في شهر محرم الحرام ـ الجزء الأخيرـ
نستكمل في جزءنا هذا خصوصية وأهمية أقامة الشعائر الحسينية والموجبات المؤكدة والتي توجب زيارة سيد الشهداء سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين(ع) وقد ناقشنا في جزءنا السادس الدلائل والأسانيد التي تؤكد على على وجوب أحياء وإقامة الشعائر الحسينية ولنمتثل بقول أمامنا جعفر الصادق الذي يقول((أحيا الله من أحيا أمرنا)) وكل أئمتنا أمروا بإقامة الشعائر والذي أكدوا على أقامتها وضرورة زيارة كربلاء ومن هنا يقول أبي عبد الله الصادق(ع)في زيارة الأربعين ((أن في كل خطوة يخطيها إلى الحسين تكتب حجة وعمرة، إن الله ينظر إلى زوار أبي عبد الله الحسين قبل النظر إلى حجيج عرفة))وسوف يأتي من هؤلاء الدواب(أجلكم الله) ويعترض على هذا ونقول له إن الحسين(ع) قد وهب كل شيء لله خالصاً سبحانه وتعالى وكما قلنا سابقاً وهو الرب الذي يعرف قيمة كل عباده بحيث قال في حديث قدسي شريف ((عبدي طعني تكن مثلي تقول للشيء له كن فيكون))فكيف وهذا لخامس أصحاب الكساء الذي أطاع به وأخلص له إلا إن يكون ربه وهو الكريم في إعطاءه كل هذه المزايا والكرامات وهو الجواد السخي والذي يعطيها لإمامٍ خلق قبل آدم وأسمه مكتوب على يمين ساق العرش والتي يقول عنها نبينا الأكرم(ص) عندما أسري به ((إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة))إي أنه ينجي من يركبها ويهلك من تخلف عنها كسفينة نوح ولأزيد لك أخواني وأخواتي هناك حديث للرسول(ص) يقول وهو مسند من قبل كل الصحاح الستة والبخاري((ياتي قوم في أخر الزمان فكأما من زار الحسين فكأنما زارني ومن زارني فكأنما زار الله))فإذن زيارة الحسين هي زيارة لله فما أعظمها من زيارة التي تكون في ضيافة الله وسبحانه ومن هنا أكرمه الله في إن تحت قبته يستجاب الدعاء لأنك وصلت إلى الحضرة الآلهية عند قبة الحسين ومن هنا كانت كرامة استجابة الدعاء ومن هنا كان الحكم شرعي في إن الصلاة تكون فرضاً كاملاً تحت القبة وليس قصراً (أي ركعتين)لأنك في حرم من حرمات الله وهو ما أمرونا به أئمتنا المعصومين(سلام الله عليهم جميعاً) وهم عندما يقولون ذلك فهو إيحاء من الله لأن وكما ذكرنا في أجزاءنا السابقة أنهم حجج الله على أرضه ولديهم مواريث الأنبياء وإذا كانوا يقولون هذا القول عبثاً(حاش لله) فهذا يعني إن الله يصدر منه العبث وهذا مستحيل وهذا ما متفق في كل المذاهب أن الله سبحانه وتعالى له الكمال والعصمة الكاملة.
وجاء عن الحسين (ع) أنه قال ((من أحبنا كان منّا أهل البيت))وأستدل على ذلك بقوله تعالى تقريراً لقول لعبد الصالح ((فمن تبعني فإنّه مني)).وواضح أنِّ من أحبهم فسوف يتبعهم ومن تبعهم فأنه منهم.
ويقول (ع) ((ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله(ص) إلا من بغضهم علياً وولده)) المصدر:أعلام الهداية الإمام الحسين (سيد الشهداء).المجمع العلمي لأهل البيت.قم المقدسة.ص222.ومن هنا فإن كل يبغض أهل البيت ويحقد عليهم فهو منافق و مشرك بالله لهذا كان لنا حب أهل البيت وهو ما أمر به رسول الله(ص) ورب العزة والجلالة والآيات الخاصة موجودة ومعروفة من قبل الجميع.
