العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الثقافي

المنتدى الثقافي المنتدى مخصص للكتاب والقصة والشعر والنثر

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى الثقافي
Thumbs up كتابٌ ما قرأهُ منصفٌ إلا تشيّع .. ليالي بيشاور
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:12 AM


كتاب ما قرأهُ منصف الا تشيع
اترككم مع

ليالي بيشاور



الـــــــــمقدمة
ليالي بيشاور
سفر قيّم ، يضمّ مناظرات وحوار في مواضيع خلافية عديدة ، أهمّها إمامة وولاية أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام وخلافته الشرعية للرسول الأمين صلى الله عليه وآله بلا فصل ، والاستدلال عليها من الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الشريفة ، وعقائد الإمامية ، والأدلة العقلية والنقلية لإِثباتها .
جرت هذه المناظرات الودّية المبنية على النقاش العلمي ، والمنطق البعيد عن التعصّب والمجرّد عن التقليد والأهواء ، بين أحد علماء الإماميّة ـ المصنّف قدس سره عندما كان في الثلاثين من عمره ـ وبين محاوريه من كبار علماء العامّة المعاصرين له ، وبحضور جموع غفيرة من أبناء الطائفتين في دار أحد وجهاء مدينة « بيشاور » الباكستانيّة ، وبحضور ما يقرب من 200 كاتب من الفريقين للتدوين والتوثيق وتسجيل ما يجري من حوار ومسائل وأجوبة وردود وشبهات ، وكذلك أربعة من الصحفيّين لكتابة ما يدور في هذه المجالس من المناقشات بكلّ جزئيّاتها ونشره في اليوم التالي في الصحف والمجلات الصادرة هناك في ذلك الوقت .
أُقيمت هذه المجالس ـ بناءً على طلب بعض علماء العامّة وكبار شخصياتهم ـ لمدّة 10 ليالٍ ، من ليلة الجمعة 23 رجب سنة 1345 هـ إلى ليلة الأحد 3 شعبان من السنة نفسها؛ وعقب انتهائها أعلن عدّة من الحاضرين تشـيّعهم والتزامهم بمذهب الحقّ مذهب أهل البيت عليهم السلام .
كان قد صدر الكتاب سابقاً بالفارسية .
ترجمة وتحقيق : السـيّد حسين الموسوي .
صدر في بيروت سنة 1419 هـ .

مقدمة المترجم
جدير بأن نسمي عصرنا بعصر الحوار والتفاهم .
لقد حان الوقت ليتصارح المسلمون بأمورهم العقائدية حتى يظهر الحق وتتوحد كلمتهم عليه ، فإن الوحدة الإسلامية ، أمنية جميع المسلمين .
ولأننا لمسنا أن التفرقة هي بغية أعدائهم ، وهي الوسيلة التي استعملها أعداء الدين والمستعمرون لفرض سيطرتهم على البلاد الإسلامية ونهب خيراتها وبث مبادئ الكفر والإلحاد والضلال والفساد بين أبناء الإسلام الحنيف .
وبما أن الوحدة الإسلامية ضرورة ملحة ، وهي لا تتم إلا بالصدق والحوار الإيجابي البناء بلا تعصب ولا عناد مع تحكيم القرآن والعقل والوجدان الحر ، في اختيار أحسن القول ، كما أمر بذلك رب العباد في قوله العزيز : ( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (الزمر آية 18) ، فيلزم على المسلم الكامل والإنسان العاقل ، أن يكون بصيرا في أمر دينه ، عالما بقضايا مذهبه ، لا يقبل قولا ولا يتمسك به إلا عن دليل وبرهان ، حتى يصبح في أمره على يقين وإيمان .
لأنه إذا سلك طريقا وتمسك بعقائد ومبادئ بغير علم يسنده ولا دليل يعضده وبرهان يرشده ، فسيكون كمن أغمض عينيه ولزم طريقا طويلا يمشي فيه على أمل أن يوصله إلى مقصده ومنزله ، حتى إذا أصاب رأسه الحائط ، فأبصر وفتح عينيه ، فإنه سوف يرى نفسه بعيدا عن مقصده ، تائها ضالا عن سواء الصراط .
فمن لم يحقق في الأمور الدينية ولم يدقق في القضايا المذهبية ، بل ذهب إلى مذهب آبائه ولزم سبيل أسلافه ، فربما فتح عينيه بعد جهد طويل ، فيرى نفسه تائها قد ضل السبيل .
ولذا عبر الله العزيز الحكيم عن هكذا إنسان بالأعمى فقال : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) (الإسراء 72) .
ولإنقاذ المسلمين من العناد والتعامي قدمت على تعريب هذا الكتاب القيم من اللغة الفارسية إلى العربية ، لعله يحقق شيئا من هذا الهدف السامي . راجيا أن يترك في المسلمين أثرا إيجابيا ، فيقرب قلوبهم ويوحد صفوفهم وكلمتهم ، ويجمعهم على كلمة الله سبحانه بالحق والإصلاح ، والسعادة والفلاح ، ولقد أدركت مؤلف هذا الكتاب المرحوم آية الله السيد محمد ( سلطان الواعظين ) وحضرت مجلسه وسمعت حديثه ومواعظه .
فلقد كان رحمة الله عليه رجلا ضخما في العلم والجسم ، ذا شيبة وهيبة ، وكان جسيما وسيما ذا وجه منير ، قل أن رأيت مثله ، وكان آنذاك يناهز التسعين عاما من عمره الشريف ، ولقد شاركت في تشييع جثمانه الطاهر في مدينة طهران ، حيث عطلت أسواق عاصمة إيران لوفاته وخرجت حشود عظيمة في مواكب عزاء حزينة وكئيبة ، ورفعت الرايات والأعلام السوداء معلنة ولائها وحبها لذلك العالم الجليل والسيد النبيل .
ولا أذكر تاريخ وفاته بالضبط ، ولكن كان في العقد الأخير من القرن الرابع عشر الهجري ، واشهد الله العزيز أني لما بدأت بتعريب هذا الكتاب رأيت ذلك السيد العظيم مرتين في الرؤيا ، وكان مقبلا عليا مبتسما ضاحكا في وجهي ، وكأنه يشكرني على هذا العمل .
فأسأل الله تبارك وتعالى أن يتغمده برحمته الواسعة وان يتقبل هذا المجهود منه ومنا ويجعله ذخيرة لآخرتنا ولكل من ساعد وسعى في نشر هذا الكتاب ، إنه سميع الدعاء .

قم المقدسة
حسين الموسوي
28 شوال 1419هـ
الموافق 14 فبراير 1999م

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد رسوله المصطفى ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .
وبعد :
إن هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم ، هو الكتاب القيم ((ليالي بيشاور )) لمؤلفه الكبير : سماحة السيد محمد الموسوي ، الملقب بـ : ( سلطان الواعظين الشيرازي ) .
وقد كتب مقدمة طويلة لكتابه استغرقت ما يقرب من مائة صفحة من كتابه القيم هذا ، تطرق فيها على أهمية التقارب بين المسلمين ، وإلغاء الخلافات والخصومات التي بثها الأعداء في أوساطهم .
وحث فيها على الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية التي ندب الله المسلمين إليها ، وحرض على الاعتصام بحبل الله الذي دعاهم القرآن للتمسك به والالتفاف حوله .
وحذرهم عواقب التشتت والتفرق ، وذكرهم الله من الوقوف بعيدا والاكتفاء بالتفرج ، أو الابتعاد والاشتغال ـ لا سمح الله ـ بقذف بعضهم بعضا بما يسخط الرحمن ويؤذي حبيبه المصطفى ، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ، وأرسله ليتم به مكارم الأخلاق ، معالي الشيم والفضائل الإنسانية ، وجمع الناس على التوحيد .
وندبهم إلى ما ندب إليه القرآن من التعارف فيما بينهم ، قال تعالى : ( لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )(1) مرتئيا أن أفضل الطرق للتعارف هو الحوار الحر ، والنقاش العلمي البحت ، والمناظرة المنطقية البعيدة عن كل تعصب ، والمجردة عن التقاليد والأهواء ، من الخلفيات الشائنة .
وقد اشترك هو( قدس سره ) ـ بدعوة من أصدقائه ومعارفه في بيشاور(2) ـ في مجالس المناظرة التي عقدت له بهذا الشأن ، والتي اشترك فيها كبار علماء السنة لمعاصرين له آنذاك ، وقد استمرت المناظرة ليالي عديدة استغرقت عشرة مجالس ، نشرتها في حينها جرائد الهند وصحفها ، وتلقاها الناس بالقبول والترحيب .
ثم وفق المؤلف ـ رحمه الله ـ إلى جمعها في هذا الكتاب بدقة ، وطلب منهم مواصلة قراءته من الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة ، وذلك لترابط البحث وتسلسله ، مما يؤدي قطعه إلى ضياع الموضوع ، وعدم الاستفادة الكاملة من البحث .
ولما كان الكتاب باللغة الفارسية ، وقد أجاز ـ قدس سره ـ في المقدمة ترجمة الكتاب ـ ترجمة أمينةـ إلى سائر اللغات ، حاولنا ترجمته إلى اللغة العربية ، مساهمة منا في هذه الخدمة الإنسانية النبيلة ، بغية التوصل إلى الحق ، والتعرف على الواقع والحقيقة ، ومشاركة منا في ما دعانا إليه كتاب الله وسنة رسوله الكريم وسيرة أهل بيته الطاهرين ، من : التعارف والتقارب ، والتوحيد والتآخي ، و أخيرا نيل العزة والسعادة في الدنيا ، والنجاة والفوز بالجنة في الآخرة ، إن شاء الله تعالى .

مقدمة المؤلف

قال السيد المؤلف :
سافرت إلى العتبات المقدسة في شهر ربيع الأول عام 1345هـ ، وكان لي من العمر ثلاثون سنة ، فتشرفت بزيارة مراقد الأئمة الأطهار من آل النبي المختار ( صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ) في العراق ، ومنها عزمت على السفر إلى الهند وباكستان بغية السفر منهما إلى خراسان والتشرف بزيارة الإمام الرضا عليه السلام ، فوصلت ـ كراتشي ـ وهي مدينة ساحلية تعد من أهم الموانئ في المنطقة .
وما إن وصلت إليها وانتشر خبر وصولي في أهم الصحف هناك ، فاجأتني دعوات كثيرة من الاخوة المؤمنين الذين كانت بيني وبينهم معرفة سابقة ومودة قديمة ، وكان لا بد لي من إجابة تلك الدعوات الكريمة ، وإن كانت تستوجب مني قطع مسافات بعيدة ، وشدّ الرحال من مدينة إلى أخرى ، ومن بلد إلى آخر .
فواصلت سفري إلى مدينة بومبي ، وهي ـ أيضاـ من أكبر مدن الهند وأعظم الموانئ فيها ، فاستقبلني المؤمنون الذين دعوني إليها ومكثت فيها ضيفا معززا بين أهلها ليالي وأياما .
ثم تابعت السفر على مدينة (دهلي) ومنها إلى (آكره) و(لاهور) و(بنجاب) و( سيالكوت) و( كشمير) و(حيدرآباد) و(كويته) وغيرها ...
وقد استقبلني كثير من الناس وعامة المؤمنين في هذه المدن بحرارة فائقة فكانوا يرحبون بقدومي ويحيوني بهتافات وتحيات على العادات والرسوم الشعبية المتعارفة هناك .
وفي أيام وجودي في تلك المدن المهمة التي سافرت إليها ، كان العلماء من مختلف المذاهب والأديان يزورونني في منزلي ، وكنت أرد لهم الزيارة في بيوتهم ، وكان غالبا ما يدور بيني وبينهم محاورات دينية ومناظرات علمية مفيدة ، كنت أتعرف من خلالها على عقائدهم ، وهم يتعرفون على عقائدي .
ومن أهم تلك المناقشات والمحاورات ، حوار ونقاش دار بيني وبين البراهمة والعلماء الهندوس في مدينة (دهلي) ، وكان ذلك بحضور قائد الهند ومحررها من الاستعمار الزعيم الوطني غاندي .
وكانت الصحف والمجلات تنشر ـ عبر مراسليها ـ كل ما يدور في المجلس من الحوار بالتفصيل ، وبكل أمانة وصدق .
وكانت نتيجة تلك المناظرات أن ثبت الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا ، فقد خرجت من الحوار منتصرا على المناظرين ، وذلك بالأدلة العلمية والبراهين العقلية ، حتى ثبت للحاضرين في المجلس أن مذهب أهل البيت ـ الذي هو مذهب الشيعة الجعفرية الاثنى عشرية ـ هو المذهب الحق ، وأنه أحق أن يتبع ، وأنا أقول مرددا ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله )(3).

السفر إلى سيالكوت
ثم سافرت إلى مدينة ( سيالكوت) بدعوة خاصة من (( الجمعية الاثنا عشرية )) التي كان يرأسها صديقي الوفي الأستاذ أبو بشير السيد علي شاه النقوي ، مدير تحرير مجلة (( در النجف)) الأسبوعية .
وعندما دخلت هذه المدينة لقيت استقبالا حافلا وتجمعا من مختلف الطبقات ، ومن حسن الحظ أني وجدت ضمن المستقبلين زميلا لي ، كان وليا مشفقا ، وهو الزعيم ( محمد سرور خان رسالدار) ابن المرحوم ( رسالدار محمد أكرم خان ) وأخ الكولونيل ( محمد أفضل خان ) وهو من أكبر شخصيات أسرة (قزل باش) في ولاية (البنجاب) .
وتعود معرفتي بهذه الأسرة الكريمة إلى عام 1339هـ في مدينة كربلاء المقدسة ، حيث كانوا قد تشرفوا آنذاك لزيارة مراقد الأئمة الأطهار من آل النبي المختار ( صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ) وسكنوا فيها ، كما وكانت لهم مناصب حكومية مرموقة في ولاية البنجاب .
وكان ( محمد سرور خان ) هذا رئيس شرطة ( سيالكوت) وكان أهل البلد يحبونه ويحترمونه لشجاعته وحسن سيرته وديانته .
فما أن رآني حتى ضمني إلى صدره ، ورحب بقدومي ، وطلب مني أن أحل ضيفا عنده وأنزل مدة إقامتي ـ هناك ـ في بيته ، فقبلت دعوته وذهبت معه ، وشيعني المستقبلون إلى ذلك البيت الرفيع .
وفور نزولي ضيفا هناك نشرت صحف ولاية ( البنجاب) خبر وصولي إلى سيالكوت فكانت الوفود والرسائل ـ رغم عزمي على السفر إلى إيران لزيارة الإمام الرضا عليه السلام ـ تتسابق في دعوتي إلى زيارة بلادهم ومدنهم .
وأخص بالذكر سماحة حجة الإسلام السيد علي الرضوي اللاهوري ، العالم الجليل ، والمفسر النبيل ، صاحب تفسير (( لوامع التنزيل )) ذي الثلاثين مجلدا ، وكان يسكن مدينة لاهور ، فدعاني بإلحاح منه وإصرار إلى هناك ، فاستجبت لدعوته ، وذهبت ملبيا طلبه .
كما وتلقيت فيها أيضا دعوة كريمة من إخواني المؤمنين من أسرة قزل باش ، الذين كانوا من شخصيات ورجال الشيعة المعروفين في ولاية ( البنجاب) ، وكانت دعوتهم لي لزيارة مدينة ( بيشاور) وهي آخر مدينة حدودية مهمة تربط ولاية البنجاب بأفغانستان .
ولما تلقيت تلك الدعوة ، ألحّ عليّ الزعيم ( محمد سرور خان) ـ مضيفي الكريم ـ بأن لا أرد دعوة أفراد أسرته ورجال قومه من ( بيشاور) ورجاني أن ألبي دعوتهم وأذهب إليهم .

في بيشاور
ثم إني عزمت على الذهاب إلى بيشاور ، فسافرت إليها في اليوم الرابع عشر من شهر رجب الحرام ، وحين وردتها استقبلني أهلها استقبالا حافلا قل نظيره في تلك المدينة ، وكان على رأس المستقبلين رجالات ووجهاء أسرة قزل باش .
ولما استقر بي المكان طلبوا مني بإصرار أن أرتقي المنبر وأخطب فيهم ، ولما لم أكن أجيد اللغة الهندية ، لم أوافق على ارتقاء المنبر ، ولم أخطب طول سفري في الهند ، رغم طلباتهم المتكررة .
ولكن لما كان أهالي بيشاور يجيدون اللغة الفارسية ، وكان أكثرهم يتكلم بها ، حتى كادت اللغة الفارسية أن تكون هي اللغة الدارجة فيها ، لبّيت طلبهم وقبلت أن أخطب فيهم بالفارسية .
فكنت أرتقي المنبر وقت العصر في الحسينية التي أسسها المرحوم ( عادل بيك رسالدار) وكانت مؤسسة ضخمة تتسع لضم الجماهير الغفيرة من الناس ، وكانت تمتلئ بالحاضرين ، وهم ليسوا من الشيعة فحسب ، بل فيهم كثير من أصحاب والمذاهب المختلفة ـ الإسلامية وغيرها ـ .

موضوع البحث
ولما كان أكثر أهالي بيشاور مسلمين ، ومن العامة وكانوا يحضرون في المجلس مع كثير من علمائهم ومشايخهم ، جعلت موضوع البحث هو : الإمامة ، فكنت أتكلم حول (( عقائد الشيعة )) وأبيّن دلائل الشيعة العقلية والنقلية لإثباتها ، وأذكر النقاشات ، في المسائل الخلافية مع العامة .
وعلى أثرها طلب مني علماء السنة وكبار شخصياتهم الذين كانوا يحضرون البحث أن اجتمع بهم في لقاء خاص للإجابة عن إشكالاتهم ، فرحبت بهم ولبيت طلبهم .
فكانوا يأتون في كل ليلة إلى البيت ، ويدور البحث بيننا ساعات طويلة حول المواضيع الخلافية من بحث الإمامة وغيرها .

من بركات المنبر
وفي يوم من الأيام عند نزولي من المنبر أخبرني بعض الحاضرين من أصدقائي بأن عالمين كبيرين من مشايخ العامة وهما : الحافظ محمد رشيد ، والشيخ عبدالسلام ، وكانا من أشهر علماء الدين في (كابل)[عاصمة أفغانستان] ـ ومن منطقة تدعى ضلع ملتان ـ قد قدما إلى بيشاور ليلتقيا بي ويشتركا مع بقية الحاضرين في الحوار الدائر فيما بيننا كل ليلة ، وطلبوا مني السماح لهما .
فأبديت سروري ورضاي بهذا النبأ ، واستقبلتهما بصدر منشرح وقلب منفتح ، ورحبت بقدومهما وجالستهما مع جماعة كبيرة من أصحابهما في ساعات كثيرة .
فكانوا يأتون بعد صلاة المغرب إلى المنزل الذي نزلت فيه للمناظرة ، وذلك لمدة عشر ليال متتالية ، وكان النقاش والحوار يدور حول المسائل الخلافية بيننا ، ويطول إلى ست أو سبع ساعات ، وربما كان البحث والحوار يستمر بنا أحيانا إلى طلوع الفجر ، كل ذلك بحضور شخصيات ورجال الفريقين في بيشاور .
ولما انتهينا من المحاورة والمناظرة في آخر ليلة من المجلس ، أعلن ستة من الحاضرين ـ من العامة ـ تشيعهم ، وكانوا من الأعيان والشخصيات المعروفة في المدينة .
ومن حسن التقدير أنه كان يحضر مجلسنا ما يقرب من مأتي كاتب من الفريقين ، إذ كانوا يشتركون مع الحاضرين في مجلس المناظرة للكتابة ، فكانوا يكتبون المواضيع المطروحة ، ويسجلون الحوار والنقاش وما يجري من مسائل وأجوبة وردود وشبهات ، بأقلام أمينة وعبارات وافية وجميلة .
وكان بالإضافة إلى أولئك الكتاب ، أربعة من الصحفيين يكتبون أيضا ما يدور في المجلس بكل جزئياته ، ثم ينشرون ما يدونوه من المناظرات والمناقشات في اليوم الثاني في الصحف والمجلات الصادرة هناك .
ويضيف المؤلف ـ رحمه الله ـ بعد ذلك : بأنه سيعرض على القارئ الكريم في هذا الكتاب الذي سماه : (( ليالي بيشاور )) ما نقلته تلك الصحف الرصينة ، وسجلته تلك الأقلام الأمينة ، وما سجّله هو بنفسه من نقاط مهمة عن تلك الليالي والمجالس التاريخية القيمة .
ثم يدعو الله العلي القدير أن ينفع به المسلمين ، ويجعله ذخيرة له في يوم الدين ، وكان قد كتبه وفرغ من تأليفه في طهران . </SPAN>
العبد الفاني
محمد الموسوي
((سلطان الواعظين الشيرازي))


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:15 AM



المجلس الأول
ليلة الجمعة 23 / رجب / 1345 هج


المكان: بيت المحسن الوجيه الميرزا يعقوب علي خان قزل باش(1)، من الشخصيات البارزة في بيشاور.
الابتداء: أول ساعة من الليل بعد صلاة المغرب.
إفتتاحية المجلس: حضر المشايخ والعلماء وهم:
الحافظ(2) محمد رشيد والشيخ عبد السلام، والسيد عبد الحي، وغيرهم من العلماء، وعدد كبير من الشخصيات والرجال من مختلف الطبقات والأصناف.
فرحبت بهم واستقبلتهم بصدر منشرح ووجه منبسط، كما ورحب بهم صاحب البيت واستقبلهم استقبالا حارا، ثم أمر خدمه فقدموا الشاي والفواكه والحلوى لجميع من حضر.
هذا، ولكن مشايخ القوم كانوا على عكس ما كنا معهم، فقد رأينا الغضب في وجوههم، إذ أنهم واجهونا في البداية بوجوه مقطبة مكفهرة، وكأنهم جاؤونا للمعاتبة لا للتفاهم والمناظرة.
أما أنا فكنت لا أبالي بهذه الأمور، لأني لم أبتغ من وراء هذا اللقاء هدفا شخصيا، ولأم أحمل في نفسي عنادا ولا في صدري تعصبا أعمى ضد أحد، وإنما كان هدفي ان أوضح الحق وأبين الحقيقة.
ولذلك لم أتجاوز عما كان يجب علي من المعاملة الحسنة فقابلتهم بالبشر والابتسامة، والترحيب والتكريم، وطلبت منهم أن يبدؤوا بالكلام بشرط أن يكون المتكلم شخصا معينا عن الجماعة حتى لا يضيع الوقت، ولا يفوت الغرض الذي اجتمعنا من أجله.
فوافقني القوم على ذلك وعينوا من بينهم الحافظ محمد رشيد ليتكلم نيابة عنهم، وربما خاض الآخرون ـ أحيانا ـ في البحث ولكن مع إذن مسبق.

بدء المناظرة
بهذا أخذ المجلس طابعه الرسمي، وبدأت المناظرات بيني وبينهم بكل جد وموضوعية، فبدأ الحافظ محمد رشيد وخاطبني بلقب: (قبله صاحب)(3) قائلا:
منذ نزولكم هذا البلد، شرفتم مسامع الناس بمحاضراتكم، وخطبكم، ولكن بدل أن تكون محاضراتكم منشأ الألفة والإخاء فقد سببت الفرقة والعداء، ونشرت الإختلاف بين أهالي البلد، وبما أنه يلزم علينا إصلاح المجتمع، ورفع الاختلاف منه، عزمت على السفر، وقطعت مسافة بعيدة مع الشيخ عبد السلام وجئنا إلى بيشاور لدفع الشبهات التي أثرتموها بين الناس.
وقد حضرت اليوم محاضرتكم في الحسينية، واستمعت لحديثكم، فوجدت في كلامكم سحر البيان وفصل الخطاب أكثر مما كنت أتوقعه، وقد اجتمعنا ـ الآن ـ بكم لننال من محضركم الشريف ما يكون مفيدا لعامة الناس إن شاء الله تعالى.
فإن كنتم موافقين على ذلك، فإنا نبدأ معكم الكلام بجدّ، ونتحدث حول المواضيع الأساسية التي تهمنا وتهمكم؟
قلت: على الرحب والسعة، قولوا ما بدا لكم، فإني أستمع لكم بلهفة، وأصغي لكلامكم بكل شوق ورغبة، ولكن أرجو من السادة الحاضرين جميعا ـ وأنا معكم ـ ان نترك التعصب والتأثّر بعادات محيطنا وتقاليد آبائنا، وأن لا تأخذنا حمية الجاهلية، فنرفض الحق بعد ما ظهر لنا، ونقول ـ لا سمح الله ـ مثل ما قاله الجاهلون : (حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) (4) أو نقول: (بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) (5).
فالرجاء هو أن ننظر نحن وأنتم إلى المواضيع والمسائل التي نناقشها نظر الإنصاف والتحقيق، حتى نسير معا على طريق واحد ونصل إلى الحق والصواب، فنكون كما أراد الله تعالى لنا: إخوانا متعاضدين ومتحابين في الله تبارك وتعالى.
فأجاب الحافظ: إن كلامكم مقبول على شرط أن يكون حديثكم مستندا إلى القرآن الكريم فقط.
قلت إن شرطكم هذا غير مقبول في عرف العلماء والعقلاء، بل يرفضه العقل والشرع معا، وذلك لأن القرآن الكريم كتاب سماويّ مقدّس،فيه تشريع كل الأحكام بإيجاز واختصار مما يحتاج في فهمه إلى من يبينه، والسنة الشريفة هي المبينة، فلا بدّ لنا أن نرجع في فهم ذلك إلى الأخبار والأحاديث المعتبرة من السنة الشريفة ونستدل بها على الموضوع المقصود.
الحافظ: كلامكم صحيح ومتين، ولكن أرجو أن تستندوا في حديثكم إلى الأخبار الصحيحة المجمع عليها، والأحاديث المقبولة عندنا وعندكم، ولا تستندوا بكلام العوام ّ والغثّ من عقائدهم.
وأرجو أيضا أن يكون الحوار هادئا، بعيدا عن الضوضاء والتهريج حتى لا نكون موضع سخرية الآخرين ومورد استهزائهم.
قلت: هذا كلام مقبول، وأنا ملتزم بذلك قبل أن ترجوه منّي، فإنه لا ينبغي لرجل الدين والعالم الروحي إثارة المشاعر والتهريج في الحوار العلمي والتفاهم الديني، وبالأخص لمن كان مثلي،إذ إن لي العزّ والفخر وشرف الانتساب إلى رسول الله (ص)، وهو صاحب الصفات الحسنة والخصال الحميدة والخلق العظيم، الذي أنزل الله تعالى فيه:(إنّك لعلى خلق عظيم) (6).
ومن المعلوم أني أولى بالالتزام بسنة جدي، وأحرى بأن لا أخالف أمر الله عز وجل حيث يقول: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (7).
الحافظ: ذكرت أنك منتسب إلى رسول الله (ص) ـ وهو المشهور أيضا بين الناس ـ فهل يمكنكم ان تبينوا لنا طريق انتسابكم إلى النبي الأعظم (ص)، والشجرة التي تنتهي بكم إليه؟
قلت: نعم، إن نسبي يصل عن طريق الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه الصلاة والسلام إلى رسول الله (ص)، وذلك على النحو التالي:

شجرة المؤلف
أنا محمد بن علي أكبر " أشرف الواعظين " بن قاسم " بحر العلوم " ابن حسن بن إسماعيل " المجتهد الواعظ " بن ابراهيم بن صالح بن أبي على محمد بن علي " المعروف بالمردان " بن أبي القاسم محمد تقي بن " مقبول الدين " حسين بن أبي علي حسن بن محمد بن فتح الله بن إسحاق بن هاشم بن أبي محمد بن إبراهيم بن أبي الفتيان بن عبدالله بن الحسن بن أحمد " أبي الطيب " ابن أبي علي حسن بن أبي جعفر محمد الحائري " نزيل كرمان " ابن إبراهيم الضرير المعروف بـ " المجاب " ابن الأمير محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي السجاد " زين العابدين " بن الإمام أبى عبدالله الحسين " السبط الشهيد " بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم أجمعين).
الحافظ: جيد، لقد انتهى نسبك ـ حسب بيانك هذا ـ إلى علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وهذا الانتساب يثبت أنك من أقرباء النبي (ص) لا من أولاده، لأن الأولاد إنما هم من ذرية الإنسان ونسله، لا من ختنه وصهره، فكيف ادّعيت مع ذلك بأنك من أولاد رسول الله (ص)؟!
قلت إن انتسابنا إلى النبي الأكرم (ص) إنما يكون عن طريق فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله (ص)، لأنها أم الإمام الحسين الشهيد عليه السلام.
الحافظ: العجب كل العجب منك ومن كلامك! إذ كيف تتفوّه بهذا الكلام وأنت من أهل العلم والأدب؟!
ألست تعلم أن نسل الإنسان وعقبه إنما يكون عن طريق الأولاد الذكور لا الإناث؟! ورسول الله (ص) لم يكن له عقب من أولاده الذكور!! فإذن أنتم أسباطه وأبناء بنته، لا أولاده وذريته!!
قلت: ما كنت أحسبك معاندا أو لجوجا، وإلا لما قمت مقام المجيب على سؤالكم، ولما قبلت الحوار معكم!
الحافظ: لا يا صاحبي لا يلتبس الأمر عليك، فإنّا لا نريد المراء واللجاج وإنما نريد أن نعرف الحقيقة، فإني وكثير من العلماء نظرنا في الموضوع ما بينته لكم، فإنا نرى أن عقب الإنسان ونسله إنما هو من الأولاد الذكور لا البنات، وذلك كما يقول الشاعر في هذا المجال:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنابنوهن أبناء الرجال الأباعد
فإن كان عندكم دليل على خلافه يدلّ على أن أولاد بنت رسول الله (ص) أولاده وذريته فبينوه لنا حتى نعرفه، وربما نقتنع به فنكون لكم من الشاكرين.
قلت: إني وفي أثناء كلامكم تذكرت مناظرة حول الموضوع، جرت بين الخليفة العباسي هارون، وبين: الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، فقد أجابه عليه السلام بجواب كاف وشاف اقتنع به هارون وصدقه.
الحافظ: كيف كانت تلك المناظرة أرجو أن تبينوها لنا؟
قلت: قد نقل هذه المناظرة علماؤنا الأعلام في كتبهم المعتبرة، منهم: ثقة عصره، ووحيد دهره، الشيخ الصدوق في كتابه القيم: (عيون أخبار الرضا) (8).
ومنهم: علامة زمانه، وبحّاثة قرنه، الشيخ الطبرسي في كتابه الثمين:(الاحتجاج) وأنا أنقلها لكم من كتاب (الاحتجاج)(9) وهو كتاب علمي قيّم، يضم بين دفتيه أضخم تراث علمي وأدبي لا بدّ لأمثالك أيها الحافظ من مطالعته، حتى ينكشف لكم الكثير من الحقائق العلمية والوقائع التاريخية الخافية عليكم.

أولاد البتول عليها السلام ذرية الرسول (ص)
روى العلامة الطبرسي أبو منصور أحمد بن علي في الجزء الثاني من كتابه:(الاحتجاج) رواية مفصلة وطويلة تحت عنوان: " أجوبة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لأسئلة هارون " وآخر سؤال وجواب، كان حول الموضوع الذي يدور الآن بيننا، وإليكم الحديث بتصرّف:
هارون: لقد جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى النبي (ص) ويقولوا لكم: يا أولاد رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي جدكم من قبل أمكم؟؟!
الإمام عليه السلام: لو أن النبي (ص) نشر فخطب إليك كريمتك، هل كنت تجيبه؟!
هارون: سبحان الله! ولم لا أجيبه، وأفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.
الإمام عليه السلام: لكنه لا يخطب إليّ، ولا أزوّجه.
هارون: ولِمَ؟!
الإمام عليه السلام: لأنه ولدني ولم يلدك.
هارون: أحسنت!!
ولكن كيف قلتم: إنا ذرية النبي (ص) والنبي لم يعقّب؟! وإنما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد بنت النبي، ولا يكون ولدها عقبا له (ص)!!
الإمام عليه السلام: أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلا أعفيتني عن هذه المسألة.
هارون: لا... أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا أنهى لي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، وأنتم معشر ولد علي تدّعون: أنه لا يسقط عنكم منه شيء، ألف ولا واو، إلا تأويله عندكم واحتججتم بقوله عز وجل: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)(10) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم!!
الإمام عليه السلام: تأذن لي في الجواب؟
هارون: هات.
الإمام عليه السلام: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:(ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين) (11) فمن أبو عيسى عليه السلام؟
هارون: ليس لعيسى أب!
الإمام عليه السلام: فالله عز وجل ألحقه بذراري الأنبياء عن طريق أمه مريم عليها السلام وكذلك ألحقنا بذراري النبي (ص) من قبل أمنا فاطمة عليها السلام... هل أزيدك؟
هارون: هات.
الإمام عليه السلام: قال الله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(12) ولم يدّعِ أحد أنه أدخله النبي (ص) تحت الكساء وعند مباهلة النصارى، إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليها السلام، واتفق المسلمون: أن مصداق (أبناءنا) في الآية الكريمة: الحسن والحسين عليهما السلام، (ونساءنا): فاطمة الزهراء عليها السلام. (وأنفسنا) : علي بن أبي طالب عليه السلام.
هارون: أحسنت يا موسى! ارفع إلينا حوائجك.
الإمام عليه السلام: ائذن لي أن أرجع إلى حرم جدي رسول الله (ص) لأكون عند عيالي.
هارون: ننظر إن شاء الله (13).

الاستدلال بكتب العامة ورواياتهم
هناك دلائل كثيرة جاءت في نفس الموضوع تدل على ما ذكرناه وقد سجّلها علماؤكم ونقلها حفاظكم ورواتكم. منهم: الإمام الرازي في الجزء الرابع من (تفسيره الكبير) (14) وفي الصفحة (124) من المسألة الخامسة قال في تفسير هذه الآية من سورة الأنعام: إن الآية تدل على أن الحسن والحسين [ عليهما السلام ] ذرية رسول الله (صلى الله عليه [وآله ] وسلم) لأن الله جعل في هذه الآية عيسى من ذرية ابراهيم ولم يكن لعيسى أب، وإنما انتسابه إليه من جهة الأم، وكذلك الحسن والحسين [ عليهما السلام ] فإنهما من جهة الأم ذرية رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم.
كما إن الإمام الباقر عليه السلام استدل للحجاج الثقفي بهذه الآية لإثبات أنهم ذرية رسول الله (ص) أيضا(15):
ومنهم: ابن أبي الحديد في: " شرح نهج البلاغة "، وأبو بكر الرازي في تفسيره استدل على أن الحسن والحسين عليهما السلام أولاد رسول (ص) من جهة أمهم فاطمة عليها السلام بآية المباهلة وبكلمة: (أبناءنا) كما نسب الله تعالى في كتابه الكريم عيسى إلى إبراهيم من جهة أمه مريم عليها السلام.
ومنهم: الخطيب الخوارزمي، فقد روى في (المناقب) والمير السيد علي الهمداني الشافعي في كتابه (مودة القربى) والإمام أحمد بن حنبل وهو من فحول علمائكم في مسنده، وسليمان الحنفي البلخي في (ينابيع المودة)(16) بتفاوت يسير: أن رسول الله (ص) قال ـ وهو يشير إلى الحسن والحسين عليهما السلام:ـ " إبناي هذان ريحانتاي من الدنيا، إبناي هذان إمامان إن قاما أو قعدا ".
ومنهم: محمد بن يوسف الشافعي، المعروف بالعلامة الكنجي، ذكر في كتابه (كفاية الطالب) فصلا بعد الأبواب المائة بعنوان: فصل: في بيان أن ذرية النبي (ص) من صلب علي عليه السلام " جاء فيه بسنده عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال: قال رسول الله (ص) إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن الله عز وجل جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب " (17).
ورواه ابن حجر المكي في صواعقه المحرقة: ص74 و94 عن الطبراني، عن جابر بن عبدالله، كما ورواه أيضا الخطيب الخوارزمي في (المناقب) عن ابن عباس.
قلت(18): ورواه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمة الحسن، ثم قال:
فإن قيل: لا اتصال لذرية النبي (ص) بعلي عليه السلام إلا من جهة فاطمة عليها السلام وأولاد البنات لا تكون ذرية، لقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
التعديل الأخير تم بواسطة زكي الياسري ; 14-01-2010 الساعة 04:18 AM.


الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:20 AM


قلت: في التنزيل حجة واضحة تشهد بصحة هذه الدعوى وهو قوله (عز وجل)(19): (ووهبنا له [أي:ابراهيم] إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ـ إلى أن قال: ـ وزكريا ويحيى وعيسى)، فعد عيسى (عليه السلام) من جملة الذرية الذين نسبهم إلى نوح (عليه السلام) وهو ابن بنت لا اتصال له إلا من جهة أمه مريم.
وفي هذا أكد دليل على أن أولاد فاطمة (عليها السلام) ذرية النبي (ص) ولا عقب له إلا من جهتها، وانتسابهم الى شرف النبوة ـ وان كان من جهة الأم ـ ليس ممنوع، كانتساب عيسى الى نوح، إذ لا فرق.
وروى الحافظ الكنجي الشافعي في آخر هذا الفصل، بسنده عن عمر بن الخطاب، قال سمعت رسول الله يقول: كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة، فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم(20).
قال العلامة الكنجي: رواه الطبري في ترجمة الحسن.
هذا ونقله أيضا بتفاوت يسير وزيادة في أوله، بأن رسول الله (ص) قال: كل حسب ونسب منقطع يوم اليوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي(21).
أقول: ونقله كثير من علمائكم وحفاظكم، منهم الحافظ سليمان الحنفي في كتابه: (ينابيع المودة)(22) وقد أفرد بابا في الموضوع فرواه عن أبي صالح، والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر وأبي نعيم في معرفة الصحابة، والدار قطني والطبراني في الأوسط.
ومنهم: الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في:(الإتحاف بحب الاشراف).
ومنهم: جلال الدين السيوطي في (إحياء الميت بفضائل أهل البيت) (23).
ومنهم: أبو بكر بن شهاب الدين في: (رشفة الصادي في بحر فضائل بني النبي الهادي) ط. مصر، الباب الثالث.
ومنهم: ابن حجر الهيتمي في (الصواعق المحرقة) الباب التاسع، الفصل الثامن، الحديث السابع والعشرون، قال: أخرج الطبراني عن جابر، والخطيب عن ابن عباس... ونقل الحديث.
وروى ابن حجر أيضا في (الصواعق الباب الحادي عشر، الفصل الأول، الآية التاسعة...): وأخرج ابو الخير الحاكمي، وصاحب (كنوز المطالب في بني أبي طالب) إن عليا دخل على النبي (ص) وعنده العباس، فسلم فردّ عليه (ص) السلام وقام فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه عن يمينه.
فقال له العباس: أتحبه؟
قال (ص): يا عمّ! واللهِ الله ُأشدّ حبا له مني، إن الله (عز وجل) جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا.
ورواه العلامة الكنجي الشافعي في كتابه: (كفاية الطالب الباب السابع) (24) بسنده عن ابن عباس.
وهناك مجموعة كبيرة من الأحاديث الشريفة المعتبرة، المروية في كتبكم، المقبولة عند علمائكم، تقول، إن النبي (ص) كان يعبر عن الحسن والحسين عليهما السلام بأنهما ابناه، ويعرفهما لأصحابه ويقول: هذان ابناي.
وجاء في تفسير: (الكشاف) وهو من أهم تفاسيركم، في تفسير آية المباهلة: لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء، وهم: علي وفاطمة والحسنان، لأنهما لما نزلت، دعاهم النبي (ص) فاحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعلي خلفهما، فعلم: إنهم المراد من الآية، وإن أولاد فاطمة وذريتهم سيمون أبناءه، وينسبون إليه (ص) نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة(25).
وكذلك الشيخ أبو بكر الرازي في (التفسير الكبير) في ذيل آية المباهلة، وفي تفسير كلمة (أبناءنا) له كلام طويل وتحقيق جليل، أثبت فيه أن الحسن والحسين هم أبنا رسول الله (ص) وذريته، فراجع(26).
ثم قلت بعد ذلك: فهل يبقى ـ يا أيها الحافظ ـ بعد هذا كله، محل للشعر الذي استشهدت به؟! بنونا بنو أبنائنا...الى آخره.
وهل يقوم هذا البيت من الشعر، مقابل هذه النصوص الصريحة والبراهين الواضحة؟!
فلو اعتقد أحد بعد هذا كله، بمفاد ذلك الشعر الجاهلي ـ الذي قيل في وصفه: إنه كفر من شعر الجاهلية ـ لردّه كتاب الله العزيز وحديث رسوله الكريم (ص).
ثم أعلم ـ أيها الحافظ ـ أن هذا بعض دلائلنا في صحة انتسابنا إلى رسول الله (ص)، وبعض براهيننا على أننا ذريته ونسله، ولذا يحق لنا أن نفتخر بذلك ونقول:
أولئك آبائي فجئني بمثلهمإذا جمعتنا يا جرير المجامع
الحافظ: إني أقر وأعترف بأن دلائلكم كانت قاطعة، وبراهينكم ساطعة، ولا ينكرها إلا الجاهل العنود، كما وأشكركم كثيرا على هذه التوضيحات، فلقد كشفتم لنا الحقيقة وأزحتم الشبهة عن أذهاننا.

