ندخل بيتها بغير إذن. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء!
____________
(1). حرج عليه أي شدد عليه.
(2). من هنا إلى قوله: (ثم انطلق بعلي عليه السلام...) (بعد صفحات) في (د) هكذا: فقالوا: إن فاطمة حرجت علينا، فتحرجنا أن ندخل عليها بيتها بغير إذنها. فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حزم الحطب وحمل عمر معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما. ثم نادى عمر: يا علي، والله لتخرجن فلتبايعن خليفة رسول الله عليك أو لأضرمنها عليك نارا فلم يجبه.
فوضع عمر النار بالباب وهو متخوف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه لما عرف من بأسه وشدته حتى احترق الباب. ثم قال لقنفذ: اقتحم عليه فأخرجه فاقتحم هو وأصحابه وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوا إليه وكاثروه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا.
وجاءت فاطمة عليها السلام لتحول بينهم وبينه، فضربها قنفذ بسوطه وأضغطت بين الباب فصاحت: يا أبتاه يا رسول الله وألقت جنينا ميتا وأثر سوط قنفذ في عضدها مثل الدملوج.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 150
--------------------------------------------------------------------------------
ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام. ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة عليهما السلام: (والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار)!
فقالت فاطمة عليها السلام: يا عمر، ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم.
فقالت: (يا عمر، أما تتقي الله تدخل على بيتي)؟ فأبى أن ينصرف.
ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت:
(يا أبتاه يا رسول الله) فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت:
(يا أبتاه) فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت: (يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر).
دفاع علي عليه السلام عن سليلة النبوة
فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره (1) فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاه به، فقال: (والذي كرم محمدا بالنبوة - يا بن صهاك - لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت إنك لا تدخل بيتي).
أبو بكر يصدر أمره بإحراق البيت مرة أخرى
فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي عليه السلام إلى سيفه.
فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام إليه بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدته.
فقال أبو بكر لقنفذ: (إرجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار). فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي عليه السلام إلى
____________
(1). أي جذبه بشدة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 151
--------------------------------------------------------------------------------
سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه (1) فألقوا في عنقه حبلا!
وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط (2) فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته، لعنه الله ولعن من بعث به.
4
بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بالجبر والإكراه
ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا (3) حتى انتهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه (4)، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح (5)!
الدخول إلى بيت فاطمة عليها السلام بغير إذن
قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة عليها السلام بغير إذن؟ (6) قال: إي والله، وما عليها من
____________
(1). في الإحتجاج: فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا أسود!
(2). (ب): بسوط كان معه. وفي الإحتجاج: بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها. فأرسل أبو بكر إلى قنفذ: (اضربها) فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة.
(3). أي يجذب ويجر جرا عنيفا. وفي الإحتجاج: ثم انطلقوا بعلي عليه السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر.
(4). (ب): على رأس أبي بكر بالسيف.
(5). في (د): قد سلوا السيوف.
(6). قد نظم العلامة الفقيه السيد محمد بن السيد مهدي القزويني المتوفى 1335 هـ ق، هذا الموضع من أن يدخلوا منها في حالة السجود ليعرف خضوعهم. فتشبيه أهل البيت عليهم السلام بباب حطة لأن الخلق بالتواضع والخضوع أمامهم يخضعون تجاه الأوامر الإلهية، فقد ورد في إثبات الهداة: ج 1 ص 618 ح 657 أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل الذي من دخله غفرت ذنوبه واستحق الزيادة من خالقه كما قال الله عز وجل: أدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين. راجع عن باب حطة: البحار: ج 13 ص 185 - 180.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 152
--------------------------------------------------------------------------------
خمار فنادت: (وا أبتاه، وارسول الله يا أبتاه فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر عيناك لم تتفقأ في قبرك) - تنادي بأعلى صوتها -. فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون وينتحبون ما فيهم إلا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول: إنا لسنا من النساء ورأيهن في شئ.
أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على قريش
قال: فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يقول: أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا أبدا. أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلا لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني.
ولما أن بصر به أبو بكر صاح: (خلوا سبيله) فقال علي عليه السلام: يا أبا بكر، ما أسرع ما توثبتم على رسول الله بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله؟
وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط - حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر: (إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها) - فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها (1) فألقت جنينا من بطنها. فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة.
قال: ولما انتهى بعلي عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال عليه السلام له: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلا وصغارا فقال عليه السلام: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. فقال أبو بكر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله فما نقر بهذا قال: أتجحدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بيني وبينه؟ قال:
نعم. فأعاد ذلك عليهم ثلاث مرات.
ثم أقبل عليهم علي عليه السلام فقال: يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار، أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا وكذا؟ فلم يدع عليه السلام شيئا قاله فيه رسول الله صلى الله عليه وآله علانية للعامة إلا ذكرهم إياه.
قالوا: اللهم نعم.
أبو بكر يختلق حديثا لغصب الخلافة
فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال له (2): كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بعد هذا: (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة).
____________
(1). (د): ألجأها إلى عضادة بابها فأضغطها فتكسر ضلعا من أضلاعها.
(2). (د): فقال مبادرا: نعم، كل ما قلت حق.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 154
--------------------------------------------------------------------------------
فقال علي عليه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله شهد هذا معك؟ فقال عمر:
صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال. وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله.
أمير المؤمنين عليه السلام يفضح الصحيفة الملعونة
فقال لهم علي عليه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة (1): " إن قتل الله محمدا أو مات لتزون (2) هذا الأمر عنا أهل البيت ".
فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها (3) فقال عليه السلام: أنت يا زبير وأنت
____________
(1). فضحك أمير المؤمنين عليه السلام وقال: الله أكبر، ما أشد ما وفيتم بصحيفتكم المعلومة التي تعاهدتم وتعاقدتم عليها في الكعبة.
(2). زوى عنه حقه: منعه إياه.
(3). روي في البحار: ج 28 ص 111 - 96، تفصيل المعاقدة ضد الخلافة وكتابة الصحيفة الملعونة ومحتوى الصحيفة، كل ذلك نقلا عن حذيفة بن اليمان الذي كان ممن عايش القضايا وفحص عن جزئياتها.
وملخص ذلك أن أول من تعاقد على غصب الخلافة هو أبو بكر وعمر، وكان الأساس الذي تعاقدوا عليه وارتكز عليه سائر معاهداتهم هو: (إن مات محمد أو قتل نزوي هذا الأمر عن أهل بيته فلا يصل أحد منهم الخلافة ما بقينا).
ثم اتصل بهما أبو عبيدة الجراح ومعاذ بن جبل وأخيرا التحق بهم سالم مولى أبي حذيفة وصاروا خمسة، فاجتمعوا ودخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا: (إن مات محمد أو قتل...) وكانت عائشة وحفصة عينين لأبويهما في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع القضايا.
ثم إن أبا بكر وعمر اجتمعا وأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي صلى الله عليه وآله ناقته على عقبة هرشى عند منصرفه من حجة الوداع وهي في طريق مكة قريبة من الجحفة. وكان المتصدين لنفر الناقة أربعة عشر رجلا وقد كانوا عملوا مثل ذلك في غزوة تبوك.
فتقدم الأمر من الله في غدير خم بنصب أمير المؤمنين عليه السلام. ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وآله من عقبة هرشى تقدم القوم فتواروا في ثنية العقبة، إلا أن الله صرف الشر عن نبيه وفضح أولئك الأربعة عشر.
فلما دخلوا المدينة اجتمعوا جميعا في دار أبي بكر وكتبوا صحيفة بينهم على ما تعاهدوا عليه في الكعبة. وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن الأمر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم، ليس بخارج منهم وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا: هؤلاء أصحاب العقبة وعشرون رجلا آخر منهم أبو سفيان، عكرمة بن أبي جهل، صفوان بن أمية بن خلف، سعيد بن العاص، خالد بن الوليد، عياش بن أبي ربيعة، بشير بن سعيد، سهيل بن عمرو، حكيم بن حزام، صهيب بن سنان، أبو الأعور الأسلمي، مطيع بن الأسود المدري.
وهؤلاء كانوا رؤساء القبائل وأشرافها، وما من رجل من هؤلاء إلا ومعه من الناس خلق عظيم يسمعون له ويطيعون.
وكان الكاتب سعيد بن العاص الأموي، فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم في المحرم سنة عشرة من الهجرة. ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 155
--------------------------------------------------------------------------------
يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون: (إن فلانا وفلانا - حتى عد هؤلاء الخمسة - قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت)؟ (1) فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لك: (إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي).
قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك.
فقال علي عليه السلام: أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة. (2)
الرد على الحديث المختلق بكتاب الله تعالى
وفيما يكذب قولكم على رسول الله صلى الله عليه وآله قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم
____________
(1). (د): وكتبوا بينهم كتابا: إن هلك محمد أن يتظاهروا على أهل بيتي حتى يزيلوا هذا الأمر عنهم.
(2). (د): أما والله لقد أزلتموها عن أهل بيت نبيكم ولا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة. ثم التفت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى: يا بن عم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. فالمعذرة إلى الله ثم إليك.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 156
--------------------------------------------------------------------------------
الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) (1)، فالكتاب النبوة، والحكمة السنة، والملك الخلافة، ونحن آل إبراهيم.
دفاع المقداد وسلمان وأبي ذر عن علي عليه السلام
فقام المقداد فقال: يا علي، بما تأمرني؟ والله إن أمرتني لأضربن بسيفي وإن أمرتني كففت. فقال علي عليه السلام: كف يا مقداد، واذكر عهد رسول الله وما أوصاك به.
