4 ـ حديث « مَن مات ولم يَعرِف إمام زمانه ماتّ مِيتةً جاهليّة »
روى علماء المسلمين عامة في آُمّهات كتب الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: « مَن ماتَ ولم يَعرِف إمامَ زمانه، فقد ماتَ مِيتةً جاهليّة »(18).
وورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة تتّفق في معنى واحد، وهو وجوب معرفة الإمام الحقّ على كلّ مسلم ومسلمة، وإلاّ فإنّ مصيره يُنذر بنهاية مهولة.
ولا ريب في أنّ الإمام الذي مَن لا يعرفه يموت مِيتةً جاهليّة هو الإمام الحقّ؛ لأنّ معرفة السلطان أو الحاكم أو المَلِك الفاسق الظالم ـ إذا فُرض كَونه مصداقاً للإمام في الحديث ـ ليس من الدِّين، فضلاً عن انتفاء الثمرة من معرفة مثل هذا الإمام مِن قِبل الفرد المسلم.
وفي الحديث دلالة على استمرار وجود الإمام الحقّ في كلّ زمان، وعدم خلوّ عصرٍ ما منه، وهذا لا يتمّ إلاّ بالقول بوجود الإمام المهدي عليه السّلام الذي وردت الرواية أنّه حقّ وأنّه مِن وُلدِ فاطمة عليها السّلام، كما سيأتي.
5 ـ أحاديث « الخلفاء اثنا عشر »
روى علماء المسلمين ـ ومن جملتهم البخاري ومُسلم ـ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه بَشَّر أُمّته بالأئمّة الاثني عشر عليهم السّلام، حيث رَوَوا أنّه قال صلّى الله عليه وآله: لا يزالُ الدِّين قائماً حتّى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفةً كلُّهم من قُريش »(19)، وفي حديث آخر « يكون اثنا عشر أميراً كلُّهم من قُريش »(20). كما رووا أنّ ابن مسعود سئل: يا أبا عبدالرحمن، هل سألتُم رسولَ الله صلّى الله عليه وآله كم يَملِك هذه الأُمّةَ مِن خليفة ؟ فقال: نعم، ولقد سألنا رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: اثنا عشر كعِدّة نُقباء بني إسرائيل »(21).
وفي الحديث الأخير إشارة إلى قوله تعالى: ولقد أخَذَ اللهُ ميثاقَ بني إسرائيلَ وبَعَثنا مِنهمُ اثنَي عَشَرَ نَقيباً (22)، حيث بيّن النبيّ صلّى الله عليه وآله في أحاديث أُخرى أنّ هذه الأمّة ستقتفي أثرَ السالفة ـ خاصّة بني إسرائيل ـ حتّى لو دخل أولئكم جُحرَ ضَبّ، لَدخَلَتْه هذه الأُمّة(23). وقد فطن العلماء إلى هذه السُّنّة الإلهيّة، فأورد بعضهم ـ كما فعل ابن كثير الدمشقي في تفسيره ـ أحاديث « الأئمّة آثنا عشر كلّهم من قريش » في ذيل هذه الآية الكريمة، ثمّ عقّب على ذلك بقوله « والظاهر أن منهم ( من الخلفاء الاثني عشر ) المهديّ المُبشَّر به في الأحاديث الواردة بذِكره(24).
ومن الجليّ ـ أيّها الأصدقاء ـ أنّ المصداق الوحيد للأئمّة ( الخلفاء ) الاثني عشر المبشّر بهم هم أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، والمهديّ المنتظر عليه السّلام منهم. كما أنّ من البديهيّ بمكان أن النبيّ صلّى الله عليه وآله إنّما أراد الاستخلاف والإمرة باستحقاق(25)، وحاشاه أن يقصد بذلك مَن تلاعَبَ بالدِّين واستخفّ بمقدّرات الأمّة(26). يُضاف إلى ذلك أنّ هذه الأحاديث تفترض عدم خلوّ الزمان من الآثني عشر إماماً، وأنّه لابدّ من وجود أحدهم ما بقي الدين إلى أن تقوم الساعة.
