|
شاعر
|
رقم العضوية : 39574
|
الإنتساب : Aug 2009
|
المشاركات : 1,995
|
بمعدل : 0.36 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
زكي الياسري
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 14-01-2010 الساعة : 05:54 AM
المجلس العاشر
ليلة الأحد ـ الثالث من شعبان المعظم 1345 هجرية
اجتمع القوم أول الليل ـ وكان صاحب البيت قد استعد للاحتفال بذكرى ميلاد الإمام أبي عبد الله الحسين (ع) سبط رسول الله (ص) الذي يصادف ذلك اليوم فهيأ الفواكه والحلويات، وبعد تناولها، بدأ حضرة النواب عبد القيوم خان وقال:
أيها العلماء! اسمحوا لي بطرح سؤال قبل أن تدخلوا في موضوع الليلة الماضية، والسؤال موجه لسماحة السيد وأطلب منه الجواب.
قلت: أنا على أتم الاستعداد لذلك.
سؤال: حول علم عمر
النواب: اجتمع في بيتي صباح هذا اليوم كثير من الأصدقاء والأقرباء، وكان بعضهم ممن لازم حضور مجالس البحث والحوار في كل الليالي الماضية، وشرعوا بالحديث عن المناقشات والموضوعات التي طرحت فيها، وأبدوا آراءهم في النتائج الحاصلة منها، وكانت الصحف والمجلات التي نقلت تلك الأبحاث والمناظرات موجودة عندهم يراجعونها عند الضرورة، وكان كلام الحاضرين يدور حول المواضيع المطروحة. وإذا بولدي (عبدالعزيز) ـ وهو طالب في إحدى المدارس الإسلامية ـ يقول: إن أستاذنا المعلم ـ قبل أيام ـ تكلم خلال الدرس عن الصحابة الذين برزوا وامتازوا في علم الفقه فذكر الخليفة عمر، والإمام علي كرم الله وجهه، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وعكرمة، وزيد بن ثابت (رضي الله عنهم) وقال بأن عمر بن الخطاب كان أبرزهم في علم الدين وأفقههم في أحكام الشرع المبين. حتى أن علي بن أبي طالب الذي اشتهر بعلمه وفقهه كان في بعض المسائل يتحير فيراجع الفاروق عمر بن الخطاب ويحصل على الجواب.
قال النواب: والجدير بالذكر أن أهل مجلسنا الحاضرين في داري كلهم أيدوا ما نقله ولدي عن معلمه، وقالوا بأن علماءنا أيضا يقولون بذلك، وهو ثابت عند كل المسلمين.
ولكني بقيت ساكتا متوقفا في الموضوع، لأني جاهل وليس لي علم بالتاريخ والسيرة حتى أعرف صحة مقال المعلم أو خطئه. لذلك وعدت ولدي والحاضرين أن أطرح هذا الموضوع هذه الليلة في مجلسنا هذا، لكي نستفيد من محضر العلماء الحاضرين لاسيما سماحة السيد المعظم.
أفيدونا! جزاكم الله خير جزاء المحسنين.
قلت: كلام هذا المعلم يثير تعجبي، ولكن العوام لا يؤاخذون في مثل هذه الأمور، لأنهم غالبا يسلكون طريق الإفراط والتفريط، وهذا المعلم الجاهل سلك سبيل الغلو والإفراط، لأنه ادعى ما لم يقله أحد من علمائكم، حتى أن ابن حزم لما ذكر في بعض مقالاته هذا الأمر المخالف للواقع، خطأه كبار علمائكم وردوا عليه مقالته، والجدير بالذكر أن عمر بن الخطاب هو أيضا ما ادعى هذا الأمر في حياته، وربما لم يرض من أحد أن يقول ذلك.
نعم ذكر أكثر المؤرخين سياسة عمر، وإرادته وفطنته، ولكنهم لم يذكروا فقهه وعلمه بأحكام الدين، بل ذكروا أنه جهل كثيرا من المسائل التي طرحت عليه وعجز عن الجواب، فراجع فيها ابن مسعود أو الإمام علي بن أبي طالب (ع) بالمدينة المنورة.
وقد قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أن عبدالله بن مسعود كان من فقهاء المدينة، وكان عمر بن الخطاب يصحبه معه ولا يفارقه ليرجع إلى رأيه في المسائل الفقهية.
الشيخ عبدالسلام: كأنك تريد أن تقول بأن عمر الفاروق (رض) ما كان يعلم المسائل الفقهية والأحكام الشرعية فيحتاج إلى ابن مسعود أو الإمام علي (رضي الله عنهما)، وهذا ما لم نسمعه من قبل اليوم.
قلت: أيها الشيخ لا تهرج ولا تغالط، فإني ما قلت بأن عمر ما كان يعلم المسائل الفقهية، وإنما قلت إنه في كثير من المسائل كان يراجع الإمام علي (ع) أو ابن مسعود أو ابن عباس، لأنه كان يجهلها.
