|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 52510
|
الإنتساب : Jul 2010
|
المشاركات : 95
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
الغيبة
بتاريخ : 14-08-2010 الساعة : 10:58 PM
الغيبة
و هي ان يذكر الغير بما يكرهه لو بلغه. سواء كان ذلك ينقص في بدنه او في اخلاقه او في اقواله، او في افعاله المتعلقه بدينه او دنياه، بل و ان كان بنقص في ثوبه او داره او دابته.
و الدليل على هذا التعميم-بعد اجماع الامة على ان من ذكر غيره بما يكره اذا سمعه فهو مغتاب-ما روى عن رسول الله-صلى الله عليه و آله- انه قال: «هل تدري ما الغيبة؟ » قالوا: الله و رسوله اعلم. قال:
«ذكرك اخاك بما يكره» ، قيل له: ارايت ان كان في اخي ما اقول؟ قال: «ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته، و ان لم يكن فيه فقد بهته» .
و ما روى: «انه ذكر رجل عنده، فقالوا: ما اعجزه! فقال-صلى الله عليه و آله-: اغتبتم اخاكم، قالوا: يا رسول الله، قلنا ما فيه. قال: ان قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه» . و ما روى عن عائشة قالت: «دخلت علينا امراة، فلما ولت، او مات بيدي انها قصيرة، فقال صلى الله عليه و آله:
اغتبتيها» . و ما روى انها قالت: «اني قلت لامراة مرة و انا عند النبي -صلى الله عليه و آله-: ان هذه لطويلة الذيل. فقال لي: الفظي الفظي! فلفظت مضغة لحم» . و قد روي: «ان احد الشيخين قال للاخر: ان فلانا لنؤم، ثم طلبا ادما من رسول الله لياكلا به الخبز. فقال: صلى الله عليه و آله-: قد ائتدمتما. فقالا: ما نعلمه، فقال: بلى! انكما اكلتما من لحم صاحبكما» .
و اما ما روى عن الصادق عليه السلام انه قال: «صفة الغيبة ان تذكر احدا بما ليس هو عند الله بعيب و يذم ما يحمده اهل العلم فيه. و اما الخوض في ذكر الغائب بما هو عند الله مذموم و صاحبه فيه ملوم، فليس بغيبة، و ان كره صاحبه اذا سمع به و كنت انت معافى عنه و خاليا منه.
و تكون في ذلك مبينا للحق من الباطل ببيان الله و رسوله، و لكن على شرط الا يكون للقائل بذلك مراد غير بيان الحق و الباطل في دين الله عز و جل، و اما اذا اراد به نقص المذكور بغير ذلك المعنى، فهو ماخوذ بفساد مراده و ان كان صوابا» (25) فهو مخصوص بما اذا لم يكن صاحبه عالما بقبحه، او كان ساترا على نفسه كارها لظهوره. و يدل على ذلك ما روي عنه عليه السلام ايضا، انه سئل عن الغيبة، فقال: «هو ان تقول لاخيك في دينه ما لم يفعل، و ثبت عليه امرا قد ستره الله عليه لم يقم فيه حد» .
و قال عليه السلام: «الغيبة ان تقول في اخيك ما ستره الله عليه، و اما الامر الظاهر فيه، مثل الحدة و العجلة، فلا» . و قال الكاظم عليه السلام «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس، لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس، اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته» (26) . و ياتى ان المجاهر بمعصيته غير ساتر لها، لا غيبة له فيها.
و الحاصل: ان الاجماع و الاخبار متطابقان على ان حقيقة الغيبة هو ان يذكر الغير بما يكرهه اذا سمعه، سواء كان ذلك بنقص في نفسه او بدنه.
او في دينه او دنياه، او فيما يتعلق به من الاشياء، و ربما قيل انه لا غيبة فيما يتعلق بالدين، لانه ذم من ذمه الله و رسوله، فذكره بالمعاصي و ذمه جائز. و ايد ذلك بما روى: «انه ذكر عند رسول الله امراة و كثرة صومها و صلاتها و لكنها تؤذي جيرانها. فقال: هي في النار» . و ذكرت امراة اخرى بانها بخيلة، فقال: «فما خيرها اذن؟ » . و لا ريب في بطلان هذا القول: لما عرفت من عموم الادلة. و ما ورد من ذم الاشخاص المعينة في كلام الله و كلام حججه انما هو لتعريف الاحكام و تبيينها، و سؤال الاصحاب عنهم و ذكرهم بالمعاصي، انما كان لحاجتهم الى معرفة الاحكام لا للذم و اظهار العيب، و لذا لم يكن ذلك الا في مجلس الرسول-صلى الله عليه و آله. او الائمة-عليهم السلام-.
