لكي لا يخدعنا بعضهم: هل كان تاريخنا ماضياسعيدا؟
17/ 5/ 2010
معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد لم يمنعهما اسلامهمامن قتال آل بيت الرسول وجز رأس الحسين ,الحجاج بن يوسف الثقفي اعدم من العراقيين مئة وعشرين ألفا واستباح نساء المسلمين ,العباسيون قتلوا خمسين ألفا من أهل دمشق وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاًلخيولهم.
هل كان ممكنا أن ترتجأجهزة الدولة كلها مستجيبة لاستغاثة مواطن يعاني القهر والظلم في بلاد المسلمين علىيد المسلمين، في الإمبراطورية الإسلامية العظمى الغابرة، كما ارتجت وتحركت بعدّتهاوجيوشها في القصة الأسطورية إستجابةً لصرخة امرأة مجهولة منكورة لا نعرف من هي، وهي تنادي الخليفة من على الحدود عندما اعتدى عليها بعض الروم... " وامعتصماه"؟!.
إن هذا النموذج من القصص يريد أن يعلن مدى اهتمام الدولةجميعا بمواطنٍ فردٍ يعاني أزمة، وهو ما يستثير الخيال العربي المقموع ويدفعه إلىمحاولة استعادة هذه الدولة الأبية التي كانت تردع الأعادي بكل فخر ومجد كما كانت تنشغل بالمواطن الفرد كل الانشغال، حتى بات عزيزا كريما مرهوب الجانب أينما كان. لكن بين القص الأسطوري وبين ما كان يحدث في الواقع مفارقات لا تلتئم أبدا، ولاتلتقي أبدا. والنماذج على ذلك أكثر من أن تحصيها مقالة كتلك، بل تحتاج إلى مجلدات من الكتب. لكن يكفينا هنا اليسير منها لنكتشف هل كانت ثقافة "وامعتصماه" أمراحقيقيا فاعلا في الواقع أم أنها مجرد قصة لرفع الشعارات دون الفعل وليس أكثر،كالعادة العربية المعلومة! خاصة أن هذه الدولة العزيزة بمواطنها الكريم هي الدولةالنموذج التي يطلبها اليوم المتأسلمون على كافة فصائلهم وأطيافهم، ويزينونهاللناظرين بقصٍّ كهذا عادة ما يبدأ بمسئولية الخليفة الراشد وهو في يثرب عن دابة لوعثرت بالعراق.
وينتهي بالحفل البانورامي حول احتلال "عمّورية" انتقاماللفرد العربي الأبي حتى لو كان امرأة! مع علمنا بحال المرأة قياسا على الرجل فيتراثنا.
لقد صرخت القبائل العربية في الجزيرة منذفجر الخلافة "واسلاماه" تستغيث بالمسلمين لردع جيوش الدولة عن ذبحها وسبي حريمهاوأطفالها لبيعهم في أسواق النخاسة، تلك القبائل التي تمسكت بحقها الذي أعطاه لهاربها بالقرآن في الشورى والمشاركة الفاعلة في العمل السياسي. فرفضت خلافة أبي بكر" الفلتة" بتعبير عمر بن الخطاب لأنها تمت بدون مشورتهم ولا ترشيح احد منهم ولا اخذرأيهم، فامتنعوا عن أداء ضريبة المال للعاصمة تعبيرا عن موقفهم ، لكنهم عملوا برأيالإسلام فجمعوا الزكاة ووزعوها على فقرائهم في مضاربهم التزاما بهذا الركن الإسلاميبجوار صلاتهم وصيامهم وقيامهم بقية الأركان المطلوبة. فلم يعفها ذلك من جز الرقابوالحصد بالسيف. والصراع هنا لم يكن حول الإيمان والكفر، بل كان الشأن شان سياسةدنيوية لا علاقة لها بالدين.
ورغم الجميع فقد تواطأ السدنة مع السلطان ضد تلك القبائل ليؤسسوا فيالتاريخ المذهب السنّي الذي وجد فرصته في مكان سيادي بجوار الحاكم، فقام بتحويلالخلاف السياسي إلى خلاف ديني، واعتبر أن محاربة هؤلاء واجب ديني لأنهم قد كفرواوارتدوا عن الإسلام لا لشيء، إلا لأن هكذا كان قرار الخليفة؛ ولأن هذا الخليفة كان "الصدّيق" صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصهره ووزيره الأول. فالبسواالخليفة أولا ثوب القدسية ولو ضد منطق الإسلام الذي لا يقدس بشرا، ثم البسوا القرارقدسية الخليفة، ثم أصدروا قرارهم بتكفير هذه القبائل بتهمة الردة عن الإسلام لأنهاحسب القرار البكري قد "فرّقت بين الصلاة وبين الزكاة"، وهو أمر فيه نظر من وجهة نظرالشرع لا تبيح قتالهم ولا قتلهم. لذلك تم تدعيم القرار بان تلك القبائل قد خرجت علىرأي الجماعة وخالفته وهو اختراع آخر كان كفيلا بوصمها بالارتداد منذ ذلك التاريخوحتى اليوم.