صلاة العشاء:
وهنا علا صوت المؤذن في المسجد وهو يعلن وقت صلاة العشاء، والأخوة من العامة ـ بخلافنا نحن الشيعة ـ يوجبون التفريق بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وقد يجمعون أحيانا، وذلك لسبب كالمطر والسفر.
لذا فقد تهيئوا جميعا للذهاب إلى المسجد، فقال بعضهم: وبما أنّا نريد الرجوع بعد الصلاة إلى هذا المكان لمتابعة الحديث، فالأحسن أن تقام جماعة في المسجد وجماعة في هذا المكان بالحاضرين، حتى لا يفترق جمعنا ولا يفوت وقتنا، فهذه فرصة ثمينة يجب أن نغتنمها.
فوافق الجميع على هذا الاقتراح، وذهب السيد عبد الحي ـ إمام المسجد ـ ليقيم الجماعة فيه بالناس.
وأمّا الآخرون فقد أقاموا صلاة العشاء جماعة في نفس المكان واستمروا على ذلك بقية الليالي التالية أيضا.

مسالة الجمع أو التفريق بين الصلاتين
ولما استقرّ بنا المجلس بعد الصلاة، خاطبني أحد الحاضرين، ويدعى النواب عبد القيوم خان، وكان يعد من أعيان العامة وأشرافهم، وهو رجل مثقف يحب العلم والمعرفة، فقال لي: في هذه الفرصة المناسبة التي يتناول العلماء فيها الشاي أستأذنكم لأطرح سؤالا خارجا عن الموضوع الذي كنا فيه، ولكنه كثيرا ما يتردد على فكري ويختلج في صدري.
قلت: تفضل واسأل، فإني مستعد للاستماع إليك.
النواب: كنت أحب كثيرا أن ألتقي بأحد علماء الشيعة حتى أسأله: أنه لماذا تسير الشيعة على خلاف السنة النبوية حتى يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء؟!
قلت:
أولا: السادة العلماء ـ وأشرت إلى الحاضرين في المجلس ـ يعلمون أن آراء العلماء تختلف في كثير من المسائل الفرعية، كما أن أئمتكم ـ الأئمة الأربعة ـ يختلفون في آرائهم الفقهية فيما بينهم كثيرا، فلم يكن إذن الاختلاف بيننا وبينكم في مثل هذه المسألة الفرعية شيئا مستغربا.
ثانيا: إن قولك: الشيعة على خلاف السنة النبوية، ادّعاء وقول لا دليل عليه، وذلك لأن النبي (ص) كان يجمع حينا ويفرق أخرى.
النواب ـ وهو يتوجه إلى علماء المجلس ويسألهم ـ: أهكذا كان يصنع رسول الله (ص) يفرق حينا ويجمع أخرى؟
الحافظ: يلتفت إلى النواب ويقول في جوابه: كان النبي (ص) يجمع بين الصلاتين في موردين فقط: مورد السفر، ومورد العذر من مطر وما أشبه ذلك، لكي لا يشق على أمته.
وأما إذا كان في الحضر، ولم يك هناك عذر للجمع، فكان يفرّق، وأظن أن السيد قد التبس عليه حكم السفر والحضر!!
قلت: كلا، ما التبس عليّ ذلك، بل أنا على يقين من الأمر، وحتى أنه جاء في الروايات الصحيحة عندكم: بأن رسول الله (ص) كان يجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر.
الحافظ: ربما وجدتم ذلك في رواياتكم وتوهمتم أنها من رواياتنا!!
قلت: لا، ليس كذلك، فإن رواة الشيعة قد أجمعوا على جواز الجمع بين الصلاتين، لأن الروايات في كتبنا صريحة في ذلك، وإنما الكلام والنقاش يدور فيما بين رواتكم حول الجمع وعدمه، فقد نقلت صحاحكم وذكرت مسانيدكم، أحاديث كثيرة وأخبارا صريحة في هذا الباب.
الحافظ: هل يمكنكم ذكر هذه الروايات والأحاديث وذكر مصادرها لنا؟
قلت: نعم، هذا مسلم بن الحجاج، روى في صحيحه في باب (الجمع بين الصلاتين في الحضر) بسنده عن ابن عباس، أنه قال: صلّى رسول الله (ص) الظهر والعصر جمعا، والمغرب والعشاء جمعا، في غير خوف ولا سفر.
وروى أيضا، بسنده عن ابن عباس، أنه قال: صلّيت مع النبي (ص) ثمانيا جمعا، وسبعا جمعا (27).
وروى هذا الخبر بعينه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج2 ص221 وأضاف إليه حديثا آخر عن ابن عباس أيضا، أنه قال: صلى رسول الله (ص) في المدينة مقيما غير مسافر، سبعا وثمانيا.
وروى مسلم في صحيحه أخبارا عديدة في هذا المجال، إلى أن روى في الحديث رقم 57، بسنده عن عبدالله بن شقيق، قال: خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، فجعل الناس يقولون: الصلاة.. الصلاة! فلم يعتن ابن عباس بهم، فصاح في هذه الأثناء رجل من بني تميم، لا يفتر ولا ينثني: الصلاة.. الصلاة!
فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة؟ لا أم لك!
ثم قال: رأيت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
قال عبدالله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدّق مقالته.
وروى مسلم في صحيحه الحديث رقم 58 ذلك أيضا بطريق آخر عن عبدالله بن شقيق العقيلي، قال: قال رجل لابن عباس ـ لما طالت خطبته: الصلاة! فسكت، ثم قال: الصلاة! فسكت. ثم قال: الصلاة! فسكت، ثم قال: لا أم لك! أتعلمنا بالصلاة، وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (ص)؟!
وروى الزرقاني وهو من كبار علمائكم، في كتابه (شرح موطأ مالك ج1 ص 263، باب الجمع بين الصلاتين) عن النسائي، عن طريق عمرو بن هرم، عن ابن الشعثاء، أنه قال: إن ابن عباس كان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وصلاتي المغرب والعشاء في البصرة، وكان يقول هكذا صلى رسول الله (ص).
وروى مسلم في صحيحه، ومالك في (الموطأ) وأحمد بن حنبل في (المسند) والترمذي في صحيحه في (باب الجمع بين الصلاتين) باسنادهم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة، من خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟
قال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته.
هذه بعض رواياتكم في هذا الموضوع، وهي أكثر من ذلك بكثير، ولكن ربما يقال: إن أوضح دليل على جواز الجمع بين الصلاتين، من غير عذر ولا سفر، هو أن علمائكم فتحوا بابا في صحاحهم ومسانيدهم بعنوان: (الجمع بين الصلاتين) وذكروا فيه الروايات التي ترخص الجمع مطلقا، في السفر والحضر، مع العذر وبلا عذر.
ولو كان غير ذلك، لفتحوا بابا مخصوصا للجمع في الحضر وبابا مخصوصا للجمع في السفر، وبما أنهم لم يفعلوا ذلك، وإنما سردوا الروايات في باب واحد، كان دليلا على جواز الجمع مطلقا!
الحافظ: ولكني لم أجد في صحيح البخاري روايات ولا بابا بهذا العنوان.
قلت:
أولا: إنه إذا روى سائر أصحاب الصحاح ـ غير البخاري ـ من مثل مسلم والترمذي والنسائي وأحمد بن حنبل، وشرّاح صحيحي مسلم والبخاري، وغيرهم من كبار علمائكم، أخبارا وأحاديث في مطلب ما وأقروا بصحتها، ألم تكن رواية أولئك كافية في إثبات ذلك المطلب....، فيثبت إذن هدفنا ومقصودنا؟!
وثانيا: إن البخاري أيد ذكر هذه الروايات في صحيحه، ولكن بعنوان آخر، وذلك في باب (تأخير الظهر إلى العصر) من كتاب مواقيت الصلاة، وفي باب (ذكر العشاء والعتمة) وباب (وقت المغرب).
أرجو أن تطالعوا هذه الأبواب بدقة وإمعان حتى تجدوا أن كل هذه الأخبار والروايات الدالة على جواز الجمع بين الصلاتين منقولة هناك أيضا.

الجمع بين الصلاتين عند علماء الفريقين
والحاصل: إن نقل هذه الأحاديث من قبل جمهور علماء الفريقين ـ مع الإقرار بصحتها في صحاحهم ـ دليل على أنهم أجازوا الجمع ورخصوه، وإلا لما نقلوا هذه الروايات في صحاحهم.
كما أن العلامة النوري في (شرح صحيح مسلم) والعسقلاني والقسطلاني وزكريا الأنصاري، في شروحهم لصحيح البخاري، وكذلك الزرقاني في (شرح موطأ مالك) وغير هؤلاء من كبار علمائكم ذكروا هذه الأخبار والروايات، ثم وثقوها وصححوها، وصرحوا أنها تدل على الجواز والرخصة في الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر ولا مطر، وخاصة بعد رواية ابن عباس وتقرير صحتها، فإنهم علقوا عليها بأنها صريحة في جواز الجمع مطلقا، وحتى لا يكون أحد من الأمة في حرج ومشقة.
النواب ـ وهو يقول متعجبا ـ: كيف يمكن مع وجود هذه الأخبار والروايات المستفيضة والصريحة في جواز الجمع بين الصلاتين، ثم يكون علماؤنا على خلافها حكما وعملا.
قلت ـ بديهي، ومع كامل العذر على الصراحة ـ: إن عدم التزام علمائكم بالنصوص الصريحة والروايات الصحيحة التي لا تنحصر ـ مع كل الأسف ـ بهذا الموضوع فقط، بل هناك حقائق كثيرة نص عليها النبي (ص)، وصرح بها في حياته، ولكنهم لم يلتزموا بها، وإنما تأولوها وأخفوا نصها عن عامة الناس، وسوف تنكشف لكم بعض هذه الحقائق خلال البحث والنقاش في موضوع الإمامة وغيره إن شاء الله تعالى.
وأما هذا الموضوع بالذات، فإن فقهائكم لم يلتزموا ـ أيضا بالروايات التي وردت فيه مع صراحتها، وإنما أولوها بتأويلات غير مقبولة عرفا.
فقال بعضهم: إن هذه الروايات المطلقة في الجمع بين الصلاتين لعلها تقصد الجمع في أوقات العذر، مثل الخوف والمطر وحدوث الطين والوحل، وعل هذا التأويل المخالف لظاهر الروايات أفتى جماعة كبيرة من أكابر متقدميكم، مثل: الإمام مالك والإمام الشافعي وبعض فقهاء المدينة فقالوا: بعدم جواز الجمع بين الصلاتين إلا لعذر كالخوف والمطر!
ومع ان هذا التأويل يرده صريح رواية ابن عباس التي تقول: " جمع النبي (ص) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة من غير خوف ولا مطر ".
وقال بعضهم الآخر في تأويل هذه الروايات المطلقة الصريحة في الجمع بين الصلاتين مطلقا، حتى وغن كان بلا عذر ولا سفر،: لعل السحاب كان قد غطى السماء، فلم يعرفوا الوقت، فلما صلوا الظهر وأتموا الصلاة، زال السحاب وانكشف الحجاب، فعرفوا الوقت عصرا، فجمعوا صلاة العصر مع الظهر!!
فهل يصح ـ يا ترى ـ مثل هذا التأويل في أمر مهم مثل الصلاة، التي هي عمود الدين؟!
وهل أن المؤولين نسوا أن المصلي ـ في الرواية ـ هو رسول الله (ص) وأن وجود السحاب وعدمه لا يؤثر في علم النبي (ص)، الذي يعلم من الله تعالى، وينظر بنور ربه (عز وجل)؟!
وعليه فهل يجوز أن نحكم في دين الله العظيم استنادا إلى هذه التأويلات غير العرفية، التي لا دليل عليها سوى الظن المرجوح! وقد قال تعال: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (28).
إضافة إلى ذلك ما الذي تقولونه في جمع النبي (ص) بين صلاتي المغرب والعشاء، مع أنه لا أثر حينها للسحاب وعدمه فيه؟!
إذن فهذا التأويل وغيره من التأويلات، خلاف ظاهر الروايات، وخلاف صريح الخبر القائل: " إن ابن عباس استمر في خطبته حتى بدت النجوم، ولم يبال بصياح الناس: الصلاة.. الصلاة، ثم ردّ ابن عباس على التميمي بقوله: أتعلمني بالسنة؟! لا أم لك! رأيت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء " ثم تصديق أبي هريرة لمقالة ابن عباس.
وعليه: فإن هذه التأويلات غير معقولة ولا مقبولة عندنا، وكذا غير مقبولة عند كبار علمائكم أيضا، إذ أنهم علقوا عليها: بأنها خلاف ظاهر الروايات.
فهذا شيخ الإسلام الانصاري في كتابه (تحفة الباري في شرح صحيح البخاري في باب صلاة الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء آخر ص 292 في الجزء الثاني) وكذا العلامة القسطلاني في كتابه (إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري في ص293 من االجزء الثاني) وكذا غيرهما من شراح صحيح البخاري، وكثير من محققي علمائكم، قالوا: هذه التأويلات على خلاف ظاهر الروايات، وإن التقيد بالتفريق بين الصلاتين ترجيح بلا مرجح وتخصيص بلا مخصص.
النواب: إذن فمن أين جاء هذا الاختلاف الذي فرق بين الأخوة المسلمين إلى فرقتين متخاصمتين، ينظر بعضهم إلى الآخر بنظر البغض والعداء، ويقدح بعضهم في عبادة البعض الآخر؟!
قلت:
أولا: بما أنك قلت بأن المسلمين صاروا فريقين متعاديين، أوجب عليّ الوقوف قليلا عند كلمة: متعاديين، لنرى معا هل العداء ـ كما قلت ـ كان من الطرفين، أو من طرف واحد؟
وهنا لا بد لي ـ وأنا واحد من الشيعة ـ ان أقول دفاعا عن الشيعة ـ أتباع أهل البيت عليهم السلام، وإزاحة لهذه الشبهة عنهم: بأنّا نحن معاشر الشيعة، لا ننظر إلى أحد من علماء العامة وعوامهم بعين التحقير والعداء، بل نعدهم إخواننا في الدين.
وذلك بعكس ما ينظره بعض العامة إلينا تماما، إذ أنهم يرون أن الشيعة أعداءهم، فيتعاملون معهم معاملة العدو لعدوه، ولم تأتهم هذه النظرة بالنسبة إلى شيعة آل محمد (ص)، وأتباع مذهب أهل بيت رسولهم الكريم، إلا بسبب التقوّلات والأباطيل التي نشرت ضدهم بواسطة الخوارج والنواصب وبني أمية وأتباعهم من أعداء النبي (ص) وأعداء آله الكرام (ص) وبسبب الاستعمار ـ في يومنا هذا ـ الذي هو ألد أعداء الإسلام والمسلمين، والذي يخشى على منافعه ومطامعه من وحدة المسلمين واجتماعهم.
ومع الأسف الشديد فإن هذه التضليلات العدوانية أثّرت في قلوب وأفكار بعض أهل السنة، حتى نسبونا على الكفر والشرك!
ويا ليت شعري هل فكروا في أنهم بأي دليل ذهبوا إلى هذا المذهب وفرقوا بين المسلمين؟!
ألم يفكروا في نهي الله تعالى المسلمين عن التفرقة بقوله:(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) (29)؟
ثم أليس الله عز وجل، وحده لا شريك له، ربنا جميعا، والإسلام ديننا، والقرآن كتابنا، والنبي الكريم محمد (ص) خاتم النبيين وسيد المرسلين نبينا، وقوله وفعله وتقريره سنتنا، وحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، وأن الحق ما حققه، والباطل ما أبطله، ونوالي أولياءه، ونعادي أعداءه، والكعبة مطافنا وقبلتنا جميعا، والصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والزكاة الواجبة وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، فرائضنا، والعمل بجميع الأحكام والواجبات والمستحبات وترك الكبائر والمعاصي والذنوب مرامنا؟
ألستم معنا في هذا كله؟
أم أن شرعنا أو شرعكم، وإسلامنا وإسلامكم غير ما بيناه من الدين المبين؟؟!
وأنا على علم ويقين بأنكم توافقوننا في كل ما ذكرناه، وإن كان بيننا وبينكم شيء من الخلاف فهو كالخلاف الموجود فيما بينكم وبين مذاهبكم، فنحن وأنتم في الإسلام سواء (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) (30).
إذن فلماذا صار بعض العامة ينسبوننا إلى ما لا يرضى به الله ورسوله، ويبغون الفرقة بيننا وبينهم، وينظرون إلينا بنظر العداوة والبغضاء؟! وهذا ما يتربصه بنا أعداء الإسلام ويريده لنا الشيطان، شياطين الإنس والجن، قال تعالى في ذلك: (.... شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول... ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه ....) (31).
وقال تعالى: (إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر....) (32). فتارة يوقع الشيطان العداوة والبغضاء بين المسلمين بواسطة الخمر والميسر، وتارة بواسطة التسويلات والأوهام التي يلقيها في قلوبهم عبر التهم والأباطيل التي ينشرها شياطين الإنس في أوساطهم.
ثانيا: سالت: من أين جاء هذا الاختلاف؟
فإني أقول لك وقلبي يذوب حسرة وأسفا: لقد جاء هذا وغيره من الاختلافات الفرعية على أثر اختلاف جذري وخلاف أصولي، ليس هذا الوقت مناسبا لذكره، ولعلنا نصل إليه في مباحثنا الآتية فنتعرض له إذا دار النقاش حوله، وحين ذاك ينكشف لكم الحق وتعرفون الحقيقة إن شاء الله تعالى.
ثالثا: وأما بالنسبة إلى مسألة الجمع والتفريق بين الصلاتين، فإن فقهاءكم بالرغم من أنهم رووا الروايات الصحيحة والصريحة في الرخصة وجواز الجمع لأجل التسهيل ورفع الحرج عن الأمة، أولوها ـ كما عرفت ـ ثم أفتوا بعدم جواز الجمع من غير عذر أو سفر، حتى أن بعضهم ـ مثل أبي حنيفة وأتباعه ـ أفتوا بعدم جواز الجمع مطلقا حتى مع العذر والسفر(33).
ولكن المذاهب الأخرى من الشافعية والمالكية والحنابلة على كثرة اختلافاتهم الموجودة بينهم في جميع الأصول والفروع أجازوا الجمع في الأسفار المباحة كسفر الحج والعمرة، والذهاب إلى الحرب، وما أشبه ذلك.
وأما فقهاء الشيعة، فأنهم تبعا للأئمة الأطهار من آل النبي المختار (ص) ـ الذين جعلهم رسول الله (ص) ميزانا لمعرفة الحق والباطل، وعدلا للقرآن، ومرجعا للأمة في حل الاختلاف، وصرح بأن التمسك بهم وبالقرآن معا أمان من الفرقة والضلالة بعده ـ أفتوا بجواز الجمع مطلقا، لعذر كان أم لغير عذر، في سفر كان أم في حضر، جمع تقديم في أول الوقت، أم جمع تأخير في آخر الوقت، وفوّضوا الخيار في الجمع والتفريق إلى المصلّي نفسه تسهيلا عليه ودفعا للحرج عنه، وبما أن الله يحب الأخذ برخصه، اختارت الشيعة الجمع بين الصلاتين، حتى لا يفوتهم شيء من الصلاة غفلة أو كسلا، فجمعوا تقديما، أو تأخيرا.
ولما وصل الكلام في الجواب عن الجمع بين الصلاتين إلى هنا قلت لهم: أرى الكلام عن هذه المسألة بهذا المقدار كافيا، فإني أظن بأن الشبهة قد ارتفعت عن أذهانكم وانكشف لكم الحق، وعرفتم: أن الشيعة ليسوا كما تصورهم البعض أو صوروهم لكم، بل إنهم إخوانكم في الدين، وهم ملتزمون بسنة النبي الكريم وبالقرآن الحكيم(34).

عود على بدء
قلت: والآن أرى أن من الأفضل أن نعود إلى حوارنا السابق، ونتابع حديثنا حول المسائل الأصولية المهمة، فإن هناك مسائل أصولية أهم من هذه المسائل الفرعية، فإذا توافقنا على تلك المسائل الأصولية، فالموافقة على أمثال هذه المسائل الفرعية حاصلة بالتبع.
الحافظ: إنني فرح بمجالسة عالم فاضل ومفكر نبيل، ومحادثة متفكر، ذي اطلاع وافر على كتبنا ورواياتنا مثل جنابكم، فقد بان لي فضلكم وعلمكم في أول مجلس جلسناه معكم، وكما تفضلتم فإن من الأفضل ـ الآن ـ أن نتابع حديثنا السابق.
غير أنني أستأذن سماحتكم لأقول متسائلا: لقد ثبت لنا بكلامكم الشيق، وبيانكم العذب، أنكم من الحجاز، ومن بني هاشم، فأحب أن أعرف ـ أنكم مع هذا النسب الطاهر والأصل المنيف ـ ما حدا بكم حتى هاجرتم من الحجاز وعلى الخصوص من المدينة المنورة، مدينة جدكم ومسقط رأسكم وسكنتم في إيران؟!
ثم في أي تاريخ تم ذلك ولماذا؟!


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:23 AM


قلت إن أول من هاجر من آبائي إلى إيران هو الأمير السيد محمد العابد ابن الإمام موسى بن جعفر (عليه الصلاة والسلام)، وكان فاضلا تقيا، عابدا زاهدا، ولكثرة عبادته ـ إذ أنه كان قائم الليل وصائم النهار وتاليا للقرآن الكريم في أكثر ساعات ليله ونهاره ـ لقب بالعابد، وكان يحسن الخط ويجيد الكتابة، فصار يستغل فراغه باستنساخ وكتابة المصحف المبارك، وكان ما يأخذه من حق مقابل كتابته يعيش ببعضه، ويشتري بالزائد منه مماليك وعبيدا ويعتقهم لوجه الله (عز وجل)، حتى أعتق عددا كبيرا منهم بذلك.
ولما أدركته الوفاة وارتحل من الدنيا ودفن في مضجعه، أصبح مرقده الشريف وإلى هذا اليوم مزارا شريفا لعامة المؤمنين في مدينة شيراز.
وأمر ابن الأمير أويس ميرزا معتمد الدولة، ثاني أولاد الحاج فرهاد ميرزا معتمد الدولة ـ عم ناصر الدين شاه قاجار ـ بنصب ضريح فضي ثمين على القبر الشريف، وأمر بروضته المباركة ـ وهي مسجد لأداء الفرائض اليومية وإقامة الجماعة، وتلاوة آيات الكتاب الكريم، وقراءة الأدعية والصلوات المستحبة، أمر أن تزين بالمرايا وأنواع البلاط والرخام، ليكون مأوى الزائرين، الذين يفدون إلى زيارة المرقد الشريف من كل صوب ومكان.
الحافظ: ما هو سبب هجرته من الحجاز إلى شيراز؟!
قلت: إن في أواخر القرن الثاني من الهجرة، حينما أجبر المأمون الإمام علي بن موسى الرضا (عليه الصلاة والسلام) على الرحيل من مدينة جده رسول الله (ص) والهجرة إلى خراسان، وفرض عليه الإقامة في طوس، وذلك بعد أن قلده ولاية العهد كرها، وقع الفراق بين الإمام الرضا (ع) وبين ذويه وإخوته.
ولما طال الفراق، اشتاق ذووه واخوته وكثير من بني هاشم إلى زيارته (ع) فاستأذنوه (ع) في ذلك فأذن لهم.
كما وبعثوا كتابا إلى المأمون يطلبون منه الموافقة على سفرهم إلى طوس لزيارة أخيهم وإمامهم الرضا (ع)، حتى لا يصدهم المأمون وجلاوزته وعماله عن قصدهم، ولا يتعرضوا لهم بسوء، فوافق المأمون على ذلك، وأبدى لهم رضاه، فشدوا الرحال، وعزموا على السفر لزيارة الإمام الرضا (ع)، فتحركت قافلة عظيمة تضم أبناء رسول الله (ص) وذريته، وتوجهت من الحجاز نحو خراسان، وذلك عن طريق البصرة والأهواز وبوشهر وشيراز... إلى آخره.
وكانت القافلة كلما مرت ببلد فيها من الشيعة والموالين لآل رسول الله (ص) انضم قسم كبير منهم إلى القافلة الهاشمية، التي كان على رأسها السادة الكرام من أخوة الإمام الرضا (ع)، وهم: الأمير السيد أحمد المعروف بـ: (شاه جراغ) والأمير السيد محمد العابد وهو: (جدنا الأعلى) والسيد علاء الدين حسين، أبناء الإمام موسى بن جعفر (ع)، فكان الناس يلتحقون بهم طوعا ورغبة لينالوا زيارة إمامهم الرضا (ع).
وعلى أثر ذلك ذكر المؤخرون: بأن هذه القافلة حينما قربت من شيراز بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة عشر ألف إنسان، بين رجل وامرأة، وصغير وكبير، وقد غمرهم جميعا شوق اللقاء، وفرحة الوصال والزيارة.
فأخبر الجواسيس وعمال الحكومة المأمون في طوس بضخامة القافلة وكثرة أفرادها، وحذروه من مغبة وصولها إلى مركز الخلافة طوس، فأوجس المأمون ـ من الأخبار الواصلة إليه عن القافلة الهاشمية ـ خيفة، وأحس منها بالخطر على مقامه ومنصبه.
فأصدر أوامره إلى جواسيسه في الطريق، وإلى حكامه على المدن الواقعة في طريق القافلة الهاشمية، يأمرهم فيها بأن يصدوا القافلة عن المسير أينما وجدوها، وأن يمنعوها من الوصول إلى طوس وكانت القافلة قد وصلت قريبا من شيراز حين وصل أمر الخليفة إلى حاكمها بصدها، فاختار الحاكم سريعا وعلى الفور أحد جلاوزته المسمى (قتلغ خان) وكان شديدا قاسيا، وأمره على أربعين ألف مقاتل، وأمرهم بصد القافلة الهاشمية وردها إلى الحجاز.
فخرج هذا الجيش الجرار من شيراز باتجاه طريق القافلة وعسكر في (خان زنيون) وهو منزل يبعد عن شيراز، ثلاثين كيلو متر تقريبا، وبقوا يترصدون القافلة، وفور وصول القافلة إلى المنطقة وهي في طريقها إلى شيراز باتجاه طوس، بعث القائد (قتلغ خان) رسولا إلى السادة الأشراف، وبلغهم أمر الخليفة، وطلب منهم الرجوع إلى الحجاز من مكانهم هذا فورا.
فأجابه الأمير السيد أحمد ـ وهو كبيرهم ـ قائلا:
أولا: نحن لا نقصد من سفرنا هذا إلا زيارة أخينا الإمام الرضا (ع) في طوس.
وثانيا: نحن لم نخرج من المدينة المنورة، ولم نقطع هذه المسافة البعيدة إلا بإذن من الخليفة وبموافقة منه، ولهذا فلا مبرر لصدنا عن المسير.
ذهب الرسول وبلغ مقالته إلى (قتلغ) ثم رجع وهو يقول: إن القائد (قتلغ) أجاب قائلا: بأن الخليفة أصدر إلينا أوامر جديدة تحتم علينا وبكل قوة أن نمنعكم من السفر إلى طوس، ولعلها أوامر أخرى اقتضتها الظروف الراهنة، فلا بد لك أن ترجعوا من هنا إلى الحجاز.

التشاور دأب النبلاء
وهنا أخذ الأمير السيد أحمد يشاور اخوته وغيرهم من ذوي الرأي والحجى من رجال القافلة في الأمر، فلم يوافق أحد منهم على الرجوع، وأجمعوا على مواصلة السفر إلى خراسان مهما كلفهم الأمر، فجعلوا النساء في مؤخرة القافلة، والأقوياء من الرجال المجاهدين في المقدمة، وأخذوا يواصلون سفرهم.
وتحرك (قتلغ خان) بجيشه وقطع عليهم الطريق، وكلما نصحهم السادة أبناء رسول الله (ص) بتخلية الطريق لم ينفعهم نصحهم، وانجر الموقف إلى المناوشة والمقاتلة، ومنها شبت نيران الحرب والقتال بين الطرفين، فحمى الوطيس وانهزم جيش المأمون على أثر مقاومة بني هاشم وشجاعتهم.
فتوسل (قتلغ خان) بالمكر والخديعة وأمر جماعة من رجاله أن يصعدوا على التلال وينادوا بأعلى أصواتهم: يا أبناء علي وشيعته! إن كنتم تظنون أن الرضا سوف يشفع لكم عند الخليفة، فقد وصلنا خبر وفاته، وجلوس الخليفة في عزاءه، فلماذا تقاتلون؟! فإن الرضا قد مات!!
أثرت هذه الخديعة أثرا كبيرا في انهيار معنويات المقاتلين والمجاهدين، فتفرقوا في ظلام الليل وتركوا ساحة القتال، وبقي أبناء الرسول (ص) وحدهم، فأمر الأمير السيد أحمد اخوته ومن بقي معه أن يرتدوا ملابس أهل القرى ويتزيّوا بزيهم، ويتفرقوا في سواد الليل، ويتنكبوا عن الطريق العام حتى يسلموا على أنفسهم ولا يقعوا في يد (قتلغ خان) ورجاله، فتفرقوا من هنا وهناك، في الجبال والقفار مشردين مطاردين.
وأما الأمير السيد أحمد، وكذا السيد محمد العابد، والسيد علاء الدين، فقد دخلوا شيراز مختفين، وانفرد كل منهم في مكان منعزل وانشغل في عبادة ربه.
نعم يقال: أن المراقد المنسوبة إلى أل النبي (ص) في إيران وخاصة النائية منها في القرى وبين الجبال، أكثرها لأصحاب تلك الوقعة الأليمة.

ترجمة الأمير السيد أحمد
الأمير السيد أحمد هو أخ الإمام الرضا (ع)، وأفضل أولاد أبيه بعد أخيه الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، وأورعهم وأتقاهم.
وهو الذي اشترى في حياته ألف عبد مملوك وأعتقهم لوجه الله، ويلقب باللقب المعروف (شاه جراغ) وبعد أن نجاه الله من تلك المعركة، توجه مختفيا مع أخويه إلى شيراز، وأقاموا فيها متنكرين متفرقين.
ونزل السيد أحمد في شيراز عند أحد الشيعة في محلة (سردزك) وهو المكان الذي فيه مرقده الآن، واختفى في بيت ذلك الموالي واشتغل بالعبادة.
وأما (قتلغ خان) فقد جعل العيون والجواسيس في كل مكان لاستقصاء أخبار السادة المشردين والعثور عليهم، وبعد سنة تقريبا عرف مكان السيد أحمد فحاصره مع رجاله، وأبى السيد أن ينقاد ويستسلم لعدوه، فقاتلهم ذابا عن نفسه، وأبدى شجاعة وشهامة هاشمية، أعجبت الناس كلهم، وكان كلما ضعف عن الحرب يلتجئ إلى منزله فيستريح فيه لحظات ثم يخرج ويدافع عن نفسه.
فلما رأى (قتلغ) أنهم لا يستطيعون القضاء عليه عبر المواجهة المسلحة، احتالوا عليه بالدخول إلى بيت جيرانه والتسلل إليه عبر ثغرة أحدثوها من بيت الجيران، فلما دخل السيد بيته ليستريح فيها قليلا، خرجوا وغدروا به، فضربوه بالسيف على رأسه، فخر صريعا، ثم أمر(قتلغ خان)، فهدموا البيت على ذلك الجسد الشريف وبقي تحت التراب والأنقاض.
ولما كان أغلب الناس في ذلك الزمان من المخالفين، ولم يكونوا شيعة لآل محمد (ص) إلا القليل منهم، وذلك على أثر الأكاذيب التي كانت تنشر بواسطة الدولة ورجالها ضدهم، لم يرعوا حرمة ذلك المكان، ولا حرمة الجسد الشريف، ولم يرقبوا فيه رسول الله (ص) بل تركوه مدفونا تحت الأنقاض وأكوام التراب.

اكتشاف الجسد الشريف
وفي أوائل القرن السابع الهجري دخلت شيراز في ظل حكومة الملك أبي بكر بن سعد مظفر اليدن، وكان مؤمنا صالحا يسعى لنشر الدين الإسلامي الحنيف، ويكرم العلماء، ويحترم المؤمنين الأتقياء، ويحب السادة الشرفاء، وكما
قيل: (الناس على دين ملوكهم) كان وزراؤه ورجال دولته مثله ـ أيضاـ مؤمنين أخيار ومنهم: الأمير مسعود بن بدر الدين، وكان كريما يحب عمران البلاد وإصلاح حال العباد، فعُني بتجميل مدينة شيراز وتنظيفها من الأوساخ، وتجديد بناياتها وإصلاح خرائبها، إذ أن شيراز كانت عاصمة ملكهم.
فأمر في جملة ما أمر بإصلاحه، وتجديد البناء فيه ـ إعمار المكان الذي يضم جسد الأمير السيد أحمد منذ قرون، فلما جاء عماله ومستخدموه إلى المكان وانهمكوا بنقل التراب والأنقاض منه إلى خارج البلد، وصلوا أثناء العمل إلى جسد طري لشاب جسيم وسيم، قد قتل على أثر ضربة على رأسه انفلت هامته، فأخرجوه من بين الأنقاض وأخبروا الأمير مسعود بذلك، فجاء هو بصحبة جماعة من المسؤولين للتحقيق في الموضوع.
وبعد الفحص الكثير، والتنقيب عن وجود أثر يدل على هوية الشاب القتيل عثروا على خاتم له كان قد نقش عليه: " العزة لله، أحمد بن موسى " فأذعنوا لما أمروا ذلك ـ إضافة إلى ما كانوا قد سمعوه عن تاريخ ذلك المكان ـ أيضا ـ من أخبار الشجاعة الهاشمية التي أبداها أولاد رسول الله (ص) أنفسهم في الواقعة الأليمة التي دارت هناك وأدت أخيرا إلى شهادة أحمد بن موسى عليه السلام ـ ان هذا الجسد هو جسد الأمير السيد أحمد بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.
ولما شاهد الناس أن الجسد الشريف قد أخرج من تحت الأنقاض وأكوام التراب وذلك بعد أربعمائة عام من تاريخ شهادته وهو على نضارته طريا لم يتغير، عرفوا أن صاحبه ولي من أولياء الله تعالى، وأيقنوا بحقانية التشيع مذهب أهل بيت رسول الله (ص)، إذ أنه كان من أولاد الرسول وعلى مذهب أهل البيت الذي استشهد في سبيله ومن أجله، فتشيع على أثر ذلك كثير من اهل شيراز.
ثم أمر مسعود بن بدر الدين، أن يدفنوا الجسد الطاهر في نفس المكان الذي عثروا عليه فيه، بعد أن حفروا له قبرا وصلوا عليه، ودفنوه في قبره مجللا محترما بحضور العلماء وأعيان شيراز، كما وأمر أن يشيدوا على مرقده عمارة عالية ذات رحبة واسعة لتكون مأوى للزائرين والوافدين وبقيت كذلك حتى توفي الملك مظفر الدين سنة 658هـ ق.
وفي عام 750هـ لما آلت السلطة على بلاد فارس إلى الملك إسحاق بن محمود شاه ودخل شيراز، كانت أمه معه، وهي الملكة (تاشي خاتون) وكانت امرأة صالحة، فتشرفت بزيارة ذلك المرقد الشريف، وأمرت بترميم الروضة المباركة وإصلاحها، كما وأمرت ببناء وتشييد قبة جميلة جدا فوق مرقده، وجعلت قرية (ميمند) الواقعة على بعد ما يقرب من ثمانين كيلو مترا عن مدينة شيراز وقفا عليه، وأمرت بأن يصرف واردها على تلك البقعة المباركة، وهي باقية إلى يومنا هذا، حيث يعمل المتولون لها على قرار الوقف وينفقون واردها في شؤونه، ومحصولها حتى اليوم: ماء ورد معروف بجودته وطيبه في العالم.

ترجمة الأمير السيد علاء الدين حسين
السيد علاء الدين هو أيضا من إخوة الإمام الرضا عليه السلام، ومن أبناء الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وهو الذي دخل بصحبة أخويه متسترا إلى شيراز وفارقهما مختفيا في مكان لا يعرفه أحد، واشتغل فيه بالعبادة.
ثم مضت مدة من الزمن وهو مختف، وكان بالقرب من محل اختفائه بستان (لقتلغ خان) والسيد لا يعرف أنها لقتلغ خان، فضاقت به الدنيا يوما وضاق صدره، فخرج من مخبئه وأطل على البستان لينفس عن ضيق صدره ويروح نفسه قليلا، فجلس في زاوية واشتغل بتلاوة القرآن، فعرفه رجال قتلغ العاملون في البستان، فحملوا عليه، ولم يمهلوه حتى قتلوه والقرآن في يده وآياته على شفتيه، فما هالهم إلا أن رأوا أن الأرض تنشق وتضم جسده الشريف وتخفيه عنهم حتى مصحفه الذي كان في يديه.
مرت أعوام كثيرة على هذه الواقعة الأليمة، ومات قتلغ وانمحى أثر البستان، وتبدلت حكومات ودول كثيرة في بلاد فارس، حتى جاء عهد الدولة الصفوية.
وفي عهد الصفويين اتسعت مدينة شيراز حتى وصلت البيوت إلى الأرض التي ضمت جسد السيد علاء الدين، فعندما كانوا يحفرون فيها لوضع أساس للبناء، عثروا على جثة شاب جميل كأنه قتل من ساعته، واضعا يده على قبضة سيفه والمصحف الكريم على صدره، فعرفوا مما لديهم من العلائم والشواهد، أنه السيد علاء الدين حسين بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ـ فقيل: إنهم وجدوا اسمه مكتوبا على جلد المصحف الكريم ـ فدفنوه بعد الصلاة عليه في محله.
وأمر حاكم شيراز أن يبنوا على قبره الشريف مكانا عاليا وبناءا رفيعا ليتسع للمؤمنين الموالين الذين يتوافدون لزيارته من كل صوب ومكان.
وبعد ذلك جاء رجل من المدينة المنورة ـ يدعى الميرزا علي المدني ـ لزيارة مراقد السادة الشرفاء، وكان ثريا ومن الموالين لأهل البيت وذراريهم، فقام بتوسيع البناء على مرقد السيد علاء الدين، وشيد عليه قبة جميلة، واشترى أملاكا كثيرة فجعلها وقفا على ذلك المرقد الشريف، وأمر بصرف وارداتها بشؤونه، كما أوصى بأن يدفن بعد موته في جوار السيد علاء الدين، فلما مات دفنوه هناك، وقبره اليوم في تلك البقعة المباركة معروف، وقد كتب عليه اسمه، وهو: (ميرزا علي المدني) ولا يزال المؤمنون يزورونه ويقرأون له الفاتحة.
ثم إنه بعد ذلك أمر الملك إسماعيل الصفوي الثاني بتزيين ذاك البناء المشيد وترميمه بأحسن وجه، فنصبوا الكاشي والمرايا وزينوا الروضة المباركة بأفضل زينة، وهو إلى الآن مزار عظيم ومشهد كريم، يقصدون المؤمنون من كل أنحاء إيران وغيرها، وأهالي شيراز يكنون له غاية الاحترام والتكريم.
قال بعض النسابة: إن السيد علاء الدين كان عقيما لا نسل له، وقال بعض آخر: كان له نسل ولكن انقرضوا، ولم يبق له منهم عقب وذرية.
وكذلك الكلام في أخيه الأكبر السيد أحمد فقد قالوا في حقه: إنه لم يكن له أولاد ذكور، بل كانت له بنت واحدة فقط، وذلك على ما في كتاب (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب).
وقال بعض: كان للسيد أحمد أولاد ذكور أيضا.

