من بطولات الامام علي عليه السلام .. ( اعصار حــيـــدرة ) ..!
بتاريخ : 02-11-2012 الساعة : 06:48 PM
بسمه تعالى
السلام عليك يا أمير المؤمنين يا قائد الغر المحجلين..
السلام عليك يا ابا تُراب ورحمة الله وبركاته..
متباركين بعيد الله الأكبر عيد الغدير الأغر ..
حاصر رسول الله صلى الله عليه واله خيبر بضعا وعشرين ليلة ؛ وكانت الراية يومئذ لأمير المؤمنين فلحقه رمد أعجزه عن الحرب ، وكان المسلمون يناوشون اليهود من بين أيدي حصونهم وجنباتها. فلما كان ذات يوم فتحوا الباب ، وقد كانوا خندقوا على أنفسهم ، وخرج مرحب برجله يتعرض للحرب ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر فقال له : «خذ الراية» فأخذها - في جمع من المهاجرين - فاجتهد ولم يغن شيئا، فعاد يؤنب القوم الذين اتبعوه ويؤنبونه . فلما كان من الغد تعرض لها عمر، فساربها غيربعيد ، ثم رجع يجبن أصحابه ويجبنونه . فقال النبي صلى الله عليه وآله : «ليست هذه الراية لمن حملها ، جيئوني بعلي بن أبي طالب» فقيل له : إنه أرمد ، فقال : «أرونيه تروني رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يأخذها بحقها ليس بفرار» . فجاؤوا بعلي يقودونه إليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : «ما تشتكي يا علي ؟ قال : رمد ما أبصرمعه ، وصداع برأسي ، فقال له : اجلس وضع رأسك على فخذي» ففعل علي ذلك ، فدعا له النبي صلى الله عليه وآله وتفل في يده فمسحها على عينيه ورأسه ، فانفتحت عيناه وسكن ما كان يجده من الصداع ، وقال في دعائه له : «اللهم قه الحر والبرد» وأعطاه الراية - وكانت راية بيضاء - وقال له : «خذ الراية وامض بها، فجبرئيل معك ، والنصر أمامك ، والرعب مبثوث في صدور القوم ، واعلم - يا علي - أنهم يجدون في كتابهم : أن الذي يدمرعليهم إسمه اليا، فإذا لقيتهم فقل : أنا علي ، فإنهم يخذلون إن شاء الله». قال علي : «فمضيت بها حتى أتيت الحصون ، فخرج مرحب وعليه مغفر وحجرقد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز ويقول : قد علمت خيبرأني مرحب * شاك سلاحي بطل مجرب فقلت : أنا الذي سمتني أمي حيدرة * ليث لغابات شديد قسورة أكيلكم بالسيف كيل السندرة فاختلفنا ضربتين ، فبدرته فضربته فقددت الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع السيف في أضراسه وخر صريعا». وجاء في الحديث أن أمير المؤمنين لما قال : «أنا علي ابن أبي طالب» قال حبر من أحبار القوم : غلبتم وما أنزل على موسى. فدخل قلوبهم من الرعب ما لم يمكنهم معه الاستيطان به . ولما قتل أمير المؤمنين مرحبا، رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه ، فصار أمير المؤمنين إليه فعالجه حتى فتحه ، وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه ، فأخذ أمير المؤمنين باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم . فلما انصرفوا من الحصون ، أخذه أمير المؤمنين بيمناه فدحا به أذرعا من الأرض ، وكان الباب يغلقه عشرون رجلا منهم . وقد روى أصحاب الاثار عن الحسن بن صالح ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبدالله الجدلي قال : سمعت أمير المؤمنين يقول : «لما عالجت باب خيبرجعلته مجنا لي وقاتلت القوم فلما أخزاهم الله وضعت الباب على حصنهم طريقا ، ثم رميت به في خندقهم ؛ فقال له رجل : لقد حملت منه ثقلا! فقال : ما كان إلا مثل جنتي التي في يدي في غيرذلك المقام». وذكر أصحاب السير: أن المسلمين لما انصرفوا من خيبر راموا حمل الباب فلم يقله منهم إلا سبعون رجلا.