ولا يخفى أن حديث « الخلفاء اثنا عشر » قد سبق التسلسلَ التاريخيَّ للأئمّة عليهم السّلام، فكان تعبيراً عن حقيقة ربّانية نطق بها مَن لا ينطق عن الهوى. وقد وردت أحاديث أخرى نقلها علماء المسلمين في النصّ على هؤلاء الخلفاء ( الأئمّة ) بأسمائهم، ابتداءً بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وانتهاء بالمهديّ: محمّد بن الحسن العسكريّ عليهما السّلام
(27)، كما رووا عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، المهديّ منّا أئمّة الهُدى أم مِن غيرِنا ؟
قال: بل منّا، بنا يُختَم الدين كما بنا فُتِح(28).
--
18 ـ صحيح البخاري 13:5 ـ باب الفتن. صحيح مسلم 21:6 ـ 22 حديث 1849. مسند أحمد 96:4 حديث 16434، و 446:3 حديث 15269. المعجم الكبير، للطبرانيّ 10 حديث 10687. المعجم الأوسط، للطبرانيّ 243:4 حديث 3429.
19 ـ صحيح البخاري 164:4 ـ كتاب الأحكام، باب الاستخلاف. المعجم الكبير، للطبراني 2 حديث 1791 ـ 1801، و حديث 1849 ـ 1852. مجمع الزوائد، للهيثمي 191:5.
20 ـ صحيح مسلم 119:2 ـ كتاب الإمارة، باب « الناس تبعٌ لقريش ».
21 ـ مسند أحمد 90:5 و 93 و 97 و 100 و 106 و 107. مسند أبي يعلى الموصلي 222:9 حديث 5322. المعجم الكبير، للطبراني 10 حديث 10310. المستدرك، للحاكم 501:4.
22 ـ المائدة : 12.
23 ـ المستدرك، للحاكم 129:1. الفردوس، للديلمي 3 حديث 5346.
24 ـ تفسير ابن كثير الدمشقي 32:2 ذيل الآية 12 من سورة المائدة.
25 ـ جاء في « عون المعبود في شرح سنن أبي داود » ما نصّه: قال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث وما يتعقّبه في هذا المعنى، أنّه يُحمل على المُقسِطين منهم، فإنّهم هم المستحقّون لاسم الخليفة على الحقيقة ».
26 ـ يقول القندوزي الحنفي نقلاً عن بعض المحقّقين: لا يمكن أن يُحمَل هذا الحديث على الخلفاء بعده صلّى الله عليه وآله من أصحابه، لقلّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن نحمله على المُلوك الأمويّة، لزيادتهم على اثني عشر، ولظُلمهم الفاحش.. ولكَونهم غير بني هاشم، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال « كلّهم من بني هاشم » في رواية عبدالملك... ولا يمكن أن يُحمل على الملوك العبّاسيّة، لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلّة رعايتهم... فلابُدّ من أن يُحمل هذا الحديث على الأئمّة الآثني عشر من أهل بيته وعِترته صلّى الله عليه وآله؛ لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم وأورعهم وأتقاهم، وأعلاهم نَسَباً، وأفضلهم حَسَباً، وأكرمهم عند الله، وكانت علومهم عن آبائهم متّصلةً بجدّهم صلّى الله عليه وآله وبالوراثة واللَّدُنيّة ». ( ينابيع المودة 292:3 ـ 293، الباب 77 ).
27 ـ انظر ـ على سبيل المثال ـ: فرائد السمطين، للحمويني 132:2 حديث 431. ينابيع المودّة، للقندوزي 281:3 ـ 287، الباب 76.
28 ـ الفتن، لنعيم بن حمّاد 120. الحاوي للفتاوي، للسيوطي 61:2. ينابيع المودّة 391:3 ـ 392 حديث 33. المعجم الأوسط، للطبراني 136:1 حديث 157. شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: الخطبة 157.