ترجمة الأمير السيد محمد العابد
السيد محمد، الملقب بالعابد، هو: ثالث إخوة الإمام الرضا عليه السلام ورابع أولاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وهو الذي دخل شيراز بصحبة أخويه، الأمير السيد أحمد والسيد علاء الدين حسين، وفارقهما إلى مكان مجهول، مختفيا ومتنكرا لا يعرفه أحد، يعبد الله تعالى فيه حتى وافاه الأجل ومات موتا طبيعيا ودفن فيها.
ومن كثرة عبادته لقب بالعابد.
خلف أولادا أجلاء، أفضلهم من حيث العلم والتقوى، والزهد والورع هو: السيد إبراهيم المعروف بـ:(المجاب).
لقب بهذا اللقب لأنه عندما تشرف بزيارة فبر جده الإمام أمير المؤمنين علي (ع)، ووقف مسلما عليه، أتاه جواب سلامه من داخل القبر الشريف، فسمعه هو ومن حوله، وعلى اثر هذه المنقبة أجله الناس وعظموه واحترموه، ولقبوه بالمجاب، وبعد وفاة أبيه السيد محمد العابد توجه إلى زيارة العتبات المقدسة، وسكن بجوار قبر جده الشهيد الإمام الحسين (ع)، وقريبا من قبر جده أمير المؤمنين علي (ع) ليزورهما أيما وقت شاء.
وكان موضع قبر الإمام أمير المؤمنين (ع) قد ظهر حديثا وعرف في ذلك الزمان بعد ما كان مجهولا على الناس طيلة مائة وخمسين سنة تقريبا، فظهر بكرامة قدسية لتلك البقعة المباركة، وصار خبره آنذاك حديث اليوم، يتناقله الناس في المحافل والمجالس.
الحافظ: عجيب! في أي حال كان مرقد أمير المؤمنين كرم الله وجهه منذ دفنه إلى ذلك الزمان، حتى اكتشف بعد مائة وخمسين سنة، هل كان مخفيا على المسلمين طيلة هذه المدة؟! ولماذا أخفي عنهم؟؟!
قلت: لما استشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام كان ذلك في زمن طغى فيه بنو أمية، ولما كان عليه السلام يرى بنور الله أن ستمتد حكومة معاوية بعده من الشام إلى الكوفة، أوصى أن يدفن ليلا بلا علم من أحد، وأمر بأن يعفى موضع قبره، لذلك لم يحضر دفنه إلا أولاده وخواص شيعته.
ولكي يشتبه الأمر على الناس ويبقى محل القبر مجهولا عليهم، جهزوا في صبيحة يوم 21 من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة بعيرين وعقدوا عليهما نعشين، بعثوا أحدهما إلى مكة، والآخر إلى المدينة، وهكذا نفذت وصية أمير المؤمنين عليه السلام وأخفى موضع قبره عليه السلام عن عامة الناس.
الحافظ: هل يمكنك أن تخبرني ما هو سبب هذه الوصية؟ وما الحكمة في الإصرار على إخفاء القبر؟!

لماذا دفن الامام علي (ع) سرا؟
قلت نحن لا نعلم السبب والحكمة بالضبط، ربما كان ذلك لما يعلمه (ع) من حقد بني أمية وعدائهم الدفين للنبي (ص) ولآله (ع) خاصة، فانه كان من المحتمل أن ينبشوا القبر الشريف ويسيئوا الأدب مع الجسد الطاهر، وهو ظلم دونه كل ظلم!!
الحافظ: هذا الكلام الغريب منكم وبعيد جدا، كيف يمكن لإنسان أن يتعدى على قبر مسلم بعد موته ودفنه، إنه لا يكون مهما كان بينهم من العداء والبغضاء ؟!
قلت: ولكن ذلك ليس ببعيد من بني أمية!!
اما طالعت تاريخهم الأسود وماضيهم الحقود؟!
أما قرأت جرائمهم الفظيعة وأعمالهم الفجيعة، التي يندى منها جبين الأنسانية خجلا، وتدمع عينها أسفا؟؟!
أما علمت أن هذه العصبة الخبيثة والشجرة الملعونة في القرآن، لما قبضوا على زمام الحكم وغصبوا الخلافة، كم من أبواب جور فتحوا؟! وكم من جناية وغواية ابتدعوا؟! وكم من دم سفكوا؟! وأعراض هتكوا؟! وأموال نهبوا؟! وحرما انتهكوا؟!
إن أولئك البعداء عن الإسلام والإنسانية، لم يراعوا شيئا من الدين والأخلاق الحميدة في حركاتهم وسكناتهم، فكانوا يتصرفون في شؤون المسلمين حسب أهوائهم وآرائهم الفاسدة، وإن كثيرا من كبار علمائكم ومؤرخيكم سجلوا جرائم هذه الطغمة الفاسدة بحبر من عرق الخجل، على أوراق العار والفشل، بقلم الخوف والوجل!
ولقد ألف العلامة أبو العباس أحمد بن علي المقريزي الشافعي كتابه المشهور (النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم) وذكر فيه بعض أعمال بني أمية القبيحة وجرائمهم الفظيعة، فانهم لم يرحموا حيا ولم يحترموا ميتا من شيعة آل الرسول (ص)، الموالين لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) وأولاده الغر الميامين.
وهنا اسمحوا لي أن أذكر لكم ـ كنموذج على ذلك ـ مثالين من هذا الكتاب، حتى تطلعوا على الجرائم البشعة لبني أمية، وتعرفوا حقيقة أمرهم، كي لا تتعجبوا من كلامي و لا تستغربوه، وتعرفوا أن ما أقوله لكم إنما هو عن دليل وبرهان!

شهادة زيد بن علي (ع)
قال المقريزي وغيره من المؤرخين: لما هلك يزيد بن عبد الملك، تولى الحكم أخوه هشام، فبدأ بالجور والعدوان على أهل البيت (ع) وشيعتهم، فكتب إلى عماله بالتضييق عليهم وسجنهم والفتك بهم، وأمر عامله على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي، أن يهدم دار الكميت شاعر أهل البيت (ع) وأن يقطع لسانه، لأنه مدح آل الرسول (ص)!!
وكتب إلى عامله على المدينة خالد بن عبدالملك بن الحارث: أن يحبس بني هاشم فيها و يمنعهم من السفر! فنفذ خالد أمر هشام، وضيق على الهاشميين، وأسمع زيد بن الإمام زين العابدين ما يكره، فخرج زيد إلى الشم لشكو خالدا إلى هشام، فأبى هشام أن يأذن له، فأرسل إليه زيد رسالة يطلب الإذن بها له، فكتب هشام في أسفلها: إرجع الى أرضك، فقال زيد: والله لا أرجع، وأخيرا أذن له هشام وأمر خادما أن يتبعه ويحصي ما يقول، فسمعه يقول: والله ما أحب الدنيا أحد إلا ذل.
وأمر هشام جلساؤه أن يتضايقوا في المجلس حتى ل يقرب منه.
فلما دخل زيد لم يجد موضعا يجلس فيه، فعلم أم ذلك قد فعل عمدا، واستقبله هشام بالشتم والسباب، بدل التكريم والترحاب!
وفي المقابل لم يسكت زيد عن الجواب، و إنما أسمع هشاما ما لا يحب أن يسمع، فلم يتحمل هشام وأمر بطرده، دون أن يسمع شكواه، فأخذ الغلمان بيده ليخرجوه، فأنشد زيد:
شرده الخوف وأزرى بهكذا من يكره حر الجلادقد كان في الموت له راحةوالموت حتم في رقاب العباد
فخرج من مسجد هشام وتوجه إلى الكوفة، فحدث الناس بظلم الخليفة وعماله، فبايعه خلق كثير فيهم الأشراف والعلماء، لأنهم وجدوه أهلا للقيادة، فهو سيد هاشمي، وفقيه تقي، وشجاع باسل.
ولما رأى أعوانا، نهض ليؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدفع الظلم والضيم عن نفسه وعن المؤمنين، فدارت المعركة بينه وبين يوسف الثقفي والي الكوفة وجيشه الجرار، ولكن أصحاب زيد تركوا زيدا وحده قبل أن يخوض الحرب ويدخل في غمراتها، ولم يبق معه إلا نفر قليل!! ورغم ذلك فقد دخل زيد الحرب وجاهد بشجاعة وبسالة هاشمية وهو يرتجز:
أذل الحياة وعز المماتوكلا أراه طعاما وبيلافإن كان لابد من واحدفسيري إلى الموت سيرا جميلا
فبينما هو يجاهد في سبيل الله ويحارب الأعداء، إذ وقع سهم في جبهته، فلما انتزعوا سقط شهيدا.
وكان ذلك في اليوم الثامن من شهر صفر عام 121هـ، وكان عمره الشريف إثنتين وأربعين سنة، فرثاه الحسن الكناني بأبيات منها:
فلما تردى بالحمائل وانتهىيصول بأطراف القنا الذوابلتبينت الأعداء أن سنــانهيطيل حنين الأمهات الثواكـلتبين فيه ميسم العـز والتقىو ليا يفدي بين أيدي القوابل
فحمله ابنه يحيى بإعانة عدة من أنصاره، ودفنه في ساقية وردمها , و أجرى عليه الماء لكي لا يعلم أحد مدفنه ولكن تسرب الخبر إلى يوسف بن عمر، فأمر بنبش القبر واخراج الجسد الطاهر، ثم أمر بقطع رأسه الشريف فقطع وبعث به الى الشام، فلما وصل الرأس الشريف إلى الشام كتب هشام إلى واليه على الكوفة: أن مثل ببدنه واصلبه في كناسة الكوفة.
ففعل والي الكوفة يوسف بن عمر ذلك، وصلبه في ساحة من سوح الكوفة حقدا وعدوانا، وراح الشاعر الأموي يفتخر بهذه ويقول في قصيدة جاء فيها:
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلةولم أر مهديا على الجذع يصلب!
فبقي أكثر من أربع سنوات مصلوبا، حتى هلك هشام وتولى بعده الوليد بن يزيد، فكتب إلى عامله بالكوفة: أحرق زيدا بخشبته وأذر.
ففعل وأذرى رماده على شاطئ الفرات!(35).

شهادة يحيى بن زيد
وفعلوا نفس الصنيع بولده يحيى، فانه قام ضد ظلم بني أمية وجورهم، والتاريخ يذكره بالتفصيل(36) واستشهد في ميدان القتال، فقطعوا رأسه وبعثوه إلى الشام وصلبوا جسده الشريف ست سنين ـ وقد بكى عليه المؤالف والمخالف ـ حتى مات الوليد، ونهض أبو مسلم الخراساني واستولى على تلك البلاد فأمر فأنزل جسد يحيى الشهيد ودفن في جرجان وقبره اليوم مزار يتوافد المؤمنون لزيارته.
بعد هذا الحديث الحزين تأثر كل الحاضرين وتألموا، وبكى بعضهم على مصائب آل النبي (ص)، ولعنوا بني أمية الظالمين.

سر وصية الإمام أمير المؤمنين علي (ع)
إن فاجعة قتل زيد وابنه يحيى وصلبهما، واحدة من آلاف الفجائع التي أحدثتهما أيدي بني أمية، بعد قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
فيا ترى ما الذي كان يمنعهم، إذا سنحت لهم الفرصة، أن يصنعوا بجسد الإمام علي (ع) الزكي الطاهر، ما صنعوه بجسد حفيده المظلوم زيد بن الإمام زين العابدين (ع)؟!
فقد جاء في كتاب منتخب التواريخ: أن الحجاج بن يوسف الثقفي نبش حوالي الكوفة آلاف القبور، يفتش عن جثمان الإمام علي (ع)!!
فلعله لهذا السبب وصى بنيه أن يدفنوه ليلا لا نهارا، وسرا لا جهارا، ويعفّوا موضع قبره ويخفوه على الناس، وكان كذلك حتى عهد هارون الرشيد.

اكتشاف قبر الإمام أمير المؤمنين علي (ع)
خرج الرشيد يوما للقنص والصيد إلى وادي النجف في ظهر الكوفة، وكانت آجام أصبحت أوكارا للحيوانات.
قال عبدالله بن حازم: فلما صرنا الى ناحية الغري، رأينا ظبية فأرسلنا إليها الصقور والكلاب، فحاولتها ساعة ثم لجأت الظبية إلى فاستجارت بها، وتراجعت الصقور والكلاب، فتعجب الرشيد من ذلك!
ثم إن الظباء هبطت من الأكمة، فتعقبتها الصقور والكلاب، فرجعت الظباء إلى الأكمة، فتراجعت عنها الصقور والكلاب ففعلت ذلك ثلاثا.
فقال هارون: اركضوا إلى هذه الأنحاء والنواحي فمن لقيتموه، ائتوني به، فأتيناه بشيخ من بني أسد.
فقال له هارون: ما هذه الأكمة؟
قال الشيخ إن جعلت لي الأمان أخبرتك!
قال: لك عهد الله وميثاقه أن لا أهيجك ولا أؤذيك.
قال الشيخ: جئت مع أبي إلى هنا فزرنا وصلينا فسألت أبي عن هذا المكان.
فقال: عندما تشرفت بزيارة هذه البقعة مع الإمام جعــفر الصادق (ع) قال: هذا قبر جدنا علي بن أبي طالب (ع) وسيظهره الله تعالى قريبا.
فنزل هارون ودعا بماء فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرغ عليه وجعل يبكي، وبعده أمر ببناء قبة على القبر! ومنذ ذلك اليوم لم يزل البناء في تطور، وهو اليوم صرح بديع لا يوصف.
الحافظ: أظن إن قبر مولانا علي بن أبي طالب، لم يكن في النجف، ولا في النجف، ولا في الموضع الذي ينسب إليه، لأن العلماء اختلفوا فيه، فمنهم من يقول: دفن في قصر الامارة، ومن قائل إنه في جامع الكوفة، وقول إنه في باب كندة، وقيل إنه دفن في رحبة الكوفة وهناك من يقول: حمل إلى المدينة ودفن في البقيع، وبالقرب من كابل في أفغانستان أيضا قبرا ينسب إليه!
ويقال: إن جسد مولانا علي (كرم الله وجهه)، وضع في صندوق وحمل على بعير ساروا به نحو الحجاز، فاعترضهم عدد من قطاع الطرق، وظنوا أن فيه أموالا فسرقوه، ولما فتحو الصندوق وجدوا فيه جثمان علي بن أبي طالب، فذهبوا به إلى ذلك المكان من أفغانستان، فدفنوه، والناس عموما يحترمون ذلك القبر ويزوروه!!
قلت: هذا الخبر مضحك جدا، فرب مشهور لا أصل له، وهو للأسطورة أقرب.
وأما الاختلاف في موضع قبر الإمام علي عليه السلام فقد جاء على اثر وصيته بإخفاء قبره الشريف، وإنما لم أشرح لكم الموضوع بالتفصيل رعاية للوقت.
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: عن أمير المؤمنين أوصى ابنه الحسن وقال له ما مضمونه: بني إذا دفنتني في النجف ورجعت إلى الكوفة، فاصنع في أربعة مواضع أربعة قبور: 1ـ مسجد الكوفة، 2ـ الرحبة، 3ـ الغري، 4ـ دار جعدة بن هبيرة.
وإن هذا الاختلاف الذي تذكره، إنما يكون بين علمائكم، لأنهم أخذوا كلام هذا وذاك، ولم يأخذوا بكلام العترة النبوية حتى في تعيين موضع قبر أبيهم، سيد العترة، الإمام علي عليه السلام!!
واما إجماع علماء الشيعة فهو على أن قبر الإمام علي عليه السلام في النجف الأشرف، وفي الموضع النسوب إليه، وهم أخذوا هذا الخبر الصحيح من أهل بيته " وأهل البيت أدرى بما في البيت " ومن الواضح أن أولاد علي عليه السلام الذين قاموا بدفنه أعلم من غيرهم بموضع قبره، والعادة في مثل هذه الاختلافات ان يرجعوا إلى الأبناء في تعيين قبر أبيهم، ولكن قاتل الله العناد!!
وإن العترة الهادية وأئمة أهل البيت عليهم السلام، اتفقوا وأجمعوا على أن قبر جدهم أمير المؤمنين عليه السلام، إن هو إلا في النجف وفي الموضع الذي اشتهر به، وحرضوا المسلمين ليزوروا قبر أبي الحسن علي بن أبى طالب عليه السلام في ذلك الموضع.
ذكر سبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواص " ص 163 (37): إختلاف الأقوال في قبر الإمام علي عليه السلام ـ إلى أن قال: والسادس: إنه على النجف في المكان المشهور الذي يزار فيه اليوم، وهو الظاهر، وقد استفاض ذلك.
وعلى هذا القول كثير من علمائكم، كأمثال خطيب خوارزم في المناقب وخطيب بغداد في تاريخه، ومحمد بن طلحة في " مطالب السؤول " وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والفيروز الآبادي في القاموس ـ في كلمة النجف ـ وغيرهم.

أبناء إبراهيم المجاب
صار حوارنا مصداقا للمثل: " الكلام يجر الكلام " وأعود الآن لأتحدث عن نسبي:
توفي السيد ابراهيم المجاب بن السيد محمد العابد في كربلاء المقدسة، ودفن عند قبر جده سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، ومرقده اليوم مزار المؤمنين، وخلّف ثلاثة أولاد وهم ال: السيد أحمد، والسيد محمود، والسيد علي، فهاجروا إلى بلاد إيران ليوجهوا الناس الى الله تعالى ويعلموهم أحكام الدين ويسلكوا بهم سبيل أهل البيت الطاهرين عليهم السلام فأما السيد احمد أقام في منطقة (قصر ابن هبيرة) وبقي فيها مع أولاده وخدموا الدين والمجتمع.
وأما السيدان محمد وعلي، فقد توجها إلى كرمان.
أما السيد علي فسكن مدينة سيرجان وهي تبعد عن كرمان أكثر من مائة كيلو متر، واشتغل هو وأولاده وأحفاده بتبليغ الدين وإرشاد المسلمين.
وأما السيد محمد ـ الملقب بالحائري ـ فقد وصل كرمان وبقي فيها، وخلّف ثلاثة أولاد وهم: أبو علي الحسن، ومحمد حسين الشيتي، وأحمد.
أما محمد حسين وأحمد، فقد رجعا إلى كربلاء وسكنا في جوار جدهم الحسين الشهيد عليه السلام حتى توفيا، وتوجد إلى يومنا هذا في العراق، قبائل كبيرة من السادة الشرفاء ينتمون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عن طريقهما، مثا آل شيته، وآل فخار وهم من نسل السيد محمد الشيتي.
أما آل نصر الله وآل طعمة، فهم من نسل اليد احمد، وهم اليوم سدنة الروضة الحسينية المقدسة في كربلاء.
وأما السيد أبو علي الحسن، فقد هاجر مع أولاده من كرمان إلى شيراز وكان سكانها آنذاك من العامة، بل كثير منهم كانوا يبغضون آل الرسول (ص) فدخل المدينة مع أهله وأولاده بأزياء عربية وأقاموا بالقرب من الخندق المحيط بالبلد فأقاموا بيوتا عربية وسكنوا فيها.
واتصلوا بالشيعة الساكنين في محلة (سردزك) وهم قليلون مستضعفون يعيشون في تقية، فبدأ السيد أبو علي وأولاده بنشر تعاليم آبائهم الطيبين، وتبليغ مذهبهم الحق، في خفاء وحذر.
وبعد وفاة السيد أبي علي قام ابنه الأكبر السيد أحمد أبو الطيب بالتبليغ ونشر عقائد الشيعة وتعاليمهم، واهتم بذلك اهتماما بالغا، حتى أن كثيرا من أهل شيراز وتشيعوا، وأخذ عددهم يزداد يوما بعد يوم، فلما رأى السيد أبو الطيب إقبال الناس عليه، أعلن نسبه ومذهبه، فازداد إقبال الناس عليهم والتفافهم حول السادة الكرام، فنصبوا منبر الارشاد الاسلامي والتوجيه الديني في شيراز باسم السادة المجابية، وهم المنسوبون إلى السيد ابراهيم المجاب، والسادة العابدية وهم المنسوبون إلى إخوان السيد المجاب، فإن أباهم جميعا هو السيد محمد العابد.
فتحرك الخطباء والمبلغون من هؤلاء السادة وسافروا إلى أنحاء إيران لينشروا عقائد العترة الهادية وتعاليمهم باسم ـ المذهب الشيعي ـ فانتشر المذهب الحق في أكثر البلاد الإيرانية، حتى قامت دولة آل بويه وهم شيعة، وجاء بعدهم غازان خان محمود، والسلطان محمد خدابنده، وهم من المغول ولكن تشيعا وخدما مذهب الشيعة وأتباعه، ثم قامت الدولة الصفوية وكان عصرهم أفضل العصور للشيعة في إيران، إذ أعلنوا التشيع هو المذهب الرسمي في إيران ولا يزال كذلك.

هجرتنا الى طهران
في أواخر أيام الملك فتح علي القاجاري، تشرف جدنا السيد حسن الواعظ الشيرازي ـ طاب ثراه ـ بزيارة مرقد الإمام الرضا علي بن موسى عليه السلام، وعند رجوعه من خراسان وصل طهران العاصمة فاستقبله أهلها والعلماء، وتوافدوا إلى منزله يزورونه ويرحبون بقدومه، وجاء وفد من قبل جلالة الملك وبلغوه تحية جلالته ورغبته في أن يجعل السيد محل إقامته في العاصمة، فلبى جدنا دعوة الملك وأجابوه بالقبول.
وكانت المساجد آنذاك في طهران، تختص بصلوات الجماعة وبيان المسائل الشرعية، ولم تنعقد فيها مجالس الخطابة ـ المتداولة في زماننا ـ وكانت التكايا والحينيات تختص بعرض التمثيليات عن وقائع عاشوراء الدامية واقامة العزاء والشعائر الحسينية.
وكانت " تكية الدولة " من أهم التكايا والحسينيات، فطلب جدنا من الملك أن ينصب منبرا للخطابة والتبليغ والإرشاد ـ على النحو المتعارف في زماننا ـ في كل حسينية وتكية.
فأيد الملك ذلك وبدأ بتكية الدولة، ودعا فضيلته ليخطب ويفيد الناس فصعد جدنا المنبر في تكية الدولة فوعظ وبلغ وأرشد الناس إلى حقائق الدين وتعاليم المذهب، وبعد ذلك رثى سيد الشهداء الحسين عليه السلام وأبكى الحاضرين.
فاستقبل الناس طريقته بحضورهم المتكاثف، واستمر مجلسه ليالي كثيرة في ذلك المكان، وبعده دعي على تكية أخرى، وهكذا كان جدنا مؤسس مجالس الوعظ والخطابة، وأول من وضع منبر التوجيه الديني والارشاد المذهبي في طهران.
ثم لما رأى جدنا السيد حسن الواعظ، استقبال الناس لمجالسه وحديثه، أرسل كتابا إلى والده السيد اسماعيل، أحد مجتهدي شيراز، وطلب منه أن يبعث بعض أولاده إلى طهران، وكان له أربعون ولدا فانتخب منهم:
1ـ السيد رضا، وكان فقيها مجتهدا، 2 ـ السيد جعفر، 3 ـ السيد عباس، 4 ـ السيد جواد، 5 ـ السيد مهدي، 6 ـ السيد مسلم، 7 ـ السيد كاظم، 8 ـ السيد فتح الله.
وأمرهم ان يهاجروا الى طهران ليعينوا أخاهم السيد حسن في إدارة مجلس الوعظ والإرشاد، ويطيعوه لنه كان أكبرهم وأفضلهم.
فأقام هؤلاء السادة في طهران واشتهروا فيها وفي المدن المجاورة لها، بحسن أخلاقهم وإيمانهم وبعذوبة بيانهم وحلاوة كلامهم.
فطلب أهالي قزوين من السيد احسن أن يبعث إليهم بعض إخوته، ليقيموا هناك ليرشدوهم ويعلموهم الدين.
فبعث إليهم السيد مهدي والسيد مسلم والسيد كاظم، فسكنوا قزوين وقاموا فيها بأمر التبليغ والتوجيه الديني، وخلفوا أولادا يعرفون بالسادة المجابية، وعددهم اليوم كثير في قزوين.
وأما السيد حسن مع بقية اخوانه فقد سكنوا طهران وعقدوا فيها مجالس كثيرة للتوجيه والإرشاد، فخدموا الدين وأهله خدمة جليلة عن طريق المحراب والمنبر.
وبعد أن توفي جدنا السيد حسن ـ قدس سره ـ سنة 1291 هـ، تعينت نقابة السادة المجابية والعابدية في ولده الأكبر، السيد قاسم، بحر العلوم، وهو والد والدي، وكان عدد رجال هذا البيت الشريف يبلغ ألفا آنذاك، وكانت مؤهلات وشرائط الرئاسة مجتمعة في السيد قاسم، من الزهد والورع والعلم والحلم وحسن الخلق، فكان يحوي العلوم العقلية والنقلية، وعلم الأصول والفروع، واشتهر في زمانه بالعلم وحسن التدبير والإدارة.
وتوفي سنة 1308هـ ونقل جثمانه إلى العراق، وشيع في مدينة كربلاء المقدسة بكل عز واحترام، ودفن عند مرقد جده الإمام الشهيد الحسين بن علي عليه السلام، بجنب قبر والده السيد حسن الواعظ ـ طاب ثراه ـ وبعده انتقلت نقابة السادة العابدية والمجابية، إلى والدي، وهو اليوم من حماة الشيعة وأنصار الشريعة، وحيد عصره، وفريد دهره، السيد علي أكبر، دامت بركاته.
وقد نال من الملك ناصر الدين شاه القاجاري، لقب " اشرف الواعظين " ويبلغ عمره اليوم ثمانين سنة، صرف جله في خدمة الدين وإثبات أصوله ونشر فروعه، وقد قام بتوجيه الغافلين وإرشاد الجاهلين، وخاصة في الآونة الأخيرة، إذ مرت بالأمة عواصف إلحادية وحوادث خطيرة جاءت من قبل الأجانب المستعمرين وأعداء الإسلام والمسلمين، فجرفت الكثير من العوام والجاهلين، فنهض والدي وأمثاله من العلماء الكرام، ووقفوا في وجوه الأعداء اللئام، حتى كشفوا عن الحق اللئام، وشقوا أمواج الفتن والظلام، بنور العلم وضوء الكلام.
فدحضوا الباطل، وأنقذوا العوام من الشكوك والأوهام، فقدر مواقف والدي وخدماته، علماء عصره ومراجع الدين في زمانه، أمثال:
1 ـ آية الله العظمى، مجدد مذهب سيد البشر في القرن الثالث عشر، السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي ـ طاب ثراه.
2 ـ آية الله العظمى ميرزا حبيب الله الرشتي.
3 ـ الآية العظمى الشيخ زين العابدين المازندراني.
4 ـ آية الله ميرزا حسين بن ميرزا خليل الطهراني.
5 ـ المجتهد الأكبر آية الله السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي.
6 ـ آية الله العظمى الشيخ فتح الله، شيخ الشريعة الأصفهاني.
7 ـ آية الله العظمى السيد اسماعيل الصدر.
8 ـ آية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي، قائد ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للعراق.
فهؤلاء المجتهدون الكرام والعلماء الأعلام ـ قدس الله أسرارهم ـ كانوا يحترمون والدي كثيرا ويحبونه ويكرمونه غاية الإكرام والاحترام.
وأما في هذا الزمان، فإن زعيم الشيعة سيد الفقهاء والمجتهدين، وحيد دهره، ونابغة عصره، سماحة السيد أبو الحسن الأصفهاني متع الله المسلمين بطول بقائه، وهو الآن في النجف الأشرف يرفع لواء الدين وراية أمير المؤمنين عليه السلام، ويهتم بنشر علوم سيد المرسلين (ص) في كل أقطار العالم، وقد دخل بواسطته جماعات كثيرة من أصحاب الملل والنحل في الإسلام واعتنقوا مذهب التشيع.
وفي إيران، زعيمنا آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري مد ظله العالي، مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة، وهو ملاذ الشيعة، وحامي الشريعة في إيران.
وإن هذين العالمين الكبيرين يحترمان والدي ويكرمانه كثيرا، ويقدران جهوده الجبارة في سبيل إحياء الدين ورد شبهات المضلين.
وان سماحة الشيخ الحائري يخاطب والدي بـ " سيف الإسلام " لأن بيانه وكلامه مفعم بالأدلة العقلية القاطعة، والبراهين الساطعة، فلسانه في الدفاع عن الدين الحنيف، والذب عن مذهب التشيع الشريف، أكثر أثرا من السيف.
واليوم بنو أعمامي ورجال شجرتنا المباركة موجودون في أكثر مدن ايران، وبالأخص في طهران ونواحيها، وشيراز وحواليها، وقزوين وضواحيها، وهم يعرفون بالسادة العابدية والمجابية والشيرازية، ولم يزالوا يخدمون الدين وأهله، بسلوكهم النزيه، وبالارشاد والتوجيه.
هذا ملخص تاريخ هذه السلالة الكريمة، في جواب سؤالكم: لماذا هاجرنا إلى إيران؟ وقد تبين لكم من خلال الجواب أن هدف المهاجرين الأولين من هذه السلالة، زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ولما منعتهم السلطات، قاموا يفضحون أعمال الحكام والولاة، ويعلنون جور الخلفاء الجفاة، وينشرون الوعي بين الأمة، ويوجهون الناس الى الحقائق الدينية والأحكام الالهية التي طالما سعى الخلفاء وأعوانهم في تغييرها، فكانوا كما قال تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا إلا الله وكفى بالله حسيبا) (38).
لما تلونا هذه الآية الكريمة، نظر السيد عبد الحي الى ساعته فقال: لقد مضى كثير من الليل، فلو تسمحون أن نؤجل الكلام الى الليلة الآتية، فنأتيكم إن شاء الله تعالى من أول الليل ونواصل الحديث.
فابتسمت وأبديت موافقتي، فانصرفوا وشيعتهم إلى باب الدار.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:26 AM


المجلس الثاني
ليلة السبت 24/ رجب /1245هـ


بعدما انتهيت من صلاة العشاء، حضر أصحاب البحث والحوار وكانوا أكثر عددا من الليلة الماضية، فاستقبلتهم ورحبت بهم، وبعد أن استقروا في أماكنهم وشربوا الشاي، افتتح الحافظ كلامه قائلا:
أقول حقيقة لا تملقا: لقد استفدنا في الليلة السابقة من بيانكم الشيق وكلامكم العذب، وبعدما انصرفنا من هنا كنا نتحدث في الطريق عن شخصيتكم وأخلاقكم، وعن علمكم الغزير واطلاعكم الكثير، وقد انجذبنا لصورتك الجميلة وسيرتك النبيلة، وهما قل ان يجتمعا في واحد، فأشهد أنك ابن رسول الله (ص) حقا.
وإني راجعت المكتبة في هذا اليوم، وتصفحت بعض كتب الأنساب حول بني هاشم والسادة الشرفاء، فوجدت كلامكم في الليلة الماضية حول نسبكم الشريف مطابقا في تلك الكتب، واغتبطت بهذا النسب العالي لسماحتكم.
ولكن استغربت وتعجبت من شيء واحد، وهو: أن شخصا شريفا صحيح النسب كجنابكم مع حسن الصورة والسيرة،كيف تأثرتم بالعادات الواهية والعقائد العامية، وتركتم طريقة أجدادكم الكرام واتبعتم سياسة الإيرانيين المجوس، وتمسكتم بمذهبهم وتقاليدهم؟!
قلت:
أولا: أشكرك على أول كلامك حول نسبي وحسن ظنك بي.
ولكنك اضطربت بعد ذلك في الكلام، وخلطت الحلال بالحرام، سردت جملا مبهمة ما عرفت قصدك منها والمرام، وإن كلامك هذا عندي أقاويل وأوهام.
فالرجاء.. وضح لي مرادك من: " العادات الواهية والعقائد العامية ".
وما المقصود من: " طريقة أجدادي الكرام "؟!
وما هي: " سياسة الإيرانيين الني اتبعتها "؟!
الحافظ: أقصد بالعادات الواهية والعقائد العامية: البدع المضلة والتقاليد المخلة، التي أدخلها اليهود في الإسلام.
قلت: هل يمكن أن توضح لي أكثر حتى أعرف ما هذه البدع التي تأثرت أنا بها؟!
الحافظ: إنك تعلم جيدا والتاريخ يشهد، أن بعد موت كل نبي صاحب كتاب، اجتمع أعداؤه وحرفوا كتابه، مثل التوراة والإنجيل فحذفوا وزادوا، وغيروا وبدلوا، حتى سقط دينهم وكتابهم عن الاعتبار.
ولكن أعداء الإسلام لم يتمكنوا من تحريف القرآن الحكيم، فدخلوا من باب آخر، فإن جماعة من اليهود ـ وهم ألد أعداء الإسلام ـ دخلوا الدين وأسلموا عن مكر وخداع، مثل: عبدالله بن سبأ، كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وغيرهم..، أسلموا بالظاهر ولكنهم بدءوا يبثون وينشرون عقائدهم الباطلة بين المسلمين، وذلك عن طريق جعل الأحاديث عن لسان رسول الله (ص).
فأراد الخليفة الثالث عثمان، أن يلقي القبض عليهم ليؤدبهم ففروا إلى مصر واستقروا فيها، فاجتمع حولهم الجاهلون واغتروا بعقائدهم، وصاروا حزبا باسم : " الشيعة " فأعلنوا إمامة علي بن أبي طالب في عهد عثمان رغما له لا حبا لعلي كرم الله وجهه، فوضعوا أحاديث كاذبة في تأييد مذهبهم، مثل:
قال النبي (ص): " علي خليفتي وإمام المسلمين بعدي ".
فكانوا السبب في سفك دماء المسلمين حتى انتهى الأمر إلى قتل عثمان ذي النورين، وبعده نصبوا عليا وبايعوه بالخلافة، فالتف الناقمون على عثمان حول علي ونصروه، فمنذ ذلك الوقت ظهر حزب الشيعة!
ولكن في حكومة بني أمية، لما قاموا بقتل آل علي ومواليه، اختفى هذا الحزب.
وإن عددا من الصحابة، أمثال: سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر، كانوا يدعون الناس بعد النبي (ص) إلى علي كرم الله وجهه، ولكن عليا لم يكن راضيا بهذا العمل.
فاختفى حزب الشيعة أيام بني أمية وأوائل حكومة بني العباس، وبعد أن تولى هارون الرشيد الحكم ظهر حزب الشيعة مرة أخرى وخاصة في خلافة المأمون، إذ تغلب بمساعدة الإيرانيين على أخيه الأمين فقتله واستولى على الحكم، فقويت شوكته بالإيرانيين، وهم كانوا يفضلون علي بن أبي طالب على الخلفاء الراشدين، وكانوا يسوقون المسلمين إلى الاعتقاد بهذا الباطل، كل ذلك لغرض سياسي ومرض نفسي.
إن الإيرانيين كانوا حاقدين على العرب، لأن حكومتهم اضمحلت وسيادتهم بادت بسيوف العرب.
فكانوا بصدد اختراع مذهب يخالف دين العرب ومذاهبهم، فلما سمعوا بحزب الشيعة وعقائدهم، تقبلوه وسعوا في نشره، وخاصة في دولة آل بويه حين قويت شوكتهم واستولوا على كثير من بلاد الإسلام.
وأما في الدولة الصفوية فقد أعلنوا مذهب الشيعة رسميا في إيران، والحقيقة أن مذهبهم الرسمي هو " المجوسية " كما تقتضي سياستهم، فإنهم إلى يومنا هذا يختلفون مع جميع المسلمين في العالم ويقولون: نحن شيعة.
فالتشيع مذهب سياسي حادث، ابتدعه عبد الله بن سبأ اليهودي، ولم يكن لهذا المذهب اسم في الإسلام.
وإن جدك رسول الله (ص) بريء من هذا المذهب واسمه، لأنه على خلاف سنته وتشريعه، بل هو متشعب من دين اليهود وعقائدهم.
لذا أتعجب حينما أرى عالما شريفا مع هذا النسب الرفيع يتبع هذا المذهب الباطل ويترك دين جده، الإسلام الحنيف!!
وأنت ـ يا سيد ـ أولى باتباع جدك وبالعمل بالقرآن والسنة النبوية الشريفة.
لما كان الحافظ يسترسل في كلامه ويتقول ما يريد، كنت أشاهد الشيعة الحاضرين في المجلس قد تغيرت وجوههم حتى كادوا يهجمون عليه، ولكني أشرت إليهم بالهدوء والوقار.
ثم أجبت الحافظ وقلت: ما كنت أتوقع منك ـ وأنت من أهل العلم ـ أن تتمسك بكلام وهمي واه من أباطيل المنافقين وأكاذيب الخوارج وأقاويل النواصب، أشاعه الأمويون وتقبله العوام الجاهلون.
وإنك خلطت أمرين متباينين، وجمعت بين الضدين، حيث حسبت الشيعة اتباع عبد الله بن سبأ، والحال أنهم يذكروه في كتبهم باللعن ويحسبوه منافقا كافرا.
وعلى فرض ان ابن سبأ كان يدعي أنه موالي علي بن أبي طالب ومحبيه، وذلك لغرض سياسي، فهل من الحق أن تحسبوا أعماله المخالفة للإسلام، على حساب شيعة آل محمد (ص) المخلصين المؤمنين؟!
فلو ظهر لص في زي أهل العلم، وصعد المنبر وصلى بالناس، ولما وثق به المسلمون خانهم وسرق أموالهم، فهل صحيح أن نقول: كل العلماء لصوص وسراق؟!
فتعريفك للشيعة بأنهم أتباع ابن سبأ الملعون، بعيد عن الإنصاف، وخلاف الحقيقة والوجدان.
لذا تعجبت كثيرا من تعبيرك عن مذهب الشيعة، بحزب سياسي اختلقه ابن سبأ اليهودي في عهد عثمان!
وأستغرب كيف تقرأ هذه الأكاذيب وتعتمد عليها، ولا تقرأ الأخبار الصحيحة والروايات الصريحة عن الشيعة في كتبكم المعتبرة أن النبي (ص) هو الواضع لأسس الشيعة وأصولها، وقد شاعت كلمة " شيعة علي " من لسان رسول الله (ص) بين أصحابه، كما نقل وروي ذلك علماؤكم في كتبهم وتفاسيرهم(1).
وإذا كنت تستند في حوارك هذا على كلام الخوارج، وتقولات النواصب، فإني أستند إلى القرآن الحكيم، والأخبار المعتبرة عندكم، حتى يظهر الحق ويزهق الباطل.
وأنصحكم أن لا تتكلموا من غير تحقيق، لأن الحق سوف يظهر، وكلامكم يفند من قبل الحاضرين، فحينئذ يصيبكم الخجل فتندمون، ولا يفيد حينها الندم، ولتكن الآية الشريفة نصب أعينكم: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (2).
فكلامكم يسجل عليكم ويحفظ عند ربكم، وتحاسبون عليه.
والآن إذا تسمحون لي ولا تتألمون من كلامي، أثبت لكم بالأدلة المقبولة، أن الحق خلاف ما قلتم، والصواب غير ما اعتقدتم.
الحافظ: إن مجلسنا انعقد لهذا الغرض، وكل هذا النقاش والحوار من أجل رفع الشبهات وكشف الحقائق المبهمات، والكلام الحق لا يؤلمنا.