لما فض الله تعالى جمع المشركين بحنين ، تفرقوا فرقتين : فأخذت الأعراب ومن تبعهم إلى أوطاس ، وأخذت ثقيف ومن تبعها إلى الطائف . فبعث النبي صلى الله عليه واله أبا عامر الأشعري إلى أوطاس في جماعة منهم أبو موسى الأشعري ، وبعث أبا سفيان صخر بن حرب إلى الطائف . فاما أبو عامر فإنه تقدم بالراية وقاتل حتى قتل ، فقال المسلمون لأبي موسى : أنت ابن عم الأمير وقد قتل ، فخذ الراية حتى نقاتل دونها، فاخذها أبو موسى ،فقاتل المسلمون حتى فتح الله عليهم . وأما أبوسفيان فإنه لقيته ثقيف فضربوه على وجهه ، فانهزم ورجع إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : بعثتني مع قوم لا يرقع بهم الدلاء من هذيل والأعراب ، فما أغنوا عني شيئا، فسكت النبي صلى الله عليه وآله عنه . ثم سار بنفسه إلى الطائف ، فحاصرهم أياما، وأنفذ أمير المؤمنين في خيل ، وأمره أن يطأ ما وجد، ويكسر كل صنم وجده . فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب ، في غبش الصبح ، فقال : هل من مبارز؟ فقال أمير المؤمنين : «من له ؟» فلم يقم احد ، فقام اليه أمير المؤمنين فوثب ابو العاص بن الربيع زوج بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : تكفاه أيها الأمير، فقال : «لا، ولكن إن قتلت فانت على الناس» فبرز إليه أمير المؤمنين وهو يقول : «إن على كل رئيس حقا * أن يروي الصعدة أو تدقا» ثم ضربه فقتله ، ومضى في تلك الخيل حتى كسر الأصنام ، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو محاصر لأهل الطائف . فلما رآه النبي عليه وآله السلام كبر للفتح ، وأخذ بيده فخلا به وناجاه طويلا. فروى عبد الرحمن بن سيابة والأجلح - جميعا - عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري : أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما خلا بعلي بن أبي طالب يوم الطائف ، أتاه عمر بن الخطاب فقال : أتناجيه دوننا وتخلو به دوننا؟ فقال : «يا عمر، ما أنا انتجيته ، بل الله انتجاه». قال : فأعرض عمر وهو يقول : هذا كما قلت لنا قبل الحديبية : (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) فلم ندخله وصددنا عنه ، فناداه النبي صلى الله عليه وآله : «لم أقل إنكم تدخلونه في ذلك العام !».
كانت غزاة السلسلة وذلك أن أعرابيا جاء إلى النبي عليه وآله السلام فجثا بين يديه وقال له : جئتك لأنصح لك . قال : «وما نصيحتك ؟» قال : قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل ، وعملوا على أن يبيتوك بالمدينة . ووصفهم له . فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن ينادى بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إن هذا عدو الله وعدوكم قد عمل على تبييتكم ، فمن لهم ؟» فقام جماعة من أهل الصفة، فقالوا : نحن نخرج إليهم - يا رسول الله - فول علينامن شئت . فأقرع بينهم ، فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم ،فاستدعى أبا بكر فقال له : «خذ الراية وامض الى بني سليم فإنهم قريب من الحرة» فمض ومعه القوم حتى قارب أرضهم ، فكانت كثيرة الحجارة والشجر، وهم ببطن الوادي ، والمنحدر إليه صعب . فلما صار أبو بكر إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا، وانهزم