فقمت (2) وقلت: والذي نفسي بيده، لو أني أعلم أني أدفع ضيما وأعز لله دينا لوضعت سيفي على عنقي ثم ضربت به قدما قدما. أتثبون على أخي رسول الله ووصيه وخليفته في أمته وأبي ولده؟ فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء.
وقام أبو ذر فقال: أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها المخذولة بعصيانها، إن الله يقول:
(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) (3). وآل محمد الأخلاف من نوح وآل إبراهيم من إبراهيم والصفوة والسلالة من إسماعيل وعترة النبي محمد، أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، وهم كالسماء المرفوعة والجبال المنصوبة والكعبة المستورة والعين الصافية والنجوم الهادية والشجرة المباركة، أضاء نورها وبورك زيتها. محمد خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم، وعلي وصي الأوصياء وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم ووصي محمد ووارث علمه وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم كما قال الله: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
____________
(1) سورة النساء: الآية 54.
(2). القائل هو سلمان.
(3). سورة آل عمران: الآيتان 33 و 34.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 157
--------------------------------------------------------------------------------
في كتاب الله) (1). فقدموا من قدم الله وأخروا من أخر الله واجعلوا الولاية والوراثة لمن جعل الله.
عمر يهدد عليا بالقتل
فقام عمر فقال لأبي بكر - وهو جالس فوق المنبر -: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك؟ أو تأمر به فنضرب عنقه - والحسن والحسين قائمان - فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما عليه السلام إلى صدره فقال: لا تبكيا، فوالله ما يقدران على قتل أبيكما.
دفاع أم أيمن وبريدة عن علي عليه السلام
وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: (يا أبا بكر، ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم) فأمر بها عمر فأخرجت من المسجد وقال: ما لنا وللنساء.
وقام بريدة الأسلمي وقال: أتثب - يا عمر - على أخي رسول الله وأبي ولده وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك؟ ألستما قال لكما رسول الله صلى الله عليه وآله: (انطلقا إلى علي وسلما عليه بإمرة المؤمنين)؟ فقلتما: أعن أمر الله وأمر رسوله؟ قال: نعم.
فقال أبو بكر: قد كان ذلك ولكن رسول الله قال بعد ذلك: (لا يجتمع لأهل بيتي النبوة والخلافة). فقال: والله ما قال هذا رسول الله، والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير.
فأمر به عمر فضرب وطرد!
كيفية بيعة أمير المؤمنين عليه السلام
ثم قال: قم يا بن أبي طالب فبايع. فقال: فإن لم أفعل؟ قال: إذا والله نضرب عنقك
____________
(1). سورة الأحزاب: الآية 6.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 158
--------------------------------------------------------------------------------
فاحتج عليهم ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه، فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه.
فنادى علي عليه السلام قبل أن يبايع - والحبل في عنقه -: (يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني). (1)
بيعة الزبير وسلمان وأبي ذر والمقداد
وقيل للزبير: بايع، فأبى، فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس معهم، فانتزعوا سيفه من يده فضربوا به الأرض حتى كسروه ثم لببوه. فقال الزبير - وعمر على صدره -: يا بن صهاك، أما والله لو أن سيفي في يدي لحدت عني).
ثم بايع.
قال سلمان: ثم أخذوني فوجئوا عنقي حتى تركوها كالسلعة، ثم أخذوا يدي وفتلوها فبايعت مكرها.
ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمة مكرها غير علي عليه السلام وأربعتنا. ولم يكن منا أحد أشد قولا من الزبير، فإنه لما بايع قال: يا بن صهاك، أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوي بهم وتصول.
فغضب عمر وقال: أتذكر صهاك؟ فقال: ومن صهاك وما يمنعني من ذكرها؟
وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك؟ أوليس كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب، فزنى بها جدك نفيل، فولدت أباك الخطاب فوهبها عبد المطلب لجدك - بعد ما زنى بها - فولدته، وإنه لعبد لجدي ولد زنا؟ (2)
____________
(1). سورة الأعراف: الآية 150.
(2). روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 295: إن صهاك كانت أمة حبشية لعبد المطلب وكانت ترعى له الإبل فوقع عليها نفيل فجاءت بالخطاب. ثم إن الخطاب لما بلغ الحلم رغب في صهاك فوقع عليها فجاءت بابنة، فلفقها في خرقة من صوف ورمتها خوفا من مولاها في الطريق. فرآها هاشم بن المغيرة مرمية فأخذها ورباها وسماها حنتمة. فلما بلغت رآها خطاب يوما فرغب فيها وخطبها من هاشم فأنكحها إياه فجاءت بعمر بن الخطاب. فكان الخطاب أبا وجدا وخالا لعمر، وكانت حنتمة أما وأختا وعمة له.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 159
--------------------------------------------------------------------------------
فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه.
5
أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام يقيمون الحجة على الغاصبين
كلمة سلمان بعد البيعة
قال سليم بن قيس: فقلت لسلمان: أفبايعت أبا بكر - يا سلمان - ولم تقل شيئا؟
قال: قد قلت - بعد ما بايعت -: تبا لكم سائر الدهر أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم؟
أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها. (1)
فقال عمر: يا سلمان، أما إذ بايع صاحبك وبايعت فقل ما شئت وافعل ما بدا لك وليقل صاحبك ما بدا له.
قال سلمان: فقلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب جميع أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعا). فقال: قل ما شئت، أليس قد بايعت ولم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك؟
____________
(1). في (د) هكذا: قال: بلى، قد قلت: تبا لكم، أصبتم وأخطأتم، لو تدرون ما صنعتم بأنفسكم. قالوا: وما الذي أصبنا وأخطأنا؟ قلت: أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والضلالة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم حين أخرجتموها من معدنها وأهلها.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 160
--------------------------------------------------------------------------------
فقلت: أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة: (إنك - باسمك ونسبك وصفتك - باب من أبواب جهنم) فقالوا لي: قل ما شئت، أليس قد أزالها الله عن أهل هذا البيت الذين اتخذتموهم أربابا من دون الله؟
فقلت له: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول، وسألته عن هذه الآية: (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) (1)، فأخبرني بأنك أنت هو.
فقال عمر: أسكت، أسكت الله نامتك، أيها العبد، يا بن اللخناء!
فقال علي عليه السلام: أقسمت عليك يا سلمان لما سكت.
فقال سلمان: والله لو لم يأمرني علي عليه السلام بالسكوت لخبرته بكل شئ نزل فيه، وكل شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وفي صاحبه. فلما رآني عمر قد سكت قال لي: إنك له لمطيع مسلم.
كلمة أبي ذر بعد البيعة
فلما أن بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا قال عمر: يا سلمان، ألا تكف كما كف صاحباك؟ والله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لحقهم منهما، وقد كفا كما ترى وبايعا.
فقال أبو ذر: يا عمر، أفتعيرنا بحب آل محمد وتعظيمهم؟ لعن الله - وقد فعل - من أبغضهم وافترى عليهم وظلمهم حقهم وحمل الناس على رقابهم ورد هذه الأمة القهقرى على أدبارها.
فقال عمر: آمين لعن الله من ظلمهم حقهم لا والله ما لهم فيها من حق وما هم فيها وعرض الناس إلا سواء. قال أبو ذر: فلم خاصمتم الأنصار بحقهم وحجتهم؟
____________
(1). سورة الفجر: الآيتان 25 و 26. روى ابن شهرآشوب في المثالب (مخطوط) ص 336: عن الباقر عليه السلام في قوله (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) قال: زفر، فلا يعذب عذابه يوم القيامة أحد من خلقه. راجع تأويل الآيات: ج 2 ص 795.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 161
--------------------------------------------------------------------------------
كلمة أمير المؤمنين عليه السلام بعد البيعة
فقال علي عليه السلام لعمر: يا بن صهاك، فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة الذبان؟
فقال عمر: كف الآن يا أبا الحسن إذ بايعت، فإن العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا، بك فما ذنبي؟
فقال علي عليه السلام: ولكن الله عز وجل ورسوله لم يرضيا إلا بي، فأبشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما ووازركما بسخط من الله وعذابه وخزيه. ويلك يا بن الخطاب، لو ترى ماذا جنيت على نفسك لو تدري ما منه خرجت وفيما دخلت وما ذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك؟
فقال أبو بكر: يا عمر، أما إذ قد بايعنا وآمنا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء.
أصحاب الصحيفة الملعونة في تابوت جهنم
فقال علي عليه السلام: لست بقائل غير شئ واحد. أذكركم بالله أيها الأربعة - يعنيني وأبا ذر والزبير والمقداد -: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا، ستة من الأولين وستة من الآخرين، في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل (1)، على ذلك الجب صخرة. فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره.
قال علي عليه السلام: فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم - وأنتم شهود به - عن الأولين، فقال: أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، والذي حاج إبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم، أما أحدهما فهود اليهود والآخر نصر النصارى (2)، وإبليس سادسهم. وفي الآخرين الدجال وهؤلاء الخمسة أصحاب
____________
(1). (د): في جب في قعر جهنم، ذلك التابوت في تابوت آخر من نار مقفل عليه.
(2). في النسخ هكذا: (... والآخر نصر النصارى، وعاقر الناقة، وقاتل يحيى بن زكريا)، وإبليس غير مذكور في النسخ إلا في (ب) خ ل. ونحن صححناه على ما في كتاب الإحتجاج حيث أورد الحديث بعينه نقلا عن سليم وذكر إبليس ولم يذكر عاقر الناقة وقاتل يحيى.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 162
--------------------------------------------------------------------------------
الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك يا أخي، وتظاهرون عليك بعدي، هذا وهذا حتى سماهم وعدهم لنا.