حقيقة الشيعة وبدايتها
قلت: تعلمون أن كلمة: " الشيعة " بمعنى: الأتباع والأنصار(3).
قال " الفيروزآبادي " في (القاموس) في كلمة " شاع ":... وشيعة الرجل: أتباعه وأنصاره، والفرقة على حدة، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا وأهل بيته، حتى صار اسما لهم خاصا، جمعه: أشياع وشيع.
فهذا هو معنى كلمة: " الشيعة " فأرجو أن لا تشتبهوا في معناها بعد اليوم.
وأما الاشتباه الآخر الذي صدر منكم عمدا أو سهوا، أو لعدم اطلاعكم على التفاسير والأحاديث الشريفة، أو لأنكم تأثرتم بكلام واه تقوّله أسلافكم، وأنتم قبلتموه من غير تحقيق فكررتم كذبهم بقولكم: إن كلمة " الشيعة " وإطلاقها على أتباع علي بن أبي طالب ومواليه، حدث في عهد عثمان وخلافته، وابتدعه عبدالله بن سبأ اليهودي!
والحال أن هذا الكلام خلاف الواقع والحقيقة، فإن كلمة " الشيعة " اصطلاح يطلق على أتباع علي بن أبي طالب وأنصاره منذ عهد النبي (ص) وإن واضع هذه الكلمة والذي جعلها علما عليهم هو رسول الله (ص)، وهو كما قال الله عز وجل فيه: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(4).
وقد قال (ص): " شيعة علي هم الفائزون " وروى علماؤكم هذا الحديث وأمثاله في كتبهم وتفاسيرهم.
الحافظ: لم أجد هكذا روايات وأحاديث في كتبنا، وليتني كنت أعرف، في أي كتاب من كتبنا قرأتم هذا الحديث وأمثاله؟!
قلت: هل إنكم لم تجدوا هذا الحديث وأمثاله في كتبكم، أم استنكفتم من قبوله وأغمضتم عينكم وأبيتم إلا الجحود والكتمان؟؟!
ولكنا حين قرأناه في كتبكم وكتبنا، قبلناه وأعلناه، ولا نكتمه أبدا، لأن الله تعالى يقول: (عن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)(5).
وقال عز وجل: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)(6).
فالله عز وجل يلعن الذين يكتمون الحق ويخبر أنهم من أهل النار والعذاب، فإياكم أن تكونوا منهم.
الحافظ: هذه الآيات حق وصدق، تبين جزاء الذين يكتمون الحق، ولكنا ما كتمنا حقا، فلا تشملنا هذه الآيات الكريمة.
قلت: بإذن الله ولطفه، وتحت رعايته وعنايته، وبالاستمداد من جدي خاتم الأنبياء (ص)، سأكشف لكم الحق الذي هو أظهر وأجلى من الشمس، وأبدد ظلام الأوهام عن وجه الحقيقة، حتى يعرفها جميع الحاضرين.
وأرجو أن تجعلوا هذه الآيات الكريمة نصب أعينكم، حتى لا تأخذكم العزة بالإثم ولا تخافوا لومة لائم.
ورجائي أن تتركوا التعصب لتقاليد آبائكم وتتحروا من أغلال العادات التي قيدكم بها أسلافكم، فحينئذ يسهل عليكم قبول الحق وإعلان الحقيقة.
الحافظ: أشهد الله أني لا أتعصب، ولا أماري، ولا أجادل، بل إذا اتضح الحق تمسكت به، وإذا عرفت الحقيقة قبلتها وأعلنتها.
وأنا لا أجتهد لأكون غالبا في المحاورة، إنما أريد أن أعرف الحق والحقيقة، فإذا ظهر الحق ومع ذلك تعصبت وجادلت فأكون ملعونا ومعذبا في النار كما صرح الله تعالى.
أما الآن فنحن مستعدون لاستماع حديثك، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا وإياكم على الحق.
قلت: روى الحافظ أبو نعيم(7) في كتابه " حلية الأولياء " بسنده عن ابن عباس، قال: لما نزلت الآية الشريفة:
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(8) خاطب رسول الله (ص) علي بن أبي طالب وقال: يا علي! هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين.
ورواه أبو مؤيد، موفق بن أحمد الخوارزمي في الفصل 17 من كتاب المناقب في كتاب تذكرة خواص الأمة(9) وسبط ابن الجوزي(10) بحذف الآية.
وروى الحاكم عبيد الله الحسكاني، وهو من أعاظم مفسريكم، في كتابه (شواهد التنزيل) عن الحاكم أبي عبدالله الحافظ، بسند مرفوع إلى يزيد بن شراحيل الأنصاري، قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: حدثني رسول الله (ص) وأنا مسنده إلى صدري، فقال: أي علي. ألم تسمع قول الله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(11).
؟ هم أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جثت الأمم للحساب، تدعون غرا محجلين(12).
وروى أبو المؤيد الموفق أحمد الخوارزمي في مناقبه في الفصل التاسع(13) عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كنا عند النبي (ص) فأقبل علي بن أبي طالب، فقال (ص): قد أتاكم أخي، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثم إنه أولكم إيمانا، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية.
قال: ونزلت: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)(14) إلى آخره.
قال: وكان أصحاب محمد (ص) إذا أقبل علي عليه السلام قالوا: قد جاء خير البرية(15).
وروى جلال الدين السيوطي وهو من أكبر علمائكم وأشهرهم، حتى قالوا فيه: بأنه مجدد طريقة السنة والجماعة في القرن التاسع الهجري، كما في كتاب (فتح المقال).
روى في تفسيره (الدر المنثور) عن ابن عساكر الدمشقي، أنه روى عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال: كنا عند رسول الله (ص) إذ دخل على علي بن أبي طالب (ع)، فقال النبي (ص): والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، فنزل: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية).
وكذلك، جاء في " الدر المنثور " في تفسير الآية الكريمة، عن ابن عدي، عن ابن عباس، أنه روي: لما نزلت الآية المذكورة قال النبي (ص) لعلي: تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين.
وروى ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة صفحة 122 عن ابن عباس، قال: لما نزلت الآية (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قال النبي (ص) لعلي: هو أنت وشيعتك، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين.
ورواه ابن حجر في الصواعق باب 11 عن الحافظ جمال الدين، محمد بن يوسف الزرندي المدني، وزاد فيه: فقال علي (ع): من عدوي؟ قال (ص): من تبرأ منك ولعنك.
ورواه العلامة السمهودي في " جواهر العقدين " عن الحافظ جمال الدين الزرندي أيضا.
وروى المير سيد علي الهمداني الشافعي وهو من كبار علمائكم في كتابه " مودة القربى " عن أم سلمة أم المؤمنين وزوجة النبي الكريم (ص) أنها قالت: قال رسول الله (ص): يا علي، أنت وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتك في الجنة.
ورواه عنها ابن حجر في الصواعق أيضا.
وروى الحافظ ابن المغازلي الشافعي الواسطي في كتابه " مناقب علي بن أبي طالب (ص) " بسنده عن جابر بن عبدالله، قال: لما قدم علي بن أبي طالب بفتح خيبر قال له النبي (ص): يا علي، لولا أن تقول طائفة من أمتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالا لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت رجليك وفضل طهورك، يستشفون بهما، ولكن حسبك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، وأنت تبرئ ذمتي وتستر عورتي، وتقاتل على سنتي، وأنت غدا في الآخرة أقرب الخلق مني، وأنت على الحوض خليفتي، وإن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم، ويكونون في الجنة جيراني، وإن حربك حربي، وسلمك سلمي(16).
وصلنا إلى هنا وارتفع صوت المؤذن يعلن وقت العشاء فقطعنا الكلام، وسكتنا عن قراءة ذيل الرواية، والخبر فإنه طويل، فقام الإخوان العامة وتهيؤا للصلاة، وذهب السيد عبدالحي ليؤم المسلمين في المسجد.
وحينما رجع من المسجد جاء بتفسير " الدر المنثور " وكتاب " مودة القربى " ومسند الإمام أحمد بن حنبل، ومناقب الخوارزمي، وقال ذهبت بعد الصلاة إلى البيت وجئتكم بهذه الكتب التي تستندون بها في محاورتكم، حتى نراجعها عند الضرورة.
فتناولت منه الكتب وشكرته وبقيت الكتب عندنا إلى آخر ليلة من ليالي الحوار، ثم استخرجت الأخبار والأحاديث التي نقلتها من تلك الكتب، وكلما قرأت الأحاديث التي مر ذكرها من كتبهم، كنت ألاحظ وجوه المشايخ تنخطف، وألوانه تتغير، والخجل يبدو ويعلو على وجوههم، لأنهم كانوا يحسون بالفضيحة والنكسة أمام أتباعهم الحاضرين.
وقرأنا في كتاب " مودة القربى " إضافة ما نقلناه، حديث آخر في الموضوع هو:
روي أن رسول الله (ص) قال: يا علي، ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين.
وبعده قلت: إن هذا بعض الدلائل المحكمة والمؤيدة بكلام الله سبحانه وتعالى وبالأخبار المعتبرة والمقبولة عندكم، ولو نقلتها لكم كلها لطال الكلام، ولكن في ما ذكرنا كفاية لمبتغي الحق بغير غواية.
وأرجو بعد هذا أن لا تكرروا ذلك الكلام الفارغ الوهمي الواهي، بأن مؤسس مذهب الشيعة عبدالله بن سبأ اليهودي
فقد اندفع هذا التهام وارتفع الإيهام، بالقرآن الحكيم وحديث النبي العظيم (ص)، ولقد تبين لكم أن ما كنتم تظنوه في حق الشيعة، إن هو إلا أباطيل الخوارج وأكاذيب النواصب من بني أمية وغيرهم.
ومع الأسف... أنتم العلماء قد ألقيتم هذه الأقاويل إلى أتباعكم من عامة الناس، وألبستم عليهم الحق والحقيقة، من حيث تعلمون أو لا تعلمون.
والآن عرفتم بأن الشيعة محمديون وليسوا بيهود، وإن إطلاق اسم: " الشيعة " على من تولى عليا وأحبه ونصره إنما بدا من نبي الإسلام وهادي الأنام محمد (ص)، وقد صرح به كرارا بين أصحابه حتى صار علما لموالي عليا (ع) وأنصاره، كما سمعتم الروايات والأخبار التي نقلتها لكم.
وجاء في كتاب " الزينة " لأبي حاتم الرازي، وهو منكم قال: إن أول اسم وضع في الإسلام علما لجماعة على عهد رسول الله (ص) كان اسم " الشيعة " وقد اشتهر أربعة من الصحابة بهذا الاسم في حياة النبي الأكرم (ص) وهم:
1ـ أبو ذر الغفاري 2ـ سلمان الفارسي 3ـ المقداد بن الأسود الكندي 4ـ عمار بن ياسر.
فأدعوكم لتتفكروا، كيف يمكن أن يشتهر أربعة من أصحاب رسول الله (ص) الأقربين وحواريه، بلقب أو اسم " الشيعة " بمرأى ومسمع منه (ص) وهو لم يمنعهم من تلك البدعة كما يزعم البعض؟!
ولكن نستنبط من مجموع الأخبار والأحاديث الواردة في الموضوع أن أولئك الأصحاب المخلصين، سمعوا النبي (ص) يقول: شيعة علي خير البرية، وهم الفائزون. لذلك افتخروا بأن يكونوا منهم، ويشتهروا بين الأصحاب باسم " لشيعة ".

مقام هؤلاء الأربعة في الإسلام
يروي علمائكم عن النبي (ص) أنه قال: " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وقد كتب أبو الفداء في تاريخه ـ وهو من مؤرخيكم ـ: أن هؤلاء الأربعة امتنعوا من البيعة لأبي بكر يوم السقيفة، وتبعوا علي بن أبي طالب (ص)، فلماذا لا تجعلوا عملهم حجة؟! مع ما نجد في كتبكم أن هؤلاء كانوا من المقربين والمحبوبين عند النبي (ص)، لكن نحن تبعناهم واقتدينا به وصرنا شيعة علي (ع)، فنحن مهتدون بحديث رسول الله (ص) الواصل عن طريقكم: بأيهم اقتديتم اهتديتم.
ولكي نعرف جاه ومقام هؤلاء الأربعة عند الله تعالى وعند رسوله (ص)، أنقل لكم بعض الأخبار المروية عن طرقكم في حقهم:
1ـ روى الحافظ أبو نعيم في المجلد الأول من حلية الأولياء ص 172 وابن حجر المكي في كتابه الصواعق المحرقة في الحديث الخامس من الأحاديث الأربعين التي نقلها في فضائل علي بن أبي طالب (ع) قال: عن الترمذي والحاكم،
عن بريدة: أن رسول الله (ص) قال: إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم، فقيل من هم؟ قال (ص): علي بن أبي طالب، وأبو ذر والمقداد، وسلمان(17).
2ـ نقل ابن حجر أيضا الحديث 39 عن الترمذي والحاكم عن أنس بن مالك، أن النبي (ص) قال: الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان.
فكيف أن هؤلاء الأربعة الذين هم من خواص أصحاب النبي (ص) وقد أحبهم الله ورسوله، ومن أهل الجنة، خالفتموهم ولم يكن عملهم حجة عندكم؟!
أليس من المؤسف أن تحصروا أصحاب النبي (ص) في الذين دبروا فتنة السقيفة وانخرطوا في تلك اللعبة الجاهلية، وقبلوا منتخب المتآمرين وتركوا حجة ربة العالمين؟!
وأما بقية الصحابة الأخيار، الذين خالفوا ذلك التيار، ورفضوا ذلك القرار، إذ وجدوه جائرا مخالفا لنص الواحد القهار، فساروا على الخط الذي رسمه النبي المختار (ص) لسعادة المؤمنين الأحرار الأبرار، لم تعتبروهم ولم تقتدوا بهم، فكأنكم حرفتم عمليا حديث النبي (ص) " أصحابي كالنجوم... " بأن " بعض أصحابي كالنجوم "؟!

التشيع ليس حزبا سياسيا
وأما قولك: إن مذهب الشيعة مذهب سياسي، والإيرانيون المجوس اتخذوا التشيع وسيلة للفرار من سلطة العرب، كلام بلا دليل وهو من أقاويل أسلافكم، ونحن أثبتنا أن التشيع مذهب إسلامي، وهو شريعة خاتم الأنبياء وامتداد للإسلام.
والنبي (ص) أمر أمته بمتابعة علي ومشايعته في الأمور والحوادث، بأمر من الله سبحانه وتعالى، ونحن نتبع عليا أمير المؤمنين وأبناءه الطاهرين (ع)، ونعمل بأوامرهم حسب أمر النبي المطاع الأمين (ص)، ونرى في ذلك نجاتنا.
ولو تدبرنا التاريخ ودرسنا الحوادث بعد حياة النبي (ص) لوجدناه أن أبرز قضية سياسية وأظهر حادثة انقلابية هي مؤامرة السقيفة وانتخابهم الخليفة. ومع ذلك لا تطلقون على أولائك المجتمعين في السقيفة والهمج الذين تبعوهم كلمة: " حزب سياسي " ولكن تتهمون الشيعة المؤمنين المخلصين بأنهم حزب سياسي!!
وكم عندكم أحاديث معتبرة أن النبي (ص) يأمر الأمة بمتابعة علي بن أبي طالب وأهل بيته الكرام، وخاصة عند التباس الأمر واختلاف الرأي، ولا نجد حديثا واحدا من الرسول (ص) يأمر الأمة بتشكيل السقيفة وانتخابهم الخليفة بعده، ولو كان ذلك من حق الناس، لما نص على أخيه وصنوه علي (ع) من بعده، ولما عينه خليفة بأمر من الله (عز وجل)، في يوم الإنذار ويوم الغدير وغيره.
وأما بالنسبة لتشيع الإيرانيين الذي تزعم أنت وكثير من الذين أغوتهم الدعايات الأموية، بأنه كان من غرض سياسي.
أقول إن من كان له أدنى اطلاع في القضايا السياسية يعرف، أن قوما إذا اتخذوا مذهبا وسيلة للوصول إلى أغراضهم وأهدافهم السياسية تركوا ذلك المذهب ولم يعبئوا به حينما يصلون إلى أهدافهم. والحال أن التاريخ يشهد في حق الإيرانيين الذين تمسكوا بالتشيع واتبعوا آل محمد (ص) وأحبوهم ونصروهم وضحوا بالغالي والنفيس من أجلهم أكثر من ألف عام، وإلى يومنا هذا هم كذلك يجاهدون ويضحون في سبيل إعلاء كلمة الحق والعدل وانتشار راية: لا إله إلا الله، محمد رسول الله (ص) علي ولي الله، فهذا التفاني طيلة ألف عام وأكثر، يستحيل أن يكون لغرض سياسي دنيوي، وإنما يكون لهدف معنوي أخروي، والتشيع عند معتنقيه من الإيرانيين وغيره هدف لا وسيلة!

أسباب تشيع الإيرانيين
أما الأسباب التي دعت الإيرانيين إلى التمسك بمذهب الشيعة والالتزام بولاء أهل البيت، متابعتهم، والسير على منهج علي بن أبى طالب وأبنائه الطيبين، والتفاني في ذلك، هي:
1ـ عدم وجود العصبيات القبلية والنزعات الطائفية والدواعي العشائرية عندهم، لأنهم لم يكونوا ينتمون لأي قبيلة من قبائل قريش أو غيرها الموجودة في الجزيرة العربية، وبعيدا عن كل هذه، وجدوا الحق في علي بن أبي طالب عليه السلام فانحازوا إليه، ولم تصدهم العصبيات والنزعات عن طريق أهل البيت عليهم السلام ومذهبهم.
2ـ الذكاء والتعقل عندهم(18)، يمنعهم من التعصب الباطل والتقليد الأعمى، فهم أهل تحقيق وتدقيق في أمر الدين والعبادة، لذلك كانت المجوسية عندهم رخوة ومتزلزلة، ولهذا السبب أسلمت أكثر بلادهم من غبر حرب وفتحت من غير مقاومة، وبعد فتح بلادهم تركوا المجوسية من غير كره وإجبار واعتنقوا الإسلام بالحرية والاختيار، لأنهم عاشروا المسلمين وحققوا حول الإسلام، وعرفوا حقانيته، فتمسكوا به وأصبح الإسلام دينهم الذي كانوا يضحون أنفسهم دونه، ويقدمون الغالي والنفيس من أجله، ويجاهدون في سبيل الله تحت راية الإسلام مع العرب وغيرهم من المسلمين جنبا لجنب في صف واحد.
وبعدما دخلوا في الإسلام، واجهوا مذاهب شتى وطرائق قددا، كل منهم يدعي الحق وينسب الآخرين إلى الضلال فدققوا وفتشوا عن الحقيقة، وفحصوا وحققوا عن الحق والواقع، فوجدوه في مذهب الشيعة الامامية الاثنى عشرية، فتمسكوا به وانعقدت قلوبهم على معالمه، فتبعوا عليا وأبناءه المعصومين، ورضوا بهم أئمة وقادة وسادة، لأن الله تعالى جعلهم كذلك.
3ـ إن عليا عليه السلام كان يعرف حقوق الإنسان وحقوق الأسرى في الإسلام، لأن النبي (ص) كان يوصي المسلمين بالأسرى ويقول: أطعموهم مما تطعمون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تؤذوهم... إلى آخره، فكان علي عليه السلام يلتزم بتطبيق هذه الحقوق، وأما غيره فما كان يعرفها! وإذا كان يعرفها ما كان يلتزم بها.
وحينما جاءوا بأسرى الإيرانيين إلى المدينة، عاملهم بعض المسلمين بما لا يليق، فقام علي عليه السلام بالدفاع عن ابنتي الملك حين أمر الخليفة أبو حفص ببيعهن، ولكن عليا عليه السلام منعه وقال:إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منع من بيع الملوك وأبنائهم وبناتهم، وإنما تنتخب كل واحدة من هاتين رجلا من المسلمين فتتزوج منه.
وعلى هذا انتخبت إحداهن ـ وهي " شاه زنان " ـ محمد بن أبي بكر، وانتخبت " شهربانو " ـ وهي الأخرى ـ الإمام الحسين عليه السلام.
وذهب كل منهما مع زوجته بعقد شرعي ونكاح إسلامي إلى بيته، فولدت شاه زنان من محمد ولده " القاسم " وأصبح من فقهاء المدينة وهو والد " أم فروة " والدة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وولدت شهربانو الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام.
فلما رأى بعض الإيرانيين وسمع آخرون منهم بزواج ابنتي يزدجرد واحترام الإمام علي عليه السلام لهما، شكروا هذا الموقف التاريخي العظيم، والقرار الإنساني الجسيم، من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وكان هذا من أهم الأسباب التي دعت الإيرانيين إلى تحقيق أكثر حول شخصية أبي الحسن عليه السلام، وعلي عليه السلام هو الرجل المقدس الذي كلما زاد الإنسان معرفة به، زاد حبا له وتعظيما.
4ـ ارتباط الإيرانيين وعلاقتهم بسلمان الفارسي وهو منهم، ثم لسابقته الفاخرة في الإسلام، ومكانته المرموقة عند النبي (ص)، حتى عده من أهل بيته، في الحديث الذي اشتهر عنه (ص) في كتب الشيعة والسنة انه قال (ص): سلمان منا أهل البيت(19).
وكان ينادى من ذلك اليوم: بسلمان المحمدي.
ولسائر فضائله ومناقبه أصبح محور الإيرانيين ومرجعهم في أمور الدنيا والدين.ولما كان سلمان من شيعة أهل البيت والموالين لآل محمد (ص) ومن المخالفين لاجتماع السقيفة والخليفة المنتخب فيها، أرشد قومه وهداهم إلى مذهب الشيعة، ودعاهم إلى التمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم، وهو ولاية وإمامة أبى الحسن أمير المؤمنين، لأنه شهد يوم الغدير، وبايع عليا عليه السلام بالخلافة، وسمع أحاديث عديدة من فم النبي الكريم (ص) في شأن أبي الحسن وسمع كرارا حديث النبي (ص) من أطاع عليا فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن خالف عليا فقد خالفني، ومن خالفني فقد خالف الله(20).
5ـ لو تعمقنا في الموضوع وتفحصنا التاريخ للوصول إلى جذوره، لوجدنا أن من أهم أسباب التفاف الإيرانيين حول علي وبنيه عليهم السلام، وابتعادهم عن الغاصبين لحقوق آل محمد (ص) هو: سوء معاملة الخليفة عمر بن الخطاب مع الإيرانيين بعدما أسلموا وهاجر كثير منهم إلى المدينة المنورة، فكانت سيرته معهم خلاف سيرة النبي (ص) مع سلمان، وكانت سيرته معهم تصرفات شخصية تنبئ عن حقد دفين في قلبه لهم، وكان يحقرهم ويمنعهم من الحقوق الاجتماعية التي منحها الله تعالى لكل إنسان(21).
أما معاملة الإمام علي عليه السلام معهم فقد كانت حسنة كمعاملة النبي (ص) لسلمان الفارسي.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:28 AM





لهذا كان حب الإمام علي وبنيه عليهم السلام، وبغض عدوه وظالميه، مكنون في قلوب الإيرانيين، ولم يجدوا فرصة في لإظهارهما حتى القرن الرابع الهجري في عهد: آل بويه ودولتهم، فأظهروا حبهم لعلي وأبنائه عليهم السلام وبغضهم لظالميه وأعدائه.
وليس هناك أي ارتباط بين تشيع الإيرانيين وحكومة هارون وابنه المأمون العباسي.

دولة آل بويه
وأما آل بويه ـ الذين بدأت دولتهم في شيراز في القرن الرابع الهجري، وسرعان ما سرى نفوذهم في كل بلاد إيران والعراق، بل امتد سلطانهم في جميع بلاد بني العباس، وكانت كلمتهم تحكم في كل الولاة والحكام، وليس للخليفة العباسي إلا مراسيم الخلافة ـ فقد كانوا من شيعة إيران، وآل بويه مع هذه القدرة والنفوذ، ومع أنهم كانوا من شيعة وموالين لعلي وبنيه عليهم السلام، فهم لم يحاربوا التسنن، كما فعل الكثير من ملوك أهل السنة مع الشيعة، ولم يتعصبوا للشيعة على السنة، وإنما أعطوا الشيعة حرية إبداء العقيدة فحسب(22).

شيعة إيران في عهد المغول
وفي سنة 694 هجرية فتح غازان خان المغولي بلاد إيران، ولكنه أسلم وسمي بـ: " السلطان محمود " وكان يظهر الحب والولاء لآل رسول الله (ص) ويحترم محبيهم، وكان الشيعة في حرية العقيدة في دولته، ولما توفي سنة 707 هجرية خلفه أخوه، وقد أسلم هو أيضا وسمي: " محمد شاه خدابنده " ولما اطلع هذا على كثرة المذاهب، وأهل كل مذهب يزعمون أنهم على حق وأن غيرهم على ضلال أحب أن يعرف الحقيقة ويكشف عن الحق ليتمسك به، فأمر بإحضار العلماء من كل مذهب، ثم أمرهم بالمناقشة والمناظرة والمحاورة بمحضره.
وكان العلامة الكبير الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف الحلي، ممثل الشيعة في المجلس، وهو وحده ناظر جميع علماء المذاهب الأربعة الحاضرين في مجلس السلطان، وأفحمهم بالأجوبة الكافية والأدلة الشافية، وأورد عليهم مسائل وإشكالات فلم يتمكنوا من ردها.
هنالك ظهر الحق وزهق الباطل، وأعلن " خندابنده " وحاشيته تشيعهم، وأصدر بعد ذلك بيانا إلى جميع ولاته على البلاد، وأخبرهم بما جرى في مجلسه، وأنه تشيع على علم ودراية، لذا يجب أن تلقى الخطب في الجمعة والجماعات باسم الإمام علي وأبنائه (ع)، وطبع الدراهم والدنانير بكلمة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، وسعى كثيرا واجتهد لنشر مذهب الشيعة في البلاد.
والملوك الصفويون من بعد المغول، جدوا واجتهدوا في نشر مذهب الشيعة، وأعلنوه المذهب الرسمي في إيران، وقدموا خدمات عظيمة للبلاد والعباد تحت راية علماء الشيعة ومفكريهم.
وإلى يومنا هذا، فإن المذهب الرسمي في إيران هو مذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، وهذا منذ عهد آل بويه قبل فترة الصفوية بسبعمائة عام، والمجوس أقلية لا يعدون شيئا بالنسبة للمسلمين في إيران بل هناك أقليات أخرى، ربما يكون عددهم أكثر من المجوس، وهم أيضا لا يعدون شيئا بالنسبة للمسلمين الشيعة في بلاد الفرس.
فالأكثرية الساحقة في إيران، يعتقدون بـ: توحيد الله سبحانه وتعالى، وبرسالة محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وبإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبنائه المعصومين الأحد عشر (ع).
الحافظ: إني أتعجب منك أيها السيد الحجازي المكي المدني، حيث حللتم في إيران نسيت أصلك، وتركت شريعة جدك، وصرت مدافعا عن الإيرانيين، وحسبتهم أتباع علي كرم الله وجهه، والحال أن عليا برئ من عقائدهم ومذهبهم، لأنهم يؤهلون عليا ويجعلوه بمنزلة الرب (عز وجل) في أشعارهم وأقوالهم، وهو باليقين برئ من هذه العقيدة، لأنه كان عبدا مطيعا لله سبحانه وتعالى.
والآن أقرأ عليك بعض أشعار شعراء إيران الشيعة حتى تعرف صدقي وصحة كلامي، فقد أنشد الشاعر الإيراني، عن لسان علي كرم الله وجهه كفرا صريحا، وهو:
مظهر كـل عـجائب كيست؟ منمظهـر كل العجـائب من؟... أنــا!مظهر سـر غـرايب كيست؟ منمظهر ســر الغـرائب من؟... أنــا!صاحب عـون نوائب كيست؟ منصاحب عـون النوائـب من؟ أنــا..!در حقيقت ذات واجب كيست؟ منفي الحقيقة ذات الواجب من؟ أنــا..!
ويقول الآخر:
در مذهب عارفان آكاهالله علي، علي است الله!في مذهب العرفاء العالمينالله علي، علي هـو الله!
فهل بعد هذا تشك في كفرهم؟!
قلت: إني لا أشك، ولا كنت شاكا، في كفر القائلين لهذه الأبيات وأمثالها، والعجب ثم العجب منك، إذ تنسب هؤلاء الشعراء الملاحدة والغلاة والزنادقة، إلى الشيعة الموحدين لله تعالى، وعلى هذا الحساب الجائر والخيال القاصر، تفتون ـ لأتباعكم ـ بكفر الشيعة، وتسمحون لعوامكم بنهب أموا الشيعة وسفك دمائهم وهتك أعراضهم.
فكم شبت فتن على إثر هذه الفتاوى، في أفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركستان والهند وباكستان وغيرها، التي يندى منها جبين البشرية، وتبكي لها عين الإنسانية والله يعلم كم من الشيعة المؤمنين قتلوا بأسلحة أتباعكم العوام، لأنهم بسبب هذه التقولات الموهومة والاتهامات المزعومة على شيعة آل محمد (ص) يحسبونهم كفارا، حتى في الأزمنة السالفة كان اعتقاد كثير من أهل السنة في هذه المناطق التي ذكرتها أن من قتل عددا من الروافض ـ الشيعة ـ وجبت له الجنة!!
اعلموا أن مسؤولية هذه الدماء التي سفكت، إنما تكون عليكم، وسوف تسألون عنها في المحشر، يوم ينادي المنادي: (وقفوهم إنهم مسؤولون)(23)! فما يكون جوابكم عند الله تعالى؟!
أسألكم إذا كفر عدد قليل لا يعبأ بهم في قوم مؤمنين يبلغ عددهم الملايين، هل صحيح أن يحكم على كل القوم بالكفر ألم تكن في بلادكم أقليات مشركة وطوائف كافرة؟! وهم يعدون من الأفغان فهل صحيح نحكم على كل أفغاني بالكفر والشرك؟
ألم تكن جماعات من الغلاة الذين يؤهلون عليا في تركيا وغيرها من البلاد الإسلامية؟! فهل صحيح أن نحكم على أهل كل بلد يعيش فيه عدد من الغلاة بالكفر والإلحاد؟!
فإن اعتقادكم هذا بالإيرانيين دون غيرهم، ينبئ عن غيظ وحقد مكنون في قلوبكم ضدهم، ويكشف عن تعصب بغيض ضد الشيعة.
وأما الأبيات التي قرأتها وأمثالها، إن هي إلا من شعر الغلاة، وهم غير الشيعة، بل الشيعة الامامية وعلمائهم يكفرون الغلاة ويتبرؤن منهم، وقد أفتى علماء الشيعة في إيران وفي كل مكان بكفر الغلاة ونجاستهم وقالوا بوجوب الاجتناب عنهم والتبري منهم.