أبوبكرمن القوم . فلما وردواعلى النبي صلى الله عليه واله عقد لعمر بن الخطاب وبعثه إليهم ، فكمنوا له تحت الحجارة والشجر، فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه . فساء رسول الله صلى الله عليه واله ذلك ، فقال له عمرو بن العاص : ابعثني - يا رسول الله - إليهم ، فإن الحرب خدعة ، ولعلي أخدعهم . فأنفذه مع جماعة ووصاه ، فلما صار الى الوادي خرجوا إليه فهزموه ، وقتلوا من أصحابه جماعة. ومكث رسول الله صلى الله عليه وآله أياما يدعو عليهم ،ثم دعا امير المؤمنين علي بن أبي طالب فعقد له ، ثم قال : «أرسلته كرارا غير فرار» ورفع يديه إلى السماء وقال : «اللهم إن كنت تعلم أني رسولك ، فاحفظني فيه وافعل به وإفعل» فدعا له ما شاء الله . وخرج علي بن أبي طالب ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله لتشييعه ، وبلغ معه الى مسجد الأحزاب ،وعلي على فرس أشقر مهلوب، عليه بردان يمانيان ، وفي يده قناة خطية، فشيعه رسول الله صلى الله عليه واله وأنفذ معه فيمن أنفذ أبا بكر وعمر وعمرو بن العاص ، فسار بهم نحو العراق متنكبا للطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غيرذلك الوجه ، ثم أخذ بهم على محجة غامضة، فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه ، وكان يسير الليل ويكمن النهار. فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يكعموا الخيل ، ووقفهم مكانا وقال : «لا تبرحوا» وانتبذ أمامهم فأقام ناحية منهم . فلما رأى عمرو بن العاص ما صنع لم يشك أن الفتح يكون له ، فقال لأبي بكر: أنا أعلم بهذه البلاد من علي ، وفيها ما هوأشد علينا من بني سليم ، وهي الضباع والذئاب ، وإن خرجت علينا خشيت أن تقطعنا، فكلمه يخل عنا نعلو الوادي . قال : فانطلق أبو بكر فكلمه فاطال ، فلم يجبه أمير المؤمنين حرفا واحدا، فرجع إليهم فقال : لا والله ما أجابني حرفا . فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب : أنت أقوى عليه ، فانطلق عمر فخاطبه فصنع به مثل ما صنع بأبي بكر، فرجع إليهم فأخبرهم أنه لم يجبه . فقال عمرو بن العاص : إنه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا، انطلقوا بنا نعلو الوادي ، فقال له المسلمون : لا والله لا نفعل ، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نسمع لعلي ونطيع ، فنترك أمره ونسمع لك ونطيع ؟! فلم يزالوا كذلك حتى احس أمير المؤمنين الفجر، فكبس القوم وهم غارون ، فأمكنه الله منهم ، ونزلت على النبي صلى الله عليه وآله : ( والعاديات ضبحا . . . ) إلى آخر السورة ، فبشر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بالفتح ، وأمرهم أن يستقبلوا أمير المؤمنين فاستقبلوه ، والنبي صلى الله عليه وآله يقدمهم فقاموا له صفين . فلما بصر بالنبي صلى الله عليه وآله ترجل عن فرسه ، فقال له النبي عليه وآله السلام : «اركب فإن الله ورسوله راضيان عنك» فبكى أمير المؤمنين فرحا، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : «يا علي ، لولا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم ، لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك» .