فصل
لا تنحصر الغيبة باللسان
اعلم ان الغيبة لا تنحصر باللسان، بل كل ما يفهم نقصان الغير، و يعرف ما يكرهه فهو غيبة، سواء كان بالقول او الفعل، او التصريح او التعريض او بالاشارة و الايماء، او بالغمز و الرمز، او بالكتابة و الحركة، و لا ريب في ان الذكر باللسان غيبة محرمة. لتفهيمه الغير نقصان اخيك و تعريفه بما يكرهه، لا لكون المفهم و المعرف لسانا، فكل ما كان مفهما و معرفا فهو مثله. فالغيبة تتحقق باظهار النقص بالفعل و المحاكاة، كمشية الاعرج، بل هو اشد من الغيبة باللسان، لانه اعظم في التصوير و التفهيم منه، و بالايماء و الاشارة، و قد روي: «انه دخلت امراة على عائشة، فلما ولت، اومات بيدها انها قصيرة. فقال رسول الله-صلى الله عليه و آله-قد اغتبتها» .
و بالكتابة، اذ القلم احد اللسانين، و بالتعريض، كان يقول: الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على الظلمة، و التبذل في طلب الجاه و المال، او يقول: «نعوذ بالله من قلة الحياء، و نساله ان يعصمنا منه، معرضا في كل ذلك بمن ارتكب ذلك، فيذكره بصيغة الدعاء، و ربما قدم مدح من يريد غيبته، ثم اتبعه باظهار عيبه، كان يقول: لقد كان فلان حسن الحال، و لكنه ابتلى بما ابتلى به كلنا من سوء الحال، و هو جمع بين الرياء و الغيبة، و مدح نفسه بالتشبه بالصلحاء في ذم انفسهم.
و من المغتابين المنافقين من يظهر في مقام غيبة مسلم الاغتمام و الحزن من سوء حاله، كان يقول: لقد ساءني ماجرى على صديقنا فلان من الاهانة و الاستخفاف، او ارتكابه معصية كذا، فنسال الله ان يجعله مكرما او يصلح حاله، او يقول: قد ابتلى ذلك المسكين بآفة عظيمة، تاب الله علينا و عليه. و هو كاذب في ادعائه الحزن و الكآبة، و في اظهار الدعاء، اذ لو اغتم لاغتم باظهار ما يكرهه ايضا، و لو قصد الدعاء لاخفاه في خلواته، فاظهار الحزن و الدعاء ناش عن خبثسريرته، و هو يظن انه ناش عن صفاء طويته، هكذا يلعب الشيطان بمن ليس له قوة البصيرة بمكائد اللعين و تلبيساته، فيسخر بهم و يضحك عليهم، و يحبط اعمالهم بمكائده، و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا. و ربما ذكر بعض المغتابين عيب مسلم و لم يتنبه له بعض الحاضرين، فيقول اسماعا له و اعلاما لما يقوله: «سبحان الله ما اعجب هذه! » حتى يتوجه اليه و يعلم ما يريد، فيستعمل اسم الله آلة لتحقيق خبثه. ثم المستمع للغيبة احد المغتابين، كما ورد به الخبر (27) . و قد دل ذلك ايضا ما تقدم من حديث الشيخين، و ما روى: «انه صلى الله عليه و آله لما رجم ما عزا في الزنا، قال رجل لآخر: هذا اقعص كما يقعص الكلب.
فمر النبي صلى الله عليه و آله معهما بجيفة، فقال: انهشا من هذه الجيفة، فقالا: يا رسول الله ننهش جيفة! فقال: ما اصبتما من اخيكما انتن من هذه» . فجمع بينهما، مع ان احدهما كان قائلا و الآخر مستمعا.