قال سلمان: فقلنا: صدقت، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله.
كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله في عثمان والزبير
فقال عثمان: يا أبا الحسن، أما عندك وعند أصحابك هؤلاء حديث في؟ فقال علي عليه السلام: بلى، سمعت رسول الله يلعنك مرتين (1) ثم لم يستغفر الله لك بعد ما لعنك.
فغضب عثمان ثم قال: ما لي وما لك ولا تدعني على حال، عهد النبي ولا بعده.
فقال علي عليه السلام: نعم، فأرغم الله أنفك. فقال عثمان: فوالله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إن الزبير يقتل مرتدا عن الإسلام)!
قال سلمان: فقال علي عليه السلام لي - فيما بيني وبينه -: صدق عثمان، وذلك أنه يبايعني بعد قتل عثمان وينكث بيعتي فيقتل مرتدا.
ارتد الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله إلا أربعة
قال سلمان: فقال علي عليه السلام (2): (إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله غير أربعة).
إن الناس صاروا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون ومن تبعه ومنزلة العجل ومن تبعه.
فعلي في شبه هارون وعتيق في شبه العجل وعمر في شبه السامري.
____________
(1). روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 312: أنه لما توفي أبو سلمة وعبد الله بن حذافة، وتزوج النبي صلى الله عليه وآله امرأتيهما أم سلمة وحفصة، قال طلحة وعثمان: أينكح محمد نسائنا إذا متنا ولا ننكح نساءه إذا مات؟
والله لو قد مات لقد أجلنا على نساءه بالسهام وكان طلحة يريد عائشة وعثمان يريد أم سلمة. فأنزل الله تعالى: (ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلك كان عند الله عظيما إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شئ عليما) وأنزل: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا).
(2). في الإحتجاج: قال سليم: ثم أقبل علي سلمان فقال: إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا من عصمه الله بآل محمد عليهم السلام.
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ليجيئن قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة مني ليمروا على الصراط. فإذا رأيتهم ورأوني وعرفتهم وعرفوني اختلجوا دوني.
فأقول: أي رب، أصحابي أصحابي فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم حيث فارقتهم. فأقول: بعدا وسحقا.
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لتركبن أمتي سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة، شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع، حتى لو دخلوا جحرا لدخلوا فيه معهم. إن التوراة والقرآن كتبه ملك واحد في رق واحد بقلم واحد، وجرت الأمثال والسنن سواء.
عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال: سمعت سلمان الفارسي يقول (1):
إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس مزموما بزمام من نار، ويؤتى
____________
(1). ينبغي أن أورد بذيل هذا الحديث ما رواه في البحار: ج 8 قديم ص 315 ح 95 عن الإختصاص للشيخ المفيد بأسناده عن أبي عبد الله عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: خرجت ذات يوم إلى ظهر الكوفة وبين يدي قنبر، فإذا إبليس قد أقبل، فقلت: بئس الشيخ أنت فقال: ولم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟
فوالله لأحدثنك بحديث عني عن الله عز وجل ما بيننا ثالث. إنه لما هبطت بخطيئتي إلى السماء الرابعة ناديت: يا إلهي وسيدي، ما أحسبك خلقت خلقا هو أشقى مني. فأوحى الله تعالى إلي: بلى، قد خلقت من هو أشقى منك، فانطلق إلى مالك يريكه. فانطلقت إلى مالك فقلت: السلام يقرء عليك السلام ويقول: أرني من هو أشقى مني. فانطلق بي مالك إلى النار، فرفع الطبق الأعلى فخرجت نار سوداء ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا. فقال لها: اهدئي فهدأت.
ثم انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نار هي أشد من تلك سوادا وأشد حمى. فقال لها: اخمدي.
فخمدت، إلى أن انطلق بي إلى السابع، وكل نار تخرج من طبق هي أشد من الأولى. فخرجت نار ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا وجميع ما خلقه الله عز وجل. فوضعت يدي على عيني وقلت: مرها يا مالك تخمد وإلا خمدت. فقال: إنك لن تخمد إلى الوقت المعلوم. فأمرها فخمدت. فرأيت رجلين في أعناقهما سلاسل النيران معلقين بهما إلى فوق، وعلى رؤوسهما قوم معهم مقامع النيران يقمعونهما بها. فقلت: يا مالك، من هذان؟ فقال: أو ما قرأت على ساق العرش - وكنت قبل قرأته، قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام - (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته ونصرته بعلي). فقال: هذان عدوا أولئك وظالماهم.
وروي في البحار: ج 8 قديم ص 298: قال الله تعالى: (لأصلبنه (أي عمر) وأصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه).
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 165
--------------------------------------------------------------------------------
بزفر (1) مزموما بزمامين من نار!
فينطلق إليه إبليس فيصرخ ويقول: ثكلتك أمك، من أنت؟ أنا الذي فتنت الأولين والآخرين وأنا مزموم بزمام واحد وأنت مزموم بزمامين!
فيقول: أنا الذي أمرت فأطعت، وأمر الله فعصي.
____________
(1). قال العلامة المجلسي في البحار: ج 22 ص 223: (زفر) و (حبتر) عمر وصاحبه، فالأول لموافقة الوزن والثاني لمشابهته لحبتر وهو الثعلب في الحيلة والمكر.
أقول: أستعمل كلمة (زفر) كناية عن عمر في كثير من الروايات. راجع البحار: ج 22 ص 223 و ج 37 ص 119.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 166
--------------------------------------------------------------------------------
(6)
مفاخر أمير المؤمنين عليه السلام
وقال سليم: وحدثني أبو ذر وسلمان والمقداد، ثم سمعته من علي عليه السلام، قالوا:
إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أي أخي، فاخر العرب، فأنت أكرمهم ابن عم (1) وأكرمهم أبا وأكرمهم أخا وأكرمهم نفسا وأكرمهم نسبا وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولدا وأكرمهم عما، وأعظمهم عناء بنفسك ومالك، وأتمهم حلما وأقدمهم سلما وأكثرهم علما.
وأنت أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بسنن الله (2) وأشجعهم قلبا في لقاء يوم الهيج، وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا وأحسنهم خلقا وأصدقهم لسانا وأحبهم إلى الله وإلي.
إخبار النبي صلى الله عليه وآله بظلم الأمة لأمير المؤمنين عليه السلام
وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله وتصبر على ظلم قريش، ثم تجاهدهم في سبيل الله عز وجل إذا وجدت أعوانا. تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله الناكثين والقاسطين والمارقين من هذه الأمة.
ثم تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك. قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى الله والبعد من الله ومني، ويعدل قاتل يحيى بن زكريا وفرعون ذا الأوتاد. (3)
____________
(1). في الفضائل: يا علي فاخر أهل الشرق والغرب والعجم والعرب، فأنت أكرمهم وابن عم رسول الله وأكرمهم زواجا....
(2). (ب): بسر الله.
(3). زاد في الفضائل: (يا علي، إنك من بعدي في كل أمر غالب مغلوب مغصوب، تصبر على الأذى في الله وفي رسوله محتسبا أجرك غير ضائع عند الله، فجزاك الله بعدي عن الإسلام خيرا).
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 167
--------------------------------------------------------------------------------
كلام الحسن البصري عن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام
قال أبان: وحدثت بهذا الحديث الحسن البصري عن أبي ذر، فقال: صدق سليم وصدق أبو ذر. لعلي بن أبي طالب السابقة في الدين والعلم والحكمة والفقه، وفي الرأي والصحبة وفي الفضل وفي البسطة وفي العشيرة وفي الصهر، وفي النجدة (1) في الحرب، وفي الجود وفي الماعون وفي العلم بالقضاء وفي القرابة للرسول والعلم بالقضاء والفصل وفي حسن البلاء في الإسلام. إن عليا في كل أمر أمره علي، فرحم الله عليا وصلى عليه. ثم بكى حتى بل لحيته.
قال: (2) فقلت له: يا أبا سعيد، أتقول لأحد غير النبي (صلى الله عليه) إذا ذكرته؟
فقال: ترحم على المسلمين إذا ذكرتهم وصل على محمد وآل محمد. وإن عليا خير آل محمد.
فقلت: يا أبا سعيد، خير من حمزة ومن جعفر ومن فاطمة ومن الحسن والحسين؟
فقال: إي والله، إنه لخير منهم، ومن يشك أنه خير منهم؟ فقلت له: بما ذا؟ قال: إنه لم يجر عليه اسم شرك ولا كفر ولا عبادة صنم ولا شرب خمر. وعلي خير منهم بالسبق إلى الإسلام والعلم بكتاب الله وسنة نبيه. وإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام: (زوجتك خير أمتي)، فلو كان في الأمة خيرا منه لاستثناه. وإن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين أصحابه، وآخى بين علي ونفسه، فرسول الله خيرهم نفسا وخيرهم أخا. ونصبه يوم غدير خم وأوجب له من الولاية على الناس مثل ما أوجب لنفسه فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه). وقال له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، ولم يقل ذلك لأحد من أهل بيته ولا لأحد من أمته غيره. وله سوابق كثيرة ومناقب ليس لأحد من الناس مثلها.
قال: فقلت له: من خير هذه الأمة بعد علي عليه السلام؟ قال: زوجته وابناه. قلت: ثم من؟
قال: ثم جعفر وحمزة. إن خير الناس أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير،
____________
(1). أي الشجاعة والغلبة.