الإسلام يرفض التعصب القومي
وأما قولك: بأني سيد حجازي مكي مدني، فلماذا صرت مدافعا عن الإيرانيين؟!
فمن الواضح أني أفتخر بنسبي إلى رسول الله (ص) وانتسابي لمكة والمدينة، ولكني أحمد الله الذي لم يجعل في نفسي شيئا من النزعة القومية التي تتفرع عن جذور الجاهلية.
لأن جدي رسول الله (ص)، وإن روي عنه أنه قال: حب الوطن من الإيمان، وبهذه العبارة دعا كل قوم إلى الدفاع عن وطنه والتفاني لبلاده أمام هجوم. ولكنه حارب النزعات القومية والعصبيات القبلية بشدة(24) مثلما حارب عبادة الأصنام، وسعى جاهدا لتوحيد القوميات كلها تحت راية التوحيد والإسلام، فنادى بأعلى صوته كرارا بين أصحابه: الناس سواسية كأسنان المشط، لا فخر لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود، إلا بالتقوى.
وقال (ص): أيها الناس، ليبلغ الشاهد الغائب، إن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية، والتفاخر بآبائها وعشائرها.
أيها الناس! كلكم لآدم وآدم من تراب، ألا إن خيركم عند الله وأكرمكم عليه، أتقاكم وأطوعكم له.
وقال (ص) حين فتح مكة: يا معشر قريش! إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خلق من تراب، قال الله تعالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(25).
فهذا جدي وهو النبي الأكرم (ص) وسيد بني آدم، كان يحترم بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ويساويهم في المعاملة مع أقرانهم من العرب، كأبي ذر الغفاري والمقداد الكندي وعمار بن ياسر وغيرهم.
ولكن أبا لهب الذي ولد في أشرف بيت من قريش، وهو عم النبي الكريم (ص) حين كفر بالله العظيم، تبرأ منه رسول الله (ص) والمسلمون، ونزلت سورة في ذمه فيها: (تبت يدا أبي لهب وتب)(26)... إلى آخرها.
نعم:
لقد رفع الإسلام سلمان فارسوقد وضع الشرك الشريفَ أبا لهب
التمييز العنصري سبب الحروب
كل من يطالع تاريخ العالم، يعرف أن أكثر الحروب في العالم أو كلها نشبت بسبب حمية الافتخارات الجاهلية، من نزعات قومية وتفرقة عنصرية وغيرها.
فالألمانيون يعتقدون أن قومية (الجرمن) تفوق القوميات الأخرى.
واليابنيون يريدون سيادة بني الأصفر على العالم.
والأوربيون يفضلون البيض على غيرهم.
والامريكيون يريدون السيطرة على العالم بزعمهم أنهم أفضل الخليقة، ويفضلون البيض على السود بشكل فظيع، وقد وضعوا قوانين ظالمة تسحق حقوق السود، فلا يحق لهم أن يدخلوا في الأماكن والمحلات المخصصة للبيض، حتى في الكنائس والمعابد!
وفي المعاهد العلمية، العلماء السود يجلسون في صف النعال والبيض الذين هم أنزل رتبة في العلم، يعلون عليهم في المجلس.
ولا يحق للسود مناقشة البيض في المطارحات والمناظرات العلمية، لذلك خصصوا لهم معاهد خاصة.
وحتى في القطارات والمطارات وغيرها، نجد التمييز العنصري ظاهر، وقانونه الجائر ونافذ في الدول التي تدعي التدمن والالتزام بحقوق الإنسان!
وأشد مظاهر التمييز العنصري اليوم هو في أمريكا، وهي تزعم سيادة العالم والدفاع عن حقوق البشر وحرية الانسان في كل الأقطار والأمصار، ولكنها تعامل السود الذين يشكلون نسبة عظيمة من الشعب الأمريكي كالحيوان، بل يفضلون عليهم بعض الحيوانات، فالسود في أمريكا محرومون من حقوقهم الاجتماعية والإنسانية التي منحها الله تعالى لكل البشر على الحد سواء.
ولكن الإسلام العظيم وقائده الكريم محمد (ص) منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ألغى النزعات القومية والتفرقة العنصرية، وحاربها كما حارب الكفر والشرك، وعبر عنها بالنخوة والعادات الجاهلية.
ثم إنه (ص) احتضن بلال الحبشي وصهيب الرومي بالتكريم والمحبة، كما احتضن أبا ذر وعمار وسلمان، وقال في كل واحد منهم، ما بين فيه مكانته وقربه عند الله سبحانه وتعالى.
وعين بلال الحبشي ـ الأسود ـ مؤذنا في مسجده، وهو مقام رفيع في الإسلام، فإن المؤذن: داعي الله ومناديه في عبادة المؤمنين.
وقد جعل الله عز وجل التقوى معيارا في التكريم والتفضيل، فقال عز من قائل: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(27).
وأنا ـ بعيدا عن النزعات القومية و التعصبات الجاهلية ـ ألزم نفسي بالدفاع عن الحق وإن كان أكثره من غير قومي، وأحارب الباطل وإن كان أكثر أهله من قومي، فأصر التشيع لأنه المذهب الحق وإن كان أكثر المتمسكين به إيرانيين، وأحارب الباطل وأرفضه وإن كان أكثر الحجازيين.
نحن أبناء الدليلحيثما مال نميل
الغلاة ليسوا من الشيعة
لقد نسبت أشعار الغلاة الإيرانيين إلى الشيعة الموحدين المؤمنين، فخلطت الحابل بالنابل.
فإن شيعة الإمام علي (ع)، سواء أكانوا إيرانيين أم عربا أم غيرهم، كلهم يوحدون الله تعالى ويطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئا، ويشهدون بأن محمدا بن عبدالله عبده ورسوله، و خاتم النبيين، ولا نبي بعده إلى قيام يوم الدين.
ويعتقدون بأن علي بن أبي طالب ولي الله وعبده الصالح، اتخذه النبي (ص) أخا، وأوصى إليه وجعله خليفته من بعده، كل ذلك بأمر من الله تبارك وتعالى.
ويعتقدون بإمامة الحسن المجتبى (ع) بعد أبيه المرتضى، ومنم بعده إمامة الحسين الشهيد (ع)، ثم إمامة تسعة من أولاد الحسين (ع) نص عليهم رسول الله (ص) وعرفهم بأوصافهم وصفاتهم، وقد عصمهم الله تعالى من الذنب، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهم عباده المكرمون، ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
ومن كان يقول ويعتقد غير هذا في الإمام علي وبنيه الأئمة الأحد عشر (ع) فلا تنسبوه إلى الشيعة.
ونحن الشيعة في إيران وغيره براء من الغالين في الإمام علي أو بنيه، كالسبئية والخطابية والغرابية والحلولية وغيرهم، وهذه الفرق أقليات متفرقة في أكثر البلاد الإسلامية لا إيران فقط، إلا أنه في تركيا يبلغ عددهم الملايين، مع ذلك لا تنسبون مسلمي تركيا ـ بما فيهم الشيعة الأتراك ـ إلى الغلاة!
فالشيعة في كل مكان بريئون من هذه الفرق، ويتألمون من انتسابها إليهم، كما أن المسلمون عموما يتبرءون منها عندما ينسب المستشرقون هذه الفرقة الغالية إلى الإسلام.
والشيعة: علماؤها وفقهاؤها في إيران وغيرها حكموا على الغلاة بالكفر، وأفتوا بنجاستهم ووجوب الاجتناب عنهم، ومع هذا كله، تنسبون إلينا هذه الفرق الضالة، أو تحسبوننا منهم!! إن هذا إلا بهتان عظيم.
فلو كنتم تقرءون كتبنا الكلامية، لوجدتم ردود متكلمينا وعلمائنا على عقائد الغلاة الإلحادية، بالدلائل العقلية والنقلية، وسأنقل لكم بعض الأخبار المروية في كتبنا عن أئمة الشيعة، وقد جمع قسما منها المحدث الجليل، والحبر النبيل، علامة عصره، ونابغة دهره، الشيخ المولى باقر المجلسي ـ قدس سره ـ في كتابه بحار الأنوار الذي هو أضخم دائرة معارف الشيعة الامامية وعدد أجزائه مائة وعشر مجلدات.
1ـ روي في ج 25 ص 273، حديث 19: عن أبي هاشم الجعفري قال سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الغلاة و المفوضة فقال الغلاة كفار و المفوضة مشركون من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوجهم أو تزوج إليهم أو أمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز و جل و ولاية الرسول (ص) و ولايتنا أهل البيت.
2ـ وفي ج 25 ص 283، حديث 33: عن الإمام جعفر الصادق (ع) الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله و يدعون الربوبية لعباد الله و الله إن الغلاة لشر من اليهود و النصارى و المجوس و الذين أشركوا.
3ـ وفي ج 25 ص 286، حديث 40: عن أبان بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين و كان و الله أمير المؤمنين (ع) عبدا لله طائعا الويل لمن كذب علينا و إن قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم نبرأ إلى الله منهم.
4ـ وفي ج 25 ص 286، حديث 41: عن الثمالي قال: قال علي بن الحسين (ع) لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبإ فقامت كل شعرة في جسدي لقد ادعى أمرا عظيما ما له لعنه الله كان علي ع و الله عبدا لله صالحا أخو رسول الله ص ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله و لرسوله و ما نال رسول الله ص الكرامة من الله إلا بطاعته لله عز وجل.
5ـ وفي ج 25 ص 296، حديث 55: عن المفضل بن يزيد قال: قال أبو عبد الله (ع) ـ و ذكر أصحاب أبي الخطاب و الغلاة ـ فقال لي يا مفضل لا تقاعدوهم و لا تؤاكلوهم و لا تشاربوهم و لا تصافحوهم و لا توارثوهم.
6ـ ج 25 ص 297، حديث 59: عن الصادق (ع): لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا و لعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا و إليه مآبنا و معادنا و بيده نواصينا.
7ـ وفي ج 25 ص 303، حديث 69: عن صالح بن سهل قال كنت أقول في أبي عبد الله (ع) بالربوبية فدخلت فلما نظر إلي قال يا صالح إنا و الله عبيد مخلوقون لنا رب نعبده و إن لم نعبده عذبنا.
هذا أئمة الشيعة في ابن سبأ وأبي الخطاب والمفوضة والغلاة، ومع هذا كله، فإنكم وكثير من كتابكم تنسبون الشيعة إلى ابن سبأ الملعون!
فهل وجدتم كتاب واحد من كتب الشيعة الامامية الجعفرية ـ المنسوبين للإمام جعفر الصادق (ع) ـ كلمة واحدة في مدح ابن سبأ؟!
هذه كتبنا من أكثر من ألف سنة ملأت المكتبات والمدارس ـ اقرؤها بدقة، وطالعوها بتدبر، فلن تجدول شطر كلمة في تأييد ابن سبأ وعقائده وأفكاره، بل تجدون رده ولعنه، وأنه يهودي كافر.
فارجعوا عن كلامكم واعدلوا عن قولكم ورأيكم عن الشيعة، واخشوا الله وخافوا الحساب، يوم تسألون عن كل حرف مما قلتم، فقد قال تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)(28).
وقال سبحانه (فمن يعمل مثقال ذرة خير يره * ومن يفعل مثقال ذرة شرا يره)(29).
فأرجوكم أن تحاوروني بكلام نابع من الواقع والحقيقة، ولا تأخذوا ما يقول أعداؤنا وخصومنا فينا، فإن الخصم قلما ينصف خصمه.
فكما أحتج وأتكلم أنا بالاستناد إلى كتبكم وصحاحكم في إثبات ما أقول، فإن أصول المحاجة والحوار تقتضي أن تكونوا كذلك.
الحافظ: إن نصائحكم مقبولة، وإن شاء الله لا نقول إلا ما فيه رضاه، وإني حين سمعت هذه الروايات عندكم في رد الغلاة، زاد تعجبي فيكم، لأنا نسمع منكم في هذا الحوار تعابير في أئمتكم، يشم منها رائحة الغلو، وهم غير راضين بتلك الكلمات، بالرغم من أنكم تحرصون على كل كلمة تلفظونها، حتى لا يؤاخذكم بها، ولا تكون سببا للطعن فيكم.
قلت: أنا لست جاهلا معاندا، ولا متعصبا جامدا، فإذا كانت في كلامي هفوات ومغالاة، فالواجب أن تنبهوني، فإن الإنسان في معرض السهو والنسيان، وأرجوكم أن تذكروا كل ما كان في نظركم غلوا أو كفرا أو خارجا عن ميزان العقل والمنطق.
الحافظ: إن الله تعالى خص نبيه محمدا (ص) بتحية الصلاة، والسلام في الآية الكريمة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (30) ولكن الشيعة كلهم ـ وحتى جنابكم في هذا المجلس ـ كلما ذكرتك أحد أئمتكم ألحقتم باسمه جملة (سلام الله عليه) أو (صلوات الله عليه) عوض أن تقولوا: (رضي الله عنه) فإنكم تشركون أئمتكم مع النبي في ما خصه الله تعالى من التحيات، فعملكم هذا بدعة وضلال وخلاف لنص القرآن الكريم.
قلت: إن الشيعة لم يخالفوا نصا في أي عمل من أعمالهم الدينية، ولكن أعداءهم كالخوارج والنواصب وبني أمية وأتباعهم في القرون الماضية افتروا عليهم، واعترضوا على بعض أعمالهم بأنها بدعة.
وعلماؤنا ردوا عليهم وأجابوهم بأدلة عقلية ونقلية أثبتوا بها أن الشيعة ليسوا أهل البدع والضلال، أجابوهم على الإشكال الذي أوردته بالتفصيل، ولكن رعاية للوقت، وإني أرى آثار التعب والنعاس تبدو على بعض الحاضرين، أجيبكم باختصار:
أولا: إن الله عز وجل في الآية الكريمة يأمر المؤمنين بالصلاة والسلام على النبي (ص) ولا ينهى عن الصلاة والسلام على غير النبي (ص).
ثانيا: كما أن الله تعالى قال في الآية الكريمة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) فقد قال في سورة الصافات (سلام على آل ياسين) (31).
والله عز وجل في تلك السورة أيضا سلم على أنبيائه بقوله( سلام على نوح في العالمين)(32) (سلام على إبراهيم)(33) (سلام على موسى وهارون)(34) ولم يسلم على آل أحد الأنبياء إلا آل ياسين، و (يس) أحد أسماء نبينا (ص)، لأن الله تعالى ذكر لنبيه الكريم في القرآن، الحكيم خمسة أسماء وهي: محمد وأحمد وعبدالله ونون ويس، فقال (يس * والقرآن الكريم * إنك لمن المرسلين) (35) يا: حرف نداء، و(س) اسم رسول الله (ص) وهو إشارة إلى تساوي ظاهره وباطنه.
النواب: ما هو سبب اختيار حرف (س) من بين الحروف؟!
قلت: لأن حرف الـ (س) في حروف التهجي هو وحده يكون عدد ظاهره وباطنه متساويين، فإن لكل حرف من حروف التهجي عند المتخصصين بعلم الحروف والأعداد زُبَر وبينة، وحين تطبيق عدد: زُبِر وبينة كل حرف يكون عددهما مختلفا، إلا حرف (س) فإن زبره يساوي بينته.
نواب: عفوا يا سيد، أرجو منك التوضيح بشكل نفهمه نحن العوام، ونحن لا نعرف معنى: الزبر والبينة، فنرجو توضيحا أكثر.
قلت: أوضح:
الزبر: هو اسم الحرف الذي يخط على القرطاس: (س) وهو حرف واحد، ولكن عند التلفظ يكون: ثلاثة حروف: س ي ن فكل ما زاد على الحرف وخطه في تلفظه يكون بينته، وعدد (س) عند العلماء: ستون وعدد (ي) عشرة، و(ن) خمسون، فيكون جمعهما ستون أيضا، فيتساوى عدد: (س) وعدد: (ين) وهذا هو الحرف الوحيد بين حروف التهجي يتساوى زبره وبينته.
ولذلك فإن الله تعالى خاطب نبيه قائلا: يس، الياء: حرف نداء، و (س): إشارة إلى اعتدال ظاهره وباطنه.
وكذلك في الآية المباركة قال: (سلام على آل ياسين).
الحافظ: إنكم تريدون بسحر كلامكم أن تثبتوا شيئا لم يقله أحد من العلماء!
قلت أرجوك أن لا تتسرع في نفي ما أقول، بل فكر وتدبر ولا تعجل، فإن العجلة ندامة، لأني أثبت كلامي استنادا إلى كتبكم وصحاحكم، وعندها تُحرج أمام الحاضرين وتخجل، وأنا لا أحب لك ذلك.
وإنكم إما غير مطلعين على كتبكم، أو مطلعين عليها ولكنكم تكتمون الحق!
أما نحن، فمطلعون على كتبكم وما فيها من الروايات والأحاديث الصحيحة والمدسوسة، فنأخذ الصحيحة ونترك غيرها.
وفي خصوص هذا الموضوع نعرف روايات وأحاديث معتبرة في كثير من كتبكم، منها: في كتاب (الصواعق المحرقة) الآية الثالثة في فضائل أهل البيت.
قال إن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس أنه قال: أن المراد بـ (سلام على آل ياسين) أي: سلام على أل محمد، قال وكذا قاله الكلبي.
ونقل ابن حجر أيضا عن الإمام الفخر الرازي أنه قال: إن أهل بيته (ص) يساوونه في خمسة أشياء:
1ـ في السلام، قال السلام عليك أيها النبي، وقال سلام على آل ياسين.
2ـ وفي الصلاة عليه وعليهم في التشهد.
3ـ وفي الطهارة، قال تعالى (طه)(36) أي: يا طاهر، وقال: ( ويطهركم تطهيرا)(37).
4ـ وفي تحريم الصدقة.
5ـ وفي المحبة، قال تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله)(38) وقال : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)(39).
وذكر السيد أبو بكر شهاب الدين في كتابه " رشفة الصادي... " في الباب الأول ص 24: عن جماعة من المفسرين رووا عن ابن عباس، والنقاش عن الكلبي: سلام على آل ياسين، أي: آل محمد.
ورواه أيضا في الباب الثاني: ص34.
وذكر الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير ج 7 ص 163 في تفسير الآية الكريمة: (سلام على آل ياسين) وجوها... الوجه الثاني: إن آل ياسين هم آل محمد(40).
فجواز الصلاة والتسليم على آل محمد، أمر متفق عليه بين الفريقين(41).

الصلاة والسلام على الآل السنة
روى البخاري في صحيحه ج 3.
ومسلم في صححه ج 1.
والعلامة القندوزي في ينابيع المودة ص 227 نقلا عن البخاري، وابن حجر في الصواعق المحرقة: في الباب الحادي عشر، الفصل الأول، الآية الثانية.
كلهم رووا عن كعب بن عجرة، قال لما نزلت هذه الآية، قلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟
فقال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى وآل محمد... إلى آخره.
قال ابن حجر: وفي رواية الحاكم، فقلنا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟
قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد... إلى آخره.
قال ابن حجر: فسؤالهم بعد نزول الآية: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وإجابتهم بـ: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد... إلى آخره، دليل ظاهر على أن الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الآية، ولم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دل على أن الصلاة عليهم من جملة المأمور به... إلى آخر كلامه في " الصواعق " فراجع.
وروى الإمام الفخر الرازي في ج6 من تفسيره الكبير ص 797: لما سأله الأصحاب: كيف نصلي عليك؟
قال (ص) قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وروى ابن حجر في الصواعق ص 87: قال (ص): لا تصلوا علي الصلاة البتراء.
فقالوا: وما الصلاة البتراء؟
قال (ص): تقولون: اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى لآل محمد(42).
قال: وقد أخرج الديلمي أنه (ص) قال: الدعاء محجوب حتى يصلي على محمد وأهل بيته، اللهم صل على محمد وآله.
ولابن حجر بحث مفصل ينقل آراء علمائكم وفقهائكم في وجوب الصلاة والسلام على آل محمد (ص) في التشهد في الصلوات اليومية، ثم يقول: وللشافعي رضي الله عنه:
يا أهل بيت رسول الله حبكمفرض من الله في القرآن أنزلهكفاكم من عظيم القدر أنكممن لم يصل عليكم لا صلاة له
وقد بحث الموضوع السيد أبو بكر بن شهاب الدين في كتابه رشفة الصادي، الباب الثاني: ص 29 ـ 35، ونقل دلائل في وجوب الصلاة والسلام على آل محمد في الصلاة اليومية عن النسائي والدار قطني وابن حجر والبهيقي وأبي بكر الطرطوسي وأبي اسحاق المروزي والسمهودي والنووي والشيخ سراج الدين القصيمي.
ونظرا لضيق الوقت ورعاية لحال الحاضرين أكتفي بهذا المقدار، أكتفي بهذا المقادير، وأترك الموضوع للعلماء الحاضرين حتى يفكروا ويراجعوا وجدانهم وضمائرهم، ثم يحكموا فيه وينصفوا. وبعد هذا كله ستصدقونني حتما وتقبلون بأن الصلاة والسلام على آل محمد ليست بدعة، وإنما هي عبادة وسنة أمر بها النبي الكريم (ص)، ولا ينكر هذا إلا الخوارج والنواصب المعاندون، خذلهم الله، حيث دلسوا على إخواننا العامة، وألبسوا عليهم الحق والحقيقة.
ومن الواضح أن الذين أمر النبي (ص) أن تقرن أسمائهم مع اسمه الشريف، ويصلي ويسلم عليهم في الصلوات اليومية مقدمون على غيرهم في الفضل والشرف.
ومن السفاهة والجهل والتعصب والعناد أن نرجح الآخرين عليهم.
والآن أشاهد آثار التعب والنعاس تبدوا على كثير من الإخوان، لذلك أنهي المجلس وأنتظر قدومكم في الليلة الآتية إن شاء الله.
فقام القوم وانصرفوا وشيعتهم إلى باب الدار.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:31 AM


المجلس الثالث
ليلة الأحد 25/ رجب / 1345 هجرية


حضر مجلس البحث الذي انعقد في أول الليل فضيلة الحافظ محمد رشيد مع ثلة من المشايخ والعلماء، وجمع كبير من أتباعهم، فلما استقر بهم المجلس وتناولوا الشاي والحلوى....
قال الحافظ: في الليلة البارحة لما ذهبت من هنا إلى البيت لمت نفسي كثيرا لعدم تحقيقي ومطالعتي حول المذاهب الأخرى وعقائدهم وأقوالهم، ولم اكتف بكتب مخالفيهم وبتعبيركم: المتعصبين على غيرهم!
وقد ظهر لنا ـ من جملة كلامكم ـ في الليلة الماضية: أن الشيعة يفترقون على مذاهب وطرق شتى، فأي مذهب على حق عندكم؟ بينوه حتى نعرف على أي مذهب نحاوركم، ونكون على بينة من الأمر في هذا التفاهم الديني والحوار المذهبي!
قلت: إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب، وإنما الشيعة مذهب واحد، وهم المطيعون لله وللرسول محمد (ص) والأئمة الاثني عشر (ع).
ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواع دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة، وتبعهم كثير من الجهال فاعتقدوا بأباطيلهم وكفرياتهم، وحسبهم الجاهلون الغافلون بأنهم من الشيعة، ونشروا كتبا على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمد لأغراض سياسية ودنيوية، فهي أربع مذاهب أولية، وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان، تشعبت منها مذاهب أخرى.
والمذاهب الأربعة هي: الزيدية، الكيسانية، القداحية، الغلاة.

مذهب الزيدية
وبعد وفاة علي بن الحسين (ع) ساق جماعة من الشيعة الإمامة إلى ابنه زيد وعرف هؤلاء بالزيدية وهم الذين (ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم) إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماما واجب الطاعة سواءً كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين(1).
ولما كان زيد الشهيد (ع) كذلك، اتخذوه إماما بعد أبيه فقد خرج ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدفع الظلم عن نفسه وعن المؤمنين، وكان سيدا شريفا، وعالما تقيا، وشجاعا سخيا وقد أخبر رسول الله (ص) عن شهادته، فقد روى الإمام الحسين (ع) أن رسول الله (ص) وضع يده على ظهري وقال: يا حسين سيخرج من صلبك رجل يقال له زيد يقتل شهيدا، فإذا كان يوم القيامة يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخلون الجنة.
وقال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) للمأمون وهو يحدثه عن زيد بن علي الشهيد أنه كان من علماء آل محمد غضب في الله فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول: رحم الله عمي زيدا إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفّى لله، ومن ذلك أنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد(2).
روى الخزاز(3) في حديث طويل عن محمد بن بكير قال: دخلت على زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعنده صالح بن بشر فسلمت عليه وهو يريد الخروج إلى العراق فقلت له: يا ابن رسول الله... هل عهد إليكم رسول الله (ص) متى يقوم قائمكم؟ قال: يا ابن بكير، إنك لن تلحقه، وأن هذا الأمر تليه ستة من الأوصياء بعد هذا (ويعني الإمام الباقر) ثم يجعل الله خروج قائمنا، فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما.
فقلت يا ابن رسول الله ألست صاحب هذا الأمر؟
فقال: أنا من العترة، فعدت فعاد إلي، فقلت: هذا الذي تقول عنك أو عن رسول الله (ص)؟
فقال: لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير، لا ولكن عهد عهده إلينا رسول الله (ص).

الكيسانية
وهم أصحاب كيسان وكان عبدا اشتراه الإمام علي (ع) فأعتقه، ويقولون بإمامة محمد بن الحنفية بعد إمامة الحسن المجتبى والحسين سيد الشهداء (ع)، ولكن محمدا لم يدع الإمامة أبدا وهو عندنا سيد التابعين، ويعرف بالعلم والزهد والورع والإطاعة للإمام السجاد (ع) زين العابدين.
نعم، نقل بعض المؤرخين بعض الاختلافات بينهما، وقد اتخذ الكيساني تلك الاختلافات دليلا على ادعاء محمد بن الحنفية لمقام الإمامة.
ولكن الحقيقة أنه أراد أن يوجه أصحابه إلى عدم صلاحيته لذلك المقام الرفيع، فكان في الملأ العام يخالف رأي الإمام زين العابدين عليه السلام، وكان الإمام عليه السلام يجيبه جوابا مقنعا فيفحمه، فكان محمد يسلم للإمام ويطيعه ، وأخيرا تحاكما عند الحجر الأسود في أمر الإمامة وأقر الحجر بإمامة علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليه السلام، فبايع محمد بن الحنفية ابن أخيه الإمام السجاد، وتبعه أصحابه وعلى رأسهم أبو خالد الكابلي، فبايعوا إلا قليل منهم بقوا على عقيدتهم الباطلة بحجة أن اعتراف محمد بإمامة زين العابدين عليه السلام حدث لمصلحة لا نعرفها!!
ومن بعد موته، قالوا بأنه لم يمت! وإنما غاب في شعب جبل رضوى ، وهو الغائب المنتظر الذي أخبر عنه رسول الله (ص) وسيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا.
وقد انقسموا على أربع فرق: المختارية، الكربية، الإسحاقية، الحربية، وكلهم انقرضوا ولا نعرف اليوم أحدا يعتقد بمذهبهم.

القداحية
وهم قوم باطنيون يتظاهرون بالتمسك ببعض عقائد الشيعة ويبطنون الكفر والزندقة والإلحاد!!
ومؤسس هذا المذهب الباطل هو: ميمون بن سالم، او ديصان، وكان يعرف ويلقب بقداح، وكان ابتداء هذا المذهب في مصر، وهم فتحوا باب تأويل القرآن والأحاديث حسب رأيهم كيفما شاءوا، وجعلوا للشريعة المقدسة ظاهرا وباطنا وقالوا: إن الله تعالى علّم باطن الشريعة لنبيه، وهو علّمه عليا، وعلي عليه السلام علم أبناءه، وشيعته المخلصين.
وقالوا: بأن الذين عرفوا باطن الشريعة، تحرروا وخلصوا من الطاعة والعبودية الظاهرية!!
وقد بنوا مذهبهم على سبعة أسس، واعتقدوا بسبعة أنبياء وسبعة أئمة، فقالوا في الإمام السابع، وهو موسى بن جعفر عليه السلام: بأنه غاب ولم يمت ، وسيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا!! وهم فرقتان:
1ـ الناصرية: أي: أصحاب ناصر خسرو العلوي، الذي تمكن بقلمه وشعره أن يدفع كثيرا من الغافلين في هوة الكفر والإلحاد، وكان له أتباع في طبرستان.
2ـ الصبّاحيّة: وهم أصحاب حسن الصباح، وهو من أهل مصر، ثم هاجر إلى إيران ونشر دعوته في نواحي قزوين، وكانت واقعة قلعة " الموت " بسببه، والتي قتل فيها كثير من الناس، والتاريخ يذكرها بالتفصيل ولا مجال لذكرها.

الغلاة
وهم أخس الفرق المنسوبة إلى التشيع، وهم سبع فرق كلهم ملحدون: السّبئية، المنصورية، الغرابية، البزيغية، اليعقوبية، الإسماعيلية، الدرزية.
ولا مجال لشرح أحوالهم وعقائدهم، وإنما أشرت إليهم وذكرتهم لأقول: نحن الشيعة الإمامية الإثنا عشرية نبرأ من هذه الطوائف والفرق والمذاهب الباطلة ونحكم عليهم بالكفر والنجاسة، ووجوب الاجتناب عنهم.
هذا حكم أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين نقتدي بهم، وقد ذكرت لكم بعض الروايات عن أئمتنا عليهم السلام في حق أولئك الزنادقة الملحدين ـ في الليلة الماضية ـ.
ومع الأسف أن نرى كثيرا من أصحاب القلم لم يفرقوا بين الشيعة الإمامية الجعفرية وبين هذه الفرق المنتسبة للشيعة، مع العلم أن عددنا يربو على أتباع هذه المذاهب الباطلة بأضعاف مضاعفة، وهم نسبة ضئيلة جدا، وعددنا نحن اليوم أكثر من مائة مليون، وأصحابنا موجودون في كل بلاد العالم، ونعلن براءتنا من هذه العقائد الفاسدة والمذاهب الباطلة التي تنسب إلى الشيعة.

خلاصة عقائدنا
والآن أذكر لكم أصول عقائد الشيعة الإمامية الاثنى عشرية باختصار ، وأرجو أن لا تنسبوا إلينا غير ما أبينه لكم.
نعتقد: بوجود الله سبحانه وتعالى، الواجب الوجود، الواحد الأحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، ليس له شبيه ولا نظير ، ولا جسم ولا صورة، لا يحل في جسم، ولا يحدد بمكان ليس بعرض ولا جوهر، بل هو خالق العرض والجوهر وخالق كل شيء، منزه عن جميع الصفات التي تشبهه بالممكنات، ليس له شريك في الخلق وهو الغني المطلق، والكل محتاج إليه على الإطلاق.
أرسل رسله إلى الخلق واصطفاهم من الناس واختارهم فبعثهم إليهم بآياته وأحكامه ليعرفوه ويعبدوه، فجاء كل رسول من عند الله سبحانه ما يقتضيه الحال ويحتاجه الناس، وعدد الأنبياء كثير جدا إلا أن أصحاب الشرائع خمسة، وهم أولو العزم:
1ـ نوح، نجي الله 2ـ إبراهيم، خليل الله 3ـ موسى، كليم الله 4ـ عيسى، روح الله 5ـ محمد، حبيب الله، صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.
وإن سيدهم وخاتمهم هو: نبينا محمد المصطفى (ص)، الذي جاء بالإسلام الحنيف وارتضاه الله تعالى لعباده دينا إلى يوم القيامة.
فحلال محمد (ص) حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
والناس مجزون بأعمالهم يوم الحساب، فالدنيا مزرعة الآخرة، فيحيي الله الخلائق بقدرته، ويرد الأرواح إلى الأجساد، ويحاسبهم على أقوالهم وأفعالهم (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (4).
ونعتقد: بالقرآن الحكيم كتابا، أنزله الله تبارك وتعالى على رسوله الكريم محمد (ص)، وهو الذي بين أيدي المسلمين، لم يحرف ولم يغير منه حتى حرف واحد، فيجب علينا أن نلتزم به ونعمل بما فيه من الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج والجهاد في سبيل الله.
ونلتزم بكل ما أمر به الرب الجليل، وبكل الواجبات والنوافل التي بلغها النبي (ص) ووصلتنا عن طريقه.
ونمتنع عن ارتكاب المعاصي، صغيرة أو كبيرة، كشرب الخمر ولعب القمار والزنا واللواط والربا وقتل النفس المحترمة والظلم والسرقة، وغيرها مما نهى الله ورسوله عنها.
ونعتقد: أن الله عز وجل هو وحده يبعث الرسل وينزل عليهم الكتاب والشريعة، ولا يحق لقوم أن يتخذوا لأنفسهم دينا ونبيا غير مبعوث من عند الله تعالى ، وكذلك هو وحده الذي ينتخب ويختار خلفاء رسوله بالنص، والرسول يعرفهم للأمة.
وكما أن جميع الأنبياء عرفوا أوصياءهم وخلفاءهم لأممهم كذلك خاتم الأنبياء محمد (ص) لم يترك الأمة من غير هاد وبلا قائد مرشد من بعده، بل نصب عليا وليا مرشدا، وعلما هاديا، وإماما لأمته، وخليفة من بعده في نشر دينه وحفظ شريعته.
وقد نص النبي (ص) ـ كما في كتبكم أيضا ـ أن خلفاءه من بعده اثنا عشر، عرفهم بأسمائهم وألقابهم، أولهم سيد الأوصياء علي بن أبى طالب عليه السلام، وبعده ابنه الحسن المجتبى، ثم الحسين سيد الشهداء ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه محمد باقر العلوم، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن العسكري، ثم ابنه محمد المهدي، وهو الحجة القائم المنتظر، الذي غاب عن الأنظار، وسوف يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وقد تواترت الأخبار في كتبكم وعن طرقكم أيضا، أن النبي (ص) أخبر بظهور المهدي صاحب الزمان، وهو المصلح العالمي الذي ينتظره جميع أهل العالم، ليمحو الظلم والجور ويقيم العدل والقسط على وجه البسيطة.
وبكلمة واحدة أقول: نحن نعتقد بجميع الأحكام الخمسة ـ من الحلال والحرام والمستحب والمكروه والمباح ـ التي أشار إليها القرآن الكريم، أو جاءت في الروايات والأخبار الصحيحة المعتبرة التي وصلتنا عن النبي الأكرم (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
وأنا أشكر الله ربي إذ وفقني لأعتقد بكل ذلك عن تحقيق ودراسة وعلم واستدلال، لا عن تقليد الآباء والأمهات، ولذا فإني أفتخر بهذا الدين والمذهب الذي أتمسك به، وأعلن أني مستعد لأناقش على كل صغيرة وكبيرة من عقائدي، وبحول الله وقوته أثبت حقانيتها.
(الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) (5).
ارتفع صوت المؤذن لصلاة العشاء، وبعد الفراغ من الصلاة شربوا الشاي وتناولوا شيئا من الحلوى، ثم افتتح الحافظ كلامه قائلا:
نشكركم على التوضيح عن فرق الشيعة، ولكن نرى في الأخبار والأدعية المروية في كتبكم وعبارات ظاهرها يدل على الكفر!
قلت: أرجو أن تذكروا عبارة واحدة من تلك العبارات حتى نعرف.
الحافظ: إني طالعت أخبارا كثيرة في كتبكم بهذا المعنى ولكن الذي أذكره الآن ويجول في خاطري، عبارة، في " تفسير الصافي " (6) للفيض الكاشاني الذي هو أحد كبار علمائكم فقد روى: أن الحسين شهيد الطف وقف يوما بين أصحابه فقال : أيها الناس! إن الله تعالى جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه.
قال رجل من أصحابه: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله (ص) فما معرفة الله؟
قال (ص): معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته.
قلت: أولا: يجب أن ننظر إلى سند الرواية، هل كان صحيحا أو موثقا، قويا أو ضعيفا، معتبرا أو مردودا.
ثم على فرض صحة السند فهو خبر واحد، فلا يجوز الاستناد عليه والالتزام به، فمثل هذا الخبر يلغى عندنا لمناقضته للآيات القرآنية والروايات الصريحة المروية عن أهل البيت عليهم السلام في التوحيد(7).
ومن أراد أن يعرف نظر الشيعة في التوحيد فليراجع خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في)نهج البلاغة) حول التوحيد وليراجع مناظرات أئمتنا عليهم السلام ومناقشاتهم مع الماديين والدهريين المنكرين لوجود الله عز وجل، لتعرفوا كيف ردوا شبهاتهم، وأثبتوا وجود الخالق وتوحيده على أحسن وجه.
راجعوا كتاب توحيد المفضل، وتوحيد الصدوق، وكتاب التوحيد من موسوعة " بحار الأنوار " للعلامة المجلسي قدس الله أسرارهم.
وطالعوا بدقة كتاب النكت العقائدية، والمقالات في المذاهب والمختارات، وهما من تصانيف محمد بن محمد بن نعمان، المعروف بالشيخ المفيد طاب ثراه، وهو من أكبر علمائنا في القرن الرابع الهجري.
طالعوا بإمعان كتاب) الاحتجاج) للشيخ الجليل أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي رحمه الله.
راجعوا هذه الكتب القيمة حتى تعرفوا كلام أئمة الشيعة وعلمائهم في التوحيد.
ولكنكم لا تريدون معرفة الحقيقة والواقع! وإنما تبحثون في كتبنا لتجدوا أخبارا متشابهة فتتحاملون بها علينا، وتهرجون بها ضدنا.
أتبصر في العين مني القذىوفي عينك الجذع لا تـــبصر
فكأنكم لم تطالعوا كتبكم وصحاحكم فتجدوا فيها الأخبار الخرافية والموهومات، بل الكفريات التي تضحك الثكلى ويأباها العقل السليم، فلو تقرأها بإمعان لما رفعت رأسك خجلا، ولم تنظر في وجوه الحاضرين حياء!!
الحافظ: إن المضحك المخجل هو كلامكم في تخطئة الكتب العظيمة التي لم يصنف ولم يؤلف مثلها في الإسلام، خصوصا صحيح البخاري وصحيح مسلم اللذان أجمع علماء الإسلام على صحتهما، وأن الأحاديث المروية فيها صادرة عن النبي (ص) قطعا، ولو أن أحدا أنكر الصحيحين أو خطّأ بعض الأحاديث المروية فيهما فإنه ينكر وينفي مذهب السنة والجماعة، لأن مدار عقائد أهل السنة وفقههم بعد القرآن يكون على هذين الكتابين.
كما كتب ابن حجر المكي، وهو من كبار علماء الإسلام وإمام الحرمين، في كتابه " الصواعق المحرقة ": فصل في بيان كيفيتها ـ أي: كيفية خلافة أبي بكر ـ روى الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب بعد القرآن ، بإجماع يعتد به: فلذلك من البديهي أن الأخبار المندرجة في الصحيحين كلها قطعية الصدور عن النبي (ص)، لأن الأمة أجمعت على قبولهما، وكل ما أجمعت الأمة على قبوله فهو مقطوع به، فكل ما في الصحيحين مقطوع بصحته!!
على هذا، كيف يتجرأ أحد أن يقول: توجد في الصحيحين خرافات وكفريات وموهومات؟!

رد الإجماع المزعوم
قلت: نحن نورد إشكالا علميا على الإجماع الذي تدعونه على صحة ما في الصحيحين وإسناد ما فيها إلى النبي (ص)! فقد ناقش كثير من علمائكم روايات الصحيحين ورفضوا كثيرا منها، أضف على أولئك جميع الشيعة، وهم أكثر من مائة مليون مسلم في العالم.
فإن إجماعكم هذا مثل الإجماع الذي زعمتم في الخلافة بعد النبي (ص)!!
فإن كثيرا من علمائكم الكبار، مثل: الدارقطني وابن حجر وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في (إرشاد الساري) والعلامة أبي الفضل جعفر بن ثعلب الشافعي في كتاب (الامتناع في أحكام السماع) والشيخ عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي في (الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية) وشيخ الإسلام أبو زكريا النووي في شرح صحيح مسلم، وشمس الدين العلقمي في (الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير) وابن القيم في كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) وأكثر علماء الحنفية انتقدوا كثيرا من الأحاديث المدرجة في الصحيحين وقالوا: إنها من الروايات الضعاف وهي غير صحيحة.
وبعض المحققين من علمائكم مثل كمال الدين جعفر بن ثعلب بالغ في بيان فضائح بعض الروايات من الصحيحين، وأقام الأدلة العقلية والنقلية على خلافها.
فلسنا وحدنا المنتقدين لصحيحي مسلم والبخاري والقائلين بوجود الخرافات فيهما حتى تهرج ضدنا!
الحافظ: بينوا لنا من خرافات الصحيحين كما تزعمون حتى نترك التحكيم في ذلك للحاضرين.
قلت: أنا لا أحب أن أخوض في هذا البحث، ولكن تلبية لطلبكم، ولكي تعرفوا أني لا أتكلم إلا عن علم وإنصاف، وعن وجدان وبرهان، اذكر بعض تلك الروايات باختصار:

رؤية الله سبحانه عند أهل السنة
إذا أردتم الاطلاع على الأخبار التي تتضمن الكفر في الحلول والاتحاد وتجسم الله سبحانه ورؤيته في الدنيا أو في الآخرة على اختلاف عقائدكم، فراجعوا: صحيح البخاري ج 1، باب فضل السجود من كتاب الصلاة، وج 4 باب الصراط من كتاب الرقاق، وصحيح مسلم ج1، باب إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، ومسند أحمد ج2 ص 275، وأنقل لكم نموذجين من تلك الأخبار الكفرية:
1ـ عن أبي هريرة: إن النار تزفر و تتقيظ شديدا، فلا تسكن حتى يضع الرب قدمه فيها، فتقول: قطّ قطّ، حسبي حسبي.
وعنه: إن جماعة سألوا رسول الله (ص): هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
قال (ص): نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب... إلى آخرها.
بالله عليكم أنصفوا! أما تكون هذه الكلمات كفرا بالله سبحانه وتعالى.
وقد فتح مسلم بابا في صحيحه كما مر ونقل أخبار عن أبي هريرة وزيد بن أسلم وسويد بن سعيد وغيرهم في رؤية الله تبارك وتعالى.
وقد رد هذه الأخبار كثير من كبار علمائكم وعدوها من الموضوعات والأكاذيب على النبي (ص)، منهم الذهبي في " ميزان الاعتدال " والسيوطي في " اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " وسبط ابن الجوزي في " الموضوعات " فهؤلاء كلهم أثبتوا ـ بأدلة ذكروها ـ كذب تلك الأخبار وعدم صحتها.
وإذا لم تكن هناك أدلة على بطلانها سوى الآيات القرآنية الصريحة في دلالتها على عدم جواز رؤية الباري عز وجل لكفى، مثل: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)(8).
وفي قصة موسى بن عمران (ع) وقومه إذ طلبوا منه رؤية الله تعالى وهو يقول لهم: لا يجوز لكم هذا الطلب، ولكنهم أصروا فقال: (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني)(9) و (لن) تأتي في النفي الأبدي.
قال السيد عبد الحي ـ وهو إمام جماعة المسجد ـ: ألم ترووا عن علي كرم الله وجهه أنه قال: لم أكن أعبد ربا لم أره؟!
قلت: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء، إنك ذكرت شطرا من الخبر ولكني أذكر لك الخبر كله حتى تأخذ الجواب من نص الخبر:
روى ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني قدس سره(10) في كتاب الكافي كتاب التوحيد باب إبطال الرؤية وروى أيضا الشيخ الكبير حجة الإسلام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق طاب ثراه(11) في كتاب التوحيد باب إبطال العقيدة رؤية الله تعالى، رويا عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال: جاء حَبْرٌ إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟
فقال (ع): ويلك! ما كنت أعبد ربا لم أره.
قال: وكيف رأيته.
قال (ع): ويلك! لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.
فكلام أمير المؤمنين (ع) صريح في نفي رؤيته سبحانه بالبصر، بل يدرك بالبصيرة وبنور الإيمان.
وعندنا دلائل عقلية ونقلية أقامها علماؤنا في الموضوع، وتبعهم بعض علمائكم، مثل: القاضي البيضاوي، وجار الله الزمخشري في تفسيريهما، أثبتا أن رؤية الله سبحانه لا تمكن عقلا.
فمن يعتقد برؤية الله سواء في الدنيا أو في الآخرة، يلزم أن يعتقد بجسميته عز وجل، وبأنه محاط ومظروف، ويلزم أن يكون مادة حتى يرى بالعين المجردة، وهذا كفر كما صرح العلماء الكرام من الفرقين!!