ولنأتي إلى أمامنا علي الهادي(ع)الذي ألم به مرض وهو في سامراء وأوصى الصحابي أبو يوسف إن أي أحد يزور قبر جده الحسين(ع) إن يدعو له ويعطيه صرة من المال فذهب ووجد احد الموالين يزمع زيارة الحسين فأوصاه بالدعاء للإمام وأعطاه صرة المال عند ذلك عند ذلك سأله الموالي عن أنه كيف يدعو للإمام وهو حجة الله على أرضه وجده الحسين(ع) وهنا ساور الشك الصحابي أبو يوسف وذهب إلى الهادي(ع)وأبدى استغرابه وطرح عليه سؤال الموالي عند ذلك قال له (ع) ((يا أبو يوسف إن لله أماكن يحبُ إن يدعا فيها وقبر جدي الحسين من الأماكن التي يستحب فيها الدعاء))ولهذا كان يحضون يوصون بزيارة الحسين حتى أمامنا الباقر يقول إن زائر الحسين ((يكون في طوال زيارته تحفه الملائكة في ذهابه وإيابه وتكتب له السلامة وأن زيارة الحسين لا تحسب من عمر الزائر وتمد له في العمر والنماء في الرزق))وهذا موجود في كتاب الأمالي للطوسي ومفاتيح الجنان لعباس القمي. ولنأتي إلى زيارة جابر في الأربعين حيث إن زيارة هذا الصحابي الجليل والذي كان في ذلك قد بلغ من العمر عتياً وهو أعمى ولكن زاره بوصية من رسول الله حيث قال له ((يا جابر زر الحسين في كربلاء ..))وهوأمر من نبينا بالزيارة وكما أن قال له (ص) عندما سأله عن سبب تسمية أمامنا الباقر قال له روحي له الفداء ((لأنه باقر علوم الأولين والآخرين وسوف تدركه وأبلغه عني السلام))وقد وجده في زيارة الأربعين مع ركب زين العابدين وكان من العمر تقريباً أربع سنوات وابلغه جابر سلام النبي(ص)فرسول الله وهو نبي الأمة يوصي بالسلام على خامس أئمتنا المعصومين(عليهم السلام أجمعين)فهذا دلالة على مكانتهم وأمر النبي بمحبتهم وإتباعهم لأنهم هم القرآن الناطق الذي يسير في الأرض وهم الورثة الحقيقيين للنبوة ومهبط الوحي ومختلف الملائكة.
وهذا أمامنا علي موسى الرضا(ع)يقيم العزاء على جده الحسين(ع) في عاشوراء ويأتي الشاعر دعبل الخزاعي ينشد من الشعر في رثاء الحسين ويقول البيت المشهور :بيوتٍ خلت من آيات ...ويصل إلى بيت : أفاطم لو خلت الحسين...فيعلو البكاء في مجلس العزاء ويسمع بكاء وشهقة أمراة فيسأل دعبل عن مصدر هذا الصوت فيقول الرضا لا عليك فهذه أمنا فاطمة(ع) قد حضرت مجلسنا والبكاء على أبنها وهذا يعني حضور الزهراء روحي لها الفداء مجالس التي تقيمها الشيعة وهذا مايصرح على الدوام به خطباء المنبر الحسيني في مجالس العزاء فمن هنا نلاحظ ونستنتج إن أقامة مجالس العزاء والشعائر الحسينية هي أمر من نبيه الكريم(ص) وبعده كل أئمتنا المعصومين يحضون ويأمرون على أحياءها وإقامتها لكي يبقى ذكر الحسين حياً ونابضاً في قلوبنا وفي عقولنا وفي ضميرنا وفي وجداننا وكل وهج وألق الثورة الحسينية مشعة ويبقى الدين محمدي خالصاً لوجه الله جل وعلا.