(2). القائل أبان يخاطب الحسن البصري.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 168
--------------------------------------------------------------------------------
ضم فيه رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه وعليا وفاطمة والحسن والحسين، ثم قال: هؤلاء ثقتي وعترتي في أهل بيتي، فأذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فقالت أم سلمة: أدخلني معك ومعهم في الكساء. فقال لها: يا أم سلمة، أنت بخير وإلى خير، وإنما نزلت هذه الآية في وفي هؤلاء خاصة.
محاولة الحسن البصري تبرير نفاقه
فقلت: الله يا أبا سعيد ما ترويه في علي عليه السلام وما سمعتك تقول فيه؟
قال: يا أخي، أحقن بذلك دمي من هؤلاء الجبابرة الظلمة لعنهم الله. يا أخي، لولا ذلك لقد شالت بي الخشب ولكني أقول ما سمعت فيبلغهم ذلك فيكفون عني. وإنما أعني ببغض علي غير علي بن أبي طالب عليه السلام، فيحسبون أني لهم ولي. قال الله عز وجل:
(ادفع بالتي هي أحسن السيئة) (1) يعني التقية.
____________
(1). سورة المؤمنون: الآية 96.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 169
--------------------------------------------------------------------------------
(7)
اختلاف الأمة وفرقها
افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة
قال أبان: قال سليم: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول:
إن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وفرقة في الجنة. وثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين تنتحل محبتنا أهل البيت، واحدة منها في الجنة واثنتا عشرة في النار!
تعيين الفرقة الناجية
وأما الفرقة الناجية المهدية المؤملة المؤمنة المسلمة الموافقة المرشدة فهي المؤتمنة بي المسلمة لأمري المطيعة لي المتبرئة من عدوي المحبة لي والمبغضة لعدوي، التي قد عرفت حقي وإمامتي وفرض طاعتي من كتاب الله وسنة نبيه، فلم ترتد ولم تشك لما قد نور الله في قلبها من معرفة حقنا وعرفها من فضلها، وألهمها وأخذها بنواصيها فأدخلها في شيعتنا حتى اطمأنت قلوبها واستيقنت يقينا لا يخالطه شك.
أئمة الفرقة الناجية
إني أنا وأوصيائي بعدي إلى يوم القيامة هداة مهتدون، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه في آي من الكتاب كثيرة، وطهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه وتراجمة وحيه وجعلنا مع القرآن والقرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا حتى نرد على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه كما قال.
وتلك الفرقة الواحدة من الثلاث والسبعين فرقة هي الناجية من النار ومن جميع الفتن والضلالات والشبهات، وهم من أهل الجنة حقا، وهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب.
وجميع تلك الفرق الاثنتين والسبعين هم المتدينون بغير الحق، الناصرون لدين الشيطان الآخذون عن إبليس وأوليائه، هم أعداء الله تعالى وأعداء رسوله وأعداء المؤمنين، يدخلون النار بغير حساب. براء من الله ومن رسوله، نسوا الله ورسوله (1) وأشركوا بالله وكفروا به وعبدوا غير الله من حيث لا يعلمون، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يقولون يوم القيامة: (والله ربنا ما كنا مشركين) (2)، (يحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون) (3).
المستضعفون دينيا
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، أرأيت من قد وقف فلم يأتم بكم ولم يعادكم ولم ينصب لكم ولم يتعصب ولم يتولكم ولم يتبرء من عدوكم وقال: (لا أدري) وهو صادق؟
قال: ليس أولئك من الثلاث والسبعين فرقة، إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله بالثلاث والسبعين فرقة الباغين الناصبين الذين قد شهروا أنفسهم ودعوا إلى دينهم.
ففرقة واحدة منها تدين بدين الرحمن، واثنتان وسبعون تدين بدين الشيطان وتتولى على قبولها وتتبرأ ممن خالفها.
فأما من وحد الله وآمن برسول الله صلى الله عليه وآله ولم يعرف ولايتنا ولا ضلالة عدونا ولم ينصب شيئا ولم يحل ولم يحرم، وأخذ بجميع ما ليس بين المختلفين من الأمة
____________
(1). في (د) هكذا: براء من الله ومن رسوله والله ورسوله براء منهم، سبوا الله ورسوله وأشركوا....
(2). سورة الأنعام: الآية 23.
(3). سورة المجادلة: الآية 18.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 171
--------------------------------------------------------------------------------
فيه خلاف في أن الله عز وجل أمر به، وكف عما بين المختلفين من الأمة خلاف في أن الله أمر به أو نهى عنه، فلم ينصب شيئا ولم يحلل ولم يحرم ولا يعلم ورد علم ما أشكل عليه إلى الله فهذا ناج.
أهل الجنة وأهل النار وأصحاب الأعراف
وهذه الطبقة بين المؤمنين وبين المشركين، هم أعظم الناس وجلهم، وهم أصحاب الحساب والموازين والأعراف، والجهنميون الذين يشفع لهم الأنبياء والملائكة والمؤمنون، ويخرجون من النار فيسمون (الجهنميين). (1)
فأما المؤمنون فينجون ويدخلون الجنة بغير حساب، أما المشركون فيدخلون النار بغير حساب. وإنما الحساب على أهل هذه الصفات بين المؤمنين والمشركين، والمؤلفة قلوبهم والمقترفة والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا والمستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة الكفر والشرك ولا يحسنون أن ينصبوا ولا يهتدون سبيلا إلى
____________
(1). روي في البحار: ج 8 ص 355 ح 8 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: ثم تأخذ بحجزتي وآخذ بحجزة الله - وهي الحق - وتأخذ ذريتك بحجزتك وتأخذ شيعتك بحجزة ذريتك، فأين يذهب بكم إلا إلى الجنة؟ فإذا دخلتم الجنة فتبوأتم مع أزواجكم ونزلتم منازلكم أوحى الله إلى مالك:
أن افتح باب جهنم لينظر أوليائي إلى ما فضلتهم على عدوهم. فيفتح أبواب جهنم فتطلون عليهم. فإذا وجد أهل جهنم روح رائحة الجنة قالوا: يا مالك، أتطمع لنا في تخفيف العذاب عنا؟ إنا لنجد روحا.
فيقول لهم مالك: إن الله أوحى إلي أن أفتح أبواب جهنم لينظر أهل الجنة إليكم. فيرفعون رؤوسهم، فيقول هذا: يا فلان، ألم تك تجوع فأشبعك؟ ويقول هذا: ألم تك تعري فأكسوك؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تخاف فآويتك؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تحدث فأكتم عليك؟ فيقولون: بلى. فيقولون:
استوهبونا من ربكم. فيدعون لهم فيخرجون من النار إلى الجنة فيكونون فيها ملومين ويسمون (الجهنميين). فيقولون: سألتم ربكم فأنقذنا من عذابه فادعوه يذهب عنا هذا الاسم ويجعل لنا في الجنة مأوى. فيدعون فيوحي الله إلى ريح فتهب على أفواه أهل الجنة فينسيهم ذلك الاسم ويجعل لهم في الجنة مأوى.
وروي في البحار: ج 8 ص 360 ح 29 عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن (الجهنميين)، فقال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: يخرجون منها فينتهى بهم إلى عين عند باب الجنة تسمى (عين الحيوان) فينضح عليهم من مائها، فينبتون كما تنبت الزرع، تنبت لحومهم وجلودهم وشعورهم.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 172
--------------------------------------------------------------------------------
أن يكونوا مؤمنين عارفين، فهم أصحاب الأعراف، وهؤلاء لله فيهم المشيئة. إن الله عز وجل إن يدخل أحدا منهم النار فبذنبه وإن تجاوز عنه فبرحمته.
المؤمن والكافر والمستضعف
فقلت: أصلحك الله، أيدخل النار المؤمن العارف الداعي؟ قال عليه السلام: لا.
قلت: أفيدخل الجنة من لا يعرف إمامه؟ قال عليه السلام: لا، إلا أن يشاء الله.
قلت: أيدخل الجنة كافر أو مشرك؟ قال: لا يدخل النار إلا كافر، إلا أن يشاء الله.
قلت: أصلحك الله، فمن لقي الله مؤمنا عارفا بإمامه مطيعا له، أمن أهل الجنة هو؟
قال: نعم إذا لقي الله وهو مؤمن من الذين قال الله عز وجل: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) (1)، (الذين آمنوا وكانوا يتقون) (2)، (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم). (3)
قلت: فمن لقي الله منهم على الكبائر؟ قال: هو في مشيته، إن عذبه فبذنبه وإن تجاوز عنه فبرحمته.
قلت: فيدخله النار وهو مؤمن؟ قال: نعم بذنبه، لأنه ليس من المؤمنين الذين عنى الله (أنه ولي المؤمنين)، لأن الذين عنى الله (أنه لهم ولي) و (أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، هم المؤمنون (4) (الذين يتقون الله والذين عملوا الصالحات والذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم). (5)
____________
(1). سورة البقرة: الآية 82، وتمام الآية هكذا: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون).
(2). سورة يونس: الآية 63.
(3). سورة الأنعام: الآية 82، وتمام الآية هكذا: (... أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).
(4). أي إن المؤمنين الذين عنى الله في تلك الآية هم المؤمنون الذين جاء وصفهم في هذه الآيات. وهي إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: الآية 68: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) وإلى قوله تعالى في سورة يونس: الآية 62: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
(5). قد مر الإشارة إلى مواضع الآيات في المصحف.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 173
--------------------------------------------------------------------------------
الفرق بين الإيمان والإسلام
قلت: يا أمير المؤمنين، ما الإيمان وما الإسلام؟ قال: أما الإيمان فالإقرار بالمعرفة، والإسلام فما أقررت به والتسليم والطاعة لهم.