نعم أقول ولا أنكر ما قلت: أن عمر بن الخطاب كان يجهل كثيرا من المسائل والأحكام الدينية، وهذا ليس من عندي بل ذكره كبار أعلامكم، والجدير بالذكر ما رواه علماؤكم في الكتب المعتبرة والمصادر المنتشرة، عن اعتراف الخليفة بذلك في قضايا جديرة ومناسبات كثيرة.
الشيخ عبدالسلام: لو سمحت...اذكر لنا من تلك القضايا حتى نعرفها.
كل الناس افقه من عمر حتى ربات الحجال
لقد ذكر كثير من علمائكم وأعلام محدثيكم ومفسريكم بطرق شتى وألفاظ مختلفة والمعنى واحد، أن الخليفة عمر صعد المنبر في المسجد وخطب فقال: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي (ص) إلا ارتجعت ذلك منها، فردت عليه امرأة قائلة: ما جعل الله لك ذلك، إنه تعالى قال في سورة النساء: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا)(1)؟
فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر، حتى ربات الحجال! ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟!
هذا نص ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج1 / 182، ط إحياء الكتب العربية، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور: ج2 /133 وابن كثير في تفسيره: ج1 / 368، والزمخشري في تفسير الكشاف: ج1/ 357، والنيسابوري في غرائب القرآن: ج1 / في تفسير الآية الكريمة، والقرطبي في تفسيره: ج5 / 99، وابن ماجه في السنن: ج1، والسندي في حاشية السنن: ج1/583، والبيهقي في السنن: ج7 / 233، والقسطلاني في إرشاد الساري: ج8 / 57، والمتقي في كنز العمال: ج8 298، والحاكم النيسابوري في المستدرك: ج2 /177، والباقلاني في التمهيد/199، والعجلوني في كشف الخفاء: ج1 / 270، والشوكاني في فتح القدير: ج1 / 407، والذهبي في تلخيص المستدرك، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، وابن الأثير في النهاية، وغيرهم رووا بأسانيدهم عن طرق متعددة هذا الخبر وإن كانت ألفاظ بعضهم مختلفة، ولكنهم متفقون في المعنى.
فتحصّل من الخبر أنّ عمر كان جاهلا حتى بالأحكام المنصوصة في القرآن الحكيم.
الشيخ عبدالسلام: كلامكم مردود، فإن الخليفة عمر(رض) كان عارفا بكتاب الله العزيز وكان
حافظا لكثير من القرآن. وإنما أراد من كلامه حمل الناس على العمل والالتزام بسنة رسول الله(ص).
قلت: يا شيخ... لقد اجتهد الخليفة فأخطأ، وقد اعترف بخطئه ، وتراجع عن قوله، وإن إصرارك لتصحيح خطأ الخليفة ذنب لا يغفر لأن الخليفة قد أخطأ .. جاهلا بالآية الكريمة، ولما ردت عليه المرأة، قبل منها، وتريد أنت تصحيح الخطأ بعد ما علمت أنه مخالف لكتاب الله عز وجل.
ولا يخفى أن جهل الخليفة بكلام الله عز وجل لم ينحصر في هذا المورد، بل هناك مورد آخر،
نقله أيضا كبار أعلامكم، ورواه كل المؤرخين من غير استثناء.
إنكار عمر موت رسول الله(ص)
اتفق أصحاب الحديث والتاريخ أن رسول الله(ص) لما توفي أنكر عمر موته، وكان يحلف بأن النبي (ص) ما مات ولا يموت، فلو كان عمر يحفظ القرآن أو يتفكر فيه، ما أنكر موت رسول الله (ص) لقوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون)(2).
وقوله سبحانه: ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)(3).
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج2 / 40، ط دار إحياء الكتب العربية: وروى جميع أصحاب السيرة أن رسول الله (ص) لما توفي كان أبو بكر في منزله في السنح، فقام عمر بن الخطاب فقال: ما مات رسول الله صلى الله عليه ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته، لا أسمع رجلا يقول: مات رسول الله إلا ضربته بسيفي.
فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول الله (ص) وقال: بأبي وأمي! طبت حيا وميتا، ثم خرج
والناس حول عمر، وهو يقول لهم: إنه لم يمت ويحلف، فقال له: أيها الحالف، على رسلك! ثم قال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله تعالى: (أنك ميت وإنهم ميتون)(4).
وقال عز وجل: (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)(5).
قال عمر: فوالله ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض، وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه قد مات.
فإذا كان عمر تاليا لكتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار ، عارفا لرموز القرآن وتعاليمه، ما أنكر موت النبي (ص) جازما بحيث يحلف عليه ويهدد من خالفه في معتقده بالسيف!!
