ج1ص92
قال : وأتى الحسن ابن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان وقد سبقه ابن العباس رحمه الله فأمر معاوية بإنزاله فبينا معاوية مع عمرو بن
العاص ومروان بن الحكم وزياد المدعى إلى أبي سفيان يتحاورون في قديمهم ومجدهم إذ قال معاوية : قد أكثرتم الفخر ولو حضركم الحسن بن علي وعبد الله بن عباس لقصروا من أعنتكم ، فقال زياد : وكيف ذاك يا أمير المؤمنين وما يقومان لمروان ابن الحكم في غرب منطقه ولا لنا في بواذخنا فابعث إليهما حتى نسمع كلامهما . فقال معاوية لعمرو : ما تقول في هذا الليل فابعث إليهما في غد ، فبعث معاوية بابنه يزيد إليهما فأتيا فدخلا عليه وبدأ معاوية فقال : إني أجلكما وأرفع قدركما على المسامر بالليل ولا سيما أنت يا أبا محمد فأنك ابن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسيد شباب أهل الجنة . فشكر له ، فلما استويا في مجلسهما علم عمرو أن الحدة ستقع به فقال : والله لابد أن أتكلم فإن قهرت فسبيل ذلك وإن قهرت أكون قد ابتدأت . فقال يا حسن أنا قد تفاوضنا فقلنا إن رجال بني أمية أصبر على اللقاء وأمضى في الوغاء وأوفى عهداً وأكرم ضيماً وأمنع لما وراء ضهورهم من بني عبد المطلب ، ثم تكلم مروان بن الحكم فقال : كيف لا يكون ذلك وقد قارعناهم فغلبناهم وحاربناهم فملكناهم فإن شئنا عفونا وإن شئنا بطشنا . ثم تكلم زياد فقال : ما ينبغي لهم أن ينكروا الفضل لأهله ويجحدوا الخير في مظانه نحن الحملة في الحروب ولنا الفضل على سائر الناس قديماً وحديثاً ، فتكلم الحسن بن علي رضي الله عنه فقال : ليس من الحزم أن يصمت الرجل عن إيراد الحجة ولكن من الأفك أن ينطق الرجل بالخنا ويصور الكذب في صورة الحق يا عمرو افتخاراً بالكذب وجراءة على الأفك ما زلت أعرف مثالبك الخبيثة أبديها مرة بعد مرة أتذكر مصابيح الدجى وأعلام الهدى وفرسان الطراد وحتوف الأقران وأبناء الطعان وربيع الضيفان ومعدن العلم ومهبط النبوة ؟ وزعمتم أنكم أحمى لما وراء ظهوركم وقد تبين ذلك يوم بدر حين نكصت الأبطال وتساورت الأقران واقتحمت الليوث ، واعتركت المنية وقامت رحاها على قطبها ، وفرت عن نابها ، وطار شرار الحرب ، فقتلنا رجالكم ومن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على ذرايكم ، وكنتم لعمري في هذا اليوم غير مانعين لما وراء ظهوركم من بني عبد المطلب ثم قال : وأما أنت يا مروان فما أنت والإكثار في قريش وأنت ابن طليق وأبوك طريد تتقلب في خزاية إلى سوءة ، وقد أتى بك إلى أمير المؤمنين يوم الجمل
فلما رأيت الضرغام قد دميت براثنه ، واشتبكت أنيابه كنت كما قال الأول : بصبصن ثم رمين بالأبعار فلما من عليك بالعفو وأرخى خناقك بعد ما ضاق عليك وغصصت بريقك لا تقعد منا مقعد أهل الشكر ولكن تسوينا وتجارينا ، ونحن من لا يدركنا عار ولا يلحقنا خزاية ، ثم التفت إلى زياد وقال : وما أنت يا زياد وقريش ما أعرف لك فيها أديماً صحيحاً . ولا فرعاً نابتاً ولا قديماً ثابتاً ولا منبتاً كريماً ، كانت أمك بغياً يتداولها رجالات قريش وفجار العرب ، فلما ولدت لم تعرف لك العرب والدا فادعاك هذا - يعني معاوية - فما لك والافتخار ؟ تكفيك سمية ويكفينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي سيد المؤمنين الذي لم يرتد على عقبيه وعماي حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار في الجنة ، وأنا وأخي سيدا شباب أهل الجنة ، ثم التفت إلى ابن العباس فقال : إنما هي بغاث الطير انقض عليها البازي ، فأراد ابن العباس أن يتكلم فأقسم عليه معاوية أن يكف فكف ، ثم خرجا ، فقال معاوية : أجاد عمرو الكلام أولا لولا أن حجته دحضت ، وقد تكلم مروان لولا أنه نكص ثم التفت إلى زياد فقال : ما دعاك إلى محاورته ما كنت إلا كالحجل في كف العقاب . فقال عمرو : أفلا رميت من ورائنا ؟ قال معاوية : إذا كنت شريككم في الجهل أفأفاخر رجلاً ، رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جده وهو سيد من مضى ومن بقي وأمه
فاطمة سيدة نساء العالمين ثم قال لهم : والله لئن سمع أهل الشام ذلك أنه للسوءة السواء . فقال عمرو : لقد أبقى عليك ولكنه طحن مروان وزياداً طحن الرحى بثفالها ووطئهما وطئ البازل القراد بمنسمه ، فقال زياد : والله لقد فعل ولكنك يا معاوية تريد الإغراء بيننا وبينهم لا جرم والله لا شهدت مجلساً يكونان فيه إلا كنت معهما على من فاخرهما ، فخلا ابن عباس بالحسن رضي الله عنه فقل بين عينيه وقال : أفديك بابن عمي والله ما زال بحرك يزخر وأنت تصول حتى شفيتني من أولاد البغايا