أن النبي صلى الله عليه وآله لما أراد فتح مكة ، سأل الله - جل اسمه - أن يعمي أخباره على قريش ليدخلها بغتة ، وكان عليه وآله السلام قد بنى الأمر في مسيره إليها على الأستسرار بذلك ، فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بعزيمة رسول الله صلى الله عليه وآله على فتحها، وأعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة تستميح بها الناس وتستبرهم ، وجعل لها جعلا على أن توصله إلى قوم سماهم لها من أهل مكة، وأمرها أن تأخذ على غير الطريق . فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ، فاستدعى أمير المؤمنين وقال له : «إن بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت سألت الله أن يعمي أخبارنا عليهم ، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق ، فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها وخلها وصر به إلي» ثم استدعى الزبير بن العوام فقال له : «امض مع علي بن أبي طالب ، في هذه الوجه» فمضيا وأخذا على غير الطريق فأدركا المرأة، فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب الذي معها، فأنكرته وحلفت أنه لا شيء معها وبكت ، فقال الزبير: ما أرى- يا أبا الحسن - معها كتابا ، فارجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لنخبره ببراءة ساحتها. فقال له أمير المؤمنين : «يخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن معها كتابا ويأمرني بأخذه منها، وتقول أنت أنه لا كتاب معها» ثم اخترط السيف وتقدم إليها فقال : «أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك ، ثم لأضربن عنقك» فقالت له : إذا كان لا بد من ذلك فاعرض يا ابن أبي طالب بوجهك عني ، فاعرض بوجهه عنها فكشفت قناعها ، وأخرجت الكتاب من عقيصتها. فاخذه أميرالمؤمنين وصار به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأمرأن ينادى بالصلاة جامعة ، فنودي في الناس فاجتمعوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم ، ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر وأخذ الكتاب بيده وقال : «أيها الناس ، إني كنت سألت الله عز وجل أن يخفي أخبارنا عن قريش وإن رجلا منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا، فليقم صاحب الكتاب ، وإلا فضحه الوحي» فلم يقم أحد ، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وآله مقالته ثانية، وقال : «ليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي» فقام حاطب بن أبي بلتعة وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف فقال : يا رسول الله أنا صاحب الكتاب ، وما أحدثت نفاقا بعد إسلامي ، ولا شكا بعد يقيني . فقال له النبي صلى الله عليه وآله : «فما الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب ؟» فقال : يا رسول الله ، إن لي أهلا بمكة ، وليس لي بها عشيرة ، فاشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا ، فيكون كتابي هذا كفا لهم عن أهلي ، ويدا لي عندهم ، ولم أفعل ذلك لشك في الدين . فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله مرني بقتله فإنه قد نافق . فقال النبي صلى الله عليه واله : «إنه من أهل بدر، ولعل الله تعالى اطلع عليهم فغفرلهم . أخرجوه من المسجد». قال : فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه ، وهو يلتفت إلى النبي صلى الله عليه وآله ليرق عليه ، فامرالنبي صلى الله عليه وآله برده وقال له : «قد عفوت عنك وعن جرمك ، فاستغفر ربك ولاتعد لمثل ما جنيت».
أن النبي صلى الله عليه وآله بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، وأنفذ معه جماعة من المسلمين فيهم البراء بن عازب - رحمه الله - فاقام خالد على القوم ستة أشهريدعوهم ، فلم يجبه أحد منهم ، فساء ذلك رسول صلى الله عليه واله فدعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالدا ومن معه . وقال له : «إن أراد أحد ممن مع خالد أن يعقب معك فاتركه» . قال البراء : فكنت فيمن عقب معه ، فلما انتهينا إلى أوائل أهل اليمن ، بلغ القوم الخبرفتجمعوا له ، فصلى بنا علي بن أبي طالب الفجر ثم تقدم بين أيدينا، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قرأ على القوم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، (وكتب بذلك أمير المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ) فلما قرأ كتابه استبشر وابتهج ، وخر ساجدا شكرا لله عز وجل ثم رفع رأسه فجلس وقال : «السلام على همدان السلام على همدان» وتتابع بعد إسلام همدان أهل اليمن على الإسلام.
لما عرف رسول الله صلى الله عليه وآله حضور نوفل بن خويلد بدرا قال : اللهم اكفني نوفلا« فلما انكشفت قريش رآه علي بن أبي طالب وقد تحير لا يدري ما يصنع ، فصمد له ثم ضربه بالسيف فنشب في حجفته فانتزعه منها، ثم ضرب به ساقه - وكانت درعه مشمرة - فقطعها، ثم أجهزعليه فقتله . فلما عاد إلى النبي صلى الله عليه وآله سمعه يقول : «من له علم بنوفل ؟ فقال له : أنا قتلته يا رسول الله» فكبر النبي صلى الله عليه وآله وقال : «الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه».