وأما جهله وعدم معرفته بأحكام الله سبحانه فمذكور أيضا في كتب أعلامكم. ولقد اشتهر عنه في ذلك قضايا كثيرة لم ينكرها أحد من علمائكم، وأنا أذكر بعضها لينكشف الواقع للحاضرين.
لولا علي لهلك عمر
(1) الزناة الخمسة
روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين قال: في خلافة عمر بن الخطاب، جاؤا بخمسة رجال زنوا بامرأة وقد ثبت عليهم ذلك. فأمر الخليفة برجمهم جميعا. فأخذوهم لتنفيذ الحكم، فلقيهم الإمام علي بن أبي طالب وأمر بردهم، وحضر معهم عند الخليفة وسأله هل أمرت برجمهم جميعا؟ فقال عمر: نعم فقد ثبت عليهم الزنا ، فالذنب الواحد يقتضي حكما واحدا.
فقال علي: ولكن حكم كل واحد من هؤلاء الرجال يختلف عن حكم صاحبه.
قال عمر: فاحكم فيهم بحكم الله فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: علي أعلمكم، وعلي أقضاكم.
فحكم الإمام علي (ع) بضرب عنق أحدهم، ورجم الآخر، وحد الثالث وضرب الرابع نصف الحد، وعزر الخامس.
فتعجب عمر واستغرب فقال: كيف ذلك يا أبا الحسن؟!
فقال الإمام علي: أما الأول: فكان ذميا، زنى بمسلمة فخرج عن ذمته، والثاني: محصن فرجمناه، وأما الثالث: فغير محصن فضربناه الحد، والرابع: عبد مملوك فحده نصف، وأما الخامس: فمغلوب على عقله فعزرناه.
فقال عمر: لولا علي لهلك عمر، لا عشت في أمة لست فيها يا أبا الحسن!
(2) الزانية الحامل
ذكر كثير من أعلامكم منهم: أحمد في المسند، والبخاري في الصحيح، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، والقندوزي في الينابيع / باب الرابع عشر / عن مناقب الخوارزمي، والفخر الرازي في الأربعين/ 466، والمحب الطبري في الرياض ج2/ 196 وفي ذخائر العقبى/ 80، والخطيب الخوارزمي في المناقب / 48، ومحمد بن طلحة العدوي النصيبي في مطالب السئول / الفصل السادس، والعلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / آخر باب 59 ـ والنص للأخير ـ قال: روى أن امرأة أقرت بالزنا، وكانت حاملا فأمر عمر برجمها، فقال علي (ع) إن كان لك سلطان عليها فلا سلطان لك على ما في بطنها. فترك عمر رجمها(6).
(3) المجنونة التي زنت
وكذلك روى أحمد في المسند، والمحب الطبري في ذخائر العقبى / 81 وفي الرياض / 196، والقندوزي في الينابيع / باب14، وابن حجر في فتح الباري: ج12 /101، وأبو داود في السنن: ج2 /227، وسبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان [ فصل في قول عمر بن الخطاب: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن]، وابن ماجه في السنن : ج2 /227، والمناوي في فيض القدير: ج4/ 357، والحاكم في المستدرك: ج2 /59، والقسطلاني في إرشاد الساري: ج10/9، والبيهقي في السنن: ج6 / 264، والبخاري في صحيحه باب لا يرجم المجنون والمجنونة، هؤلاء وغيرهم من كبار أعلامكم رووا بأسانيدهم من طرق شتى قالوا: أتى عمر (رض) بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا ليرجموها فرآهم الإمام علي (ع) في الطريق، فقال: ما شأن هذه؟ فأخبروه فأخلى سبيلها، ثم جاء إلى عمر فقال له: لم رددتها؟ فقال (ع): لأنها معتوهة آل فلان، وقد قال رسول الله (ص): رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق.
فقال عمر: لولا علي لهلك عمر(7).
ولقد ذكر ابن السمان في كتابه [الموافقة] روايات كثيرة من هذا القبيل فيها قد أخطأ عمر في الحكم، حتى وجدت في بعض الكتب قريبا من مائة قضية من هذا القبيل، ولكن ما نقلناه من كتب الأعلام يكفي لإثبات المرام.
وإنما نقلت هذه الروايات، تبيانا للحق وكشفا للحقيقة، حتى يعرف حضرة النواب وابنه عبدالعزيز وذلك المعلم الذي زعم كذبا وادعى باطلا، ويعرف الذين أيدوا مقال المعلم الجاهل وصدقوه عن جهلهم، ويعرف الحاضرون أجمع، بأن الخليفة عمر بن الخطاب ربما كان عارفا بالسياسة وإدارة البلاد وتسيير العباد، ولكن ما كان عالما بالفقه والأحكام الدينية وما كان عارفا بدقائق كلام الله العزيز وحقائق كتابه المجيد(8).