قلت: الإيمان الإقرار بعد المعرفة به؟ قال: من عرفه الله نفسه ونبيه وإمامه ثم أقر بطاعته فهو مؤمن.
قلت: المعرفة من الله والإقرار من العبد؟ قال: المعرفة من الله دعاء وحجة ومنة ونعمة، والإقرار من الله قبول العبد، يمن على من يشاء، والمعرفة صنع الله تعالى في القلب، والإقرار فعال القلب من الله وعصمته ورحمته.
تكليف الجاهل بالحق
فمن لم يجعله الله عارفا فلا حجة عليه، وعليه أن يقف ويكف عما لا يعلم، فلا يعذبه الله على جهله. فإنما يحمده على عمله بالطاعة ويعذبه على عمله بالمعصية.
ويستطيع أن يطيع ويستطيع أن يعصي، ولا يستطيع أن يعرف ويستطيع أن يجهل؟
هذا محال!
لا يكون شئ من ذلك إلا بقضاء من الله وقدره وعلمه وكتابه بغير جبر لأنهم لو كانوا مجبورين كانوا معذورين وغير محمودين.
ومن جهل وسعه أن يرد إلينا ما أشكل عليه ومن حمد الله على النعمة واستغفره من المعصية وأحب المطيعين وحمدهم على الطاعة، وأبغض العاصين وذمهم فإنه يكتفي بذلك إذا رد علمه إلينا.
لهذا الحديث زيادة في (ج) وهي تنطبق على أواسطه هكذا:
أصحاب الحساب والشفاعة
... يحاسبون، منهم من يغفر له ويدخله الجنة بالإقرار والتوحيد، ومنهم من يعذب في النار ثم يشفع له الملائكة والأنبياء والمؤمنون، فيخرجون من النار ويدخلون الجنة
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 174
--------------------------------------------------------------------------------
فيسمون فيها (الجهنميين)!
منهم أصحاب الإقرار، وليست الموازين والحساب إلا عليهم، لأن أولياء الله العارفين لله ولرسوله والحجة في أرضه وشهدائه على خلقه المقرين لهم المطيعين لهم يدخلون الجنة بغير حساب، والمعاندين لهم المنذرين المكابرين المناصبين أعداء الله يدخلون النار بغير حساب. وأما ما بين هذين، فهم جل الناس وهم أصحاب الموازين والحساب والشفاعة.
دعاء أمير المؤمنين عليه السلام لسليم بالولاية
قال (1): قلت: فرجت عني وأوضحت لي وشفيت صدري، فادع الله أن يجعلني لك وليا في الدنيا والآخرة. قال: اللهم اجعله منهم.
قال: ثم أقبل علي فقال: ألا أعلمك شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله، علمه سلمان وأبا ذر والمقداد؟ قلت: بلى، يا أمير المؤمنين.
قال: قل كلما أصبحت وأمسيت: (اللهم ابعثني على الإيمان بك والتصديق بمحمد رسولك والولاية لعلي بن أبي طالب والايتمام بالأئمة من آل محمد، فإني قد رضيت بذلك يا رب)، عشر مرات.
قلت: يا أمير المؤمنين، قد حدثني بذلك سلمان وأبو ذر والمقداد، فلم أدع ذلك منذ سمعته منهم. قال: لا تدعه ما بقيت.
____________
(1). القائل هو سليم.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 175
--------------------------------------------------------------------------------
(8)
1
معنى الإسلام والإيمان
وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال:
سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام - وسأله رجل عن الإيمان - فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن الإيمان، لا أسأل عنه أحدا غيرك ولا بعدك.
فقال علي عليه السلام: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسأله عن مثل ما سألتني عنه، فقال له مثل مقالتك، فأخذ يحدثه. ثم قال له: اقعد. فقال له: آمنت.
ثم أقبل علي عليه السلام على الرجل فقال: أما علمت أن جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله في صورة آدمي فقال له: ما الإسلام؟ فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان والغسل من الجنابة). فقال:
وما الإيمان؟ قال: (تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالحياة بعد الموت وبالقدر كله خيره وشره وحلوه ومره).
فلما قام الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (هذا جبرئيل، جاءكم ليعلمكم دينكم). فكان كلما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا قال له: (صدقت). قال: فمتى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: صدقت.
ثم قال علي عليه السلام - بعد ما فرغ من قول جبرئيل (صدقت) -: ألا إن الإيمان بني على أربع دعائم: على اليقين والصبر والعدل والجهاد.
فاليقين منه على أربع شعب: على الشوق والشفق والزهد والترقب.
فمن اشتاق إلى الجنة سلا (1) عن الشهوات، ومن أشفق من النار اتقى المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات.
والصبر على أربع شعب: على تبصرة الفطنة وتأول الحكمة ومعرفة العبرة وسنة الأولين.
فمن تبصر الفطنة تبين في الحكمة، ومن تبين في الحكمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة تأول الحكمة، ومن تأول الحكمة أبصر العبرة، ومن أبصر العبرة فكأنما كان في الأولين.
والعدل منه على أربع شعب: على غوامض الفهم وغمر العلم وزهرة الحكم وروضة الحلم.
فمن فهم فسر جمل العلم، ومن علم عرضه شرائع الحكمة، ومن حلم لم يفرط في أمره وعاش به في الناس حميدا.
والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن والغضب لله وشنآن الفاسقين.
____________
(1). أي طابت نفسه عنه وذهل عن ذكره وهجره.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 177
--------------------------------------------------------------------------------
فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الفاسق، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له.
وذلك الإيمان ودعائمه وشعبه.
أدنى درجات الإيمان والكفر والضلالة
فقال له: يا أمير المؤمنين، ما أدنى ما يكون به الرجل مؤمنا، وأدنى ما يكون به كافرا، وأدنى ما يكون به ضالا؟
قال: قد سألت فاسمع الجواب: أدنى ما يكون به مؤمنا أن يعرفه الله نفسه فيقر له بالربوبية والوحدانية وأن يعرفه نبيه فيقر له بالنبوة وبالبلاغة. وأن يعرفه حجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة.
قال: يا أمير المؤمنين، وإن جهل جميع الأشياء غير ما وصفت؟ قال: نعم، إذا أمر أطاع وإذا نهي انتهى.
وأدنى ما يكون به كافرا أن يتدين بشئ فيزعم أن الله أمره به - مما نهى الله عنه - ثم ينصبه دينا فيتبرأ ويتولى ويزعم أنه يعبد الله الذي أمره به.
وأدنى ما يكون به ضالا أن لا يعرف حجة الله في أرضه وشاهده على خلقه الذي أمر الله بطاعته وفرض ولايته.
نص الرسول صلى الله عليه وآله على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام
فقال: يا أمير المؤمنين، سمهم لي. قال: الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). (1)
قال: أوضحهم لي. قال: الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر خطبة خطبها ثم قبض من يومه: (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، فإن
____________
(1). سورة النساء: الآية 59.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 178
--------------------------------------------------------------------------------
اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين - وأشار بإصبعيه المسبحتين - ولا أقول كهاتين - وأشار بالمسبحة والوسطى - لأن إحديهما قدام الأخرى. فتمسكوا بهما لا تضلوا، ولا تقدموهم فتهلكوا، ولا تخلفوا عنهم فتفرقوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
قال: يا أمير المؤمنين، سمه لي. قال: الذي نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم، فأخبرهم (أنه أولى بهم من أنفسهم). ثم أمرهم أن يعلم الشاهد الغائب منهم.
فقلت: أنت هو، يا أمير المؤمنين؟
قال: أنا أولهم وأفضلهم، ثم ابني الحسن من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يردوا عليه حوضه واحدا بعد واحد.
فقام الرجل إلى علي عليه السلام فقبل رأسه، ثم قال: أوضحت لي وفرجت عني وأذهبت كل شئ في قلبي. (1)
____________
(1). في البحار بيان مفصل في توضيح عبارات الحديث وغوامضه: راجع: ج 68 ص 365.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 179
--------------------------------------------------------------------------------
(9)
خصائص الإسلام وآثاره
عن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: جاء رجل (1) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسأله عن الإسلام. فقال عليه السلام:
إن الله تبارك وتعالى شرع الإسلام وسهل شرائعه لمن ورده وأعز أركانه لمن حاربه، وجعله عزا لمن تولاه، وسلما لمن دخله، وإماما لمن ائتم به، وزينة لمن تحلاه، وعدة لمن انتحله، وعروة لمن اعتصم به، وحبلا لمن تمسك به، وبرهانا لمن تعلمه، ونورا لمن استضاء به، وشاهدا لمن خاصم به، وفلجا (2) لمن حاكم به وعلما لمن وعاه، وحديثا لمن رواه، وحكما لمن قضى به وحلما لمن جرب، وشفاء ولبا لمن تدبر، وفهما لمن تفطن، ويقينا لمن عقل، وبصيرة لمن عزم، وآية لمن توسم، وعبرة لمن اتعظ، ونجاة لمن صدق، ومودة لمن أصلح، وزلفى لمن اقترب وثقة لمن توكل، ورجاء (3) لمن فوض، وسابقة لمن أحسن، وخيرا لمن سارع، وجنة لمن صبر، ولباسا لمن اتقى، وظهيرا لمن رشد، وكهفا لمن آمن، وأمنة لمن أسلم، وروحا للصادقين، وموعظة للمتقين ونجاة للفائزين.
____________
(1). الرجل هو ابن الكواء، كما صرح به في الكافي: ج 1 ص 49.
