تأملات في خبر قول الحسين(ع) لعمر : ( انزل عن منبر أبي ) ((&))
بتاريخ : 30-01-2010 الساعة : 04:38 AM
اللهم صل على محمد وال محمد
الرواية مشهورة جداً، لكن هناكَ بعض النُكات المهمة سنشير إليها إشارة بسيطة.
قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " تحقيق شعيب الارنؤوط:
(( حماد بن زيد: حدثنا يحيى بن سعيد الانصاري، عن عبيد بن حنين ، عن الحسين،
قال: صعدت المنبر إلى عمر،
فقلت: ؟ نزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك.
فقال: إن أبي لم يكن له منبر ! فأقعدني معه، فلما نزل،
قال: أي بني ! من علمك هذا ؟ قلت: ما علمنيه أحد.
قال: أي بني ! وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم ! ووضع يده على رأسه، وقال: أي بني ! لو جعلت تأتينا وتغشانا (2).
إسناده صحيح.
_______________
(2) أخرجه الخطيب في " تاريخه " 1 / 141، وذكره الحافظ في " الاصابة " 1 / 333، وصحح إسناده. )) انتهى
أقول: لو تأملنا قليلاً في النص الوارد بين القوسين، لظهر لنا بعض الحقائق التي نمرُّ عليها مرور الكرام، ولا نلتفت إليها، وسأُشيرُ لما وقعنا عليه:
أولاً: بطلان خلافة عمر بنصِّ قول الإمام الحسين عليه السلام وأن الخلافة للإمام علي (ع)، لقوله (ع) لعمر: نزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك.
وتُعتبر هذه إهانة من الحسين عليه السلام لعمر، ولذالك لأنّهُ قد صعد المنبر وقال له: انزل عن منبر أبي.
ثانياً: مكرّ عمر ومحاولتهِ ايقاع الامام علي (ع)، وذالك لقول عمر للحسين (ع) : من علمك هذا ؟ ـ طبعاً ذكاء خارق من عمر ـ فكان جواب الإمام الحسين (ع) : ما علمنيه أحد.
فهذا الأمرُّ صريحٌ بأنّ عمر أراد استجواب الامام الحسين (ع) بأنّ مَنْ علمكَ هو أبيك.
ثالثاً: عمر بن الخطاب يشهد بالولاية التكوينية لأهل البيت سلام الله عليهم، حيث قال عمر للحسين (ع) : هل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم.
قوله (إلا الله ثم أنتم) أي أن عمر يشهد لأهل البيت عليهم السلام بالولاية التكوينية (ثم أنتم).
رابعاً: بطلان ادعاءهم في قولهم: أنّ العلاقة بين أهل البيت عليهم السلام وبين الصحابة كانت سمنٌ على عسل.
فهذا النصُّ واضحٌ وجلي يكشفُ لنا زيف هذا الادعاء.
خامساً: تهديد عمر للإمام الحسين (ع)، حين قال عمر للحسين (ع) : لو جعلت تأتينا وتغشانا .
سادسا: بتر عبارة من الرواية، وذالك عندما شعر علماء السنة بأنها طامة عليهم:
فأقول: علّق شعيب الارنؤوط على هذا الحديث، وخرج الحديث بأنّ له مصدرين آخرين، وهما:
1ـ الإصابة.
2ـ تاريخ بغداد.
فالرواية الموجودة في الإصابة هي عينُ رواية تاريخ بغداد.
قال ابن حجر العسقلاني في " الإصابة " :
(( وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبيد بن حنين : حدثني الحسين بن علي ، قال: أتيت عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب الى منبر أبيك، فقال عمر: لم يكن لأبي منبر. وأخذني فاجلسني معه أقلب حصى بيدي، فلما نزل انطلق بي الى منزله ، فقال لي: من علمك ؟ قلت: والله ما علمني احد. قال: بابي، لو جعلت تغشانا ، .. الخ الرواية )) انتهى
قبل أن نُبيّن لكم موضع التحريف، بودّي أن تلتفتوا إلى هذه النقطة، ألا وهي سند الرواية التي نقلها الذهبي فإنها عينُ سند ابن حجر:
1ـ الذهبي في السير :
حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عبيد بن حنين عن الحسين.
2ـ ابن حجر في الاصابة:
يحيى بن سعيد عن عبيد بن حنين عن الحسين.
إذن: الروايتين سندهما واحد، لكن هناك تحريف، ألا وهو عبارة قول عمر:
(( : أي بني ! وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم ! ووضع يده على رأسه ))
فإنها غير موجودة في الإصابة، وقد تمّ بترها كاملاً.
لنقرب لكم العبارتين أكثر:
أولا: الذهبي في سيره:
قال: أي بني ! من علمك هذا ؟ قلت: ما علمنيه أحد.
قال: أي بني ! وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم ! ووضع يده على رأسه.
وقال: أي بني ! لو جعلت تأتينا وتغشانا.
ثانياً: ابن حجر في الإصابة:
فقال لي: من علمك ؟ قلت: والله ما علمني احد.
(( هنا موضع العبارة التي اسقطوها ))
قال: بابي، لو جعلت تغشانا .
فلو تأمل أحدنا أكثر قد تظهر له غيرُ هذه النقاط، فأحببنا أن نشير إلى تأملٍّ بسيط من عبدٍ حقير.