ولقد اتفق جل علماء الإسلام أو كلهم، وثبت بالدلائل الواضحة والشواهد اللائحة أن أمير المؤمنين (ع)أعلم أصحاب رسول الله (ص) وأقضاهم وأعرفهم بالفقه وأحكام الدين. وصرح بهذا الرأي كثير من علماء السنة وأعلامهم، منهم: العلامة نور الدين بن صباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة / الفصل الثالث في ذكر شيء من علومه قال: فمنها علم الفقه الذي وهو مرجع الأنام ومنبع الحلال والحرام، فقد كان علي مطلعا على غوامض أحكام الإسلام، منقادا له جامحه بزمامه، مشهودا له فيه بعلو محله ومقامه. ولهذا خصه رسول الله (ص) بعلم القضاء، كما نقله الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمة الله عليه في كتابه المصابيح، مرويا عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) لما خصص جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة خصص عليا بعلم القضاء، فقال صلى الله عليه وسلم: وأقضاهم علي (ع).
وروى هذا الحديث أيضا محمد بن طلحة العدوي في كتابه مطالب السئول / الفصل السادس / قال: ومن ذلك ـ أي الأحاديث الواردة في علم الإمام علي ـ ما نقله القاضي الإمام أبو محمد الحسين ابن مسعود البغوي: أن رسول الله (ص) خصص جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة وخصص عليا بعلم القضاء. فقال: وأقضاهم علي (ع).
قال محمد بن طلحة: وقد صدع بالحديث بمنطوقه وصرح بمفهومه أن أنواع العلم وأقسامه قد
جمعها رسول الله (ص) لعلي (ع) دون غيره. وبعد تفصيل الحديث والخبر قال في أواخر الصفحة: فالنبي (ص) قد أخبر بثبوت هذه الصفة العالية لعلي (ع) مع زيادة فيها على غيره بصيغة (أفعل التفضيل) ولا يتصف بها إلا بعد أن يكون كامل العقل، صحيح التمييز، جيد الفطنة، بعيدا عن السهو والغفلة، يتوصل بفطنته إلى وضوح ما أشكل وفصل ما أعضل، ذا عدالة تحجزه أن يحوم حول حمى المحارم، ومروة تحمله على محاسن الشيم ومجانبة الدنايا، صادق اللهجة ظاهر الأمانة، عفيفا على المحظورات ، مأمونا في السخط والرضا، عارفا بالكتاب والسنة، والاختلاف، والقياس ولغة العرب بحيث يقدم المحكم على المتشابه والخاص على العام والمبين على المجمل والناسخ على المنسوخ... وبعد تفصيل وشرح مبسط للعلوم اللازمة للقضاء، قال: فظهر لك أيدك الله تعالى أن رسول الله (ص) حيث وصف عليا (ع) بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلا فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوعة الأقسام فرعا وأصلا ، وكفى بذلك دلالة لمن خص بهدية الهداية قولا وفعلا على ارتقاء علي (ع) في مناهج معارج العلوم إلى المقام الأعلى... الخ.
والجدير بالذكر أن عمر بن الخطاب ـ الذي يحسبه الجاهلون المتعصبون أمثال ذاك المعلم ومؤيديه بأنه أفقه وأعلم من الإمام علي (ع) قد أعلن كرات ومرات وقال: لولا علي لهلك عمر، أو بعبارات أخرى تتضمن نفس المعنى، حتى أن كبار علمائكم قالوا: أن عمر في سبعين موضع حينما عجز عن الفصل والقضاء راجع علي بن أبي طالب، ولما حكم في القضية وبين الدلائل الشرعية والعقلية في حكمه وقضائه، قال عمر: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.
ولقد قال أحمد بن حنبل في المسند، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى كما نقل عنهما الحافظ القندوزي في ينابيع المودة / باب 56، وكذلك في كتاب الرياض النضرة للطبري أيضا: ج2/195، رووا أن معاوية قال: إن عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيء أخذ من علي بن أبي طالب.
ونقل أبو الحجاج البلوي في كتابه " الف باء " ج1 / 222 قال: لما وصل معاوية خبر قتل علي (ع)، قال: لقد ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب.
وهكذا يروى عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان عمر(رض) يتعوذ من معضلة ليس لها أبوالحسن(9).
وقال أبو عبدالله محمد بن علي الترمذي في شرح " الفتح المبين ": كانت الصحابة (رضي الله عنهم) يرجعون إليه ـ أي إلى علي(ع) ـ في أحكام الكتاب ويأخذون عنه الفتاوي، كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدة مواطن: لولا علي لهلك عمر.
وقال النبي (ص): أعلم أمتي علي بن أبي طالب.
فتحصل من كتب التاريخ والسير أن عمر بن الخطاب كان ضعيفا في الفقه وعلم الأحكام، لذلك كان في أغلب القضايا يراجع من حضره من الصحابة العارفين بالفقه وأحكام الشريعة. وربما اشتبه في المسائل الدينية والأحكام الشرعية التي كان يعرفها أكثر المسلمين، فكان الحاضرون ينبهونه ويرشدونه إلى الصواب.