ولأروي لكم حادثة حصلت في الأردن وهي أنه بعد سقوط الصنم أخذت الجالية العراقية بإقامة مجالس عزاء حيث صادف عاشوراء بعد سقوط المقبور صدام مباشرة وهناك التي قامت بذلك الجالية الشيعية في الأردن وفي قبور الصحابة التي تقع جنوب عمان وفيها قبر جعفر الطيار (ع)وعبد الله بن رواحة وآخرين ولاحظوا هذا العدد الكبير الموالين وتوزيع الطعام وبهذا النفس العالي في حب الحسين(ع) فاستغربوا من هذا الحدث الذي لم يألفوه وقام التلفزيون الأردني بنقل هذه الوقائع وهناك التقى المذيع بدكتور عراقي كان من المشاركين هناك وسأله سؤال باستفزاز وتهكم وقال له(أنه تقيمون المأتم على الحسين وقد مضى على موته أكثر من 1300 سنة)وهناقال له الأستاذ الذي أجابه بجواب جداً رائع لا زال أذكره وهو يعمل في أحدى الجامعات الأردنية هناك في ذاك الوقت قال له(من عندك ميت تعزه؟فاجابه بأن له جده.عند ذاك قال له هل تتذكره؟ أجابه بارتباك : لا.هناك قال له أنت أول سنة تذكرته وأقمت له العزاء وبعد السنة نسيته وهذا موجود لدى كل الناس ولهذا نحن نقيم هذه الشعائر الحسينية لكي يبقى ذكر الحسين حاضراً عندنا وما جرى فيها الظلم والضيم لأبن بنت رسول الله ونتذكر كل البطولة والشموخ والتي رافقت هذه الملحمة الخالدة)
وانقل لكم في ختام هذا البحث بعض ما قاله معاصريه في حق الحسين (ع)
1) قال عمر بن الخطاب للحسين (ع) فإنما انبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم انتم.
2) قال عثمان بن عفان بن عفان في الحسن والحسين (ع) وعبد الله بن جعفر: فطموا العلم فطماً وحازوا الخير والحكمة .
3) قال ابو هريرة : دخل الحسين بن علي وهو معتم، فظننت وان النبي قد بعث .
وكان الحسين (ع) في جنازة فأعيا وقعد في الطريق ،فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه فقال له : ياابا هريرة وأنت تفعل هذا، فقال له : دعني فوا لله لو يعلم الناس ما أعلم لحملوك على رقابهم .
4) اخذ عبد الله بن عباس بركاب الحسن و الحسين (ع) ،فعوتب في ذلك وقيل له : أنت أسن منهما! فقال :أن هذين ابنا رسول الله (ص) أفليس بسعادة آخذ بركابهما ؟.
5) قال انس ابن مالك (وكان قد رأى الحسين (ع) : كان أشبههم برسول الله (ص)
6) قال ابو برزة الاسلمي ليزيد حينما رآه ينكث ثغر الحسين (ع) : أتنكث بقضيبك في ثغر الحسين؟!أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذاً لربما رأيت رسول الله(ص) يرشفه . أما إنك يا يزيد تجيء يوم القيامة وأبن زياد شفيعك! ويجيء ومحمد شفيعه.
المصدر: إعلام الهداية . الإمام الحسين (سيد الشهداء).الجمع العلمي لأهل البيت ،قم المقدسة .ص29 ، 30.
وهذا عمر بن الخطاب عندما ساد القحط في المدينة المنورة وعدم هطول الأمطار يأخذ الحسن والحسين(ع) إلى جبل في المدينة ويستشفع بهم إلى الله لنزول المطر. وأيضاً بلال مؤذن الرسول يدعو عند قبر الرسول ويستشفع به والمصدر موجود في باب الشفاعة في صحيح البخاري.
وهذا الصحابي أبن مسعود الذي يدعو عند قبر الرسول فيأتيه اللعين مروان بن الحكم ويجذبه من كتفه ويقول له (أن هذا الرسول قد مات لن يفيدك في الدعاء عنده)عندذلك التفت إليه أبن مسعود وقال له (اخبرني حبيبي محمد بأن أكبر المصائب عندما يولونكم شرار أمتي)وهذا هو المنطق نفسه الذي ينادي به السلفية والنواصب والقاعدة فهم أحفادهم هؤلاء الملعونين من بني أمية آل زياد وآل سفيان وآل زياد(لعنهم الله أجمعين).