لما توجه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بني النضير، عمل على حصارهم ، فضرب قبته في أقصى بني حطمةمن البطحاء. فلما أقبل الليل رماه رجل من بني النضير بسهم فأصاب القبة، فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن تحول قبته إلى السفح ، وأحاط به المهاجرون والأنصار . فلما اختلط الظلام فقدوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقال الناس : يا رسول الله ، لا نرى عليا؟ فقال عليه وآله السلام : «أراه في بعض ما يصلح شانكم» فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمى النبي صلى الله عليه وآله ، وكان يقال له عزورا، فطرحه بين يدي النبي عليه وآله السلام . فقال له النبي صلى الله عليه وآله : «كيف صنعت ؟» فقال : «إني رأيت هذا الخبيث جريئا شجاعا، فكمنت له وقلت ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الظلام ، يطلب منا غرة ، فاقبل مصلتا سيفه في تسعة نفرمن أصحابه اليهود، فشددت عليه فقتلته ، وأفلت أصحابه ، ولم يبرحوا قريبا، فابعث معي نفرا فإني أرجو أن أظفر بهم». فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله معه عشرة فيهم أبودجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف ، فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن ، فقتلوهم وجاؤوا برؤوسهم إلى النبي صلى الله عليه وآله فأمر أن تطرح في بعض آبار بني حطمة. وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير. روى محمد بن عمر الواقدي قال : حدثنا عبدالله بن جعفر، عن ابن أبي عون ، عن الزهري قال : جاء عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبدالله بن المغيرة وضرار بن الخطاب - في يوم الأحزاب - إلى الخندق فجعلوا يطوفون به يطلبون مضيقا منه فيعبرون ، حتى انتهوا إلى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت ، وجعلوا (يجولون بخيلهم ) فيما بين الخندق وسلع ، والمسلمون وقوف لايقدم واحد منهم عليهم ، وجعل عمرو بن عبد ود يدعو إلى البراز و(يعرض بالمسلمين ) ويقول : ولقد بححت من النداء بجمــعهم هل من مبارز ؟ في كل ذلك يقوم علي بن أبي طالب من بينهم ليبارزه فيأمره رسول الله صلى الله عليه واله بالجلوس انتظارا منه ليتحرك غيره ، والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير، لمكان عمرو بن عبد ود والخوف منه وممن معه ووراءه. فلما طال نداء عمرو بالبراز، وتتابع قيام أمير المؤمنين قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : «أدن مني يا علي» فدنا منه ، فنزع عمامته من رأسه وعممه بها، وأعطاه سيفه - وقال له : «إمض لشأنك» ثم قال :«اللهم أعنه» فسعى نحو عمرو ومعه جابر بن عبدالله الأنصاري - رحمه الله - لينظر ما يكون منه ومن عمرو. فلما انتهى أمير المؤمنين إليه قال له : «يا عمرو، إنك كنت في الجاهلية تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلا قبلتها أو واحدة منها». قال : أجل . قال : «فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن تسلم لرب العالمين» . قال : يا ابن أخ أخر هذه عني. فقال له أمير المؤمنين : «أما إنها خير لك لو أخذ تها» . ثم قال : «فها هنا أخرى» . قال : ما هي ؟ قال : «ترجع من حيث جئت». قال : لا تحدث نساء قريش بهذا أبدا. قال : «فها هناأخرى» . قال : ما هي ؟ قال : «تنزل فتقاتلني» . فضحك عمرو وقال : إن هذه الخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها، وإني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك لي نديما . قال علي : «لكنني احب أن أقتلك ، فانزل إن شئت». فأسف عمرو ونزل فضرب وجه فرسه (حتى رجع ). فقال جابر بن عبدالله رحمه الله : وثارت بينهما قترة، فما رأيتهما وسمعت التكبيرتحتها، فعلمت أن عليا قد قتله ، وانكشف أصحابه حتى طفرت خيولهم الخندق ، وتبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم ، فوجدوا نوفل بن عبدالله في جوف الخندق لم ينهض به فرسه ، فجعلوا يرمونه بالحجارة، فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل بعضكم اقاتله ، فنزل إليه أمير المؤمنين فضربه حتى قتله ، ولحق هبيرة فأعجزه فضرب قربوس سرجه وسقطت درع كانت عليه ، وفر عكرمة، وهرب ضرار بن الخطاب . فقال جابر: فما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قص الله تعالى من قصة داود وجالوت ، حيث يقول : (فهزموهم باذن ألله وقتل داود جالوت) . وروى عمرو بن الأزهر، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن : أن عليا لما قتل عمرو بن عبدود احتز رأسه وحمله ، فألقاه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقام أبو بكر وعمر، فقبلا رأس علي.