الشيخ عبد السلام: لا نسمح لك أن تتكلم هكذا على خليفة المسلمين وتنسب إليه الجهل والاشتباه،نحن لا نتحمل منكم هذا التجاسر، ولا شك أن كلامكم بعيد عن الصواب، وقائله مفتر كذاب!!
قلت: على مهلك يا شيخ! قف عند حدك ولا تهرج، تريد بهذا الكلام أن تحرك أحاسيس الحاضرين من أهل السنة، ولكنهم عرفوا في الليالي السالفة والمناقشات الماضية بأني لا أتكلم بغير دليل وبرهان، وهذه المرة كالمرات الأخرى، إنما قلت ما قلت من كتب كبار علمائكم ومسانيد أعلامكم، فإن كان في كلامي تجاسر على عمر فليس مني بل من علمائكم، وإن كان الكلام بعيدا عن الصواب، وقائله مفتر كذاب ـ كما زعمت ـ فقائله بعض أعلامكم وأئمتكم.
الشيخ عبدالسلام: هذا الكلام غير مقبول، ولا أظن قائله إلا أحد المردودين غير المعتبرين لدى عامة أهل السنة، والجدير أنك لما تنقل خبرا في إثبات كلامك، تقول: نقله أعلامكم وأئمتكم، ولم تذكر اسم القائل، فنراه ليس من أعلامنا وأئمتنا، بل هو كتاب سني غير معتبر، ولا يعتمد أعلامنا على كتابه، لذلك أنا لا أقبل منك نقل الرواية والخبر في هذا الموضوع إلا من الأئمة الأعلام الذين نرجع إليهم في أمور ديننا، كأصحاب الصحاح والمسانيد أو السنن التي نعتمد عليها.
قلت: لقد أسهبت في البيان وذربت باللسان وقضيت خلاف الحق والوجدان، وأنا أترك التحكيم للحاضرين لاسيما أهل العلم والإيمان، ولكي تعرف زيف كلامك وتعلم صدق مقالي، أذكر لكم من الكتب التي تقبلونها وتعتمدون عليها في أمور الدين والمذهب من الصحاح والمسانيد المعتبرة لديكم، أذكر اشتباها واحدا من عشرات الإشتباهات التي ارتكبها الخليفة عمر بن الخطاب مضافا إلى ما مر، واكتفى بذلك رعاية للوقت.
عمر: لا يعرف التيمم وأحكامه!!
جاء في صحيح مسلم / باب التيمم، وذكره أيضا الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين، وأحمد بن حنبل في مسنده ج4 / 265 و 319، والبيهقي في السنن: ج1 / 209، وأبو داود في السنن: ج1 / 53، وابن ماجه في السنن: ج1 / 200، والنسائي في السنن: ج1 / 59 إلى 61، هؤلاء كلهم عندكم من الأئمة والأعلام المعتمد عليهم في مسائل الحلال والحرام وجميع أحكام الإسلام، وذكر أيضا جمع كثير من علمائكم الكرام غير هؤلاء ذكروا بأسانيدهم عن طرق كثيرة رووا بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، وأنقله من صحيح مسلم / كتاب الطهارة / في باب التيمم / روى بسنده عن عبدالرحمن بن أبزي: إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء. فقال: لا تصل.
فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء. أما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب ـ وفي صحيح النسائي / باب التيمم: فتمرغت في التراب ـ فصليت.
فقال النبي (ص): إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك.
فقال عمر: اتق الله يا عمار! قال: إن شئت لم أحدث به.
فمن هذا الخبر يظهر زيف كلام ذلك المعلم الجاهل وبطلان زعمه ومدعاه بأن عمر أحد الفقهاء الكبار، إذ كيف يمكن لفقيه لازم صحبة النبي (ص) طيلة أعوام، وسمع منه (ص) أحكام الإسلام، وتلا كلام الله العزيز في القرآن حيث يقول: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا)(10).
فيفتي بترك الصلاة الواجبة، عند فقدان الماء!!
هل يصح أن يقال لهكذا مفتي أنه فقيه أو عالم بأحكام الدين؟! والجدير بالذكر، أن مسألة التيمم من المسائل المبتلى بها في المسلمين، فلذا يعرفها حتى عوام المسلمين والسوقيين منهم الملتزمين بالصلاة والعبادة، فكيف بأصحاب رسول الله (ص)؟ وكيف بحاكم المسلمين؟!
ليس لأحد أن يقول بأن عمر كان متعمدا في فتواه بترك الصلاة، أو كان يقصد تبديل حكم الله والإخلال أو التغيير في دين الله سبحانه، ولكن لنا أن نقول: بأنه ما كانت له الإحاطة الكافية بجميع أحكام الدين ومسائل الشرع المبين، وكم فرق بينه وبين من كان محيطا بجميع مسائل الإسلام وأحكام العبادات والحلال والحرام، وكان سريع الجواب حتى في جزئيات الأحكام، ولا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا؟!