و هو اما لا يسر باستماعها، الا انه لا ينكرها باللسان و لا يكرهها بالقلب، او يسر و يفرح باستماعها، الا ان النفاق و التزهد حملاه على عدم التصديق، و ربما منع منها رياء و تزهدا، مع كونه مشتهيا لها بقلبه، و ربما توصل بالحيل المرغبة للمغتاب في زيادة الغيبة. مع التباس الامر عليه بانه يشتهيها، مثل ان يظهر التعجب و يقول: عجبت منه ما علمت انه كذلك و ما عرفته الى الآن الا بالخير، و كنت احسب فيه غير هذا عافانا الله من بلائه. فان ذلك تصديق للمغتاب، و باعث لزيادة نشاطه في الغيبة، فكانه يستخرج منه الغيبة بهذا الطريق.
و الحاصل ان المستمع لا يخرج عن اثم الغيبة الا بان ينكر بلسانه، او يقطع الكلام بكلام آخر، او يقوم من المجلس، و ان لم يقدر على شيء من ذلك، فلينكر بقلبه، و ان قال بلسانه: اسكت، و هو يشتهيه بقلبه فذلك نفاق، و لا يخرجه من الاثم ما لم يكرهه بقلبه. و مع عدم الخوف لا يكفي ان يشير باليد او حاجبه او جبينه، اي اسكت، اذ ذلك استحقار للمذكور، مع انه ينبغي ان يعظمه فيذب عنه صريحا. قال النبي صلى الله عليه و آله: «من اذل عنده مؤمن و هو يقدر على ان ينتصر له فلم ينصره، اذله الله يوم القيامة على رؤس الخلائق» . و قال «من رد عن عرض اخيه بالغيب، كان حقا على الله ان يرد عن عرضه يوم القيامة» . و قال صلى الله عليه و آله: «من ذب عن عرض اخيه بالغيب، كان حقا على الله ان يعتقه من النار» . و قال صلى الله عليه و آله-: «من رد عن عرض اخيه، كان له حجابا من النار» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «ما من رجل ذكر عنده اخوه المسلم، و هو يستطيع نصره و لم بكلمة و لم ينصره، الا اذله الله عز و جل في الدنيا و الآخرة. و من ذكر عنده اخوه المسلم فنصره، نصره الله في الدنيا و الآخرة» . و قال-صلى الله عليه و آله-: «من حمى عرض اخيه المسلم في الدنيا، بعث الله له ملكا يحميه يوم القيامة من النار» . و قال -صلى الله عليه و آله-: «من تطول على اخيه فى غيبته، سمعها عنه في مجلس فردها، رد الله عنه الف الف باب من الشر في الدنيا و الآخرة و ان لم يردها و هو قادر على ردها، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة»
و قال الباقر عليه السلام «من اغتيب عنده اخوه المؤمن فنصره و اعانه، نصره الله في الدنيا و الآخرة، و من لم ينصره و لم يدفع عنه و هو يقدر على نصرته و عونه، الا خفضه الله في الدنيا و الآخرة» . و بهذه المضامين اخبار كثيرة اخر.
--------------------------------------------------
25) صححنا الحديث على (مصباح الشريعة) : الباب 49. و قد تقدم الشك في صحة (مصباح الشريعة) في الجزء الاول.
26) صححنا الاحاديث الثلاثة على (الوسائل) : كتاب الحج، ابواب احكام العشرة، الباب 154، و على (اصول الكافي) : باب الغيبة و البهت. و على (البحار) 4 مج 15 184 باب الغيبة، و قال في الموضع المذكور عن الحديث الاول: «الغيبة هو ان تقول» : الضمير للغيبة، و تذكيره بتاويل الاغتياب او باعتبار الخبر.
27) اشارة الى ما رواه الشيخ ابو الفتوح الرازي في تفسيره، عن رسول الله -صلى الله عليه و آله-انه قال: «المستمع احد المغتابين» . و الى قول امير المؤمنين -عليه السلام- «السامع للغيبة احد المغتابين» . (بحار الانوار) : 4 مج 15 179.
منقول نصا من كتاب جامع السعادات للمولى محمد مهدي النراقي احد اعلام المجتهدين
|
|
|
|
|