(3). قال المجلسي: معناه أن القيامة محل اجتماع الحلبة إما للسباق أو لحيازة السبقة.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 181
--------------------------------------------------------------------------------
(10)
1
علة الفرق بين أحاديث الشيعة وأحاديث مخالفيهم
أبان عن سليم، قال: قلت لعلي عليه السلام (1): يا أمير المؤمنين، إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ومن الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم. ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله تخالف الذي سمعته منكم، وأنتم تزعمون أن ذلك باطل. أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين ويفسرون القرآن برأيهم؟
قال: فأقبل علي فقال لي: يا سليم، قد سألت فافهم الجواب. إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما. وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام فيهم خطيبا فقال:
(أيها الناس، قد كثرت علي الكذابة. (2) فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). ثم كذب عليه من بعده حين توفي، رحمة الله على نبي الرحمة وصلى الله عليه وآله.
____________
(1). يظهر مما رواه مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في خطبة له فسأله سليم هذا السؤال أثناء الخطبة، وأصل الخطبة هي الحديث 18 من كتاب سليم. راجع البحار: ج 2 ص 230، والاحتجاج: ج 1 ص 392.
(2). قال المحقق السيد الداماد في التعليقة على الكافي: ص 146 في شرح حديث سليم ما ملخصه: (الكذابة) مصدر كذب يكذب، أي (كثرت علي كذابة الكاذبين)، أو بمعنى (المكذوب)، أي كثرت الأحاديث المفتراة المختلقة علي. وأما الكذابة بمعنى البليغ في الكذب أي (كثرت علي أكاذيب الكذابة)، أو (كثرت الجماعة الكذابة علي).
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 182
--------------------------------------------------------------------------------
المحدثون أربعة
وإنما يأتيك بالحديث أربعة نفر ليس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا. فلو علم المسلمون أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا: (هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، رآه وسمع منه وهو لا يكذب ولا يستحل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله). وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال الله عز وجل: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم) (1).
ثم بقوا بعده وتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والنفاق والبهتان، فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم من الدنيا. وإنما الناس مع الملوك في الدنيا إلا من عصم الله. فهذا أول الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا فلم يحفظه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذبا وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول: (أنا سمعته من رسول الله). فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوا، ولو علم هو أنه وهم فيه لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون أنه منسوخ إذ سمعوه لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله بغضا للكذب وتخوفا من الله وتعظيما لرسوله صلى الله عليه وآله ولم يوهم، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمعه
ولم يزد فيه ولم ينقص، وحفظ الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.
وإن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ونهيه مثل القرآن، ناسخ ومنسوخ، وعام وخاص، ومحكم ومتشابه. وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان: كلام خاص وكلام عام، مثل القرآن، يسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ومن عنى به رسول الله صلى الله عليه وآله.
وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله فيفهم، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الطارئ والأعرابي فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا منه.
وكنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم دخلة وفي كل ليلة دخلة، فيخليني فيها أدور معه حيث دار. وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه فلم يبق غيري وغيره. وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من ابني.
وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت أو نفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي، فكتبتها بخطي. ودعا الله أن يفهمني إياها ويحفظني.
فما نسيت آية من كتاب الله منذ حفظتها وعلمني تأويلها، فحفظته وأملاه علي فكتبته. وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام أو أمر ونهي أو طاعة ومعصية كان أو يكون إلى يوم القيامة إلا وقد علمنيه وحفظته ولم أنس منه حرفا واحدا. ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وفقها وحكما ونورا، وأن يعلمني فلا أجهل، وأن يحفظني فلا أنسى.
فقلت له ذات يوم: يا نبي الله، إنك منذ يوم دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا مما علمتني، فلم تمليه علي وتأمرني بكتابته؟ أتتخوف علي النسيان؟ فقال: يا أخي، لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل، وقد أخبرني الله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.
الأئمة الأحد عشر عليهم السلام شركاء أمير المؤمنين عليه السلام
قلت: يا نبي الله، ومن شركائي؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي معه، الذين قال في حقهم: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فإن (خفتم التنازع في شئ فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم.
قلت: يا نبي الله، ومن هم؟ قال: الأوصياء إلى أن يردوا علي حوضي كلهم هاد مهتد لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم. هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم. بهم ينصر الله أمتي وبهم يمطرون، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم.
فقلت (2): يا رسول الله، سمهم لي. فقال: ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم ابن ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم ابن له على اسمي، اسمه (محمد) باقر علمي وخازن وحي الله، وسيولد (علي) في حياتك يا أخي، فاقرأه مني السلام. ثم أقبل على الحسين عليه السلام فقال: سيولد لك (محمد بن علي) في حياتك فاقرأه مني السلام. ثم تكملة الاثني عشر إماما من ولدك يا أخي.
فقلت: يا نبي الله، سمهم لي. فسماهم لي رجلا رجلا. منهم - والله يا أخا بني هلال - مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء الجميع وقبائلهم.
____________
(1). سورة النساء: الآية 59. وتمام الآية هكذا: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
(2). هذه الفقرة في مختصر إثبات الرجعة هكذا: (قلت: سمهم لي يا رسول الله، قال: أنت يا علي أولهم، ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام - ثم ابني هذا - ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام - ثم سميك علي ابنه زين العابدين، وسيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني السلام. ثم ابنه محمد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى. ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي والمنتقم من أعدائي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام:
والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وأعرف قبائلهم.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 185
--------------------------------------------------------------------------------
2
تقرير الأئمة عليهم السلام لسليم في نقل هذا الحديث
قال سليم: ثم لقيت الحسن والحسين صلوات الله عليهما بالمدينة (1) بعد ما قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما. فقالا: صدقت، حدثك أبونا علي عليه السلام بهذا الحديث ونحن جلوس، وقد حفظنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما حدثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئا.
قال سليم: ثم لقيت علي بن الحسين عليه السلام - وعنده ابنه محمد بن علي عليه السلام - فحدثته بما سمعته من أبيه وعمه وما سمعته من علي عليه السلام. فقال علي بن الحسين عليه السلام: قد أقرأني أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله، السلام وهو مريض وأنا صبي.
ثم قال محمد عليه السلام: وقد أقرأني جدي الحسين عليه السلام بعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله - وهو مريض - السلام.
قال أبان: فحدثت علي بن الحسين عليه السلام بهذا الحديث كله عن سليم، فقال: صدق سليم، وقد جاء جابر بن عبد الله الأنصاري إلى ابني وهو غلام يختلف إلى، الكتاب (2) فقبله واقرأه من رسول الله صلى الله عليه وآله السلام. (3)
____________
(1). في (د) وفي إعتقادات الصدوق: بالمدينة بعد ما ملك معاوية.
(2). الكتاب بمعنى موضع التعليم.
(3). روي في البحار: ج 36 ص 360 ح 230 بأسناده عن زيد بن علي قال: كنت عند أبي علي بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري. فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد (يعني الإمام الباقر عليه السلام) من بعض الحجر. فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال: يا غلام، أقبل، فأقبل. ثم قال: أدبر، فأدبر. فقال: شمائل كشمائل رسول الله ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد. قال: ابن من؟ قال: ابن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. قال: أنت إذا الباقر. قال: فانكب عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال: يا محمد، إن رسول الله يقرؤك السلام. قال: على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام. ثم عاد إلى مصلاه. فأقبل يحدث أبي ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوما: يا جابر، إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام، فإنه سميي وأشبه الناس بي....
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 186
--------------------------------------------------------------------------------
قال أبان: فحججت بعد موت علي بن الحسين عليه السلام، فلقيت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام فحدثته بهذا الحديث كله لم أترك منه حرفا واحدا. فاغرورقت عيناه ثم قال: صدق سليم، قد أتاني بعد أن قتل جدي الحسين عليه السلام وأنا قاعد عند أبي فحدثني بهذا الحديث بعينه. فقال له أبي: صدقت، قد حدثك أبي بهذا الحديث بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام ونحن شهود. ثم حدثاه بما هما سمعا من رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال حماد بن عيسى: قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله عليه السلام فبكى وقال:
صدق سليم، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال: سمعت هذا الحديث من أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله سليم. (1)
3
غدر الأمة بأهل بيت نبيها عليهم السلام
قال أبان: ثم قال لي أبو جعفر الباقر عليه السلام: ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا، وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس!!
إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى الناس بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب.
____________
(1). جاء هذه الفقرة في آخر حديث سليم في مختصر إثبات الرجعة، رواها الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حماد بن عيسى عن الإمام الصادق عليه السلام. راجع (مختصر إثبات الرجعة) لابن شاذان، مخطوطة في مكتبة آستان قدس رقمها 7442 و طبع بأجمعه في مجلة (تراثنا) العدد 15. ثم إن حماد بن عيسى من رواة كتاب سليم بأجمعه.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 187
--------------------------------------------------------------------------------
السقيفة لأبي بكر وعمر
فتظاهروا على علي عليه السلام، فاحتج عليهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وما سمعته العامة.
فقالوا: صدقت، قد قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ولكن قد نسخه فقال: (إنا أهل بيت أكرمنا الله عز وجل واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة) فشهد بذلك أربعة نفر: عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، فشبهوا على العامة وصدقوهم وردوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها من حيث جعلها الله.
واحتجوا على الأنصار بحقنا وحجتنا فعقدوها لأبي بكر. ثم ردها أبو بكر إلى عمر يكافيه بها.
الشورى لعثمان
ثم جعلها عمر شورى بين ستة، فقلدوها عبد الرحمن. ثم جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردها عليه، فغدر به عثمان وأظهر ابن عوف كفره وجهله وطعن عليه (1) في حياته وزعم ولده أن عثمان سمه فمات.