الشيخ عبد السلام: ما كان أحد غير رسول الله (ص) يتصف بصفة أنه لا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا.
قلت: نعم بعد رسول الله (ص) ما كان أحد من الصحابة يتصف بهذه الصفة العظمى، إلا باب علمه ووارث مقامه علي بن أبي طالب (ع) ولذلك خاطب النبي (ص) أصحابه قائلا: أعلمكم علي.
إحاطة الإمام علي (ع) بالعلوم
روى العلامة موفق بن أحمد الخوارزمي في كتابه المناقب بأن يوما سأل الخليفة عمر بن الخطاب، الإمام علي بن أبي طالب (ع) رآه يجيب سريعا على كل ما يسأل بغير تأن وتفكر. فقال: يا علي كيف تجيب على المسائل سريعا بالبداهة من غير تفكر؟!
فبسط علي (ع) كفه وسأله: كم عدد أصابع الكف؟ فأجاب عمر سريعا من غير تأخير: خمسة.
فقال له علي: كيف أسرعت في الجواب من غير تفكير؟
فأجاب عمر: إنه واضح، لا يحتاج إلى تفكير.
فقال علي (ع): اعلم أن كل شيء عندي واضح بهذا الوضوح فلا أحتاج إلى تفكير في جواب أي سؤال(11).
اعتراف معاوية وإقراره بعلم الإمام علي عليه السلام
لقد تذكرت الآن خبرا أنقله للحاضرين الكرام من باب:
وفضائل شهد العدو بذكرهاوالفضل ما شهدت به الأعداء
نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وابن حجر في الصواعق المحرقة / 107 طبع المطبعة الميمنية بمصر / قال: وأخرج أحمد [بن حنبل]: أن رجلا سأل معاوية عن مسئلة، فقال: إسأل عنها عليا فهو أعلم.
فقال: يا أمير المؤمنين! جوابك فيها أحب إلي من جواب علي.
قال: بئسما قلت، لقد كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يعزه بالعلم عزا، ولقد قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه، قال ابن
حجر: وأخرجه آخرون بنحوه(12).
عجز عمر في حل المعضلات وخضوعه لعلي عليه السلام
نقل جمع من أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلامة نور الدين المالكي في كتابه الفصول المهمة / 18 في القسم الثالث من الفصل الأول / ونسب الكلام المرموز إلى رجل مجهول. ولكن العلامة الكنجي الشافعي روى بإسناده في كتاب كفاية الطالب / الباب السابع والخمسون عن حذيفة بن اليمان أنه لقي عمر بن الخطاب فقال له عمر: كيف أصبحت يا ابن اليمان؟ فقال: كيف تريدني أصبح؟! أصبحت والله أكره الحق ، وأحب الفتنة، وأشهد بما لم أره، وأحفظ غير المخلوق، وأصلي على غير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء. فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك.
فبينا هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب، فرأى الغضب في وجهه، فقال: ما أغضبك ياعمر؟!
فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أكره الحق، فقال (ع): صدق يكره الموت وهو حق.
فقال: يقول: وأحب الفتنة، قال (ع): صدق، يحب المال والولد ، وقد قال الله تعالى:(أنما أموالكم وأولادكم فتنة)(13). فقال: يا علي يقول: وأشهد بما لم أره. فقال (ع) صدق ، يشهد الله بالوحدانية والموت والبعث والقيامة والجنة والنار والصراط ولم ير ذلك كله. فقال: يا علي وقد قال: إنني أحفظ غير المخلوق قال (ع): صدق، يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق، قال: ويقول: أصلي على غير وضوء. فقال(ع): صدق ، يصلي على ابن عمي رسول الله (ص)على غير وضوء، وهي جائزة.
فقال: يا أبا الحسن قد قال: أكبر من ذلك، فقال (ع): وما هو ؟
قال: قال إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء. قال (ع): صدق ، له زوجة، وتعالى الله عن الزوجة والولد.
فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب.
ثم قال العلامة الكنجي: هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السير.
