بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الخلق و المرسلين
محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين
اعلم أن أجل اللذات و أعلاها معرفة الله تعالى و النظر إلى وجهه الكريم ، و أنه لا يتصور أن يؤثر عليه لذة أخرى إلا من حرم هذه اللذة ، و ذلك لأن اللذات تابعة للادراكات ، و الإنسان جامع لجملة من القوى و الغرائز و لكل قوة و غريزة لذة و لذتها في نيلها مقتضى طبعها التي خلقت له فغريزة الغضب خلقت للتشفي و الانتقام فلا جرم لذاتها في الغلبة و الانتقام ، و غريزة شهوة الطعام خلقت لتحصيل الغذاء الذي به القوام فلا جرم لذتها في نيل الغذاء و هكذا سائر الغرائز .
و في القلب غريزة تسمى بالبصيرة الباطنة ، و قد تسمى نور الإيمان و اليقين يعلم بها حقائق الأمور كلها ، فمقتضى طبعها المعرفة و العلم ، و العلم من أخص صفات الربوبية ، و هو منتهى الكمال ، و لذلك يرتاح الطبع إذا أثنى عليه بالذكاء ، و غزارة العلم ، لأنه يستشعر عند سماع الثناء كمال ذاته و جمال علمه ، فيعجب بنفسه و يتلذذ به .
ثم ليس لذة العلم بالحراثة و الخياطة كلذة العلم بسياسة الملك ، و لا لذة العلم بالنحو و الشعر كلذة العلم بالله و صفاته و ملائكته و ملكوت السماوات و الأرض ، بل لذة العلم بقدر شرف العلم ، و شرف العلم بقدر شرف المعلوم ، فإن كان في المعلومات ما هو الأجل و الأكمل و الأشرف و الأعظم فالعلم به ألذ العلوم لا محالة و أشرفها و أطيبها .
و ليت شعري هل في الوجود شيء أجمل و أعلى و أشرف و أكمل من خالق الأشياء كلها و مكملها و مربيها و مبديها و معيدها و مدبرها و مرتبها ، فينبغي أن يعلم أن لذة المعرفة بالله أقوى من سائر اللذات لمن له غريزة المعرفة ، ثم من عرف الله عرف أن اللذات المقرونة بالشهوات المختلفة كأنها منطوية تحت هذه اللذة كما قيل :