لما انهزم الأحزاب وولوا عن المسلمين الدبر، عمل رسول الله صلى الله عليه وآله على قصد بني قريظة ، وأنفذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إليهم في ثلاثين من الخزرج ، فقال له : «انظر بني قريظة، هل تركوا حصونهم ؟» . فلما شارف سورهم سمع منهم الهجر، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره ، فقال : «دعهم فإن الله سيمكن منهم ، إن الذي أمكنك من عمرو بن عبد ود لا يخذلك ، فقف حتى يجتمع الناس إليك ، وأبشر بنصر الله ، فإن الله قد نصرني بالرعب بين يدي مسيرة شهر» . قال علي : «فاجتمع الناس إلي وسرت حتى دنوت من سورهم ، فأشرفوا علي فحين رأوني صاح صائح منهم : قدجاءكم قاتل عمرو، وقال اخر: قد أقبل إليكم قاتل عمرو، وجعل بعضهم يصيح ببعض ويقولون ذلك ، وألقى الله في قلوبهم الرعب ، وسمعت راجزا يرجز : قتل في عمرا * صاد علي صقرا صم علي ظهرا * أبرم علي أمرا هتك علي سترا فقلت : الحمد لله الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك.
أن المشركين حضروا بدرا مصرين على القتال ، مستظهرين فيه بكثرة الأموال ، والعدد والعدة والرجال ، والمسلمون إذ ذاك نفر قليل عددهم هناك ، حضرته طوائف منهم بغير اختيار، وشهدته على الكره منها له والاضطرار، فتحدتهم قريش بالبراز ودعتهم إلى المصافة والنزال ، واقترحت في اللقاء منهم الأكفاء ، وتطاولت الأنصار لمبارزتهم فمنعهم النبي صلى الله عليه وآله من ذلك ، وقال لهم : «إن القوم دعوا الأكفاء منهم» ثم أمر عليا أمير المؤمنين بالبروز إليهم ، ودعا حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث - رضي الله عنهما- أن يبرزا معه. فلما اصطفوا لهم لم يثبتهم القوم ، لأنهم كانوا قد تغفروا فسألوهم : من أنتم ،فانتسبوا لهم ، فقالوا : أكفاء كرام . ونشبت الحرب بينهم ، وبارز الوليد أمير المؤمنين فلم يلبثه حتى قتله ، وبارز عتبة حمزة - رضي الله عنه - فقتله حمزة ، وبارز شيبة عبيدة ـ رحمه الله - فاختلفت بينهما ضربتان ، قطعت إحداهما فخذ عبيدة، فاستنقذه أمير المؤمنين بضربة بدر بها شيبة فقتله ، وشركه في ذلك حمزة- رضوان الله عليه - فكان قتل هؤلاء الثلاثة أول وهن لحق المشركين ، وذل دخل عليهم ، ورهبة اعتراهم بها الرعب من المسلمين ، وظهر بذلك أمارات نصر المسلمين . ثم بارز أمير المؤمنين - العاص بن سعيد بن العاص ، بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يلبثه أن قتله . وبرز إليه حنظلة ابن أبي سفيان فقتله ، وبرز بعده طعيمة بن عدي فقتله ، وقتل بعده نوفل بن خويلد - وكان من شياطين قريش - ولم يزل يقتل واحدا منهم بعد واحد، حتى أتى على شطر المقتولين منهم ، وكانوا سبعين قتيلا تولى كافة من حضر بدرا من المؤمنين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسومين قتل الشطر منهم ، وتولى أمير المؤمنين قتل الشطر الآخر وحده ، بمعونة الله له وتوفيقه وتاييده ونصره ، وكان الفتح له بذلك وعلى يديه ، وختم الأمر بمناولة النبي صلى الله عليه وآله كفا من الحصى ، فرمى بها في وجوههم وقال : «شاهت الوجوه» فلم يبق أحد منهم إلا ولى الدبر لذلك منهزمأ، وكفى الله المؤمنين القتال بأمير المؤمنين وشركائه في نصرة الدين من خاصة (آل الرسول ) - عليه وآله السلام - ومن أيدهم به من الملائكة الكرام عليهم التحية والسلام كما قال الله عز وجل (وكفى الله المؤمنين القتال وكان ألله قويا عزيزا).