وهكذا، ومنذ فجر الخلافة جلسالفقيه في معية السلطان يصوغان لنا إسلامنا، إسلام يؤسلم ويكفّر حسب مدى التزامالمواطن بالمذهب السيد الذي هو مذهب السدنة والسلطان وأولي الأمر، وطاعتهم أمررباني وفرض سماوي. ومنذ خرجت جيوش أبي بكر تحارب تاركي الزكاة تحت اسم الدينوالصواب الديني، أصبح معنى أن تخرج جيوش المسلمين لتحارب الكفار "غير حروبالفتوحات". إنها خارجة للقضاء على المعترضين أو المخالفين في الرأي السياسي الذيتتم إحالته إلى الدين، حتى يتم الذبح والحرق والسبي باسم الدين وليس لخلاف سياسي.
ونظرة عجلى على تاريخ العرب المسلمين ستكتشف أن مقابل "وامعتصماه" الأسطورية، ألف "واسلاماه" كان جوابها مختلفا. وبلغ الأمر غاية وضوحه في زمن عثمانبن عفان الذي فتق بطن عمّار بن ياسر ضربا وركلا، وكسر أضلاع ابن مسعود حب رسولالله، ونفى أبا ذر إلى الربذة، فقتل المسلمون خليفتهم، وتم قتله بيد صحابة وأبناءصحابة. ومن بعدها خرجت الفرق الإسلامية تحارب بعضها بعضا وتكفّر بعضها بعضا، حتىمات حول جمل عائشة خمسة عشر ألف مسلم، ومن بعدهم مائة ألف وعشرة من المسلمين فيصفّين، لا تعلم من فيهم من يمكن أن نصفه بالشهيد ومن فيهم من يمكن أن نصفه بالظالمالمفتري!
أما عن زمن معاوية وولده يزيد فحدث ولا حرج عما جرى لآل بيتالرسول، وكيف تم جز رأس الحسين لترسل إلى العاصمة، وكيف تم غرس رأس زيد بن علي فيرمح ثم غرسه بدوره فوق قبر جده رسول الله!. وإن ينسى المسلمون السنّة، فان بقيةالفرق لا تنسى هذه الأحداث الجسام التي فرقت المسلمين فرقا وشيعا، كلها تمسحتبالدين وكان الشأن شأن سياسة ودنيا وسلطان.
وإن ينسى المسلمون أو يتناسوافان التاريخ يقرع أسماعنا بجملة مسلم بن عقبة المري لتأديب مدينة رسول الله "يثرب" ومن فيها من الصحابة والتابعين بأمر الخليفة القرشي يزيد بن معاوية. فقتل من قتل فيوقعة الحرة التي هي من كبرى مخازينا التاريخية، إذ استباح الجيش نساء المدينة أياماثلاثة حبلت فيها ألف عذراء من سفاح واغتصاب علني وهن المسلمات الصحابيات وبناتالصحابة والصحابيات.
أما زياد بن أبيه، والي الأمويين على إقليم العراق، فقدشرّع القتل بالظن والشبهة حتى لو مات الأبرياء إخافة للمذنب، وشرّع قتل النساء. أمانائبه الصحابي "سمرة بن جندب" فان يديه قد تلوثتا فقط بدماء ثمانية آلاف من أهلالعراق على الظن والشبهة، بل اتخذ تطبيق الحدود الإسلامية شكلا ساخرا يعبر عن تحكمالقوة لا حكم الدين، كما في حال "المسود بن مخرمة" الذي ندد بشرب الخليفة للخمر،فأمر الخليفة بإقامة الحد إحقاقاً للشرع لكن على المسود بن مخرمة.
ثم لا تندهش لأفاعيل السلطة وشهوتها في التقوى والأتقياء. فهذاالملقب بـ"حمامة المسجد" عبد الملك بن مروان لكثرة مكوثه في المسجد وطول قراءاتهللقران وتهجده ليل نهار، يأتيه خبر انه قد أصبح الخليفة فيغلق القران ويقول له: "هذا آخر العهد بك"، ثم يقف في الناس خطيبا فيقول:"والله لا يأمرني أحد بتقوى اللهبعد مقامي هذا وإلا ضربت عنقه".