وقد روى العلماء أخبارا كثيرة وقضايا عسيرة من هذا القبيل كانت تحدث في خلافة الشيخين أبي بكر وعمر، فكانا يعجزان عن حلها وفهمها فكانا يرجعان بها إلى الإمام علي (ع) فيعطيهم الجواب، لا سيما المسائل التي كان يطرحها علماء اليهود والنصارى والماديون، فكانت معضلات علمية ومشكلات كلامية لم يتمكن أحد من الصحابة ردها والإجابة عليها بالصواب إلا سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، ولقد روى أكثر أعلامكم وكبار علمائكم في كتبهم بعض تلك القضايا منهم: البخاري ومسلم في الصحيحين، والنيسابوري في التفسير، وابن المغازلي في المناقب، ومحمد بن طلحة العدوي في الباب الرابع من كتابه مطالب السئول،والحميدي في الجمع بين الصحيحين، وأحمد بن حنبل في المسند، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: ص 18 وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب / 337، طبع حيدر آباد، وفي الإصابة ج2 / 509، طبع مصر، والقاضي روزبهان في إبطال الباطل، والمحب الطبري في الرياض النضرة: ج2 / 194، وابن الأثير الجزري المتوفي سنة 360 هجرية في أسد الغابة: ج4 / 22، وابن قتيبة المتوفي سنة 276 هجرية في كتابه تأويل مختلف الحديث: 201 ـ 202 طبع مصر، وابن عبدالبر القرطبي في الإستيعاب ج2/ 474 و ج3 / 39، وابن كثير في تاريخه ج7 / 359، والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 66، والسيد مؤمن الشبلنجي في نور الأبصار: ص 73، والعلامة السمهودي في جواهر العقدين، والحاج أحمد أفندي في هداية المرتاب / 146 و 152، والشيخ محمد الصبان في إسعاف الراغبين: ص 152، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الحواس في الباب السادس، وابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة، والمولى علي القوشجي في شرح التجريد: ص 407، والخوارزمي في المناقب / 48 و 60، وابن حجر في الصواعق المحرقة: ص 107 طبع المطبعة الميمنية بمصر، والعلامة ابن قيم الجوزية في كتاب الطرق الحكمية / 47 و 53، تجد في هذه المصادر قضايا عسيرة ومشاكل كثيرة راجع فيها الشيخان أيام خلافتهما،عليا (ع) وهو حكم فيها ، وخاصة عمر بن الخطاب، فقد كان يقول عبارته المشهورة بعد كل معضلة حلها الإمام علي (ع): أعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو الحسن، ويقول في بعضها الآخر: لولا علي لهلك عمر. وقوله: كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب.
ولقد تحصل من هذه الأخبار أنهم كانوا يحتاجون إلى الإمام علي (ع) لحل القضايا والحكم فيها، وكانوا يحتاجون إلى رأيه وقضائه في فصل النزاع والتخاصم، وبحكم العقل ونظر العقلاء فإن الأعلم مقدم على غيره وهو أحق أن يتبع، وقال الله سبحانه: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)(14) ؟
وقال عز وجل: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)(15).
فهل كان من الحق والإنصاف أن يتقدموا على الأعلم والأفضل والأحق وأن يؤخروا من قدمه الله تعالى وفضله على غيره؟!
الإمام علي (ع) وخلافة من سبقوه
الشيخ عبدالسلام: لا ينكر أحد فضائل ومناقب سيدنا علي كرم الله وجهه إلا معاند متعصب أو جاهل متعنت، ولكن ثبت عند أهل العلم والتحقيق أيضا بأن علي رضي بخلافة الراشدين وسلم الأمر إليهم وبايعهم بالطوع والرغبة، فليس لنا بعد ذلك ولا يضح منا أن نجدد ذكر الحوادث التي تبعث الإختلاف بين المسلمين وتشب نار الفرقة والنزاع بين المؤمنين.
أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتحد مع بعض ونتبع الواقع ونخضع للتاريخ؟
فلا ينكر أحد من لأهل العلم والإطلاع أن الخلافة ثبتت لأبي بكر ، وبعده استقرت لعمر بن الخطاب وبعده تعين عثمان بن عفان لها. فمع تسليمنا وخضوعنا لمقام سيدنا علي كرم الله وجهه وتفوقه العلمي والعملي وقرابته من رسول الله (ص) وجهاده، ندعوكم أن تخضعوا أيضا لخلافة الراشدين قبل الإمام علي حتى نحسبكم مثل أحد المذاهب الأربعة المؤيدة من قبل عامة المسلمين.
وقلت: بأننا لا ننكر تفوق سيدنا علي كرم الله وجهه في العلم والعمل ولكن أضنكم تصدقوني بأن أبا بكر(رض) كان أولى بالخلافة لكبر سنه، وكثرة تجاربه، وعلمه بالسياسة، وإدارة الأمور، ولوجود هذه الإمتيازات فيه أجمعوا على خلافته، فإن سيدنا علي كرم الله وجهه كان حينذاك شابا غير محنك في أمور السياسة والإدارة، وحتى من بعد وفاة رسول الله(ص) بخمسة وعشرين عام لما بايعوه بالخلافة لم يستقر له الأمر لعدم سياسته وحدثت في أيامه حروب طاحنة بين المسلمين فسفكت الدماء وزهقت النفوس، كل ذلك بسبب خطئه في الإدارة والسياسة.
قلت: لقد خلطت الحابل بالنابل، وضربت السليم بالسقيم، فلابد لي أن أميز بين كلامك، وأضع كل جملة في موضعها وأجيبك عليها.