حروب الجمل وصفين والنهروان
ثم قام طلحة والزبير فبايعا عليا عليه السلام طائعين غير مكرهين. ثم نكثا وغدرا، ثم ذهبا بعائشة معهما إلى البصرة مطالبة بدم عثمان. ثم دعا معاوية طغاة أهل الشام إلى الطلب بدم عثمان ونصب لنا الحرب. ثم خالفه أهل حروراء على أن يحكم بكتاب الله وسنة نبيه،
____________
(1). روى العلامة الأميني في الغدير: ج 9 ص 86: أنه لما أحدث عثمان ما أحدث، قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك. فقال: ما كنت أظن هذا به، لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا. ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان. ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه. مات عبد الرحمن سنة 32.
وروى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 319 عن الثقفي في تاريخه قال: كثر الكلام بين عبد الرحمن وبين عثمان حتى قال عبد الرحمن: أما والله لئن بقيت لك لأخرجنك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه، وما غررتني إلا بالله.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 188
--------------------------------------------------------------------------------
فلو كانا حكما بما اشترط عليهما لحكما أن عليا عليه السلام (1) أمير المؤمنين في كتاب الله وعلى لسان نبيه وفي سنته، فخالفه أهل النهروان وقاتلوه. (2)
النكث والغدر بالإمامين الحسن والحسين عليهما السلام
ثم بايعوا الحسن بن علي عليه السلام بعد أبيه وعاهدوه، ثم غدروا به وأسلموه ووثبوا عليه حتى طعنوه بخنجر في فخذه وانتهبوا عسكره وعالجوا خلاخيل أمهات أولاده.
فصالح معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وشيعته، وهم قليل حق قليل، حين لا يجد أعوانا.
ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا. ثم غدروا به، ثم خرجوا إليه فقاتلوه حتى قتل.
مظلومية الشيعة في عصر زياد وابن زياد والحجاج
ثم لم نزل أهل البيت - منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله - نذل ونقصي ونحرم ونقتل ونطرد ونخاف على دمائنا وكل من يحبنا. ووجد الكاذبون لكذبهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاتهم وعمالهم في كل بلدة، يحدثون عدونا عن ولاتهم الماضين بالأحاديث الكاذبة الباطلة، ويروون عنا ما لم نقل تهجينا منهم لنا وكذبا منهم علينا وتقربا إلى ولاتهم وقضاتهم بالزور والكذب.
وكان عظم ذلك وكثرته في زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت الشيعة في كل بلدة قطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على التهمة والظنة من ذكر حبنا والانقطاع إلينا (3).
____________
(1). الضمير في (كانا حكما) راجع إلى (الحكمين).
(2). في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد هيهنا زيادة هكذا: ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا ونصب الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود.
(3). في شرح نهج البلاغة هكذا: وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 189
--------------------------------------------------------------------------------
ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسين عليه السلام. ثم جاء الحجاج فقتلهم بكل قتلة وبكل ظنة وبكل تهمة، حتى أن الرجل ليقال له (زنديق) أو (مجوسي) كان ذلك أحب إليه من أن يشار إليه أنه من (شيعة الحسين صلوات الله عليه)!!
4
تاريخ الجعل والتحريف في الأحاديث
وربما رأيت الرجل الذي يذكر بالخير - ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد مضى من الولاة، لم يخلق الله منها شيئا قط، وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد سمعها منه ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع. ويروون عن علي عليه السلام أشياء قبيحة، وعن الحسن والحسين عليهما السلام ما يعلم الله أنهم قد رووا في ذلك الباطل والكذب والزور.
نماذج من الأحاديث المختلقة
قال: قلت له: أصلحك الله، سم لي من ذلك شيئا. (1) قال: رووا (أن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر)، و (أن عمر محدث)، و (أن الملك يلقنه)، و (أن السكينة تنطق على لسانه)، و (أن عثمان، الملائكة تستحي منه)، و (أن لي وزيرا من أهل السماء
____________
(1). لقد قام العلامة الأميني في موسوعته (الغدير) بإيراد سلسلة من الموضوعات بشأن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية مشفوعا بذكر المصادر الناقلة لها من كتب القوم، وأثبت بالأدلة القاطعة أنها مما وضعته أيدي الكذابين الوضاعين. وذلك في ج 5 ص 378 - 297، ج 6 ص 96 - 87، ج 8 ص 96 - 33، ج 9 ص 396 - 273، ج 10 ص 138 - 70، ج 11 ص 101 - 75. هذا وقد أورد في البحار: ج 49 ص 208 - 189 احتجاج الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام مع العلماء بحضور المأمون في نفس الموضوع.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 190
--------------------------------------------------------------------------------
ووزيرا من أهل الأرض " (1)، و " أن اقتدروا بالذين من بعدي "، و " أثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد) (2) - حتى عدد أبو جعفر عليه السلام أكثر من مائة رواية يحسبون أنها حق - فقال عليه السلام: هي والله كلها كذب وزور.
قلت: أصلحك الله لم يكن منها شئ؟ قال عليه السلام: منها موضوع ومنها محرف، فأما المحرف فإنما عنى (إن عليك نبي الله وصديقا وشهيدا) يعني عليا عليه السلام، فقبلها. (3)
ومثله (4) (كيف لا يبارك لك وقد علاك نبي وصديق وشهيد) يعني عليا عليه السلام. وعامها كذب وزور وباطل.
اللهم اجعل قولي قول رسول الله صلى الله عليه وآله، وقول علي عليه السلام ما اختلف فيه أمة محمد من بعده إلى أن يبعث الله المهدي عليه السلام.
____________
(1). أورده في الغدير: ج 5 ص 318 هكذا: (إن الله أيدني بأربعة وزراء. قلنا: من هؤلاء الوزراء يا رسول الله؟
قال: اثنين من أهل السماء واثنين من أهل الأرض. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل السماء؟ قال: جبرئيل وميكائيل. قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض - أو من أهل الدنيا -؟ قال: أبو بكر وعمر!!
(2). روي في البحار: ج 17 ص 288 عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله على جبل حراء، إذ تحرك الجبل. فقال له: (قر، فليس عليك إلا نبي وصديق شهيد). فقر الجبل مجيبا لأمره ومنتهيا إلى طاعته.
وأورده في الغدير: ج 9 ص 332 هكذا: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان بحراء. فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض. فركضه برجله فقال: اسكن، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد). وفسرت العامة (الشهيد) بعثمان، وفي بعض رواياتهم بأبي بكر وعمر كما في الغدير: ج 10 ص 73.
(3). معناه على الظاهر: فقبل حراء كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسكن.
1
أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على المسلمين في عصر عثمان
أبان عن سليم قال: رأيت عليا عليه السلام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون الفقه والعلم.
فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم من الفضل، مثل قوله: (الأئمة من قريش)، وقوله: (الناس تبع لقريش) و (قريش أئمة العرب)، وقوله: (لا تسبوا قريشا)، وقوله: (إن للقرشي قوة رجلين من غيرهم)، وقوله:
(أبغض الله من أبغض قريشا)، وقوله: (من أراد هوان قريش أهانه الله).
وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم من الفضل. وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته (1) وحنظلة بن الراهب غسيل الملائكة (2) والذي حمته الدبر (3)، حتى لم يدعوا شيئا من فضلهم، فقال
____________
(1). في الإحتجاج زيادة هكذا: وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته، و (إن العرش اهتز لموته)، وقوله صلى الله عليه وآله - لما جيئ إليه بمناديل من اليمن فأعجب الناس - فقال: (لمناديل سعد في الجنة أحسن منها).
ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله في جنازة سعد: إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء، فتأسيت بها وكانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث ما أخذ من سريره. راجع البحار: ج 10 ص 43 و ج 20 ص 236.
(2). هو الذي استشهد يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت الملائكة يغسلون ابن أبي عامر. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة سأل زوجته عن حاله، قالت: لما كان حنظلة راغبا في الجهاد توجه إلى الحرب بدون أن يغتسل للجنابة فلذا يقال له: (غسيل الملائكة). راجع البحار: ج 20 ص 47 و 58.
(3). الدبر بالفتح جماعة النحل والزنابير. فسر أهل الغريب بهما في قصة عاصم بن ثابت الأنصاري المعروف بحمى الدبر. أصيب يوم أحد فمنعت النحل الكفار منه. روي في البحار: ج 20 ص 152: أن المشركين أحاطوا بعاصم بن ثابت فقتلوه، وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر لأنه قتل ابنيها يوم أحد. فحمته الدبر، فقالوا: امهلوه حتى يمسي فتذهب عنه.
فبعث الله الوادي (أي السيل) فاحتمله، فسمي (حمى الدبر).
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 192
--------------------------------------------------------------------------------
كل حي: (منا فلان وفلان).
وقالت قريش: (منا رسول الله صلى الله عليه وآله ومنا حمزة بن عبد المطلب ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحارث وزيد بن حارثة (1) وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو عبيدة وسالم وابن عوف). فلم يدعوا أحدا من الحيين من أهل السابقة إلا سموه.
وفي الحلقة أكثر من مأتي رجل، منهم مسانيد إلى القبلة ومنهم في الحلقة. فكان ممن حفظت من قريش: علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة (2) وعبد الله بن عمر والحسن والحسين عليهما السلام وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر وعبيد الله بن العباس، ومن الأنصار (3): أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب
____________
(1). أبو الحارث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، صحابي كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وآله بعشر سنين. شهد بدرا وتوفي عائدا منها عن 63 سنة.
وزيد بن حارثة هو الذي تبناه رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله أميرا على سرية مؤتة من أرض الشام فقتل هناك في سنة ثمان من الهجرة.
