مدخل .. إلى عتبة الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام
بتاريخ : 24-02-2008 الساعة : 04:58 PM
منذ استشهاده الفجيع في سناآباد من أرض طوس عام 203هـ .. انطلقت أناشيد القلب ترفرف مشوقة ولهى ، قاصدة إليه.
تنبعث أناشيد القلب من كلّ الأجيال ، و من كلّ البقاع المترامية: الدانية و القاصية.. لتلتقي كلّها عند ضريحه الأنور المقدس في مشهده بخراسان. لكانّها أزاهير ولاء عابقة، و نفحات عطر توّاقة إلى أنوار الملكوت الرّضويّ العظيم.
أصوات حبّ و تقديس و خشوع .. جاءت لتخترق التاريخ ، و تقف على استحياء بين يديه: تسكب الأشواق ، و تريق ما استكنّ في خلجات الفؤاد.
مشاعر تعبق بمحبة النبيّ و أهل بيته الأطياب، و اعتراف لهم بالمودّة الصادقة التي صارت فرضا قلبيّا و تشريعيّا و حياتيّا منذ يوم نزلت آية القرآن الكريم: قل: لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى .إنها قوافل الإيمان بالسبيل الرّبوبيّ و الطريق الموصل إلى الله تعالى ، يوم أطلق القرآن المجيد نداءه لمن آمنوا أن يتّخذوا الى ربّهم سبيلا يوصل ، و منهجا يبلّغهم لقاء الله و رضوانه: قل : لا أسألكم عليه أجرا إلاّ من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا ، فكانت مودّة آل بيت النبيّ و قرباه ـ من ذريّة بضعته الصدّيقة الزهراء عليها السلام ـ هي السبيل الرّبوبيّ و النهج الذي ينتهي إلي الحيّ القيّوم . وهذا الحبّ للنبيّ و أهل بيته الأطهار هو خير وسيلة تبتغى إلى الله عزّوجل : و ابتغوا إليه الوسيلة .هي إذن وسيلة الطاهرين المطهّرين من كلّ ما يخدش و يشين ، المنزّهين التنزيه الإلهيّ الذي يعني ـ فيما يعني ـ الطّهر و النقاء المطلق ، و التوحيد اليقينيّ الخالص ، و التأهّل الفذ لقيادة العالم .. في المعتقد، و في التشريع ، و في كلّ الآفاق . القرآن الكريم هو من نطق لهم بهذه التزكية الفريدة الباقية: إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا .و تواترت روايات الرواة و أخبار المحدّثين عامّة في أنّ آية التطهير هذه إنّما نزلت في النبيّ و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين سلام الله عليهم : الخمسة أصحاب الكساء، و لم تشمل حتى زوجة النبيّ الصالحة أمّ سلمة التي كانت حاضرة عند نزول الآية في دارها، يوم ضمّ النبيّ إليه ابنته الصدّيقة فاطمة و بعلها الصدّيق عليّا و ابنيهما الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنّة أجمعين . و قصارى ما قال رسول الله لأمّ سلمة : إنك على خير ، أو : أنت إلى خير ـ حسب اختلاف الروايات.
و مضت إرادة الله في التطهير التكويني هذا لتشمل ذريّة عليّ و فاطمة عليهما السلام ، فإذا الأئمة الاثناعشر جميعا هم ذوو القربى ، و أهل المودّة الواجبة، و هم السبيل ، و هم الوسيلة. و هم الذين أشار اليهم رسول الله صلى الله عليه و آله في حديثه المشهور في أنّ الخلفاء من بعده اثناعشر كلّهم من قريش ، أوّلهم أميرالمؤمنين عليّ، و آخرهم المهديّ الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا . و هم الذين قال فيهم الإمام عليّ عليه السلام نفسه: «إن الأئمة من قريش غرسوا من هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، و لا تصلح الولاة من غيرهم».
* * *
و لقد أنطلقت أصوات الشعراء منذ القرن الأوّل و إلى اللحظة الحاضرة.. تعبّر عمّا تكنّه من محبّة و مودّة و ولاء لأهل بيت النبّي المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين .
منها مثلا: صوت محمد بن إدريس الشافعيّ ( ت 204 هـ) في نظير قوله الذي أعلنه بصوت جهير:
يا أهل بيت رسول الله ، حبّكم فرض من الله في القرآن أنزله
كـفاكـم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له
و مرّ بابن حمّاد ( في القرن الرابع ) الذي يخاطب أهل البيت بمثل قوله :
فنحن موالـيكـم تـحنّ قـلوبنا إليكم ، إذا إلف إلى إلفـه حنّـا
ولو بضّعت أجسادنا في هواكم إذن لم نحل عنه بحال و لازلنا
و أنتم لنا نعم التجارة، لم نكن لنحذر خسرانا بها لا و لا غبنا
ومالي لا أثني عليكم، و ربّكم عليكم بحسن الذكر في كتبه أثنى
وأنتم لنا غوث و أمن و رحمة فـما منكم بدّ ، ولاعنكم مغنى
و يعترف مهيار الدّيلميّ ( ت 428 هـ ) بالسعادة العظمى التي فاز بها يوم تعرّف على أهل البيت عليهم السلام ، فتحوّل من ظلام الوثنيّة إلى نورالتوحيد:
حبّكم كان فكّ أسري من الشّر ك، و فـي منـكبي له أغلال
كم تزمّلت بالمذلة ، حـتـى قمت في ثوب عزّكم أخـتال
بركات لكم محت من فؤادي ما أملّ الضلال عـمّ و خال
و لقد كنت عـالمـا أنّ إقبا لـي بـمدحي عليكـم إقبال
و أنشد الصنوبريّ ( ت 334 هـ) من شعره فيهم :
قل لباغي ربح بمد ح ، إذا ظلّ يمدح
مدح آل النبـيّ يا باغي الرّبح أربح
من بهم تمنح النّجا ة غدا حـيـن تمنح
و بهم تصلح الأمو ر التي ليس تصلح
آل بـيت النبيّ مـا لي عنكم تـزحزح
أفلح السالكون ظلّ هـداكـم و أنجحوا
أنا في ذاك لا سوى ذاك أسعى و أكدح
و غير هذا كثير لا يحصى كثرة . و ما زالت الأجيال تتعاقب و القرون تطّرد آخذا بعضها برقاب بعض .. و أشعار موقف الولاء و الالتزام والمودّة لأهل البيت الطاهرين تتكاثر و تنبعث من كلّ مكان ، على الرغم من ظروف الاضطهاد و أزمنة الإرهاب.
نحن لم نحضر أزمنة الاضطهاد الغابرة ، لكننا نقرأها في بيانات أولئك المعاصرين لها، الذين ذاقوا مراراتها و اكتووا بنارها. نكتفي بوثيقتين دوّن إحداهما منصور النّمريّ ( ت 190 هـ) الذي صوّر فيها الموقف السّلطوي العبّاسيّ الذي يضطهد حتى أصوات البوح لأهل البيت بالحب و التقدير:
آل الـنـبـيّ و من يحبّـهــم يـتـطامـنـون مخافة القـتـل
أمنوا النصارى و اليهود، و هم من أمـة الـتـوحيـد في أزل
( و الأزل هو : الخوف) .
و هذا دعبل بن عليّ الخزاعيّ ( ت 246 هـ) يرسم أيضا بكلماته صورة عصره الرديء الذي تواصى حكّامه من بني العبّاس على شنآن أهل بيت النبيّ و بغضائهم ، و على استئصال محبّيهم . يقول دعبل :
إنّ اليـهود بـحبّها لنـبيّهـا أمنـت بـوائق دهرها الخوّان
و كذا النصارى حبّهم لنبيّـهم يمشون زهوا في قرى نجران
و المسلمون بحبّ آل نـبيّهم يرمون في الآفاق بـالنيران
و كان فيما كان من أفاعيل المطاردة و التشريد والتقتيل أن أتلفت وثائق يعبّر فيها أصحابها عن موقفهم الإسلاميّ من أهل البيت . من ذلك ما قال عنه الصّوليّ: « كانت لإبراهيم بن العبّاس الصوليّ عمّ أبي في الرضا عليه السلام مدائح كثيرة أظهرها، ثمّ اضطرّ إلى أن سترها، و تتبّعها فأخذها من كلّ مكان».
و الإمام الرضا عليه السلام نفسه - و هو الثامن من أئمّة أهل البيت - قد استشهد مسموما على يد طاغية عصره " المأمون" .. كما استشهد من قبله و من بعده آباؤه و أبناؤه الطاهرون . و هذه الحقيقة قرّرها الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام في خطبة له حين قال : « لقد حدّثني حبيبي جدّي رسول الله صلّى الله عليه و آله أنّ الأمر يملكه اثناعشر إماما من أهل بيته و صفوته ، ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم».
و ممّا يدهش حقّا أنّ سرّا إلهيّا في الأئمّة الهداة من أهل البيت عليهم السلام يجتذب إليهم القلوب و يشدّ اليهم العزائم و الهمم و يوجّه إلى مزاراتهم المقدّسة الآمال .. مع ما لاقوه من فجائع و محن على امتداد القرون . من هذا السرّ المعجز أنّ الله تبارك و تعالى قد جعل لهم في قلوب المؤمنين ودّا، وجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ممّا يعني أن محبّتهم و مودّتهم - و هي فريضة واجبة - إنما هي نازع فطريّ بعيد الغور، و دافع عميق متأصّل في باطن الإنسان.
* * *
و كان مزار الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا سلام الله عليه - و ما يزال - مهوى الأفئدة و منتجع القلوب الصادية ، يلتمس الناس فيه السلامة والأمان، و يتطلّبون عنده المدد المعنويّ و العون في كلّ ما يهمّهم من أمر الدنيا و الآخرة. أو يعبّرون عمّا يعتلج في سرائرهم من الأسى و الحزن لمصائب العترة الطاهرة، ممّا يكشف عن الولاء الإيمانيّ و الاستعداد للنصرة والفداء.
و تطول القائمة بأسماء الشعراء و الأدباء الذين اتجهت هممهم تلقاء المزار الرضويّ في طوس .. بادئة من مطلع القرن الثالث حيث استشهد الإمام ، و مارّة بالأجيال بعد الأجيال، حتى إذا وصلت إلى القرون المتأخرة كثرت القصائد و الأشعار كثرة ظاهرة، و تعدّدت دوافع القاصدين و الزائرين ، لكنّها كلّها تظلّ في ضمن الإطار الإيمانيّ الوسيع الذي يتخذ عنوانا له من «الولاية» و من « المودّة في القربى» .. التي هي الأجر الذي نقدّمه إلى النبيّ العظيم على تحمّله مشاقّ أداء الرسالة و تبليغ الدين الإلهيّ القيّم.
هذا الشاعر دعبل المعاصر للإمام الرضا عليه السلام ينشد أبياته البكائيّة المتفجّعة:
يـا حـسرة تـتردّد و عبرة ليس تـنفـد
على عليّ بن موسى بن جعفر بن مـحمّد
قضى غريبا بطوس مثل الحسام المجرّد
و من بعده يتشبّع عليّ بن أحمد الخوافي ( القرن الثالث) بعبقات أرض طوس المسعودة بمزار الرضا عليه السلام:
يـا أرض طـوس سقاك الله رحمته ماذا ضمنت من الخيرات يا طوس ؟!
طابت بقاعك فـي الـدنـيا، و طيّبها شـخـص زكيّ بسناآباد مـرمـوس
شخص عزيز على الإسلام مصرعه فـي رحـمـة الله مغمور و مغموس
يا قـبـره .. أنـت قـبر قد تضمّنه عـلـم و حلم و تطهير و تـقـديس
فافخر بـأنّك مـغبـوط بـجثـتـه و بـالملائكة الأطهـار مـحـروس
و يخشع عليّ بن عيسى اربلي ( ت 693 هـ) حين يذكر زيارة هذه البقعة الطوسيّة المباركة حيث الضريح الطاهر، فتغمر الزائر نسائم الفردوس العابقة:
والثم الأرض إن مررت علي مشـ ـهد خير الورى عليّ بن موسـى
و ابـلـغنـه تـحـيّة و سـلاما كشذى المسك من عليّ بن عيسى
و نلتقي في القرون المتأخّرة بأصوات عديدة، تجيء مشهد الرضا طلبا للأمن و أملا في النجاة من الشدائد و الكربات ، فتحظى بما تطلب و تظفر بما تؤمّل . نقرأ مثل هذا في شعر عبدالباقي العمريّ (1204-1279للهجرة) :
إن كـنت تخـشى نكبة مـن جائر أو غـادر
لذ بالرضا ابن الكاظم ابن الصادق ابن الباقر
و غير هذا من شعر المتأخّرين كثير. و من قبل هذا و ذاك روى الجوينى (644-720 هـ) في ( فرائد السّمطين 197:2) أنّ الشيخ أبا الحسن محمد بن قاسم الفارسيّ النيسابوريّ " كان يخالف الزيارة. و في المنام رأى النبيّ صلّى الله عليه و آله واقفا خلف الصندوق ( أي ضريح الإمام الرضا ) يصلّي . و سمع الشيخ هاتفا من السماء يقرأ هذا الشعر:
من سرّه أن يرى قبرا برؤيته يفرّج الله عـمّـن زاره كربه
فليأت ذا القبر، إنّ الله أسكنه ذرّيّة من رسول الله مـنتجبه
و في ( تهذيب التهذيب 339:7) وردت شهادة لأحد كبار المحدّثين بشأن الزيارة الرضوّية. قال أبوبكر محمّد بن المؤمّل : « خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة ( 223-311 هـ) و عديله أبي عليّ الثقفيّ مع جماعة من مشايخنا ، و هم إذ ذاك متوافرون إلى عليّ بن موسى الرضا بطوس - يعني إلى قبره. قال : فرأيت من تعظيمه - يعني ابن خزيمة - لتلك البقعة و تواضعه لها و تضرّعه عندها ما تحيّرنا».
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وأهلك أعدائهمأجمعين ،،،
اللهم صل على الصديقة الطاهرة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرالمستودع فيها عدد ما أحاط به علمك وأحصاه كتابك ،،
السلام على أم الشهيد بكربلاء
السلام على أم الملقى في الهيجاء
السلام على أم المخضّب بالدماء
السلام على أم الشهيد المحروم من الماء
السلام على أم الصريع على الرمضاء
السلام على ذات أعظم بلاء
السلام عليك يا سيدتي ومولاتي يا فاطمة الزهراء
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك
***
الموضوع طويل ولكن يستحق القراءه والاشاده
ان شاء الله لي عوده لقراءته بشكل مفصل ودقيق
سلمت يمينك اختي الكريمه
وكفى به يحمل اسم مولانا الامام الرضا عليه السلام