ولابد أن يجد الحجاج بن يوسفالثقفي هنا ولو إشارة؛ لأنه كان المشير على الخليفة؛ ولأنه من قام على إصدار النسخةالأخيرة من القرآن بعد أن عكف مع علماء الأمة على تصويب الإصدار العثماني وتشكيلهوتنقيطه بإشراف شخصي دائم منه، ولم يثبت عليه حب الخمر أو اللهو. لكنه كان أيضا هوالرجل الذي ولغ في دماء المسلمين، وكانت مخالفته في أهون الشئون تعني قص الرقبة،فهو الذي قال:" والله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الذييليه إلا ضربت عنقه". وهو أحد خمسة ذكرهم عمر بن عبد العزيز قبل خلافته في قوله: "الحجاج بالعراق والوليد بالشام وقرة بمصر وعثمان بالمدينة وخالد بمكة، اللهم قدامتلأت الدنيا ظلما وجورا".
وقد سار الحجاج على سنّة سلفه زياد في إعدامالنساء والقبض على أهل المطلوب حتى يسلم نفسه، ومنع التجمهر، وإنزال الجنود في بيوتالناس ووسط العائلات يلغون في الشرف كيفما شاءوا إذلالاً للناس وكسرا لإنسانيتهم،حتى انه أعدم من العراقيين في عشرين سنة هي مدة ولايته مائة وعشرين ألفا من الناسبقطع الرأس بالسيف أو الذبح من القفا أو الرقبة، دون أن نعرف من هم هؤلاء الناسولماذا ذبحوا اللهم إلا على الاحتجاج على ضياع كرامة الإنسان، أو لمجرد الشبهةوالظن.
وقد وجد هؤلاء السادة في الذبح والحرق لذة وسعادة، بل فكاهة دموية. ففي فتوح جرجان سال أهل مدينة طمسية قائد المسلمين سعيد بن العاص بن عم الخليفةالقائم عثمان بن عفان الأمان، مقابل استسلامهم على ألا يقتل منهم رجلا واحدا، ووافقالقائد سعيد ففتحوا له حصونهم فقرر الرجل أن يمزح ويلهو ويضحك، فقتلهم جميعا إلارجل واحد!
وعندما وصل العباسيون إلى السلطة بدأوا حملة تطهير واسعة شملت منمواطني دمشق خمسين ألفا تم ذبحهم، وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاً لخيولهم. ولمااستقام لهم الأمر استمروا على النهج الأموي في ظلم العباد وقهر آدمية الإنسان، وهوما كان يدفع إلى ثورات، تنتهي بشي الثوار على نيران هادئة، أو بمواجهتهم للضواري فياحتفالات رومانية الطابع.
وهكذا كان الإنسان سواء مواطنا عاديا كان، أم كانفي جيوش السلطان، في مقتطفات سريعة موجزة مكثفة من تاريخنا السعيد وزماننا الذهبيالذي يريد الدكتور محمد عمارة استعادته، لماذا؟ يقول لنا تحت عنوان "مميزات الدولةالإسلامية"، إن الشريعة الإسلامية فيها "تفوقت على غيرها من كل الشرائع والحضاراتوالقوانين الدولية، في أنها جعلت القتال والحرب استثناء مكروها لا يلجا إليهالمسلمون إلا للضرورة القصوى". لذلك يرى الدكتور عمارة: "أن الدولة الإسلامية لمتخرج عن هذا المنهاج السلمي، حتى تضمن الدولة للمؤمنين حرية العيش الآمن في الأوطانالتي يعيشون فيها"- مقالاته الحروب الدينية والأديان السماوية 7،8".
لكنماذا عند سيادة الدكتور ليقوله بشان تلك الجسام الجلل في تاريخ ما يسميه الدولةالإسلامية؟!.
هذه دولتهم الإسلامية التي يريدون استعادتها لإقامة الخلافةمرة أخرى لتحرير فلسطين والعراق وإعادة الإمبراطورية القوية مرة أخرى. لقد كان زمناذهبيا بكل المعاني الذهبية بالنسبة للسادة الفاتحين الغزاة الحاكمين وحواشيهم منسدنة الدين وتجار البشرية، لكنه كان زمانا تعسا بائسا دمويا بالنسبة للمحكومينالمغزوين المفتوحين.
وإذا قيل هناأن ذلك كان منطق ذلك العصر، فلا خلاف أبدا حول قول القائل. وإذا قيل انه لا يصحمحاكمة ذلك الزمان بذوق زماننا الأخلاقي، أيضا ليس ثمة خلاف. لكن الخلاف ينشأ فورالقول باستعادة هذا الشكل من الحكم والأنظمة بحسبانها الأمل والمرتجى. هنا لابد أننحاكمها بذوق أيامنا، لنرى إن كانت هي الحلم المنشود والأمل المفقود، أم ستكون هيالختام لخير أمة أخرجت للأنام!
نشر المقالفي مجلة "روزاليوسف" المصرية