رسالة الورد إلى أحلى مهد
إلى ورد نيسان الذي يسكن في هاتيك الوديان ، فيسري أريجه متضوعاً في السهول والهضاب والبنيان فيلتذ لذة النشوان ، ويتمايل كأغصان البان .
بالله يا ريحي .. صفي تباريحي .. لمن لهم روحي .. معاً وأشجان
ياورد لقد عنفتني ولم تعذرني وكأنك لم تعرفني ، صدقني أنا لم أصدق ما قالوا فيك من ذلك الكلام الجارح ، لأني أعرفك معرفة المتعمق الشارح ، وإنما أردتُ معرفة أخبارك باختبارك حتى تعرف أحبابك من أشرارك ، وأنا والله مصدقك بكل ما تكلمت به وسوف أزيل عنك الشوك الذي كاد يعلق عليك فأنت من الآن حر طليق ، وسوف أسهل لك الطريق وأنقذك من ذلك الهم الذي كنت به غريق واطفء لهب السحر الذي أشعل لك الصنيق والحريق ، فطب نفساً يا ورد ما دمت للقطف لا تطيق ، فأنا بك مهتم شفيق .
يا ورد لا تظن إني أريد أو موافق بأن يقطفوك ويأخذوك لأنهم لو قطفوك لأصبحت أسيراً لغيري وطعماً لطائر غير طيري فأنا مسرور أن تبقى معي هكذا تنادمني وتساورني ، فأنا الوحيد الذي سيسقيك حتى يرويك لكن لا تقل بأنك أرتويت ،لأن المحب لو شرب ماء البحار لظل عطشان
شربت الحب كأساً بعد كأسٍ فما نفد الشراب وما رويتُ
سأسقيك ماء الحياة الذي به تنمو وتكبر ولن أدعك تصاب بالذبول ولن تغيب شمسك بالأفول مني أقترب ومن غيري إغترب ، وبسماع شدوي أنطرب ، فأنا طيرك الصداح وأنا بلبلك الذي إليه ترتاح ، أأُنسك في الليل الحالك حينما تكون لحالك ، فأنا ضعنك وترحالك ، وأنا شمسك في نهارك أنا أفهمك لأني مشربك ومطعمك ، عروقك في ترابي تشرب من ماء سحابي ، أُلبسك وشاح الجمال في الربيع وأجعلك في بستاني الوحيد الوديع ، وأنفحك بعطائي الوسيع .
أنا الحمرة التي بها جمالك ، فلا يخطر غيري في بالك .
أما تراني في صفاء الماء ، وفي زرقة السماء ، في الجبال واقف ، وفي كهوف الحب عاكف ، أما تسمع صوتي في تغريد حمامة الوادي ، وفي لحن الشادي .
إذا غردت ورقاء على غصن بانةٍ وجاوب قمري على الإيك ساجعُ
فأذني لم تسمع سوى نغمة الهوى فمنكم لا من الطير سامعُ
يا ورد لا تنشغل بالورود عن المورد ، بل إحذرها فإنها حواسد وكتم سرك عن الياسمين وعن جميع الرياحين ، بل وحتى عن الفل وعن الحبائب ككل ، فلا تفشي سرك لأي واحد حتى لا تكون أسيره وسيما ما بيني وبينك ، أما أنا فلا تخفي عني شيءً لأني سرك وسوف أُسرك ، سوف اسقيك بعيوني وأتعهدك بفنوني ، ولن تشغلني عنك شؤوني ، فما أحلى حمرة وجنتك عند بسمتك ، وما أجمل لفتتك عند مشيتك ، أشم رائحتك دون أن أراك فكيف لو حدث الإشتراك .
مهما تركوك يا ورد وذهبوا إلى الفل والياسمين فأنا سأتشبث بك كما تشبث يوسف بأخيه بنيامين ، ولن أتخلى عنك ولو عاداك جميع العالمين .