الأخبار الخرافية في الصحيحين
ثم أني أعجب كثيرا من اعتقادكم بالصحاح الستة، وبالأخص صحيحي البخاري ومسلم على أنهما كالوحي المنزل، فلو نظرتم فيهما بعين التحقيق والنقد، لا بعين القبول والتسليم، لاعتقدتم بكلامي، ولقبلتم أن صحاحكم، وحتى صحيحي مسلم والبخاري لا تخلو من الخرافات والموهومات، وإليكم بعضها:
1ـ أخرج البخاري في كتاب الغسل، باب من اغتسل عريانا، وأخرج مسلم في ج2 باب فضائل موسى، وأخرج أحمد في مسنده ج2 ص 315 عن أبي هريرة قال: كانوا بنوا إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر ـ أي ذو أدرة، وهي: الفتق ـ.
قال فذهب مرة ليغتسل فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر، بثوبه، فجعل موسى يجري بأثره ويقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة موسى!!! فقالوا: والله ما بموسى من بأس، فقام الحجر بعد حتى نظر إليه، فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر ضربا!! فوالله إن بالحجر ندبا ستة أو سبعة!!
بالله عليكم أنصفوا.. هل يرضى أحدكم أن تنسب إليه هذه النسبة الموهنة الشنيعة؟! التي لو نسبت إلى سوقيّ عاميّ لغضب واستشاط! فكيف بنبي صاحب كتاب وشريعة، وصاحب حكم ونظام، يخرج في أمته وشعبه عريانا وهم يمنعون النظر إلى سوأته هل العقل يقبل هذا؟!
وهل من المعقول أن الحجر يسرق ملابس موسى ويفر بها وموسى يركض خلفه، والحجر يمر من فوق يده وموسى ينادي الحجر، والحجر أصم لا يسمع ولا يبصر؟!!
وهل من المعقول أن موسى بن عمران يقوم بعمل جنوني فيضرب الحجر ضربا مبرحا حتى يئن الحجر؟!!
ليت شعري أبيده كان يضرب الحجر ؟! فهو المتألم لا الحجر!!
أم كان يضربه بالسيف، فالسيف ينبو وينكسر!
أم كان الضرب بالسوط، فالسوط يتقطع!
فما تأثير الضرب بأي شكل كان، على الحجر؟!
فكل ما في الحديث من المحال الممتنع عقلا، وهو من الأحاديث المضحكة التي من التزم بها فقد استهزأ بالله ورسله!!
قال السيد عبد الحي: هل حركة الحجر أهم أم انقلاب عصا موسى إلى ثعبان وحية تسعى؟!! أتنكرون معاجز موسى بن عمران فقد نطق بها القرآن؟!
قلت نحن لا ننكر معاجز موسى ومعاجز سائر الأنبياء (ع)، بل نؤمن بصدور المعاجز من الأنبياء ولكن في محلها، وهو مقام تحديهم الخصوم في إحقاق الحق ودحض الباطل. وموضوع الحجر في غير محل الإعجاز، فأي إحقاق حق ودحض باطل في التشهير بكليم، وإبداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه؟! بل هو تنقيص من مقامه! ولا سيما وهم يشاهدونه يركض وراء حجر لا يسمع فيناديه: ثوبي حجر!!، أو يشتد ويغضب على حجر لا يشعر ولا يدرك فينهال عليه ضربا!!
السيد عبد الحي: أي حق أعلى من إبراء نبي الله؟! فالناس عرفوا بذلك أن ليس فيه فتق!
قلت: على فرض أن موسى كان ذا أدرة، فما تأثير هذا المرض على مقامه ونبوته؟!
صحيح أن الأنبياء يجب أن يكونوا براء من النواقص مثل: العمى والصمم والحول، وأن النبي لا يولد فلجا أو مشلولا أو به زيادة أو نقيصة في أحد أعضائه، أما الأمراض العارضة على البشر فلا تعد نواقص، فإن يعقوب بكى حزنا لفراق يوسف حتى ابيضت عيناه، وإن أيوب أصيب بقروح في بدنه، والنبي الأكرم وهو سيد الأولين والآخرين، كسرت ثناياه في جهاده مع الأعداء في أحد، فهذه الأشياء لا تنقص شيئا من شأن الأنبياء ولا تنزل من مقامهم وقدرهم.
والفتق مرض عارض على جسم الإنسان، فما هي أهميته حتى يبرئ الله عز وجل كليمه بهذا الشكل الفظيع المهين. عن طريق خرق العادة والمعجزة، ثم تنتهي بهتك حرمة النبي وكشف سوأته أمام بني إسرائيل؟! وهل بعده يبقى شأن وقدر لموسى عند قومه؟! وهل بعد ذلك سيطيعوه ويحترموه؟!!
وهل يقتنع السيد عبد الحي ويقر بوجود أخبار خرافية في الصحيحين ،أنقل رواية أخرى عن أبي هريرة مضحكة أيضا، ولا أظن أحدا من الحاضرين ـ بعد استماع هذه الرواية ـ سيدافع عن أبي هريرة، أو يعتقد بصحة روايات البخاري ومسلم!
نقل البخاري في ج1، باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة، وج2، باب وفاة موسى، ونقل مسلم في ج2 باب فضائل موسى عن أبي هريرة، قال: جاء ملك الموت إلى موسى (ع)، فقال له أجب ربك.
قال أبو هريرة: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها!!
فرجع الملك إلى الله تعالى، فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت ففقأ عيني!
قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة ترد؟! فان كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت بيدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص 315، عن أبي هريرة، ولفظه: إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا، فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه.
وأخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه ج1، في ذكر وفاة موسى ولفظه : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا أتى موسى فلطمه ففقأ عينه ـ إلى أن قال: ـ إن ملك الموت إنما جاء إلى الناس خفيا بعد موت موسى!
وقد علقت فقلت لأنه يخاف من الجهال أن يفقئوا عينه الأخرى.
فضحك جمع من الحاضرين بصوت عال.
قلت بالله عليكم أنصفوا... ألم يكن هذا الخبر الذي أضحككم من الخرافات والخزعبلات؟! وإني أتعجب من رواة هذا الخبر وناقله!!
وأستغرب منكم إذ تصدقون هذا الخبر وأشباهه، ولا تسمحون لأحد أن يناقشها وينتقدها، حتى لعلمائكم!!
فإن في هذه الرواية ما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته!!
أيليق بالله العظيم أن يصطفي من عباده، جاهلا خشنا يبطش بملك من الملائكة المقربين وهو مبعوث من عند الله تعالى، فيلطمه لطمة يفقأ بها عينه؟!
أليس هذا العمل عمل المتمردين والطاغين الذين يذمهم الله العزيز إذ يقول: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين)(12) ؟!
فكيف يجوز هذا على من اختاره الله الحكيم لرسالته، واصطفاه لوحيه، وآثره بمناجاته، وكلمه تكليما(13) وجعله من أولي العزم؟!
وكيف يكره الموت هذه الكراهة الحمقاء فيلطم ملك الموت وهو مأمور من قبل الله تعالى، تلك اللطمة النكراء فيفقأ بها عينه مع شرف مقامه ورغبته في القرب من الله تعالى والفوز بلقائه عز وجل؟!
وما ذنب ملك الموت؟! هل هو إلا رسول الله إلى موسى؟! فبم استحق الضرب بحيث تفقأ عينه؟! وهل جاء إلا عن الله وهل قال لموسى سوى: أجب ربك؟!
أيجوز على أولي العزم من الرسل إيذاء الكروبيين من الملائكة وضربهم حينما يبلغونهم رسالة ربهم وأوامره عز وجل؟!
تعالى الله، وجلت أنبياؤه وملائكته عن كل ذلك وعما يقول المخرفون.
إن هكذا ظلم فاحش لا يصدر من آدمي جاهل فكيف بكليم الله!
ثم إن الهدف والغرض من بعثة الأنبياء وإرسال الرسل: هداية البشر وإصلاحهم، ومنعهم من الفساد والتعدي والوحشية، فلذلك فإن الله سبحانه وكل أنبيائه ورسله منعوا الإنسان من الظلم حتى بالنسبة للحيوان، فكيف بالنسبة لملك مقرب؟!
فلذا نحن نعتقد ونجزم بأن هذا الخبر افتراء على الله وكليمه، وجاعل هذا الخبر كذاب مفتر يريد الحط من شأن النبي موسى ويريد هتك حرمة الأنبياء وتحقيرهم عند الناس.
أنا لا أتعجب من أبي هريرة وأمثاله، لأنه كما كتب بعض علمائكم أنه كان يجلس على مائدة معاوية ويتناول الأطعمة الدسمة اللذيذة، ويجعل الروايات ويضعها على ما يشاء معاوية وأشباهه.
وقد جلده عمر بن الخطاب لكذبه على النبي (ص) وجعل الأحاديث عنه (ص)، فضربه بالسوط حتى أدمى ظهره!!!
ولكن أستغرب وأتعجب من الذين له مرتبة علمية بحيث لو أمعنوا ودققوا النظر لميزوا بين الصحيح والسقيم، ولكنهم أغمضوا.. أعينهم ونقلوا هذه الأخبار الوراثية في كتبهم، وأخذ الآخرون عنهم ونشروها فيكم، حتى أن جناب الحافظ رشيد يعتقد كما يزعم: أن هذه الكتب أصح الكتب بعد كلام الله المجيد، وهو لم يطالعها بدقة علمية، وإلا لما كان يبقى على الاعتقاد الذي ورثه من أسلافه عن تقليد أعمى.
وما دامت هذه الأخبار الخرافية توجد في صحاحكم وكتبكم فلا يحق لكم أن تثيروا أي إشكال على كتب الشيعة لوجود الأخبار الغريبة فيها، وهي غالبا قابلة للتأويل والتوجيه!

نرجع إلى الخبر المروي عن إمامنا الحسين عليه السلام(14)
كل عالم منصف إذا كان يسلك طريق الإصلاح، إذا وجد هكذا خبر مبهم ـ وما أكثرها في كتبكم وكتبنا ـ إن كان يمكنه أن يؤوله بالأخبار الصريحة الأخرى فليفعل، وإذا لم يكن ذلك فليطرحه ويسكت عنه، لا أنه يتخذ وسيلة لتكفير طائفة كبيرة من المسلمين.
والآن لما لم يوجد تفسير الصافي عندنا في المجلس حتى تراجع سند الخبر وندقق فيه النظر، ولربما شرحه المؤلف بشكل مقبول.
إذ لو عرف المسلم إمام زمانه فقد توصل عن طريقه إلى معرفة ربه كالخبر المشهور: من عرف نفسه فقد عرف ربه عز وجل.
أو نقول في تقريب الخبر إلى أذهان الحاضرين: إننا لو تصورنا أستاذا تخرج على يده جمع من العلماء، في مراتب مختلفة ممن العلم، فإذا أراد أحد أن يعرف مدى عظمة ذلك الأستاذ، يجب عليه أن ينظر إلى أعظم تلامذته وأعلاهم مرتبة حتى يصل من خلاله إلى حقيقة الأستاذ وعظمته العلمية.
كذلك في ما نحن فيه: فإن آيات الله كثيرة، بل كل شيء هو آية الله تعالى، إلا أن النبي (ص) هو الآية العظمى والحجة الكبرى، ومن بعده عترته الأبرار الأئمة الأطهار (ع)، فإنهم محال معرفة الله.
وقد ورد عنهم: بنا عرف الله، وبنا عبد الله، أي: بسببنا وبواسطتنا عرف الله، وبعدما عرفوه عبدوه.
فهم الطريق إلى الله، والأدلاء على الله، ومن تمسك بغيرهم فقد ضل ومن يهتد، ولذا جاء في الحديث المتفق عليه بين الفرقين، والخبر المقبول الصحيح عند الجميع، أن رسول الله (ص) قال: " أيها الناس! إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وهم لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (15).
الحافظ: لا ينحصر الدليل على كفركم وشكركم في هذه الرواية حتى تؤولها وتخلص منها، بل في كل الأدعية الواردة في كتبكم نجد أثر الكفر والشرك، من قبيل: طلب حاجاتكم من أئمتكم من غير أن تتوجهوا إلى الله رب العالمين، وهذا أكبر دليل على الكفر والشرك!!


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:33 AM


قلت: ما كنت أظنك أن تتبع أسلافك إلى هذا الحد، فتغمض عينيك، وتتكلم من غير تحقيق بكل ما تكلموا، فإن هذا الكلام في غاية السخافة، وبعيد عن الإنصاف والحقيقة، فإما انك لا تدري ما تقول أو انك لا تعرف معنى الكفر والشرك!!
الحافظ: إن كلامي في غاية الوضوح، ولا أظنه يحتاج إلى توضيح، فأنه من البديهة أن من أقر بوجود الله عز وجل واعتقد انه هو الخالق والرازق، وأن لا مؤثر في الوجود إلا هو، لا يتوجه إلى غيره في طلب حاجة، وإذا توجه فقد أشرك بالله العظيم.
والشيعة كما نشاهدهم ونقرأ كتبهم لا يتوجهون إلى الله أبدا، بل دائما حوائجهم من أئمتهم بغير أن يذكروا الله، حتى نشاهد فقرائهم والسائلين الناس في الأسواق ذكرهم: يا علي ويا حسين، ولم أسمع من أحدهم حتى مرة يقول: يا الله!! وهكذا كله دليل على أن الشيعة مشركون، فانهم لا يذكرون الله تعالى عند حوائجهم ولا يطلبون منه قضاءها وإنما يذكرون غير الله ويطلبون حوائجهم من غيره سبحانه!!
قلت: لا أدري.. هل أنت جاهل بالحقيقة ولا تعرف مذهب الشيعة؟!
أم إنك تعرف وتحرف، وتسلك طريق اللجاج والعناد؟!
لكن أرجو أن لا تكون كذلك، فإن من شرائط العالم العامل: الإنصاف.
وفي الحديث الشريف: إن العالم بلا عمل كشجرة بلا ثمر.
ولما نسبت إلينا الشرك في حديثك كرارا والعياذ بالله! وأردت بهذه الدلائل العامية التافهة أن تثبت كلامك السخيف الواهي، وتكفر الشيعة الموحدين المخلصين في توحيد الله عز وجل غاية الخلوص، والمؤمنين بما جاء به خاتم الأنبياء (ص) فإذا كان هذا التكرار والإصرار في تكفيرنا بحضورنا فكيف هو في غيابنا؟!
واعلم أن أعداء الإسلام الذين يريدون تضعيف المسلمين وتفريقهم حتى يستولوا على ثرواتهم الطبيعية ويغصبوا أراضيهم، فهم فرحون بكلامهم هذا، ويتخذوه وسيلة لضرب المسلمين بعضهم ببعض، كما أنني أجد الآن في هذا المجلس بعض العوام الحاضرين من أتباعكم قد تأثروا بكلامكم، فبدأوا ينظرون إلينا شزرا، حاقدين علينا باعتقادهم أننا كفار فيجب قتلنا ونهب أموالنا!!!
وفي الجانب الآخر، أنظر إلى الشيعة الجالسين، وقد ظهرت على وجوههم علائم الغضب، وهم غير راضين من كلامك هذا، ونسبة الشرك والكفر إليهم، فيعتقدون أنك مفتر كذاب، وأنك رجل مغرض، وعن الحق معرض، لأنهم متيقنون ببراءة أنفسهم مما قلت فيهم ونسبت إليهم.
والآن لكي تتنور أفكار الحاضرين بنور الحقيقة واليقين، ولكي تتبدد عن أذهانهم ظلمات الجهل وشبهات المغرضين، أتكلم للحاضرين باختصار، موجزا عن الشرك ومعناه، وأقدم لكم حصيلة تحقيق علمائنا الأعلام، أمثال: العلامة الحلي، والمحقق الطوسي، والعلامة المجلسي (رضوان الله عليهم)، وهم استخرجوها واستنبطوها من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث المروية عن النبي (ص) وعترته الهادية (سلام الله عليهم).
نواب: إن انعقاد هذا المجلس كان لتفهيم العوام وإثبات الحق أمامهم، كما قلت سالفا، فأرجوكم إن تراعوا جانبهم في حديثكم، وأن تتكلموا بشكل نفهمه نحن العوام.
قلت: حضرة النواب! إنني دائما أراعي هذا الموضوع، لا في هذا المجلس فحسب، بل في جميع مجالسي ومحاضراتي ومحاوراتي العلمية والكلامية، فإني دائما أتحدث بشكل يفهمه الخاص والعام، لأن الغرض من إقامة هذه المجالس وانعقادها ـ كما قلتم ـ هو تعليم الجهلاء وتفهيم الغافلين، وهذا لا يتحقق إلا بالبيان الواضح والحديث السهل البسيط الذي يفهمه عامة الناس، والأنبياء كلهم كانوا كذلك.
فقد روي عن خاتم الأنبياء وسيدهم (ص) أنه قال: إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم(16).

أقسام الشرك
إن الحاصل من الآيات القرآنية، والأحاديث المروية، والتحقيقات العلمية، أن الشرك على قسمين، وغيرهما فروع لهذين، وهما:
الشرك الجلي، أي: الظاهر، والآخر الشرك الخفي، أي المستتر.

الشرك الجلي
أما الشرك الظاهري، فهو عبارة عن: اتخاذ الإنسان شريكا لله عز وجل، في الذات أو الصفات أو الأفعال أو العبادات.
أـ الشرك في الذات، وهو أن يشرك مع الله سبحانه وتعالى في ذاته أو توحيده، كالوثنية وهم المجوس، اعتقدوا بمبدأين: النور والظلمة.
وكذلك النصارى... فقد اعتقدوا بالأقانيم الثلاثة: الأب والابن وروح القدس، وقالوا: لكل واحد منهم قدرة وتأثيرا مستقلا عن القسمين الآخرين، ومع هذا فهم جميعا يشكلون المبدأ الأول والوجود الواجب، أي: الله، فتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
والله عز وجل رد هذه العقيدة الباطلة في سوره المائدة، الآية 37، بقوله: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد) وبعبارة أخرى فالنصارى يعتقدون: أن الألوهية مشتركة بين الأقانيم الثلاثة، وهي: جمع اقنيم ـ بالسريانية ـ ومعناها بالعربية: الوجود وقد أثبت فلاسفة الإسلام بطلان هذه النظرية عقلا، وأن الاتحاد لا يمكن سواء في ذات الله تبارك وتعالى أو في غير ذاته عز وجل.
ب ـ الشرك في الصفات... وهو: أن يعتقد بأن صفات الباري عز وجل ، كعلمه وحكمته وقدرته وحياته هي أشياء زائدة على ذاته سبحانه، وهي أيضا قديمة كذاته جل وعلا، فحينئذ يلزم تعدد القديم وهو شرك، والقائلون بهذا هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري البصري، وكثير من علمائكم التزموا بل اعتقدوا به وكتبوه في كتبهم، مثل: ابن حزم وابن رشد وغيرهما، وهذا هو شرك الصفات ... لأنهم جعلوا لذات الباري جل وعلا قرناء في القدم والأزلية وجعلوا الذات مركبا. والحال أن ذات الباري سبحانه بسيط لا ذات أجزاء، وصفاته عين ذاته.
ومثاله تقريبا للأذهان ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ:
هل حلاوة السكر شيء غير السكر؟
وهل دهنية السمن شيء غير السمن؟
فالسكر ذاته حلو، أي: كله.
والسمن ذاته دهن، أي: كله.
وحيث لا يمكن التفريق بين السكر وحلاوته، وبين السمن ودهنه، كذلك صفات الله سبحانه، فإنها عين ذاته، بحيث لا يمكن التفريق بينها وبين ذاته عز وجل، فكلمة: " الله " التي تطلق على ذات الربوبية مستجمعة لجميع صفاته، فالله يعني: عالم، حي، قادر، حكيم... إلى آخر صفاته الجلالية والجمالية والكمالية.
ج ـ الشرك في الأفعال... وهو الاعتقاد بأن لبعض الأشخاص أثرا استقلاليا في الأفعال الربوبية والتدابير الإلهية كالخلق والرزق أو يعتقدون أن لبعض الأشياء أثرا استقلاليا في الكون، كالنجوم، أو يعتقدون بأن الله عز وجل بعدما خلق الخلائق بقدرته، وفوض تدبير الأمور وإدارة الكون إلى بعض الأشخاص، كاعتقاد المفوضة، وقد مرت روايات أئمة الشيعة في لعنهم وتكفيرهم، وكاليهود الذين قال الله تعالى في ذمهم: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء)(17).
دـ الشرك في العبادات... وهو أن الإنسان أثناء عبوديته يتوجه إلى غير الله سبحانه، أو لم تكن نيته خالصة لله تعالى، كأن يرائي أو يريد جلب انتباه الآخرين إلى نفسه أو ينذر لغير الله عز وجل..!!
فكل عمل تلزم فيه نية القربة إلى الله سبحانه، ولكن العامل حين العمل إذا نواه لغير الله أو أشرك فيه مع الله غيره، فهو شرك... والله عز وجل يمنع من ذلك في القرآن الكريم إذ يقول: (فمن كان يرجو لقار ربه فليعمل صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)(18).
الحافظ: استنادا إلى هذا الكلام الذي صدر منكم الآن فأنتم مشركون، لأنكم قلتم: إن من نذر لغير الله فهو مشرك، والشيعة ينذرون لأئمتهم وأبناء أئمتهم.

" النذر عندنا "
قلت: العقل السليم والمنطق السليم يقضيان بأن أحدا لو أراد أن يعرف عقائد قوم، فيجب أن لا ينظر إلى أقوال وأفعال جهالهم، وإنما ينظر إلى مقال وأفعال علماء القوم.
وأنتم إذا أردتم التحقيق عن الشيعة ومعتقداتهم، فعليكم أن تنظروا إلى كتب علمائهم ومحققيهم، فتعرفوا الشيعة من خلال أقوال فقهائهم وأعمالهم.
فإذا شاهدتم بعض العوام منا قد نذر لأحد الأئمة (ع) أو لأحد أبناء الأئمة (ع) أو أحد الصالحين، عن جهل بالمسألة، فلا تحسبوه من معتقدات الشيعة، فإن كل مذهب وملة يوجد هناك عوام يجهلون مسائل دينهم، وهذا ليس عندنا فحسب.
وأنتم إذا لم تكونوا مغرضين، ولم تكونا بصدد خلق المعائب والأباطيل على الشيعة، فراجعوا كتب فقهائهم وانظروا إلى سيرة المؤمنين منهم العارفين للمسائل الدينية.
فان التوحيد الخاص والمصفى من كل شائبة لا يكون إلا عند الشيعة الإمامية.
وأرجو منكم أن تراجعوا كتابي: شرح اللمعة، وشرائع الإسلام، وأي كتاب آخر يضم المسائل الفقهية، وحتى الرسائل العلمية لفقهائنا المعاصرين، وهم مراجع الشيعة في مسائل دينهم.
راجعوا في هذه الكتب " باب النذر " فتجدون إجماع فقهائنا: أن النذر بهذا الشكل " لله علي أن: أفعل كذا وكذا، أو: أترك كذا وكذا " فيذكر بدل الجملة الأخيرة، نذره إيجابا كان أو سلبا فإذا تعذر عليه إجراء الصيغة باللغة العربية أو صعب عليه ذلك، فيترجم مفهومه إلى لغته ويجريه بلسانه.
وأما إذا نوى النذر لغير الله سبحانه أو أشرك معه آخر، سواء كان نبيا أو إماما أو غيره، فالنذر باطل.
وإذا نذر على الصورة الأخيرة عالما بالمسألة، فإن عمله حرام وشرك بالله عز وجل، فقد قال تعالى: ( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)(19).
فيجب على العلماء أن يعلموا الجاهلين ويبينوا لهم كل مسائل الدين، ومنها مسائل النذر، فالنذر يكون لله وحده لا شريك له، ولكن الناذر يكون مخيرا في تعيين مصرف النذر، فمثلا:
له أن يقول: لله علي نذر أن أذبح شاة عند مرقد النبي (ص) أو عند مرقد الإمام علي (ع) أو غيرهما أو يقول: لله علي نذر أن أذبح شاة وأطعم لحمها السادة الشرفاء، أو الفقراء، أو العلماء... إلى آخره.
أو يقول: لله علي نذر أن أعطي ثوبا لفلان بالتعيين، أو لعالم ، على غير تعيين.
فكل هذه الصيغ في النذر صحيحة، ولكن إذا لم يذكر الله كأن يقول : نذرت للنبي أو الإمام أو الفقيه أو الفقير أو اليتيم... إلى آخره، كل هذه الصيغ باطلة غير صحيحة.
وكذلك إذا ذكر الله سبحانه مع آخر... كأن يقول: نذرت لله وللنبي، أو نذرت لله ولفلان... فهو باطل وغير صحيح وكان آثما إن كان عالما بالمسألة فنذره باطل وهو غير آثم.
فالواجب علينا وعلى كل فقيه وعالم أن يبلغ مسائل الدين ويكتب أحكامه الإلهية ويعرضها على العوام ليتعلموا ويعملوا بها.
ويجب على العوام أيضا استماع المسائل الدينية وتعلمها والعمل بها، فإذا ما تعلموا ولم يعملوا بتكاليفهم كما ينبغي، فالإشكال يرد عليهم لا على دينهم ومذهبهم.
وكم من أهل السنة والجماعة يشربون الخمر ويلعبون القمار ويرتكبون الفاحشة، فهل هذا دليل على أن مذهبهم يجيز لهم تلك المعاصي والذنوب؟! وهل الأشكال يرد على مذهبهم أم عليهم؟!

" الشرك الخفي "
أما القسم الثاني من الشرك، فهو الخفي، ويتحقق في نية الرياء والسمعة في العبادات.
فقد ورد في الخبر: إن من صلى أو صام أو حج، وهو يريد بذلك أن يمدحه الناس فقد أشرك في عمله(20).
وفي الخبر المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال: لو أن عبدا عمل عملا يطلب به رحمة(21) الله والدار الآخرة ثم أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا(22).
وروي عن النبي (ص) أنه قال: اتقوا الشرك الأصغر. فقالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟
قال: الرياء والسمعة(23).
وروى عن النبي (ص) أنه قال: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي ، فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء(24)، ثم قال (ص): من صلى أو صام أو تصدق أو حج للرياء فقد أشرك بالله.
فالواجب في الصلاة وغيرها من العبادات أن تكون النية فيها خاصة لوجه الله وقربة إلى الله وحده، بأن يتوجه الإنسان في حين عمله العبادي إلى ربه عز وجل، ويتكلم معه وحده، ويركز ذهنه، ويوجه قلبه إلى الذات الموصوفة بالصفات التي ذكرناها، وذلك هو الله لا إله إلا هو.
وأكتفي بهذا المقدار، وأظن بأن الحق قد انكشف للحاضرين المحترمين، بالخصوص المشايخ العلماء في المجلس، فأرجو أن لا ينسبوا الشرك إلى الشيعة بعد هذا، ولا يموهوا الحقيقة على العوام.
تبسم الشيخ عبدالسلام ضاحكا وقال: وهل بقي عندكم شيء في هذا المضمار، فاكتفيتم بهذا المقدار؟! فالرجاء إن بقي عندكم شيء في الموضوع فبينوه للحاضرين.
قلت: هناك قسم آخر جعلوه من أقسام الشرك، ولكنه مغفور، وهو:

الشرك في الأسباب
وهو الذي يتحقق في أكثر الناس من غير التفات، فانهم يتخذون الوسائط والأسباب للوصول إلى أغراضهم وتحقيق آمالهم، أو إنهم يخشون بعض الناس ويخافون من بعض الأسباب في الإحالة دون حوائجهم وآمالهم، فهذا نوع من الشرك، ولكنه معفو عنه.
والمقصود من الشرك بالأسباب: أن الإنسان يعتقد بأن الأسباب المؤثرة في الأشياء والأمور الجارية، مثلا: يعتقد أن الشمس مؤثرة في نمو النباتات ، فإذا كان اعتقاده أن هذا الأثر من الشمس بالذات من غير إرادة الله تعالى فهو شرك.
وإذا كان يعتقد أن الأثر يصدر من الله القادر القاهر فهو المؤثر والشمس سبب في ذلك، فهو ليس بشرك، بل هو حقيقة التوحيد، وهو من نوع التفكر في آيات الله وقدرته سبحانه.
وهكذا بالنسبة إلى كل الأسباب والمسببات، فالتاجر في تجارته، والزارع في زراعته، والصانع في صناعته، والطبيب في طبابته، وغيرهم، إذا كان ينظر إلى أدوات مهنته، أسباب صنعته وآثارها، نظرا استقلاليا، وأن الآثار الصادرة من تلك الأسباب والأدوات تصدر بالاستقلال من غير إرادة الله تعالى، فهو شرك، وإن كان ينظر إلى الأسباب والأدوات نظرا آليا فيعتقد أنها آلات، والله تعالى هو الذي جعل فيها تلك الآثار، فلا مؤثر في الوجود إلا الله، فهو ليس شركا بل التوحيد بعينه.

الشيعة نزيهون من أنواع الشرك
بعد أن بيّنّا أقسام الشرك وأنواعه، فأسألكم: أي أقسام الشرك تنسبوه إلى الشيعة؟!
ومن أي شيعي عالم أو عامي سمعتم أنه يشرك بالله سبحانه في ذاته أو صفاته وأفعاله؟!
وهل وجدتم في كتب الشيعة الإمامية والأخبار المروية عن أئمتهم عليهم السلام ما يدل على الشرك بالتفصيل الذي مر؟!
الحافظ: كل هذا البيان صحيح، ونحن نشكركم على ذلك، ولكنكم إذا دققتم النظر في معتقداتكم بالنسبة لأئمتكم، ستصدقونني لو قلت إنكم تطلبون الحوائج منهم، وتتوسلون بهم في نيل مقاصدكم وتحقيق مطالبكم، وهذا شرك! لأنا لا نحتاج إلى واسطة بيننا وبين ربنا، بل في أي وقت أحببنا أن نتوجه إلى الله تعالى ونطلب حاجاتنا منه فهو قريب وسميع مجيب.
قلت: أتعجب منك كثيرا! لأنك عالم متفكر، ولكنك متأثر بكلام أسلافك من غير تحقيق، وكأنك كنت نائما حينما كنت أبين أنواع الشرك! فبعد ذلك التفصيل كله، تتفوه بهذا الكلام السخيف وتقول: بأن طلب الحاجة من الأئمة شرك!!
فإذا كان طلب الحاجة من المخلوقين شرك، فكل الناس مشركون!
فإذا كانت الاستعانة بالآخرين في قضاء الحوائج شرك، فلماذا كان الأنبياء يستعينون بالناس في بعض حوائجهم.
اقرءوا القرآن الكريم بتدبر وتفكر حتى تنكشف لكم الحقيقة، راجعوا قصة سليمان عليه السلام في سورة النمل الآيات 38 ـ 40: (قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ولأني عليه لقوي أمين * قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي..).
من الواضح أن الإتيان بعرش بلقيس من ذلك المكان البعيد، بأقل من لمحة بصر، لم يكن هينا وليس من عمل الإنسان العاجز الذي لا حول له ولا وقوة، فهو عمل جبار خارق للعادة، وسليمان مع علمه بأن هذا العمل لا يمكن إلا بقدرة الله تعالى وبقوة إلهية، مع ذلك ما دعا الله سبحانه في تلك الحاجة ولم يطلبها من ربه عز وجل، بل أرادها من المخلوقين، واستعان عليها بجلسائه العاجزين.
فهذا دليل على أن الاستعانة بالآخرين في الوصول إلى مرادهم، وطلب الحوائج من الناس، لا ينافي التوحيد، وليس بشرك كما تزعمون، فإن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا دار أسباب ومسببات، وعالم العلل والمعلولات.
وحيث أن الشرك أمر قلبي، فإذا طلب الإنسان حاجته من آخر، أو استعان في تحقق مراده والوصول إلى مقصوده بمن لا يعتقد بألوهيته ولا يجعله شريكا للباري، وإنما يعتقد أنه مخلوق لله عز وجل، وهو إنسان مثله، إلا أن الله عز وجل خلقه قويا وقادرا بحيث يتمكن من إعانته في تحقق مراده وقضاء حاجته، فلا يكون شركا.
وهذا أمر دائر بين المسلمين جميعا، يعمل به المؤمنون عامة، وهناك كثير من الناس يقصدون زيدا وبكرا ويقضون ساعات على أبوابهم ليطلبوا منهم حوائجهم ويستعينوا بهم في أمورهم، من غير أن يذكروا الله تعالى.
فالمريض يذهب عند الطبيب ويتوسل به ويستغيث به ويريد منه معالجة مرضه، فهل هذا شرك؟!
والغريق وسط الأمواج يستغيث بالناس ويستعين بهم في إنقاذه من الغرق والموت، من غير أن يذكر الله عز وجل، فهل هذا شرك؟!
وإذا ظلم جبار إنسانا، فذهب المظلوم إلى الحاكم وقال: أيها الحاكم، أعنّي في إحقاق حقي، فليس لي سواك ولا أرجو أحدا غيرك في دفع الظلم عني! فهل هذا شرك؟! وهل هذا المظلوم مشرك؟!
وإذا تسلق لص الجدار وأراد أن يتعدّى على إنسان فيسرق أمواله ويهتك عرضه، فصعد صاحب الدار السطح واستغاث بالناس وطلب منهم أن يدفعوا عنه السوء ، وهو في تلك الحالة لم يذكر الله تعالى فهل هو مشرك؟!
لا أظن أن هناك عاقلا ينسب هؤلاء إلى الشرك، ومن ينسبهم إلى الشرك فهو: إما جاهل بمعنى الشرك أو مغرض!!
فأيها السادة الحاضرون أنصفوا، وأيها العلماء احكموا ولا تغالطوا في الموضوع!!

عقيدة الشيعة في التوسل
الشيعة كلهم متفقون على أن أحدا لو اعتقد بألوهية النبي أو الأئمة، أو جعلهم شركاء لله سبحانه في صفاته وأفعاله، فهو مشرك ونجس يجب الاجتناب والابتعاد عنه.
وأما قولهم: يا علي أدركني، أو يا حسين أعنّي، وما إلى ذلك، فليس معناه: يا علي أنت الله فأدركني! أو يا حسين أنت الله فأعني! بل لأن الله عز وجل جعل الدنيا دار وسائل وأسباب، وأبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها، فنعتقد أن النبي (ص) وآله هم وسيلة النجاة في الشدائد، فنتوسل بهم إلى الله سبحانه.
الحافظ: لماذا لا تطلبون حوائجكم من الله تعالى بغير واسطة؟!
فاطلبوا منه بالاستقلال لا بالوسائل.
قلت: إن توجهنا إلى عز وجل في طلب الحوائج ودفع الهموم والغموم هو بالاستقلال، ولكنا نتوسل بالنبي وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين ليشفعوا لنا عند الله سبحانه في قضاء حوائجنا، ونتوسل بهم إلى الله تعالى ليكشف عنا همومنا وغمومنا، ومستندنا في هذا الاعتقاد هو القرآن الحكيم إذ يقول (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة)(25).

آل محمد (ص) هم الوسيلة
نحن الشيعة نعتقد بأن الله عز وجل هو القاضي للحوائج، وأن آل محمد (ص) لا يحلون مشكلا ولا يقضون حاجة لأحد إلا بإذن الله وإرادته سبحانه، وهم (عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)(26).
فهم واسطة الفيض، والفياض هو الله رب العالمين.
الحافظ: بأي دليل تقولون أن المراد من الوسيلة في الآية الكريمة آل محمد (ص)؟
قلت: لقد روي ذلك كبار علمائكم منهم: الحافظ أبو نعيم، في: " نزول القرآن في علي " والحافظ أبو بكر الشيرازي في " ما نزل من القرآن في علي " والامام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة، وغير أولئك رووا عن النبي (ص): أن المراد من الوسيلة في الآية الشريفة: عترة الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.
ونقل ابن أبي الحديد المعتزلي ـ وهو من أشهر وأكبر علمائكم ـ في " شرح نهج البلاغة " تحت عنوان: ذكر ما ورد من السير والأخبار في أمر فدك، الفصل الأول، ذكر خطبة فاطمة (ع).
قالت: واحمدوا الله الذي لعظمته ونوره يبتغي من في السماوات والأرض إليه الوسيلة، ونحن وسيلته في خلقه... (27).

حديث الثقلين
ومن جملة الأحاديث المعتبرة، التي نستدل بها على التمسك والتوسل بآل محمد (ص) ومتابعتهم: حديث الثقلين، وهو حديث صحيح أجمع عليه الفريقان ، وقد بلغ حد التواتر.
قال النبي (ص): إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيت، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، وهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (28).
الحافظ: أظن أنكم قد أخطأتم حين قلتم: إن هذا الحديث صحيح ومتواتر! لأنه غير معتبر ومجهول عند كبار علمائنا! فهذا شيخنا الكبير محمد بن إسماعيل البخاري، وهو إمام علماء الحديث عند أهل السنة والجماعة، لم يذكر حديث الثقلين في صحيحه الذي يعد عندنا بعد القرآن الكريم أصح الكتب!
قلت إن عدم ذكر البخاري لحديث الثقلين لا يدل على ضعفه، فإن البخاري واحد، ولكن الذين ذكروا هذا الحديث وعدوه صحيحا موثقا، هم عشرات العلماء والمحدثين منكم، فهذا ابن حجر المكي مع شدة تعصبه فإنه يقول في كتابه الصواعق المحرقة، آخر الفصل، الباب الحادي عشر، الآية الرابعة: ص 89 و 90.
بعدما نقل أخبارا وأقوالا حول حديث الثقلين يقول:
اعلم أن لحديث التمسك بالثقلين طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا..إلى آخره(29).
وقد نقل الحديث عن الترمذي وأحمد بن حنبل الطبراني ومسلم... إلى آخره.

حول البخاري وصحيحه
وأما قولكم أن حديث الثقلين غير صحيح، لآن البخاري لم ينقله في صحيحه.
فإن الاسترداد مردود عند العلماء والعقلاء.
فالبخاري إن لم ينقل هذا الحديث الشريف، فقد نقله عدد كبير من مشاهير علمائكم، منهم: مسلم بن الحجاج الذي يساوي البخاري عند أهل السنة والجماعة ، وقد نقله في صحيحه، وكذلك نقله سائر أصحاب الصحاح الستة غير البخاري.
فإذا لم تعتمدوا إلا على صحيح البخاري، فأعلنوا بأن صحيح البخاري وحده صحيح، وسائر الصحاح غير مقبولة لدينا لعدم صحتها، وأن أهل السنة والجماعة مستندة إلى ما جاء في صحيح البخاري فحسب!
وإذا كنتم تعتقدون غير هذا، وتعتمدون على الصحاح الستة فيجب أن تقبلوا الأخبار والروايات المنقولة فيها حتى إذا لم ينقلها البخاري لسبب ما.
الحافظ: لم يكن أي سبب في عدم نقله لبعض الأخبار سوى أنه كان كثير الاحتياط في النقل، وكان دقيقا في الروايات، فالتي لم ينقلها البخاري إما لضعف في السند، أو لأن العقل يأبى من قبولها وصحتها.
قلت قديما قالوا: حب الشيء يعمي ويصم!
وأنتم لشدة حبكم للبخاري تغالون فيه وتقولون أنه كان دقيقا ومحتاطا، وإن الأخبار التي رواها في صحيحه كلها معتبرة وقوية، وهي كالوحي المنزل ! والحال أن في رواة صحيح البخاري أشخاصا وضاعين وكذابين وهم مردودون وغير معتبرين عند كثير من العلماء والمحققين في علم الرجال.
الحافظ: إن كلامكم هذا مردود عند جميع العلماء، وإنه إهانة لمقام العلم ومرتبة رجال الحديث وخاصة الإمام البخاري، وإنه تحامل بغيض على كل أهل السنة والجماعة!
قلت: إن كنتم تحسبون الانتقاد العلمي تحاملا بغيضا وإهانة، فكثير من كبار علمائكم، أهانوكم وأهانوا أهل مذهبهم، قبلنا!
لأن كثير من مشاهير علمائكم المحققين نقحوا الصحاح، وخاصة صحيحي مسلم والبخاري ومسلم، وميزوا بين السقيم والسليم، والغث والسمين، وأعلنوا أن رجال الصحاح وحتى صحيحي البخاري ومسلم، كثير منهم وضاعين وجعالين للحديث.
وأنا أنصحكم أن لا تعجلوا ولا تتسرعوا في إصدار الحكم علينا في ما نقوله عنكم، بل راجعوا كتب الجرح والتعديل التي كتبها علماؤكم المحققون وطالعوها بدقة وتدبر بعيدا عن التعصب والمغالاة في شأن أصحاب الصحاح، سواء البخاري وغيره، حتى تعرفوا الحقائق.
راجعوا كتاب " اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " للعلامة السيوطي، و " ميزان الاعتدال " و " تلخيص المستدرك " للعلامة الذهبي، و " تذكرة الموضوعات " لابن الجوزي، و " تاريخ بغداد " لأبي بكر الخطيب البغدادي، وسائر الكتب التي كتبها علماؤكم في علم الرجال وتعريف الرواة.
راجعوا فيها أحوال: أبي هريرة الكذاب، وعكرمة الخارجي، ومحمد بن عبدة السمرقندي، ومحمد بن بيان، وإبراهيم بن مهدي الأبلي، وبنوس بن أحمد الواسطي، ومحمد بن خالد الحبلي، وأحمد بن محمد اليماني، وعبد الله بن واقد الحراني، وأبي داود سليمان بن عمرو، وعمران بن حطان، غيرهم ممن روي عنهم البخاري وأصحاب الصحاح، حتى تعرفوا آراء علمائكم ومحققيكم في أولئك، وهم نسبوهم إلى الوضع والكذب وجعل الأحاديث، فتنكشف لكم الحقائق، ولا تغالوا بعد ذلك في صحة ما نقله البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الصحاح!
وأنت أيها الحافظ! إن كنت تقرأ وتطالع هذه الكتب التي ذكرتها ـ وهي لعلمائكم ـ لما قلت: إن البخاري ما نقل حديث الثقلين في صحيحه إلا لاحتياطه في النقل.
هل العقل السليم يقبل أن عالما محتاطا، إمام محققا، ينقل روايات وأحاديث موضوعة من رواة كذابين يأبى كل ذي عقل قبولها، بل يستهزئ بها كل عاقل ذي شعور وإيمان، كالروايات التي مرت أن موسى ضرب عزرائيل على وجهه حتى فقأ عينه فشكاه إلى ربه... إلى آخره، أو أن الحجر أخذ ملابس موسى وهرب فلحقه موسى عريانا وبنو إسرائيل ينظرون إلى نبيهم وهو مكشوف العورة... إلى آخره!!
ألم تكن هذه الخزعبلات والخرافات من الأخبار الموضوعة؟!
وهل في نظركم أن نقل هذه الموهمات في صحيحه كان من باب الاحتياط في النقل والتدقيق في الرواية؟!!