مثل مناسب ولا مناقشة في الأمثال
أولا:
لقد جاء في الأمثال: أن عجوزا طلبت من ولدها ـ وكان سارقا ـ أن يأتي لها بكفن من كسب حلال.
فجاء الولد وهو شاب قوي إلى بياع الأكفان ـ وكان شيخا ضعيفا ـ قريبا من بيت العجوز، فأخذ منه كفنا ولم يعطه الثمن، ولما أراد أن يذهب، طالبه صاحب الكفن بالثمن، فقال السارق: ليس عندي ثمنه وأريد منك أن تحله لي.
فقال الشيخ: لا أحله. إما أن تعطي الثمن أو ترد الكفن!
فغضب السارق وأخذ بتلابيب الشيخ وضربه حتى سقط على الأرض وبدأ يركله برجله، ويسحقه بأقدامه، ويقول هبني الثمن وحلل الكفن وإلا قتلتك!!
فقال الشيخ بصوت منخفض ـ وهو تحت أقدام السارق ـ: وهبتك الثمن وحللت الكفن.
فقال السارق: لا أقبل. إلا أن تصيح بصوت رفيع، تسمعك أمي في بيتها.
فصاح الشيخ بكل صوته: وهبتك الثمن وحللت الكفن.
فتركه وجاء إلى أمه العجوز وأعطاها الكفن.
وقال لها: يا أماه سمعت صوت الشيخ يقول: حللت الكفن!
قالت: نعم يا ولدي.. جزاك الله خيرا!!
أقول: فلو درت العجوز بصنيع ولدها الظالم بالشيخ المظلوم، هل كانت تؤيده وتقول له: جزاك الله خيرا؟!
إن كلامك بأن عليا (ع) كان راضيا بخلافة الراشدين قبله، وأنه بايعهم بالطوع والرغبة، فقد تكرر ونحن أجبنا عليه من قبل بالإجابات القانعة المستندة إلى كتبكم وتواريخكم، بأنهم أجبروه على البيعة بحرق بابه، وإسقاط ولده المحسن، وإيذاء زوجته وهي سيدة نساء العالمين، وإخراجه من البيت حاسرا قد جردوا السيف على رأسه، وهددوه بالقتل إن لم يبايع؛ وما إلى ذلك من حوادث أليمة وفجائع عظيمة.
فلو تظاهر الإمام علي (ع) بالرضا فإنما كان رضاه مثل رضا الشيخ بياع الأكفان، عن كره وإجبار لا كما تزعمون عن طوع ورغبة. فكيف رضي وهو (ع) إلى آخر عمره كان يشتكي من أعمالهم ويتذمر؟
وكما نرى في خطبه وكلماته وكتبه في نهج البلاغة، كان كلما وجد فرصة مناسبة يبدي ظلامته ويقول: صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى. فأين هذا الكلام من الرضا؟
ثانيا: قلتم: أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتحد مع بعض..؟ كما قلتم قبله، ولا يصح منا أن نجدد ذكر الحوادث التي تبعث الإختلاف والفرقة بين المسلمين.
فأقول: نحن في طول التاريخ كنا نراعي جانب الإتحاد، وكنا نحذر من الفرقة والإختلاف، ونبتعد عن التخاصم والنزاع، ولو راجعتم التاريخ ومررتم بالإحداث لأذعنتم لقولي، ولقد مضى في أبحاثنا أن الإمام علي (ع) إنما سكت وسكن مدة خمس وعشرين سنة ـ مدة حكومة الثلاثة قبله ـ حذرا من الاختلاف والفرقة بين الأمة ولقد تحمل عليه السلام ما لو نزل على صم الصخور لتصدعت وصارت هباء منثورا.
وكذلك الإمام المجتبى الحسن السبط سلام الله عليه، إنما هادن معاوية ليوحد بين المسلمين ويحسم النزاع والتخاصم، ولكن معاوية سحق شروط الإمام الحسن (ع) التي كان قد وقع عليها. وبعده أيضا كانت الشيعة في كل عصر وزمان دعاة الإتحاد والائتلاف، وأنتم كنتم تعملون بالعكس والخلاف، وذلك بتصدير الفتاوي ضد الشيعة، والإفتراء عليهم، واتهامهم بالكفر، وتسميتهم بالرافضة، وإباحة أموالهم ودمائهم وأعراضهم و....، ومن باب الدفاع عن النفس كنا نرد عليكم ونثبت بالمنطق والدليل بأننا مؤمنون ومسلمون ولسنا بكافرين ومشركين.
كان هذا
كتاب
ليالي بيشاور
تأليف
سلطان الواعظين
السيد محمد الموسوي الشيرازي
|
التعديل الأخير تم بواسطة زكي الياسري ; 14-01-2010 الساعة 06:02 AM.
|
|
|
|
|