فإذن الشفاعة وزيارة القبور موجودة ولم ينهى عنها الرسول ولا صحابته ولكن المحدثين من الذين المحسوبين على الإسلام بدءً من معاوية وبالتسلسل هم الذين أبتدعوا بدعة عدم جواز زيارة القبور والاستشفاع بهم وكانوا وعاظ السلاطين الذين أغدقوا عليهم الأموال خير أبواق لهم ولحد الآن من الكتاب والمفتيين الدواب (أجلكم الله).
فالشيعة نحن
* قد أحببناه الحسين بعقولنا لأنه رسم المنهج العقلي والموضوعي لديننا الإسلامي الصحيح.
* وأحببناه بقلوبنا لأنه يمس شغاف فؤاد كل شيعي ومسلم شريف وكل إنساني يؤمن بقيم الحق والعدالة فهو أبو الضيم التي في فاجعة الطف التي حدثت قد أدمت كل القلوب وأضحت حرارة في قلوب كل مؤمن ولن تنطفئ هذه الحرارة إلا بظهور المهدي(عجل الله فرجه الشريف).
* وأحببناه بضمائرنا لأنة نادى بقيم العدالة والإنصاف وانتصار المظلوم على الظالم وسيادة الحق على الباطل.
* وأحببناه بحياتنا وبذلنا الغالي والنفيس في هذا الحب لأنه يمثل انتصار الدم على السيف فرسم بذلك طريق الحياة والخلود والوقوف بوجه الجبروت والطاغوت.
* وأحببناه باخرتنا لأنه مثل لنا الحبل المتين لله سبحانه وتعالى والعروة الوثقى والفوز بالتالي بجنة الخلد في اعلي عليين .
فهذا هو حبنا لسيد الشهداء روحي له الفداء والذي يبقى خالداً على مدى الزمان ليكون بالتالي المنهج الحقيقي لكل موالي ومسلم وأنساني شريف ولترتفع كل الرايات والبيارق لحب الحسين وأخيه العباس (ع) وأصحابه الميامين وليكونوا كواكب منيرة في سماء الخلد تظل منيرة على مدى التاريخ ولتعلم كل الأجيال معنى البطولة والشموخ والكبرياء والتضحية بكل معانيها السامية والنبيلة وبالتالي لترتفع المقولة بأعلى مضامينها ((انتصار الدم على السيف)).
وهذا هو ختام بحثي الذي أردت أن انهل هذا المنهل الصافي لفكر الثورة الحسينية الذي لا ينضب وأرجو إن يجد لديكم قبولاً حسناً والذي عندما أكتب وصدقوني تجري الكلمات وبدون أي شعور لتخرج هذه المقالات والتي طلبت من سيدي مولاي أبا عبد الله الحسين(ع)بالتفقه في سيرته وثورته وطلبت منه في أحدى زيارتي له وهذا ما حصل في كتاباتي التي كانت تكتب وببركات الحسين التي منّها عليه بجوده وببركاته لأنه لا يرد زائراً لضريحه الشريف عندما يطلب منه.
فالسلام عليك يا سيدي ومولاي يوم ولدت ويوم سماك جدك الحسين ويوم تقلدت الإمامة ويوم استشهدت وسفك دمك الشريف على أرض كربلاء والسلام عليك يوم تبعث حياً.
والسلام على جدك المصطفى محمد وعلى أبيك المرتضى علي وعلى أمك الزهراء فاطمة وعلى أخيك المجتبى الحسن والسلام على التسعة المعصومين من ولدك مابقي الليل والنهار وحشرنا الله معهم في زمرتهم وأنالنا شفاعتهم يوم الورد المورود.
والسلام على أخيك قمر العشيرة العباس(ع)وعلى أختك بطلة كربلاء الحوراء زينب وعلى أبنك على الأكبر وعلى رضيع أهل البيت وعلى آل بيتك وأصحابك المنتجبين.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ونسألكم الدعاء والمسألة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.