هتك حرمة النبي الأكرم (ص) في الصحيحين
نجد في صحيحي البخاري ومسلم أخبار تخالف الاحتياط والحمية الإسلامية ويأباها كل مؤمن غيور!
منها: ما نقله البخاري في صحيحه ج2 ص 120، باب اللهو بالحراب ، ونقله مسلم في صحيحه: ج1 باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، عن أبي هريرة عن عائشة، قالت: وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب في المسجد، فإما سألت رسول الله، وإما قال تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفده، حتى إذا مللت، قال: حسبك ؟! قلت: نعم، قال: فاذهبي.
بالله عليكم أيها الحاضرون! أنصفوا، هل يرضى أحدكم أن ينسب إليه هذه النسبة الفظيعة والعمل المخزي؟!
إذا قال قائل لجناب الحافظ: بأنا سمعنا أنك حملت زوجتك على ظهرك، وكان خدها على خدك وجئت في الملأ العام لتنظر إلى جماعة كانوا يلعبون، ثم كنت تقول لزوجتك: حسبك؟ وهي تقول لك: نعم، ثم إن زوجتك كانت تحدث الرجال الأجانب بهذا الموضوع.
بالله عليكم أيها الحاضرون! هل الحافظ يرضى بذلك؟! وهل غيرته تسمح لأحد أن يتكلم بهذه الأراجيف؟!
وإذا سمعت هذا الخبر من إنسان ظاهر الصلاح،ن هل ينبغي لك أن تنقله للآخرين؟!
وإذا نقلته، ألا يعترض عليك الحافظ ويقول: بأن جاهلا إذا حدثك بخبر كهذا، ولكن ـ أنت العاقل ـ لماذا تنقله بين الناس؟!
أليس العقلاء يؤيدونه على اعتراضه عليك؟! فقايسوا هذا الموضوع مع الرواية التي مر ذكرها من صحيحي مسلم والبخاري، فإن كان الأخير كما تزعمون دقيقا ومحتاطا في النقل، وكان عارفا وعالما بأصول الحديث ـ على فرض أنه سمع هكذا خبر ـ فهل ينبغي ويحق له أن ينقله في صحيحه، ويجعله خبرا صادق ومعتبرا؟!
والأعجب... أن العامة، ومنهم جناب الحافظ، يعتقدون أن صحيح البخاري هو أصح الكتب بعد القرآن الحكيم!!

" احتياطات البخاري "
إن احتياطات البخاري لم تكن في محلها، بل كانت خلافا لأصول الاحتياط، كما ذكرنا سابقا بعض الروايات التي نقلها في صحيحه.
إن العقل والإيمان يحتمان ويؤكدان على عدم نقلها، فكان من الاحتياط بل الواجب أن لا يذكرها.
ولكنه كان يحتاط فلا ينقل الأخبار التي تتضمن ولاية علي بن أبي طالب (ع) أو تبين فضائله ومناقبه ومناقب أبناءه الميامين، عترة النبي الصادق الأمين (ص)!!
نعم، كان يحتاط! بل يمتنع في نقل تلك الروايات حتى لا يستدل بها العلماء المنصفون على إمامة علي (ع) وأحقيته بالخلافة، فلو قايسنا صحيح البخاري مع غيره من الصحاح الستة لعرفنا هذا الموضوع بوضوح، فإنه لم ينقل خبرا ربما يستفاد منه في خلافة علي بن أبي طالب وإمامته، ولو كان الخبر مؤيدا بالقرآن ومتواترا ومنقولا في سائر الصحاح و مجاميع أهل الحديث، وحتى لو كان مجمعا على صحته كخبر الغدير، ونزول الآية الشريفة(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...)(30).
وكخبر التصدق بالخاتم، ونزول الآية الكريمة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون)(31).
وخبر الإنذار، ونزول الآية الكريمة: (وأنذر عشيرتك الأقربين) (32).
وخبر المؤاخاة، وحديث السفينة، وحديث باب حطة، وغيرها من الأحاديث التي تثبت بها ولاية أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع)، وإطاعة أهل البيت (ع)، فإن البخاري احتاط في نقل هذه الأخبار المجمع عليها ولم يذكرها في صحيحه!!!

بعض مصادر حديث الثقلين
والآن لابد لي أن أذكر لكم بعض كتبكم المعتبرة عنكم، التي ذكرت وروت حديث الثقلين عن النبي (ص)، حتى تعرفوا أن البخاري لم ينقل هذا الحديث الشريف من باب الاحتياط، لأن كبار علمائكم ومشاهيرهم نقلوا هذا الحديث، منهم: مسلم بن الحجاج، الذي لا يقل صحيحه عن صحيح البخاري في الاعتبار والوثوق عند أهل السنة والجماعة:
1ـ صحيح مسلم: 7/122.
2ـ الترمذي: 2/307.
3ـ النسائي / خصائص: 30.
4ـ أحمد بن حنبل في مسنده: 3/14 و 17 وج4/26 و 59 وج5/182 و 189، وغيرهم(33)رووا بطرقهم وبإسنادهم عن النبي (ص) أنه قال: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، من تمسك بهما فقد نجا، وممن تخلف عنهما فقد هلك. وفي بعضها: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا.
فبهذا المستند الحكيم والدليل القويم لابد لنا أن نتمسك بالقرآن الكريم وبأهل البيت (ع).
الشيخ عبد السلام: إن صالح بن موسى بن عبدالله بن اسحاق بن طلحة بن عبدالله القرشي التيمي الطلحي روى بسنده عن أبي هريرة أن النبي قال: إني قد خلفت فيكم ثنتين: كتاب الله وسنتي... إلى آخره.
قلت: أيؤخذ بخبر فرد طالح ضعيف مردود عند أصحاب الجرح والتعديل والذين كتبوا في أحوال الرجال والرواة، مثل الذهبي ويحيى والإمام النسائي والبخاري وابن عدي، وغيرهم، الذين ردوه ولم يعتمدوا رواياته، أيؤخذ بقول هذا ويترك قول هذا الجمع الغفير والجمهور الكثير من علمائكم المشاهير؟! وهم رووا بإسنادهم كما مر أن النبي (ص) قال: كتاب الله وعترتي، ولم يقل " وسنتي ".
هذا من باب النقل.
وأما العقل: فلأن السنة النبوية والمروية عنه (ص) أيضا بحاجة إلى من يبينها ويفسرها كالكتاب الحكيم، فلذا قال (ص): وعترتي... لأن العترة هم الذين يبينون للأمة ما تشابه من الكتاب، ويوضحون الحديث والسنة الشريفة، لأنهم أهل بيت الوحي، أهل بيت النبوة، وأهل البيت أدرى بما في البيت.

حديث السفينة
وإن من دلائلنا المحكمة في التوسل بأهل البيت (ع) الحديث النبوي الشريف: " مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك " وهو حديث معتبر صحيح متفق ومجمع عليه، وكما يخطر الآن ببالي، أن أكثر من مائة من كبار علمائكم ومحدثيكم، أثبتوا هذا الحديث في كتبهم منهم:
مسلم بن الحجاج في صحيحه(34).
أحمد بن حنبل في مسنده: 3/14 و17 و26.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:37 AM





الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: 4/306.
ابن عبد البر في الاستيعاب.
الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: 12/91.
محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول: 20.
ابن الأثير الجزري في: النهاية: مادة (زخ).
سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: 323.
ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 8.
السمهودي في تاريخ المدينة.
السيد مؤمن الشبلنجي في نور الأبصار: 105.
الامام الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب، في آية المودة.
السيوطي في الدر المنثور، في تفسير: (وإذا قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم)(35).
الثعلبي في تفسيره كشف البيان.
الطبراني في الأوسط.
الحاكم في المستدرك: 3/150 وج2/343.
سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع والسادس والخمسون.
الهمداني في مودة القربى / المودة الثانية والثانية عشرة.
ابن حجر في الصواعق المحرقة: 234.
الطبري في تفسيره وتاريخه.
الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، باب 100 (36).
وذكر غير هؤلاء من أعاظم علمائكم بأسانيدهم وطرقهم أن النبي (ص) قال: مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك، أو: غرق ، أو: هوى، والعبارات شتى، ولعل النبي (ص) قاله كرارا وبعبارات شتى.
وقد أشار الإمام محمد بن إدريس الشافعي إلى صحة هذا الحديث الشريف في أبيات له نقلها العلامة العجيلي في (ذخيرة المآل):
ولمّا رأيت الناس قد ذهبت بهممذاهبهم في أبحر الغي والجهلركبت على اسم الله في سفن النجاوهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسلوأمسكت حبل الله وهو ولاؤهمكما قد أمرنا بالتمسك بالحبلإذا افترقت في الدين سبعون فرقةونيفا على ما جاء في واضح النقلولم يك ناج منهم غير فرقةفقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقلأفي الفرقة الهلاك آل محمـــدأم الفرقة اللاتي نجت منهم قل ليفإن قلت في الناجين فالقول واحدوإن قلت في الهلاك حفت عن العدلإذا كان مولى القوم منهم فإننيرضيت بهم لا زال في ظلهم ظليرضيت عليا لي إماما ونسلهوأنت من الباقين في أوسع الحل
فلا يخفى على من أمعن ونظر في هذه الأبيات لعرف تصريح الشافعي وهو إمام أهل السنة والجماعة، بأن آل محمد (ص) ومن تمسك بهم هم الفرقة الناجية وغيرهم هالكون، وفي وادي الضلالة تائهون!!
فحسب أمر النبي الكريم (ص) وهو كما قال الله الحكيم: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)(37).
الشيعة يتمسكون بآل محمد الأطهار وعترته الأبرار، ويتوسلون بهم إلى الله سبحانه، هذا من جانب.
ومن جانب آخر فقد خطر الآن ببالي، بأن الناس إذا كانوا لا يحتاجون إلى وسيلة للتقرب إلى ربهم عز وجل والاستعانة به، وإنه من توسل بأحد إلى الله تعالى فقد أشرك.
فلماذا كان عمر بن الخطاب ـ وهو الفاروق عندكم ـ يتوسل ببعض الناس إلى الله سبحانه في حالات الشدة والاضطرار؟!
الحافظ: حاشا الفاروق عمر رضي الله عنه من هذا العمل، إنه غير ممكن!! وإني لأول مرة أسمع هذه الفرية على الخليفة! فلا بد أن تبينوا لنا مصدر هذا القول حتى نعرف صحته وسقمه.
قلت: كما ورد في كتبكم المعتبرة: أن الفاروق كان في الشدائد يتوسل إلى الله سبحانه بأهل بيت النبي وعترته الطاهرة، وقد تكرر منه هذا العمل في أيام خلافته عدة مرات، ولكني أشير إلى اثنين منها حسب اقتضاء المجلس:
1ـ نقل ابن حجر في كتابه الصواعق بعد الآية: 14، في المقصد الخامس، أواسط الصفحة: 106، قال:
وأخرج البخاري أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا محمد (ص) إذا قحطنا فتسقينا، وإنا كنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون.
قال ابن حجر: وفي تاريخ دمشق: إن الناس كرروا الاستسقاء عام الرمادة سنة سبع عشرة من الهجرة فلم يسقوا. فقال عمر: لأستسقينّ غدا بمن يسقيني الله به، فلما أصبح غدا للعباس فدق عليه الباب، فقال: من؟ قال: عمر قال: ما حاجتك؟ قال: أخرج حتى نستسقي الله بك. قال: اجلس.
فأرسل إلى بني هاشم أن تطهروا وألبسوا من صالح ثيابكم، فأتوه، فأخرج طيبا فطيبهم، ثم خرج وعلي عليه السلام أمامه بين يديه والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وبنو هاشم خلف ظهره.
فقال: يا عمر! لا تخلط بنا غيرنا. ثم أتى المصلى فوقف، فحمد الله وأثنى عليه. وقال: اللهم إنك خلقتنا ولم تؤامرنا، وعملت ما نحن عاملون قبل أن تخلقنا، فلم يمنعك علمك فينا عن رزقنا، اللهم فكما تفضلت في أوله، تفضل علينا في آخره.
قال جابر: فما برحنا حتى سحت السماء علينا سحا، فما وصلنا إلى منازلنا إلا خوضا.
فقال العباس: أنا المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى. خمس مرات، أشار إلى أن أباه عبد المطلب استسقى خمس مرات فسُقي(38).
2ـ في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(39) قال:
وروى عبد الله بن مسعود: إن عمر بن الخطاب خرج يستسقي بالعباس، فقال: اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك وبقية آبائه وكبر رجاله، فإنك قلت وقولك الحق: (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة.....)(40) فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهم نبيك في عمه، فقد دنونا به إليك مستشفعين ومستغفرين.
ثم أقبل على الناس فقال: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا)(41) إلى آخره.
انتهى نقل ابن أبي الحديد.
فهذا عمل الخليفة، يتوسل ويتقرب بعم النبي (ص) إلى الله سبحانه ، وما اعترض عليه أحد من الصحابة، ولا يعترض اليوم أحد منكم على عمله، بل تحسبون أعماله حجة فتقتدون به، ولكنكم تعارضون الشيعة لتوسلهم بآل محمد (ص) وعترته، وتنسبون عملهم إلى الكفر والشرك والعياذ بالله!!
فإذا كان التوسل بآل محمد (ص) والاستشفاع بعترته الهادية عند الله عز وجل شرك، فحسب رواياتكم فإن الخليفة الفاروق يكون مشركا كافرا، وإذا تدفعون عنه الشرك والكفر، ولا تقبلون نسبته إليه، بل تصححون عمله وتدعون المسلمين إلى الاقتداء به، فعمل الشيعة وتوسلهم بآل محمد (ص) أيضا ليس بشرك، بل حسن صحيح.
وعلى هذا يجب أن تستغفروا ربكم من هذه الافتراءات والاتهامات التي تنسبونها لشيعة آل محمد (ص) وتكفرونهم وتقولون إنهم مشركون.
ويجب عليكم أن تنبهوا جميع أتباعكم وعوامكم الجاهلين على أنكم مخطئين في اعتقادكم بالنسبة للشيعة، فهم ليسوا بمشركين، بل هم مؤمنون وموحدون حقا.
أيها الحاضرون الكرام والعلماء الأعلام! إذا كان عمر الفاروق مع شأنه ومقامه الذي تعتقدون به له عند الله سبحانه، وأهل المدينة، مع وجود الصحابة الكرام فيهم، دعاؤهم لا يستجاب إلا أن يتوسلوا بآل محمد (ص) ويجعلوهم الواسطة والوسيلة بينهم وبين الله عز وجل حتى يجيب دعوتهم ويسقيهم من رحمته، فكيف بنا؟! وهل يجيب الله سبحانه دعوتنا من غير واسطة وبلا وسيلة؟!
فآل محمد (ص) وعترته في كل زمان هم وسائل التقرب إلى الله تعالى ، وبهم ـ أي بسببهم وبشفاعتهم ودعائهم ـ يرحم الله عباده.
فهم ليسوا مستقلين في قضاء الحوائج وكفاية المهام، وإنما الله سبحانه هو القاضي للحاجات والكافي للمهمات، وآل محمد (ص) عباد صالحون وأئمة مقربون ، لهم جاه عظيم عند ربهم، وهم شفعاء وجهاء عند الله عز وجل، منحهم مقام الشفاعة بفضله وكرمه، فقد قال سبحانه: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)(42).
هذا هو اعتقادنا في النبي وعترته الهادية وآله المنتجبين الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولن تجدوا في كتبنا الاعتقادية والكتب الجامعة للزيارات والأدعية المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أكثر مما ذكرت لكم.
الحافظ: إن ما بينتموه عن اعتقادكم بأهل البيت، رضي الله عنهم ، مخالف لما سمعناه من الآخرين وقرأناه بخصوصكم في كتب علمائنا المحققين.
قلت: دعوا أو اتركوا ما سمعتموه أو قرأتموه عنا، واعتمدوا على ما تشاهدوه منا وتقرأوه في كتبنا. فهل طالعتم وتدبرتم في كتب علمائنا الأعلام الجامعة للزيارات والأدعية المروية عن أئمتنا، أئمة أهل البيت والعترة الهادية عليهم السلام؟!
الحافظ: ما وصلت يدي حتى الآن إلى كتبكم.
قلت: إن العقل يقضي أن تقرأ كتبنا أولا، فإذا وجدت فيها إشكالا مما كنت تسمعه عنا، فحينئذ أشكل علينا، وأنا الآن معي كتابين، أحدهما: كتاب (زاد المعاد) تأليف العلامة المجلسي (قدس سره)، والآخر:(هدية الزائرين) تأليف الفاضل المعاصر، والمحدث المتبحر، الحاج الشيخ عباس القمي دامت بركاته، فأقدم لكم هذين الكتابين الجليلين لتقرأوها وتتدبروا في عباراتها، لتعرفوا حقيقة الأمر.
فأخذوا يتصفحون الكتابين وينظرون في الكلمات والجمل بدقة، وإذا بالسيد عبد الحي قد وصل إلى دعاء التوسل، فكأنه وصل إلى بغيته ومقصده، فأشار إلى الحاضرين بالسكوت فسكتوا، ثم بدأ بقراءة دعاء التوسل كلمة كلمة، والحاضرين منصتون يستمعون، وكان بعضهم يعرف العربية ويدرك معاني الكلمات والجمل، فكانوا يهزون رؤوسهم ويبدون أسفهم لابتعادهم عن مذهب أهل البيت عليهم السلام، فيقول بعضهم لبعض : كيف قلبوا الأمور ونحن غافلون، والتبس علينا الحق ونحن جاهلون؟!
فلما انتهى السيد عبد الحي من قراءة الدعاء، قلت: أيها الأخوة ! بالله عليكم انصفوا!!!
في أي كلمة أو عبارة من هذا الدعاء شممتم رائحة الشرك أو الغلو ، أيها العلماء أجيبوني؟!
فإن لم يكن فيه شيء من الشرك والغلو، فلماذا تقذفون الشيعة المؤمنين بالشرك؟!
لماذا تزرعون بذر العداء والبغضاء بين المسلمين الذين جعل الله سبحانه بينهم المودة والإخاء؟!
لماذا (تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)(43)؟!
لماذا تضلون أتباعكم الغافلين الجاهلين فتشحنون قلوبهم ضد الشيعة المؤمنين، فينظرون إليهم شزرا على أنهم مشركون؟!
وكم من جهالكم المتعصبين تأثروا بكلام علمائهم ـ أنتم وأمثالكم ـ فأباحوا دماء الشيعة وأموالهم، فقتلوهم ونهبوهم (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)(44)، ويظنون أن الجنة وجبت لهم بذلك العمل الشنيع!!
ولا شك أن وزر هذه الجنايات والفجائع هي في ذمتكم أيضا، وأنتم العلماء مسؤولون عنها وتحاسبون عليها أكثر من الجاهلين!
هل سمعتم إلى الآن، أن شيعيا التقى بأحد أهل السنة فقتله قربة إلى الله؟!
لا، ولن يقدم شيعي حتى العامي منهم على مثلها أبدا، لأن علماءنا ومبلغينا دائما يعلنون في أتباعهم، إن أهل السنة والجماعة هم إخواننا في الدين فلا يجوز أذاهم. فكيف بقتلهم ونهب أموالهم؟!
نعم نبين لأتباعنا، الاختلافات المذهبية بيننا وبينكم، ولكن نقول لهم أيضا: بأنها رغم خلافنا مع العامة في بعض المسائل، فهم إخواننا في الدين ، فلا يجوز لنا أن نعاديهم ونبغضهم.
أما علماء السنة مع كل الاختلافات النظرية والاجتهادية الموجودة بين أئمة المذاهب الأربعة في الأصول والفروع، يحسبون أتباع الأئمة الأربعة أصحاب دين واحد، وهم أحرار في اختيار أي مذهب شاؤا من المذاهب الأربعة.
ولكن كثيرا من أولئك العلماء ـ ومع الأسف ـ يحسبون شيعة المرتضى وأتباع العترة الهادية عليهم السلام مشركين وكفارا.. بحيث يحل سفك دمائهم ونهب أموالهم، فليس لهم حرية العقيدة واختيار المذهب في البلاد السنية، حتى انهم يضطرون لأن يعيشوا بينكم في خوف وتقية مخافة أن يقتلوا بيد جهالكم الغافلين أو عتاتكم المعاندين!!
فكم من عالم ورع وفقيه متقي قتل شهيدا بفتوى بعض علمائكم، كما أن كثيرا من علمائكم يصرحون بلعن الشيعة في كتبهم.
ولكن لا يوجد شيعي واحد، حتى من العوام الجاهلين، يحل سفك دم سني أو يجوز لعنه لأنه سني.
الحافظ: انك تريد إثارة العواطف والاحساسات بهذا الكلام، فأي عالم من الشيعة قتل بفتوى علمائنا؟!
وأي عالم منّا يلعن الشيعة؟!
قلت: لا أريد أن أبين هذا الموضوع بالتفصيل لأنه يحتاج إلى وقت طويل فيستغرق منا ساعات عديدة ومجالس مديدة، ولكن أنقل لكم قليلا من كثير مما سجله التاريخ، ليتضح لكم الأمر وتعرفوا ما جهلتموه!
فلو تصفحتم كتب بعض علمائكم الكبار الذين اشتهروا بالتعصب ضد الشيعة الأخيار لوجدتم تصريحاتهم بلعن الشيعة المؤمنين بالإصرار والتكرار!
منهم: الإمام الفخر الرازي في تفسيره المشهور، فكأنه كان مترصدا ليجد مجالا حتى يصب جام غضبه ولعنه على شيعة آل محمد (ص)، فنجده عند آية الولاية(45) وآية إكمال الدين(46) وغيرهما يكرر هذه الكلمات.. وأما الروافض لعنهم الله.. هؤلاء الروافض لعنهم الله.. أما قول الروافض لعنهم الله.. إلى آخره.
وأما إفتاء بعض علمائكم بقتل علمائنا الأعلام فكثير، منها:

قتل الشهيد الأول
من جملة الفجائع التي حدثت على مفاخر العلم وأهل التقوى وشيعة آل محمد (ص) بفتوى غريبة من قاضيين كبيرين من قضاة الشام، وهما: برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة الشافعي.
وقد أصدرا حكم قتل أفقه علماء الإسلام في عصره وهو: العالم العامل، والتقي الفاضل، والزاهد الورع، أبو عبدالله محمد بن جمال الدين المكي العاملي (رضوان الله تعالى عليه)، ومن سعة اطلاعه في المسائل الفقهية أنه صنف وألف كتاب اللمعة الدمشقية في السجن في أسبوع واحد، وليس عنده أي كتاب فقهي سوى كتاب: (المختصر النافع).
وكتاب (اللمعة) يدرس في الحوزات العلمية حتى اليوم لاحتوائه على أكثر الفروع والمباني الفقهية. وكان الشيخ الشهيد (قدس سره) مرجعا لعلماء المذاهب الأربعة في حل المعضلات العلمية وكشف الأحكام الدينية، وكان يعيش في تقية ، أي يخفي مذهبه من الحكومة ومن عامة الناس، ومع ذلك عرفوا منه التشيع فشهد عليه نفر عند الحاكم، فحوله الحاكم إلى القاضي فزجه القاضي في السجن حقدا.
فبقي سنة كاملا سجينا في قلعة الشام يعاني من التجويع والتعذيب ، وبعدها حكم برهان الدين المالكي وابن جماعة الشافعي بإعدامه، فقتلوه أولا بالسيف ثم صلبوه، و لم يكتفوا بهذا المقدار من إظهار الحقد الدفين، فحركوا الهمج الرعاع العوام كالأنعام، فرجموا جسد ذلك العالم الفقيه بالحجارة، وأعلنوا أنهم فعلوا كل ما فعلوه بذلك الفقيه الفاضل والعالم العامل، لأنه رافضي مشرك!!
وعلى هذا الجرم الذي ليس مثله جرم في الإسلام!!
أمروا بحرق جسده الشريف، وذروا رماده في الفضاء.
وكان ذلك في التاسع أو التاسع عشر من جمادى الأولى عام 786 من الهجرة النبوية الشريفة، في عهد الملك برقوق وحاكمه يومذاك على الشام: بيد مرو.

قتل الشهيد الثاني
ومن جملة الفجائع الشنيعة ضد مذهب الشيعة، والتي حدثت بسبب فتوى بعض علمائكم، قتل العالم الفقيه، والتقي النبيه، العالم الرباني، المعروف بالشهيد الثاني، الشيخ زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد العاملي (قدس الله نفسه الزكية).
وكان هو أشهر العلماء وأعظمهم في بلاد الشام، وكان يعيش في عزلة من الناس، دائبا على التأليف والتصنيف، يقضي أوقاته في تحقيق المسائل واستنباط الأحكام وتدوينها، وقد صنف أكثر من مائتي مؤلف في مختلف العلوم.
فحسده علماء عصره لتوجه الناس إليه وتعظيمهم له، فبعث قاضي صيدا واسمه معروف، كتاب إلى السلطان سليم العثماني جاء فيه قد وجد في بلاد الشام رجل مبدع خارج عن المذاهب الأربعة.
فأمر السلطان بإرسال الشيخ زين الدين إلى اسلامبول ليحاكموه، وكان الشيخ آنذاك في الحج فلم ينتظروا رجوعه، بل أرسلوا له جماعة فقبضوا عليه في المسجد الحرام، وقد قال تعالى: (ومن دخله كان آمنا)(47) فسجنوه أربعين يوما في مكة ثم بعثوه عن طريق البحر إلى إسلامبول عاصمة الخلافة.
ولما وصل إليها ونزل الساحل، ضربوا عنقه وقطعوا رأسه قبل أن يحاكموه، ورموا بجثته في البحر وبعثوا برأسه إلى السلطان!!
فيا أيها الحاضرون! بالله عليكم أنصفوا!!
هل قرأتم أو سمعتم أن أحد علماء الشيعة عامل واحدا من علماء السنة أو عوامها بهذا الشكل، وقد كانوا متمكنين ومقتدرين في ظل ملوك الشيعة وحكوماتها التي حكمت على كثير من بلاد السنة؟!
بالله عليكم! هل إن عدم الانتماء إلى المذاهب الأربعة ذنب يستوجب القتل؟! ليت شعري ما هو دليلهم؟!
هل إن المذاهب الأربعة التي وجدت بعد رسول الله (ص) بعشرات السنين هي التي يجب الانتماء إليها والتمسك بها والعمل على طبقها؟! ولكن المذهب الذي كان على عهد النبي الكريم (ص) وكان مرضيّا عنده، لا يجوز التمسك به؟! وإن المتمسك به يجب قتله!!
وإذا كان كذلك، فبرأي من كان المسلمون يأخذون ويعملون في الفترة الواقعة بعد النبي (ص) وقبل ميلاد الأئمة الأربعة وانتشار آرائهم؟!
أم تقولون إن الأئمة الأربعة كانوا على عهد رسول الله (ص) وأخذوا منه بلا واسطة؟!
الحافظ: لم يدّع أحد بأن الأئمة الأربعة أو أحدهم أدرك النبي (ص) وتشرف بصحبته أو سمع حديثه.
قلت: وهل ينكر أحد صحبة الإمام علي عليه السلام لرسول الله (ص) واستماع حديثه الشريف، حتى أصبح باب علم الرسول (ص)؟!
الحافظ: لا ينكر أحد ذلك، بل كان علي (رضي الله عنه)، من كبار الصحابة، وفي بعض الجهات كان أفضلهم.
قلت: على هذه القاعدة لو اعتقدنا بأن متابعة الإمام علي عليه السلام والأخذ منه في المسائل الفقهية واجب لما قاله النبي (ص) في حقه: إن من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، وهو باب علمي، ومن أراد أن يأخذ من علمي فليأت الباب.
فهل هذا الاعتقاد كفر؟! أم الذي خالف النبي (ص) فقد كفر؟! لقوله سبحانه وتعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(48)!
وإذا قلنا: إن من لم يعتقد بما قاله النبي (ص) في علي بن أبي طالب والأئمة من ولده الذين جعلهم عدل القرآن الحكيم في حديث الثقلين وألزم متابعتهم والتوسل بهم في حديث السفينة وهما حديثان مقبولان عندكم أيضا كما ذكرنا مصادركم فيهما.
فلو قلنا: بأن من خالف عترة النبي (ص) وأهل بيته الطاهرين فقد تمرد على الله ورسوله وخرج من الدين، ما قلنا شططا، وما ذهبنا غلطا، بدليل الحديثين الشريفين، السفينة والثقلين، وأدلة عقلية ونقلية أخرى.
ولكن مع كل ذلك ما صدرت منا هكذا فتاوى خطيرة تشجع عوام الشيعة وملوكهم على ارتكاب جنايات فجيعة في حق أهل السنة والجماعة، بالنسبة إلى علمائهم أو جهالهم.
وإنما علماؤنا دائما يعلنون: أن أهل السنة والجماعة إخواننا في الدين، ويجب أن نتحد كلنا ضد غير المسلمين المعادين، غاية ما هنالك إننا نقول: إن الأمر اشتبه والحق التبس عليكم، ولكنكم تبعا لبعض علمائكم تقولون فينا خلاف ما نقوله فيكم، إنكم تقولون في حق الشيعة المؤمنين أتباع أهل بيت النبوة عليهم السلام : إنهم أهل البدع وغلاة ورفضة ويهود وكفرة ومشركون و و و.!!!
وتبيحون بل توجبون قتل من لم ينتمِ إلى أحد المذاهب الأربعة، وليس عندكم أي دليل شرعي وعقلي وعرفي في ذلك!
الحافظ: ما كنت أظن أنكم هكذا تفترون علينا، وتكذبون على علمائنا أمورا بعيدة عن الحقيقة، وإنما هي من أباطيل الشيعة وأكاذيبهم الشنيعة، وهم يقصدون بها إثارة وأحاسيس الناس واكتساب عطفهم وحنانهم.
قلت: كل ما نقلته لكم هو حق وصدق بشهادة التاريخ، وكيف تظن بأني أفتري عليكم وعلى مذهبكم أو علمائكم، في وجودك وحضور كثير من العلماء معك، وكذلك بحضور هذا الجمع الغفير من أتباعكم، أيعقل ذلك؟!
واعلم أني نقلت قضيتين من التاريخ كنموذج من معاملة علمائكم وقضاتكم مع فقهائنا وعلمائنا.
وإذا تصفحتم تاريخ خوارزم وحملاتهم على إيران، وقوم أزبك وحملاتهم على بلاد خراسان، وحملات الأفغان على إيران، وقتلهم عامة الناس بلا رحمة ، ونهب أموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم وبيعهم في الأسواق كما يعامل الكفار، لصدقتم كلامي وما كذبتم حديثي!
وفي زمن السلطان حسين الصفوي وصل الأفغان ـ وهم قومك وأبناء وطنك ـ إلى أصفهان، فلم يرحموا حتى المراضع والرضع، فقتلوا ونهبوا وسبوا، وهتكوا حرمات المسلمين في كل أرض وطؤوها من بلاد إيران، كل ذلك بفتاوى علمائهم من أهل السنة والجماعة، حتى أنهم أفتوا ببيع أسارى الشيعة كالعبيد، فباعوا ـ كما يحدثنا التاريخ ـ أكثر من مائة ألف رجل شيعي على أبناء السنة وغيرهم في أسواق تركستان!!
الحافظ: إن تلك المعارك كانت سياسية لا ترتبط بفتاوى علمائنا.

كلام خان خيوه
قلت: يذكر التاريخ أن في أوائل حكومة ناصر الدين شاه قاجار، وفي وزارة أمير كبير ميرزا تقي خان، حينما كانت الدولة منشغلة بإخماد الفتن التي آثارها رجل اسمه: " سالار " في خراسان، وكانت سلطة الدولة الضعيفة في تلك المقاطعة.
اغتنم الفرصة أمير خوارزم وهو: محمد أمين خان أزبك المعروف بخان خيوه، وهجم بجيش جرار على خراسان، وقتل ونهب ودمر وأسر جمعا كثيرا من الناس ، فساقه إلى بلاده سبايا.
وبعدما أخمدت فتنة سالار، بعثت الدولة القاجارية سفيرا إلى خان خيوه ليفاوضه في شأن السبايا واستخلاصهم، وكان السفير هو رضا قلي خان، الملقب بهدايت، وهو من كبار الدولة ورجال البلاط الملكي.
فلما وصل إلى خوارزم والتقى بخان خيوه، دار بينهم كلام طويل سجله التاريخ جملة جملة، وكلمة كلمة، والشاهد هنا هو هذه العبارة: إن المغفور له هدايت قال لخان خيوه:
إن الدول الكافرة تعامل الإيرانيين معاملة حسنة، وهم في أمن وأمان من جيوش روسية والإفرنج، ولكنكم مع الأسف تعاملون الإيرانيين معاملة الكفار والمشركين، وهم معكم على دين واحد، لا فرق في قبلتنا وقرآننا ونبينا، نحن وأنتم نعتقد ونشهد: أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله (ص)، فلماذا تهجم بجيوشك على بلادنا، وتدمر ديارنا، وتقتل وتنهب، وتأسر المسلمين وتبيعهم في الأسواق كأسرى الكفار والمشركين؟!
فأجاب خان خيوه: إن علماءنا وقضاتنا في بخارى وخوارزم: يفتون بأن الشيعة كفار وأهل بدع وضلال، وجزاؤهم القتل ونهب الأموال، وهم يوجبون علينا هذه المعاملة مع الإيرانيين، فيبيحون لنا دماءهم ونساءهم وأموالهم!!
وللاطلاع التام فليراجع: تاريخ روضة الصفا الناصري، وكذلك مذكرات سفر خوارزم، تأليف رضا قلي خان هدايت.

هجوم الأزبك
كما إن أحد أمراء الأزبك المسمى عبدالله خان حاصر بجيوشه منطقة خراسان، فكتب علماء خراسان إليه كتابا جاء فيه: نحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (ص)، فلماذا تغير علينا بجيشك وتقاتلنا وتهتك حريمنا ونحن أتباع القرآن الكريم والعترة الهادية، وإن الوحشية والمعاملة السيئة التي نجدها منكم غير مقبولة في الإسلام، وإن الله سبحانه لا يجيزها لكم بالنسبة للكفار، فكيف مع المسلمين؟!
فلما وصل الكتاب إلى يد عبد الله خان أعطاه لعلماء السنة وقضاتهم الذين كانوا يرافقونه في حملاته على المسلمين الشيعة، وطلب منهم أن يجيبوا ويردوا على الكتاب.
فأجاب علماء السنة ـ ردا على كتاب علماء خراسان ـ بجواب مشحون بالتهم والأكاذيب على الشيعة و قذفوهم بالكفر!! لكن علماء خراسان ردوا عليهم، ونسفوا تهمهم وأكاذيبهم، وأثبتوا أن الشيعة مؤمنون بالله ورسوله وبكل ما جاء به النبي الكريم (ص).
ومن أراد الوقوف على تلك الردود والإجابات فليراجع كتاب " ناسخ التواريخ ".
فشاهد الكلام إن علماء السنة الأزبكيين كتبوا: إن الشيعة رفضة وكفار، فدماؤهم وأموالهم ونساؤهم مباحة للمسلمين!!
وأما في بلادكم أفغانستان، فإن الشيعة يعانون أشد الضغوط والهجمات الوحشية منكم ومن أمثالكم أهل السنة والجماعة.
والتاريخ مليء بالفجائع والجنايات التي ارتكبوها جماعة السنة في حق الشيعة في أفغانستان، ومن جملتها:
في سنة 1267 هجرية في يوم عاشوراء وكان يوافق يوم الجمعة، وكانت الشيعة مجتمعة في الحسينيات في مدينة قندهار، وكانوا يقيمون شعائر العزاء على مصائب سبط الرسول وسيد الشهداء، الحسين بن علي (ع) وأنصاره الذين استشهدوا معه في سبيل الله تعالى.
وإذا بأهل السنة والجماعة يهجمون عليهم بالأسلحة الفتاكة، ولم يكن الشيعة مسلحين ولا مستعدين لقتال، حتى أنهم لم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، فقتل قومكم جمعا كثيرا حتى الأطفال بأفجع أنواع القتل، ونهبوا أموالهم وأموال الحسينيات!!
والأعجب من ذلك، أن أحدا من علماء السنة لم يندد بهذا العمل الوحشي الشيطاني، ولم يبد أسفه على تلك الجناية البشعة، فكان سكوت العلماء تأييدا لعمل الجهال المهاجمين، والجناة المتعصبين، وربما كان كل ذلك بتحريك بعض علمائهم ، والله أعلم.
والتاريخ يحدثنا عن هجمات كثيرة من هذا النوع ضد الشيعة في أفغانستان وبلاد الهند والباكستان أيضا، فكم من نفوس مؤمنة أزهقت، ودماء بريئة سفكت، وأموال محترمة نهبت، وحرمات دينية هتكت، بأيدي أهل السنة والجماعة، وقد قتلوا حتى بعض فقهائنا الكبار وعلمائنا الأبرار.