في حديث عمران بن حصين قال : لما تفرق الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم أحد، جاء علي متقلدا سيفه حتى قام بين يديه ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه إليه فقال له : «ما لك لم تفر مع الناس ؟ فقال : يا رسول الله أأرجع كافرا بعد إسلامي !» فاشارله إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم فهزمهم ، ثم أشار له إلى قوم آخرين فحمل عليهم فهزمهم ، ثم أشار إلى قوم فحمل عليهم فهزمهم ، فجاء جبرئيل فقال : يا رسول الله ، لقد عجبت الملائكة (وعجبنا معهم ) من حسن مواساة علي لك بنفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «وما يمنعه من هذا وهو مني وأنا منه» فقال جبرئيل : وأنا منكم. وروى الحكم بن ظهير، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس رحمة الله عليه : ان طلحة بن أبي طلحة خرج يومئذ فوقف بين الصفين، فنادى : يا اصحاب محمد، إنكم تزعمون أن الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فأيكم يبرز إلي ؟ فبرز إليه أميرالمؤمنين فقال : «والله لا أفارقك اليوم حتى أعجلك بسيفي إلى النار» فاختلفا ضربتين ، فضربه علي بن أبي طالب على رجليه فقطعهما، وسقط فانكشف عنه ، فقال : أنشدك الله - يا بن عم - والرحم . فانصرف عنه إلى موقفه ، فقال له المسلمون : (ألا أجزت ) عليه ؟ فقال : « ناشدني الله والرحم ، ووالله لا عاش بعدها أبدا» فمات طلحة في مكانه ، وبشر النبي صلى الله عليه وآله بذلك فسربه وقال : «هذا كبش الكتيبة». وقد روى محمد بن مروان ، عن عمارة، عن عكرمة قال : سمعت عليا يقول : «لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وآله لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي ، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه ، فرجعت أطلبه فلم أره ، فقلت : ما كان رسول الله ليفر، وما رأيته في القتلى، وأظنه رفع من بيننا إلى السماء، فكسرت جفن سيفي ، وقلت في نفسي لأقاتلن به عنه حتى أقتل ، وحملت على القوم فافرجوا فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله قد وقع على الأرض مغشيا عليه ، فقمت على رأسه ، فنظرإلي وقال : ما صنع الناس يا علي ؟ فقلت : كفروا- يا رسول الله - وولوا الدبر (من العدو) وأسلموك . فنظر النبي صلى الله عليه وآله إلى كتيبة قد أقبلت إليه ، فقال لي : رد عني يا علي هذه الكتيبة ، فحملت عليها بسيفي أضربها يمينا وشمالا حتى ولوا الأدبار. فقال لي النبي صلى الله عليه واله : أما تسمع يا علي مديحك في السماء ، إن ملكا يقال له رضوان ينادي : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي . فبكيت سرورا ، وحمدت الله سبحانه على نعمته».