(2). هاشم بن عتبة المرقال الزهري كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من الفضلاء الأخيار. كان من الأبطال، فقعت عينه يوم اليرموك. شهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين وأبلى بلاء حسنا وقتل في صفين.
(3). زيد بن ثابت بن ضحاك الأشعري الخزرجي الأنصاري صحابي مات سنة 51. كان عثمانيا ولم يشهد مع علي عليه السلام شيئا من حروبه.
وأبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام. شهد بدرا واحدا والعقبة وسائر المشاهد وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ممن أنكر على أبي بكر وشهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها وكان على مقدمته يوم النهروان.
وأبو الهيثم مالك بن تيهان الأوسي الأنصاري، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر غصب الخلافة ولزم أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استشهد بين يديه بصفين.
ومحمد بن مسلمة هو الذي اعتزل عن القتال مع أمير المؤمنين عليه السلام ولم يشهد شيئا من حروبه ومات بالمدينة سنة 46.
وأبو مريم الأنصاري من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.
وأبو معاوية عبد الله بن أبي أوفى صحابي شهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد، وتحول إلى الكوفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وتوفي سنة 86.
أبو ليلى والد عبد الرحمن، يقال إنه استشهد بصفين. وقد مر ترجمة عبد الرحمن في مفتتح الكتاب.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 193
--------------------------------------------------------------------------------
الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان ومحمد بن مسلمة وقيس بن سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وأبو مريم وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد بجنبه، غلام أمرد صبيح الوجه.
وجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة.
قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، فلا أدري أيهما أجمل، غير أن الحسن أعظمهما وأطولهما.
فأكثر القوم، وذلك من بكرة إلى حين الزوال - وعثمان في داره لا يعلم بشئ مما هم فيه - وعلي بن أبي طالب عليه السلام ساكت لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته.
2
احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام
فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن، ما يمنعك أن تتكلم؟ قال عليه السلام: ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا. ثم قال: يا معاشر قريش، يا معاشر الأنصار، بمن أعطاكم الله هذا الفضل؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم، أم بغيركم؟ قالوا: بل أعطانا الله ومن علينا برسول الله صلى الله عليه وآله
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 194
--------------------------------------------------------------------------------
وبه أدركنا ذلك كله ونلناه. فكل فضل أدركناه في دين أو دنيا فبرسول الله صلى الله عليه وآله لا بأنفسنا ولا بعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا.
قال: صدقتم، يا معاشر قريش والأنصار. أتقرون أن الذي نلتم به خير الدنيا والآخرة منا خاصة - أهل البيت - دونكم جميعا، وأنكم سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
(إني وأخي علي بن أبي طالب بطينة واحدة إلى آدم)؟ (1) قال أهل بدر وأهل أحد وأهل السابقة والقدمة: نعم، سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال: أتقرون أن ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (إني وأهل بيتي كنا نورا يسعى بين يدي الله، قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة. فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم. ثم لم يزل الله ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة بين الآباء والأمهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط)؟ فقال أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد: نعم، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال: فأنشدكم الله، أتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين كل رجلين من أصحابه وآخى بيني وبين نفسه وقال: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة)؟ فقالوا: اللهم نعم.
قال: أتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشترى موضع مسجده فابتناه ثم بنى عشرة منازل، تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي.
فتكلم في ذلك من تكلم، فقال صلى الله عليه وآله: (ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه). ولقد نهى الناس جميعا أن يناموا في المسجد غيري، وكنت أجنب في المسجد، ومنزلي ومنزل رسول الله صلى الله عليه وآله واحد في المسجد، يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله
____________
(1). راجع عن بدء خلق أهل البيت عليهم السلام: البحار: ج 25.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 195
--------------------------------------------------------------------------------
ولي فيه أولاد؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد فأبى عليه (1)، ثم قال صلى الله عليه وآله: (إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيره وغير هارون وابنيه، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وأخي وابنيه)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعاني يوم غدير خم فنادى لي بالولاية، ثم قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب. قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله - حين دعا أهل نجران إلى المباهلة - إنه لم يأت إلا بي و بصاحبتي وابني؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أتعلمون أنه دفع إلي لواء خيبر ثم قال: (لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار يفتحها الله على يديه)؟ قالوا: اللهم نعم.
____________
(1). روي في البحار: ج 39 ص 23: أنه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بسد الأبواب جاء عمر بن الخطاب فقال: إني أحب النظر إليك يا رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مررت إلى مصلاك، فائذن لي في خوخة أنظر إليك منها. فقال:
قد أبى الله ذلك. فقال: فمقدار ما أضع عليه وجهي. قال: قد أبى الله ذلك. قال: فمقدار ما أضع عليه عيني. فقال: قد أبى الله ذلك، ولو قلت (قدر طرف إبرة) لم آذن لك. والذي نفسي بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم ولكن الله أدخلهم وأخرجكم....
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 196
--------------------------------------------------------------------------------
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعثني بسورة براءة ورد غيري - بعد أن كان بعثه - بوحي من الله وقال: (إن العلي الأعلى يقول: إنه لا يبلغ عنك إلا رجل منك)؟ قالوا:
اللهم بلى. (1)
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تنزل به شديدة قط إلا قدمني لها ثقة بي، وأنه لم يدعني باسمي قط إلا أن يقول: (يا أخي) و (ادعوا لي أخي)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بيني وبين جعفر وزيد في ابنة حمزة فقال:
(يا علي، أما أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن بعدي)؟ قالوا: اللهم نعم. (2)
قال: أفتقرون أنه كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وآله في كل يوم وليلة دخلة وخلوة، إذا
____________
(1). روي في البحار: ج 35 ص 295 عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس. فنزل جبرئيل فقال: (لا يبلغ عنك إلا علي). فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام فأمره أن يركب ناقته العضباء وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على الناس بمكة. فقال أبو بكر: أسخطة؟ فقال: لا، إلا أنه أنزل عليه أنه لا يبلغ إلا رجل منك. فلما قدم علي عليه السلام مكة - وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر - قام ثم قال: إني رسول رسول الله إليكم، فقرأها عليهم: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)، عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر. وقال: (لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك. ألا من كان له عهد عند رسول الله فمدته إلى هذه الأربعة أشهر). راجع البحار: ج 35 ص 284 ب 9، والغدير: ج 6 ص 341 (2). في البحار: ج 20 ص 372 وصحيح البخاري: ج 3 ص 168: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرج من مكة بعد عمرة القضاء تبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم. فتناولها علي وقال لفاطمة عليها السلام: دونك بنت عمك، فحملتها. فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة وجعفر. قال علي عليه السلام: أنا أحق بها وهي بنت عمي. وقال جعفر: بنت عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: بنت أخي. فقضى بها النبي صلى الله عليه وآله لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الأم)، وقال لعلي عليه السلام: (أنت مني وأنا منك). وقال لجعفر: (أشبهت خلقي وخلقي) وقال لزيد:
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله فضلني على جعفر وحمزة، فقال لفاطمة عليها السلام: (إني زوجتك خير أهلي وخير أمتي وأقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما)؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني أن أغسله، وأخبرني أن جبرئيل يعينني على غسله؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أنشدكم بالله، أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في آخر خطبة خطبكم: (أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي)؟ قالوا: اللهم نعم.
ثم قال (1) علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية، وإني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وآله أحد من هذه الأمة؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت (والسابقون الأولون من المهاجرين
____________
(1). زاد في (الإحتجاج) هنا هذه الفقرة: ثم قال: أنشدكم بالله، أتعلمون أني أول الأمة إيمانا بالله وبرسوله؟
والأنصار) (1)، (والسابقون السابقون أولئك المقربون) (2)، سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء؟ قالوا: اللهم نعم.
يوم غدير خم على لسان أمير المؤمنين عليه السلام
قال: فأنشدكم، أتعلمون حيث نزلت (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (3)، وحيث نزلت (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (4)، وحيث نزلت (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) (5)، قال الناس: يا رسول الله، خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟
فأمر الله عز وجل أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم. فنصبني للناس بغدير خم، ثم خطب وقال:
(أيها الناس، إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس تكذبني فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني).
ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال: (أيها الناس، أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم)؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: (قم، يا علي). فقمت، فقال: (من كنت مولاه فعلي هذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
____________
(1). سورة التوبة: الآية 100، وتمام الآية هكذا: (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم).
(2). سورة الواقعة: الآية 10.
(3). سورة النساء: الآية 59.
(4). سورة المائدة: الآية 55.
(5). سورة التوبة: الآية 16.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 199
--------------------------------------------------------------------------------
فقام سلمان فقال: يا رسول الله، ولاء كما ذا؟ فقال: (ولاء كولايتي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه). فأنزل الله تعالى ذكره: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). (1) فكبر النبي صلى الله عليه وآله وقال: (الله أكبر، تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي).
فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله، هذه الآيات خاصة في علي؟ قال: بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. قالا: يا رسول الله، بينهم لنا. قال: علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي حوضي.
فقالوا كلهم: اللهم نعم، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء. وقال بعضهم: قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظه كله، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.
فقال علي عليه السلام: صدقتم، ليس كل الناس يستوون في الحفظ، أنشد الله من حفظ ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله لما قام فأخبر به.
فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وأبو ذر والمقداد وعمار فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول النبي صلى الله عليه وآله - وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه - وهو يقول: (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي، وأمركم فيه بولايته. وإني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم، فأوعدني لتبلغنها أو ليعذبني.
أيها الناس، إن الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم، وبالزكاة والصوم والحج