قتل الشهيد الثالث
ولقد زرت في سفري هذا مقابر بعض شهداء هذه الحوادث الأليمة في مدينة " أكبر آباد آكره " وبالأخص قبر الشهيد الثالث، العالم الورع، والفقيه التقي، الذي ينتهي نسبه الشريف إلى النبي (ص) وهو:
القاضي السيد نور الله التستري (قدس الله سره)، وهو أحد ضحايا هذه التعسفات والتعصبات التي توجد في أهل السنة العامة.
فقد استشهد هذا العالم الجليل، والحبر النبيل، سنة 1019 هجرية ، على أثر سعاية علماء العامة في " أكبر آباد آكره " عند الملك المغولي الجاهل المتعصب جهانكير، في الهند.
وكان عمر السيد الشهيد حينما قطعوا رأسه يتجاوز السبعين عاما، وقبره إلى يومنا هذا مزار المؤمنين الشيعة، ورأيت مكتوبا على صخرة قبره هذين البيتين:
ظـالمي إطفاء نور الله كــردقرة العين نبي را سر بريدسال قتلش حضرت ضامن علىكفت: نور الله سيد شد شهيد
أي: ظالم أطفأ نور الله، وحز رأس قرة عين رسول الله (ص) فقال ضامن علي في تاريخ شهادته: إن السيد نور الله أصبح شهيدا.
الحافظ: إنكم تبالغون في هذه القضايا وتضخمونها، ونحن لا نرضى بأعمال جهالنا وعوامنا، ولكن الشيعة بأعمالهم الخاطئة يسببون تلك الفجائع.
قلت: ما هي أعمال الشيعة التي توجب قتلهم ونهب أموالهم وهتك أعراضهم؟!
الحافظ: في كل يوم يقف آلاف الشيعة أمام قبور الأموات ويطلبون منهم الحاجات، ألم يكن هذا العمل عبادة الأموات؟!
لماذا أنتم العلماء لا تمنعونهم؟! حتى أننا نجد كثيرا منهم يخرون إلى الأرض ويسجدون لتلك القبور باسم الزيارة، فهم بهذه الأعمال الخاطئة يسببون تلك الفجائع، لأن عوامنا لا يتحملون هذه البدع باسم الإسلام فيفرطون بالانتقام!!
وبينما كان الحافظ يتكلم وكلنا يصغي إليه، كان الشيخ عبد السلام، الفقيه الحنفي، يتصفح كتاب " هدية الزائرين " ويطالع فيه ليجد إشكالا فيلقيه، ولما وصل الحافظ إلى هذه الجملة، صاح الشيخ عبد السلام مؤيدا للحافظ ومخاطبا إياي:
تفضل واقرأ هذه الصفحة حتى تعرف ما يقول الحافظ.
قلت: اقرأ أنت ونحن نستمع.
فقرأ هذه العبارة: وإذا فرغت من الزيارة فصل ركعتين صلاة الزيارة، ثم قال: أليست نية القربة شرط في صحة الصلاة؟! فالصلاة لغير الله سبحانه لا تجوز حتى للنبي والإمام، فالوقوف أمام القبور والصلاة بجانبها شرك بين، وهو أكبر دليل على الكفر، وهذا كتابكم سند معتبر وحجة عليكم!
قلت: حيث طال بنا الجلوس والوقت لا يتسع للجواب عن شبهاتكم، فلنترك الجواب إلى الليلة المقبلة إنشاء الله تعالى.
لكن أهل المجلس ـ شيعة وسنة ـ كلهم قالوا نحن مستعدون أن نبقى حتى الصباح لنسمع جوابكم.
قلت: أسألك يا شيخ عبد السلام: هل ذهبت لزيارة أحد أئمة أهل البيت (ع) وهل رأيت بعينك أعمال الشيعة الزائرين لقبور أئمتهم (ع) أم لا؟
الشيخ: لا... إني لم أذهب إلى مزارات الأئمة، ولم أشاهد أعمال الشيعة هناك.
قلت إذا كيف تقول: بأن الشيعة يصلون متوجهين لقبور الأئمة؟! وتستدل به على كفر الشيعة! ثبت العرش ثم انقش.
الشيخ: إنما قلت هذا نقلا عن هذا الكتاب الذي بين يدي، فإنه يقول: صل للإمام صلاة زيارة!
قلت: ناولني الكتاب حتى أعرف صحة ما تقول.
فناولني الكتاب مفتوحا، فرأيت تلك الصفحة تنقل كيفية زيارة علي بن أبي طالب (ع). فقلت أيها الجمع الحاضر! إني أقرأ عليكم مقتطفات وجمل من هذه الزيارة حتى نصل إلى تلك العبارة التي يذكرها الشيخ، ثم أنتم أنصفوا واقضوا بيننا وبين الشيخ عبدالسلام والحافظ محمد رشيد.

في آداب زيارة أمير المؤمنين (ع)
إذا وصل الزائر إلى خندق الكوفة يقف ويقول:
الله أكبر، الله أكبر أهل الكبرياء والمجد والعظمة، الله أكبر أهل التكبير والتقديس والتسبيح والآلاء، الله أكبر مما أخاف وأحذر، الله أكبر عمادي وعليه أتوكل، الله أكبر رجائي وإليه أنيب.. إلى آخره.
وإذا وصل إلى الباب الأول من الروضة المقدسة فليقل بعد حمد الله تعالى:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له... إلى آخره.
وإذا وصل إلى الباب الثاني فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له... إلى آخره.
وإذا أراد أن يدخل الروضة المقدسة يستأذن الله تعالى ورسوله (ص) والأئمة والملائكة.
وبعد ذلك يستلم القبر الشريف فيسلم على النبي وعلى أمير المؤمنين وعلى آدم ونوح... إلى آخره.
والعبارة التي هي محل الشاهد للشيخ عبد السلام ولنا هي: ثم صل ثلاث صلوات ثنائية، ركعتان هدية لأمير المؤمنين (ع)، وركعتان هدية لآدم أبي البشر ، وركعتان هدية لنوح شيخ الأنبياء، لأنهما مدفونان عند قبر أبي الحسن أمير المؤمنين (ع).

" صلاة الزيارة والدعاء بعدهما "
هل صلاة الهدية شرك؟!


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434

الصورة الرمزية زكي الياسري
زكي الياسري
شاعر
رقم العضوية : 39574
الإنتساب : Aug 2009
المشاركات : 1,995
بمعدل : 0.36 يوميا

زكي الياسري غير متصل

 عرض البوم صور زكي الياسري

  مشاركة رقم : 10  
كاتب الموضوع : زكي الياسري المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي
قديم بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 04:39 AM





ألم ترد روايات في صلاة الهدية للوالدين وغيرهما من المؤمنين (ع) قربة إلى الله تعالى هل هذا شرك؟!
فقد جرت العادة عند الناس وكذلك المؤمنين، أن كل من يذهب لزيارة أحبابه يأخذ معه هدية، ونجد في أكثر كتب الأخبار والأحاديث فضلا في استحباب وثواب هدية المؤمن لأخيه المؤمن وقبولها منه.
والزائر لما يصل إلى قبر من يحبه ويعلم أن الصلاة أحب شيء إلى مزوره، فيصلي ركعتين قربة إلى الله تعالى ويهدي ثوابها إلى المزور.
والمعترضون لو كانوا يواصلون مطالعتهم و يقرءوا الدعاء بعد صلاة الزيارة لعرفوا خطأهم وتيقنوا أن عمل الشيعة عند الزيارة ليس بشرك، بل هو التوحيد وكمال العبادة لله عز وجل.
واعلموا أن الشيعة إنما يزورون الإمام علي والأئمة من ولده (ع) ، لأنهم عباد الله الصالحون وأوصياء رسوله الصادقون.
وأما عبارة الرواية فهي كما يلي، على خلاف ما قاله الشيخ عبد السلام: " بأن يقف بجانب القبر يصلي " بل العبارة:
" أن يقف مستقبل القبلة مما يلي رأس الإمام (ع) " فيصبح القبر على يسار المصلي، فيقول: اللهم إني صليت هاتين الركعتين هدية مني إلى سيدي ومولاي ، وليك وأخي رسولك، أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله، اللهم فصل على محمد وآل محمد وتقبلها مني واجزني على ذلك جزاء المحسنين، اللهم لك صليت ولك ركعت ولك سجدت، وحدك لا شريك لك، لأنه لا تجوز الصلاة والركوع والسجود إلا لك، لأنك أنت الله لا إله إلا أنت.
بالله عليكم أيها الحاضرون! أنصفوا، أي عمل من هذه الأعمال يستوجب الشرك بالله تعالى؟!
الشيخ عبدالسلام: عجبا ألا تجد هذه العبارة تقول: ثم قبل العتبة وادخل الحرم.
ألم يكن هذا العمل سجودا لصاحب القبر؟!
والسجود لغير الله شرك.

" تقبيل قبور الأئمة (ع) وعتبة روضاتهم المقدسة "
قلت: إن جنابك تغالط في البحث، إذ تفسر تقبيل العتبة بالسجود ، ثم تحمل ذلك الشرك بالله سبحانه!! وإذا كنتم في حضورنا تفسرون كلامنا هكذا، فلابد في غيابنا وخاصة أمام أتباعكم من العوام والجاهلين، تثبتون كفرنا!!
وأما الجواب: فإن الوارد في هذا الكتاب وغيره من كتب الزيارات يقول: إن الزائر تأدبا يقبل العتبة... ليت شعري بأي دليل تفسرون القبلة بالسجود ؟!
وأين ورد نهي عن تقبيل قبور الأنبياء وأوصيائهم وغيرهم من أولياء الله الصالحين، وتقبيل أعتابهم المقدسة؟! في القرآن الكريم؟! أم في الحديث الشريف؟!
ثم بأي دليل تعدون هذا العمل شركا بالله العظيم؟!
والعجيب أن عوامكم يصنعون بقبر أبي حنيفة والشيخ عبد القادر أكثر مما تصنعه الشيعة بقبور أئمة أهل البيت (ع).
وإني أشهد الله العلي العظيم فقد ذهبت يوما إلى قبر أبي حنيفة في بغداد، في محلة الأعظمية، فرأيت جماعة من أهل السنة الهنود، سقطوا على الأرض كالساجدين وقبلوا التراب!!
وحيث إني لم أنظر إليهم بعين الحقد والعداء، ولم يكن عندي دليل على أن عملهم كفر وشرك، لم أنقل هذا الموضوع في أي مجلس، ولم أنتقد عملهم، بل تلقيته أمرا عاديا.
لأني أعلم أنهم ما وقعوا على الأرض بنية السجود لصاحب القبر، وهذا أمر بديهي.
فاعلم يا شيخ! وليعلم الحاضرون! إن أي زائر شيعي عالم أو جاهل حاشا أن يسجد لغير الله تعالى، وإن كلامكم على الشيعة: بأنهم يسجدون لأئمتهم، كذب وافتراء علينا!!
وعلى فرض أن الزائر يجعل جبهته على التراب أمام القبر، ولكن لما لم يقصد السجود لصاحب القبر وإنما يريد بذلك احترامه وإظهار محبته له، لم يكن فيه بأس وإشكال.
الشيخ عبدالسلام: كيف يعقل أن يهوي إنسان إلى الأرض ويجعل جبهته على التراب ومع ذلك لا يكون عمله سجودا؟!
قلت: لأن الأعمال بالنيات، فإذا فعل أحد ذلك ولم ينوي السجود فلا نحسب عمله سجودا(49) كما فعل إخوان يوسف الصديق له، ولم يمنعهم يوسف ولا أبوهم يعقوب من ذلك، والله سبحانه يخبر بعملهم ويحكيه ولا يقبحه، فيقول: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقّا)(50).
وكم من موضع من الذكر الحكيم يخبر الله عز وجل فيه عن سجود الملائكة لآدم بأمر منه سبحانه.
فحسب كلامكم، فإن إخوة يوسف الصديق والملائكة كلهم مشركون، إلا إبليس لأنه لم يسجد!! والحال لم يكن كذلك، وإنما جعل الله سبحانه اللعن على إبليس وأخرجه من الجنة.
وأما جوابي لجناب الحافظ، وإن كان الوقت لا يتسع له، ولكن أبينه باختصار:

بقاء الروح بعد الموت
إن شبهتكم حول الشيعة بأنهم لماذا يطلبون حوائجهم عند قبور الأموات؟!
إنما هو كلام الماديين والطبيعيين، فإنهم لا يعتقدون بالحياة بعد الموت، والله سبحانه يحكي قولهم في القرآن إذ قالوا: (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين)(51).
وأما الاعتقاد بالحياة بعد الموت، وأن الجسم يبلي بالموت ولكن الروح باقية، فهو من ضروريات دين الإسلام، وبالأخص حياة الشهداء، فقد صرح بها القرآن الكريم بقوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله..)(52) إلى آخره...
فهل يمكن للميت الفرح والسرور والارتزاق؟! لا!
ولذلك فإن الآية الكريمة تصرح بأنهم: (أحياء عند ربهم يرزقون) فكما أنهم يفرحون ويرزقون، فهم يسمعون الكلام ويجيبون، ولكن حجاب المادة على مسامعنا مانع من إحساسنا بكلامهم واستماع جوابهم.
وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في زيارة جده سيد الشهداء الحسين عليه السلام قوله: يا أبا عبدالله أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وأنك حي عند ربك ترزق، فأسأل ربك وربي في قضاء حوائجي.
وجاء في الخطبة 86 من نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام إذ يعرّف فيها أهل البيت عليهم السلام ويصفهم، فيقول:
أيها الناس! خذوها من خاتم النبيين: إنه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلى من بلى منا وليس ببال.
قال ابن أبي الحديد والميثمي والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، قالوا في شرح هذه الكلمات ما ملخصه:
" إن أهل بيت النبي (ص) لم يكونوا في الحقيقة أمواتا كسائر الناس " (53) فنقف عند قبور أهل البيت عليهم السلام والعترة الهادية، ولا نحسبهم أمواتا بل هم أحياء عند ربهم، ونحن نتكلم معهم كما تتكلمون أنتم مع من حولكم من الأحياء، فنحن لا نعبد الأموات كما تزعمون وتفترون علينا، بل نعبد الله سبحانه الذي يحفظ أجساد الصالحين من البلى، ويبقي أرواح العالمين بعد ارتحالهم من الدنيا (54).
وأنتم ألا تحسبون عليا عليه السلام، وابنه الحسين والذين استشهدوا بين يديه، وكذلك أصحاب النبي (ص) الذين قتلوا في بدر وحنين وغيرهما من غزواته، شهداء؟!
وهل إنكم لا تعتقدون أن هؤلاء الصفوة ضحوا بأنفسهم في سبيل الله وثاروا على ظلم بني أمية وكفر يزيد، وأنهم أنقذوا الدين الحنيف من براثن آل أبي سفيان، ورووا بدمائهم شجرة التوحيد والنبوة؟؟
فكما إن أصحاب رسول الله (ص) خاضوا المعارك وجاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الدين وكافحوا معارضي النبوة ومخالفي الرسالة لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الحق، كذلك الإمام علي عليه السلام وابنه الحسين وأصحابهما فقد جاهدوا في سبيل الله تعالى لإبقاء دينه وإنقاذ الإسلام حتى قتلوا واستشهدوا في سبيل الله.
وكل من عنده أدنى اطلاع عن تاريخ الإسلام بعد النبي (ص) يعلم بأن آل أبي سفيان وخاصة يزيد بن معاوية وأعوانه كادوا يقضون على الإسلام ويحرفوه عن مواضعه الإلهية بأعمالهم الإلحادية، وإن خطر هؤلاء المنافقين كان أشد على الإسلام والمسلمين من الكفار والمشركين.
والتاريخ يشهد أن لولا نهضة الإمام الحسين سبط رسول الله (ص) وجهاد أصحابه الكرام مستميتين، لتمكن يزيد بن معاوية أن يحقق هدف سلفه المنافقين الفجرة، وهو تشويه الإسلام وتغييره على الكفر والجاهلية الأولى.
فالحسين السبط وأنصاره وأصحابه الكرام عليهم السلام وإن سالت دماؤهم واستشهدوا، إلا أنهم فضحوا يزيد وحزبه وسلفه الفاسقين، وكشفوا عنهم الستار وعرفوهم للمسلمين.

دفاع الشيخ عبد السلام عن معاوية ويزيد
الشيخ: إني أتعجب منك إذ تصرح بكفر يزيد وهو خليفة المسلمين المنصوب من قبل معاوية، وهو خال المؤمنين وخليفتهم، وقد جعله عمر الفاروق والخليفة المظلوم عثمان واليا على بلاد الشام في طيلة أيام خلافتهما.
ولما رأى المسلمون أهليته وكفاءته للحكم بايعوه للخلافة، وهو جعل ابنه يزيد ولي العهد ليكون خليفته من بعده، ورضي به المسلمون فبايعوه بالخلافة!
فأنت حينما تعلن كفر يزيد وسلفه، فقد أهنت جميع المسلمين الذين بايعوه بالخلافة، وأهنت خال المؤمنين، بل أهنت الخليفتين الراشدين اللذين عينا معاوية واليا وممثلا عنهما في بلاد الشام!!
ولا نجد في التاريخ عملا ارتكبه يزيد فيكون سبب كفره وارتداده، فهو كان مؤمنا مصليا وعاملا بالإسلام، إلا أن عامله على العراق، قتل سبط النبي وريحانته وسبي حريمه وعياله وأرسلهم إلى يزيد في الشام!! فلما وصلوا إلى مجلس يزيد حزن واعتذر من أهل البيت واستغفر الله من أعمال الظالمين.
وإن الإمام الغزالي والدميري أثبتا براءة الخليفة يزيد من دم الحسين بن علي وأصحابه، فما تقولون؟!
ولو فرضنا أن وقائع عاشوراء الأليمة وفجائع كربلاء كانت بأمر من يزيد بن معاوية، فإنه تاب بعد ذلك واستغفر الله سبحانه، والله غفور رحيم!!

ردنا على كلام الشيخ
قلت: ما كنت أظن أن التعصب يبلغ بك إلى حد الدفاع عن يزيد العنيد!
وأما قولك: إن الخليفتين نصبا معاوية واليا وهو عين ولده يزيد خليفة على المسلمين فتجب طاعته عليهم! فهو كلام مردود عند العقلاء ولا سيما في هذا العصر عصر الديمقراطية.
ثم إن هذا الكلام لا يبرر موقف معاوية وعمل يزيد، بل هو يؤيد كلامنا ويدل على صحة معتقدنا بأنه يلزم أن يكون الخليفة معصوما ومنصوبا من عند الله سبحانه، حتى لا تبتلى الأمة برجل كيزيد ونظرائه.
وأما قولك: إن الإمام الغزالي أو الدميري وأمثالهما دافعوا عن يزيد وبرأوا ساحته عن فضائح الأعمال الشنيعة والجرائم القبيحة، لا سيما قتل سبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام!
فأقول: أولئك أيضا أعمتهم العصبية مثلكم، وقد قيل: إن حب الشيء يعمي ويصم، وإلا فأي إنسان منصف، وأي عاقل عادل يبرئ ذمة يزيد العنيد من دم السبط الشهيد وأصحابه الأماجد؟!
وأي عالم متدين ملتزم بالحق تسوغ نفسه ويسمح له دينه وعلمه أن يدافع عن مثل يزيد العنيد؟!
وأما قولك: إن قتل الحسين ريحانة رسول الله (ص) ما كان بأمره، وأنه اعتذر من أهل البيت وتاب واستغفر عن فعل عامله، فلو كان كذلك فلماذا لم يحاكم ابن زياد ولم يعاقب قتلة الحسين عليه السلام؟!
ولماذا لم يعزل أولئك المجرمين عن مناصبهم وهم شرطته وجلاوزته وأعوان حكومته؟!
ثم من أين تقولون إنه تاب واستغفر؟! وكيف تجزمون وتحتمون بأن الله سبحانه وتعالى قبل توبته وغفر له؟!
صحيح، إن الله عز وجل غفور رحيم، ولكن للتوبة شروط:
أولها: رد حقوق الناس، فهل رد يزيد حقوق أهل البيت والعترة الطاهرة.
ثم إن فضائح يزيد وقبائحه لم تنحصر في قتل السبط الشهيد وسبي نسائه ونهب أمواله وحرق خيامه.. إلى آخره، بل إنكاره ضروريات الدين، ومخالفته القرآن الكريم، وتظاهره بالفسق والمعاصي، كل واحد منها دليل على كفره وإلحاده.
النواب: أرجوك أن تبين لنا دلائلكم على كفر يزيد حتى نعرف الحقيقة ونتبع الحق.

دلائل كفر يزيد العنيد
قلت: من الدلائل الواضحة على كفر يزيد بن معاوية مخالفته لحكم الله سبحانه في حرمة شرب الخمر، فإنه كان يشرب ويتفاخر بذلك في أشعاره فقد قال وثبت في ديوانه المطبوع:
شميسة كرم برجها قعر دنّهــافمشرقها الساقي ومغربهـا فمـيفإن حرمت يوما على دين أحمدفخذها على دين المسيح بن مريم
وقال أيضا كما في ديوانه:
أقول لصحب صمّت الكاس شملهموداعي صبابات الهوى يترنّمخــذوا بنصـيـب مـن نعيم ولذةفكل وإن طال الـمدى يتصرم
فهو في هذين البيتين يدعو إلى لذة الدنيا ونعيمها وينكر الآخرة ، ومن شعره في إنكار الآخرة والمعاد، ما نقله أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه: ( الرد على المتعصب العنيد، المانع عن لعن يزيد لعنه الله) وهو:
عليـة هـاتي ناولي وترنميحديثك إني لا أحب التناجيافإن الذي حدثت عن يوم بعثناأحاديث زور تترك القلب ساهيا
ومن كفريّاته:
يا معشر الندمان قومواواسمعوا صوت الأغانيواشربوا كـأس مـدامواتركوا ذكر الـمـعانيشغلتني نغمة العيـدانعــن صـوت الأذانوتعوضت عن الحـورعـجوزا في الـدنـان
ومن الدلائل الواضحة على كفر يزيد وارتداده، أشعاره الإلحادية وكفرياته التي أنشدها بعد مقتل السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام.
فقد ذكر سبط ابن الجوزي في كتابه ـ التذكرة: ص148 ـ قال: لما جاءوا بأهل البيت إلى الشام سبايا، كان يزيد جالسا في قصره، مشرفا على محلة جيرون ، فأنشد قائلا:
لما بدت تلك الرؤوس وأشرقـتتلك الشموس على ربى جيروننعب الغراب قلت: نح أو لا تنحفلقد قضيت مـن النـبي ديونـي
ومن الدلائل على كفر يزيد العنيد لعنه الله:
فقد ذكر المؤرخون كلهم أن يزيد احتفل بقتل الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام ودعا إلى ذلك المجلس كبار اليهود والنصارى، وجعل رأس السبط الشهيد سيد شباب أهل الجنة أمامه، وانشد أشعار ابن الزبعرى:
ليت أشياخي ببدر شهدواجزع الخزرج من وقع الأسللأهلوا واستهلوا فرحاثم قالوا يا يزيد لا تشلقد قتلنا القرم من ساداتهموعدلناه ببدر فاعتدللعبت هــاشم بالملك فلاخبر جاء ولا وحي نزللست من خندف إن لم أنتقممن بني أحمد ما كان فعلقد أخذنا من علي ثارناوقتلنا الفارس الليث البطل
والظاهر أن البيت الثاني والأخير ليزيد نفسه.
وقد كتب بعض علمائكم مثل: أبي الفرج ابن الجوزي، والشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي في كتاب الاتحاف بحب الأشراف: ص 18، والخطيب الخوارزمي في الجزء الثاني من كتابه " مقتل الحسين ".
صرحوا: إن يزيد لعنه الله كان يضرب ثنايا أبي عبدالله الحسين بمقصرته ويترنم بهذه الأبيات التي نقلناها.

جواز لعن يزيد
إن أكثر علمائكم قالوا بكفر يزيد، منهم: الإمام أحمد بن حنبل ، وكثير من علمائكم جوزوا لعنه، منهم: ابن الجوزي الذي صنف كتابا في الموضوع وسماه: " الرد المتعصب العنيد المانع عن لعن يزيد لعنه الله " ولنعم ما قال أبو العلاء المعري:
أرى الأيام تفعل كل نكـرفما أنا في العجائب مستزيدأليس قريشكم قتلت حسيناوكان على خلافتكم يزيـد!!
وهناك عدد من علمائكم الذين أعمتهم العصبية الأموية، وضربت على عقولهم حجب الجاهلية، أمثال: الغزالي، فأخذوا جانب يزيد وذكروا أعذارا مضحكة لأعماله الإجرامية!!
ولكن أكثر علمائكم كتبوا عن جنايات يزيد وعدوه كفرا، وساعيا في محو الإسلام وإطفاء نور الله عز وجل، وذكروا له أعمالا منافية للتعاليم الإسلامية والأحكام الإلهية.
فقد نقل الدميري في كتابه " حياة الحيوان " والمسعودي في " مروج الذهب " وغيرهما، ذكروا: إن يزيد كان يملك قرودا كثيرة وكان يحبها فيلبسها الحرير والذهب ويركبه الخيل، وكذلك كانت له كلاب كثيرة يقلدها بقلائد من ذهب، وكان يغسلها بيده ويسقيها الماء بأواني من ذهب ثم يشرب سؤرها، وكان مدمنا على الخمر!!
وقال المسعودي في مروج الذهب ج2: إن سيرة يزيد كانت مثل سيرة فرعون، بل كان فرعون أقل ظلما من يزيد في الرعية، وإن حكومة يزيد صارت عارا كبيرا على الإسلام، لأنه ارتكب أعمالا شنيعة كشرب الخمر في العلن، وقتل السبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة، ولعن وصي خاتم النبيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقذف الكعبة بالحجارة وهدمها وحرقها، وإباحته مدينة رسول الله (ص) في وقعة الحَرَّة، وارتكب من الجنيات والمنكرات والفسق والفجور ما لا يعد ويحصى وكل ذلك ينبئ عن أنه غير مغفور له.
النواب: ما هي وقعة الحَرَّة، وما معنى إباحة المدينة المنورة بأمر يزيد؟؟!
قلت: ذكر المؤرخون كلهم من غير استثناء، منهم: سبط ابن الجوزي في التذكرة: 63، قال: إن جماعة من أهل المدينة في سنة 62 هجرية دخلوا الشام وشاهدوا جرائم يزيد وأعماله القبيحة وعرفوا كفره وإلحاده، فرجعوا إلى المدينة المنورة وأخبروها أهلها بكل ما رأوا، وشهدوا على كفر يزيد وارتداده، فتكلم عبد الله بن حنظلة ـ غسيل الملائكة ـ وكان معهم فقال:
أيها الناس! قد قدمنا من الشام من عند يزيد، وهو رجل لا دين له، ينكح الأمهات والبنات والأخوات!! ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويقتل أولاد النبيين!!
فنقض الناس بيعتهم ولعنوا يزيد وأخرجوا عامله من المدينة وهو: عثمان بن محمد بن أبي سفيان.
فلما وصل الخبر إلى يزيد في الشام بعث مسلم بن عقبة على رأس جيش كبير إلى الشام، وأمرهم أن يدخلوا المدينة المنورة ويقتلوا فيها من شاؤا ويفعلوا كل ما أرادوا ثلاثة أيام.
ذكر ابن الجوزي والمسعودي وغيرهما: إنهم لما هجموا على مدينة الرسول (ص) قتلوا كل من وجدوه فيها حتى سالت الدماء في الأزقة والطرق، وخاض الناس في الدماء حتى وصلت الدماء قبر النبي الأكرم (ص)، وامتلأت الروضة المقدسة والمسجد بالدم، وسميت تلك الوقعة بالحَرَّة، وكان ضحيتها عشرة آلاف من عامة المسلمين وسبعمائة قتيل من وجوه أهل المدينة وأشراف المهاجرين والأنصار!!
وأما الأعراض التي هتكت والنواميس التي سلبت، فإني أخجل أن أذكرها، فقد ارتكبوا فضائح وقبائح يندي منها جبين الإنسانية، ولكي تعرفوا شيئا قليلا، من تلك الفجائع والشنائع، أنقل لكم جملة واحدة من تذكرة سبط ابن الجوزي: ص 163، فإنه روى عن أبي الحسن المدائني أنه قال: ولدت ألف امرأة بعد وقعت الحَرَّة من غير زوج!!
نعم، هذه نبذة من جرائم يزيد العنيد، وعلى هذه فقس ما سواها.
الشيخ عبد السلام: كل ما ذكرته من أعمال يزيد إنما يدل على فسقه ولا يدل على كفره، والفسق عمل خلاف، يغفره الله سبحانه ويعفو عن عامله إذا تاب واستغفر، وإن يزيد تاب عن هذه الأعمال حتما، واستغفر به قطعا، والله تعالى غفار تواب، وقد غفر له كما يغفر لكل فاسق وعاص إذا تاب واستغفر، فلماذا أنتم تلعنون يزيد؟!
قلت: إن بعض المحامين من أجل المال يدافعون عن موكليهم إلى آخر فرصة حتى عندما يظهر بطلان كلامهم وإجرام موكلهم! ولا أدري ما الذي تناله يا شيخ بهذا الدفاع المرير عن يزيد اللعين الشرير؟! فتكرر كلامك الواهي من غير دليل وتقول : إن يزيد تاب واستغفر، وإن الله سبحانه غفر له!
هل جئت من عند الباري عز وجل فتخبر بأنه غفر ليزيد المجرم العنيد؟!
من أين تقول إنه تاب؟! ليس لك دليل إلا ظنك، و(إن الظن لا يغني من الحق شيئا)(55).
وإن جرائم يزيد المفجعة وأعماله الشنيعة مسطورة في التاريخ ولا يجحدها إلا المعاند المتعصب.
هل في نظركم أن إنكار المبدأ والمعاد والوحي والرسالة لا يوجب الكفر؟!
وهل في نظركم انه لا يجوز لعن الظالمين والكافرين؟!
أم هل في نظركم أن يزيد ما كان كافرا ولا ظالما؟!
ولكي تعرف ويعرف الحاضرون حقيقة الأمر، أسمعكم خبرين من صحاحكم:
1ـ ذكر البخاري ومسلم في الصحيح، والعلامة السمهودي في وفاء الوفا وابن الجوزي في " الرد المتعصب العنيد " وسبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواص " والإمام أحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم، رووا عن النبي (ص) أنه قال: من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
2ـ وقال (ص) لعن الله من أخاف مدينتي، أي: أهل مدينتي فهل فاجعة الحرة، وسفك تلك الدماء، وقتل المسلمين الأبرياء والتعدي على أعراضهم، وهتك حرماتهم، واغتصاب بناتهم ونسائهم، ونهب أموالهم، ما أخافت أهل المدينة؟!
فعلى هذا فإن أكثر علمائكم يلعنون يزيد، وقد كتبوا رسائل وكتبا في جواز لعنه، منهم: العلامة عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي، فقد ذكر في كتابه الإتحاف بحب الاشراف ص20، قال: لما ذكر يزيد عند الملا سعد الدين التفتازاني قال: لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.
وذكروا أن العلامة السمهودي قال في كتابه (جواهر العقدين): انه اتفق على جواز لعن من قتل الحسين (رضي الله عنه) أو أمر بقتله، أو أجازه، أو رضي به من غير تعيين.
وأثبت ابن الجوزي، وكذلك أبو يعلى والصالح بن أحمد بن حنبل، كلهم أثبتوا لعن يزيد بدليل آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية شريفة.
ولا يسمح لي الوقت لأن أذكر أكثر مما ذكرت، وفيه كفاية لمن أراد الهداية والابتعاد عن الغواية.
فالإمام الحسين بن علي عليه السلام حقه كثير وفضله كبير على الإسلام والإنسانية، فقد جاهد وكافح مثل هذا الظالم الفاجر، وفضحه في العالم، وأنقذ الدين من براثن كفر يزيد وحزبه الظالمين الفاسقين المنافقين.
وإني أتأسف لما يصدر منكم، فبدلا من أن تقدروا هذا الجهاد العظيم للحسين السبط، وتقدروا تضحياته القيمة وتفانيه في سبيل الله سبحانه، فتؤبنوه في كل عام وتحيوا يوم عاشوراء بتشكيل المجالس والمحافل، وتقرءوا على المسلمين تاريخه المبارك، وتلقوا على الناس خطبه وكلماته التي يبين فيها أسباب نهضته المقدسة وأهدافه السامية، ويفضح فيها يزيد وبني أمية وحزبهم.
وبدل أن تذهبوا لزيارة مرقده الشريف وتقفوا أمامه وقفة إجلال وإكرام واحترام، فتستلهموا منه الإيمان واليقين، وتتعلموا منه التضحية والتفاني في سبيل الدين.
بدل كل ذلك، تعارضون الملايين من شيعته ومحبيه الذين يؤدون له الاحترام ويقدرون نهضته المباركة وجهاده العظيم، وينظرون إليه نظرة إكبار وإجلال، ويبكون ويحزنون لما أصابه من أعدائه الظالمين، ويزورون مرقده المقدس بلهفة وخشوع.
وإنكم ترمونهم بالكفر والشرك، وتعبرون عن زيارة تلك المراقد المشرفة بعبادة الأموات!!

رمز قبر الجندي المجهول
جرت العادة في أكثر بلاد العالم وخاصة البلاد المتقدمة الأوربية والدول الحضارية، أنهم يشيدون مبنى على شكل قبر رمزي باسم: الجندي المجهول، ويصرفون أموالا باهظة في إنشائه، ويعينون مديرا مسؤولا وبإمرته موظفين لإدارته والمحافظة عليه.
فيأخذون ضيوف الدولة وهم شخصيات البلدان الأخرى كرؤساء الجمهوريات ورؤساء الدول والوزراء والممثلين عنهم، إلى ذلك القبر الوهمي، فيقفون وقفة خشوع واحترام، ويؤدون المراسيم التي تنبئ عن تجليل وتعظيم ذلك المكان الذي ليس هو إلا قبر رمزي قام ببنائه وشيدت أركانه لإحياء اسم الجندي الذي دافع عن وطنه وضحى نفسه في سبيل حرية شعبه وبلاده.
ولم يكن في العالم، ولا يوجد هناك عاقل يعارض هذا العمل وينهى عنه. بل كاد أن يكون من المراسيم الواجبة عند الحكومات والدول المتقدمة.
ولكن نجدكم تعارضون الشيعة وتنكرون عملهم حينما يقفون أمام قبور شهداء الإسلام وخاصة شهداء العترة الهادية وهم جنود لله سبحانه، المعلومون المعروفون في السماوات والأرضين.
وتنتقدون الشيعة لوقوفهم أمام تلك القبور التي لم تكن وهمية وخالية أو خيالية، بل هي مراقد أطهار ومراكز أنوار، تتضمن أشخاص كان لهم الأثر العظيم في بناء حضارة البشر وإنسانية الإنسان، تتضمن أجسادا تشع منها أنوار العلم والفضيلة، وأنوار الإيمان والإحسان، وتذكر زائريها بالمثل العليا وتلهمها الصبر والجهاد وصفات الأمجاد، وكل خصال الخير والأخلاق الحميدة.
فالشيعي يقف أمام تلك القبور المقدسة والمراقد الطاهرة ويخاطب أصحابها الذين تحسبونهم أمواتا، والله يقول: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)(56).
لذلك يخاطبهم الشيعي فيقول:
" أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، وولي لمن والاكم، وعدو لمن عاداكم " وهو يعلن بهذه العبارات الرائعة أنه سائر على خط الجهاد في سبيل الله تعالى ونيل الشهادة من أجل الدين والعقيدة.. وأنتم تنتقدون الشيعة وتنكرون عليهم زيارة تلك القبور المقدسة!!
وطائفة أخرى ـ وهم الوهابيون ـ يهدمون تلك المراقد المباركة، ويخربون تلك القباب الطاهرة، ويهتكون حرمتها، ويقتلون زوارها، كما حدث في سنة 1216 هجرية في الثامن عشر من شهر ذي الحجة في يوم الغدير، وكان أهالي كربلاء أكثرهم قد ذهبوا إلى زيارة مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) في النجف الأشرف، وبقيت النساء والأطفال والعجزة والمرضى في المدينة، فاغتنم الوهابيون هذه الفرصة وهجموا من الحجاز على كربلاء المقدسة، وهدموا قبر أبي عبد الله الحسين (ع) وقبور الشهداء من صحبه الكرام، ونهبوا خزانة الحرم الشريف التي كانت تحتوي على ثروة عظيمة لا تثمن من هدايا الملوك وغيرهم.
وقد أبدوا وحشية وضراوة لا نظير لها، فما رحموا حتى النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، فقتلوا خلقا كثيرا حتى بلغ عددهم أكثر من خمسة آلاف، وأسروا جمعا آخر وساقوهم معهم فباعوهم في الأسواق!!
وهكذا صنعوا ما صنعوا وارتكبوا ما ارتكبوا باسم الدين المبين وشريعة سيد المرسلين وهو منهم برئ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

هدم قبور أهل البيت (ع) في البقيع
إن الأمم المتمدنة في العالم تبني قبور شخصياتها من العلماء والقادة والملوك والزعماء وتحافظ عليها وتحترمها، وحتى القبور الوهمية والمراقد الرمزية باسم قبر الجندي المجهول.
ولكن مع الأسف الشديد، إن فرقة من الذين يدعون أنهم مسلمون، ويزعمون أن مخالفيهم في عقائدهم الشاذة التي ما أنزل الله بها من سلطان، مشركون، وهي الفرقة الوهابية، هجموا بكل وحشية، بالأسلحة الفتاكة، الجارحة والنارية، على مراقد أئمة أهل البيت النبوي (ع) ومنتسبيهم في البقيع بالمدينة المنورة وهدموا قبابهم المقدسة، وساووا قبورهم ومراقدهم الطاهرة بالأرض، وسحقوها سحقا، وذلك في اليوم الثامن من شوال سنة 1324 هجرية.
فكأنهم أسفوا على عدم وجودهم مع أسلافهم الذين رشقوا جنازة الحسن المجتبى السبط الأكبر للنبي المصطفى بالسهام والنبال،أو مع أسلافهم الذين سحقوا جسد الحسين الشهيد سبط الرسول وقرة عين الزهراء البتول وأجساد أهله وأنصاره المستشهدين معه بخيولهم.
ولكن إذا لم يدركوا ذلك الزمان ولم ينالوا من أجساد آل النبي الكرام، فقد نالوا من قبورهم وسحقوا مراقدهم المقدسة!
فتلك قبور أبناء رسول الله وعترته الطاهرة في البقيع، وقبور شهداء أحد وسيدهم حمزة سيد الشهداء (ع) في أحد، وقبور غيرهم من الصحابة الكرام، مهدومة مهجورة، ليس هناك سقف يستظل به الزائرون، ولا مصباح وسراج يستضيء بنوره الوافدون، بمرأى من المسلمين، وهم أحق من غيرهم بحفظ تلك المعالم الفاخرة والمراقد الطاهرة، فقد قال النبي (ص): حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا. وكم عندنا وعندكم من الأخبار الصحيحة المروية في فضل زيارة قبور المؤمنين، وأن رسول الله (ص) يذهب إلى البقيع ويستغفر للأموات ولنعم ما قيل:
لمن القبور الدارسات بطيبةعفت لها أهل الشقا آثاراقل للذي أفتى بهدم قبورهمأن سوف تصلى في القيامة ناراأعلمت أي مراقد هدمتها؟!هي للملائك لا تزال مزارا
فلم هذه المعاملة السيئة مع آل النبي (ص) ومع أئمة أهل البيت (ع)؟! وهم الذين جعلهم الله عز وجل في المرتبة العليا والدرجة العظمى، وجعلهم سادة المسلمين وقادة المؤمنين.
الحافظ: إنكم تغالون في حق أئمتكم، ما الفرق بينهم وبين سائر أئمة المسلمين؟! إلا أنهم يمتازون بانتسابهم إلى النبي الأكرم (ص)، وليس لهم أي فضل آخر على غيرهم!
قلت: هذا مقال من يجهل قدرهم ولا يعرف شأنهم ومقامهم! ولو تركتم التعصب والعناد، ودرستم حياتهم وسيرتهم دراسة تحقيق وإمعان، لعرفتم كيف هم أفضل من أئمتكم، ولأقررتم أن أئمتنا هم وحدهم يمثلون جدهم رسول الله (ص) في علمه وحلمه وصفاته وأخلاقه وسيرته وسلوكه.
وبما أن الوقت لا يتسع لخوض هذا البحث أختم حديثي وأدع هذا المبحث الهام إلى مجلس آخر إنشاء الله تعالى.
فوافق الحاضرون كلهم وتركوا المجلس مودعين، فخرجت إلى الباب لتوديعهم أيضا.


من مواضيع : زكي الياسري 0 كليب واحسيناه / لطمية للاربعين 1434 حصرياً على قناة انا شيعي
0 ذكرى من الحسين / الرادود السيد حيدر الكيشوان
0 ثورة الحب الصادقة .. لطمية فصيحة للاربعين
0 وصي المرتضى / لطمية فصيحة للامام الحسن المجتبى عليه السلام
0 بصوت الرادود الحاج حسن الحواج / قصيدة العليلة فاطمة ع 1434
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليالي بيشاور, الرافضه, الرد على الروافض, ابو بكر, اسلام, اهل السنه و الجماعه, muslim shia sunna, عمر, عبدة القبور


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 03:25 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية